من فوائد ابن قيم الجوزية " رحمه الله "
قال بن القيم - رحمه الله - :
بين العبد وبين الله والجنة قنطرة تقطع بخطوتين: خطوة عن نفسه، وخطوة عن الخلق، فيسقط نفسه ويلغيها فيما بينه وبين الناس، ويسقط الناس ويلغيهم فيما بينه وبين الله ، فلا يلتفت إلا إلى من دله على الله وعلى الطريق الموصلة إليه.
صاح بالصحابة واعظُ : {اقترب للناس حسابهم}(سورة الأنبياء، الآية: 24.).
فجزعت للخوف قلوبهم فجرت من الحذر العيون {فسالت أودية بقدرها}.
تزينت الدنيا لعلي فقال: "أنت طالق ثلاثا لا رجعة لي فيك". وكانت تكفيه واحدة للسنة، لكنه جمع الثلاث لئلا يتصور للهوى جواز المراجعة. ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من المحلل، كيف وهو أحد رواة حديث: "لعن الله المحلل"؟
ما في هذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك، لا بد أن تجذبك الجواذب فاعرفها وكن منها على حذر، ولا تصرفك الشواغل إذا خلوت منها وأنت فيها.
نور الحق أضوأ من الشمس، فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه.
الطريق إلى الله خال من أهل الشك ومن الذين يتبعون الشهوات، وهو معمور بأهل اليقين والصبر، وهم على الطريق كالأعلام {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}(سورة السجدة، الآية: 24.)
*********************
يا مغرور بالأماني: لعن إبليس وأهبط من منزل العز بترك سجدة واحدة أمر بها. وأخرج آدم من الجنة بلقمة تناولها. وحجب القاتل عنها بعد أن رآها عيانا بملء كف من دم. وأمر بقتل الزاني أشنع القتلات بإيلاج قدر الأنملة فيما لا يحل. وأمر بإيساع الظهر سياطا بكلمة قذف أو بقطرة من مسكر.وأبان عضوا من أعضائك بثلاثة دراهم فلا تأمنه أن يحبسك في النار بمعصية واحدة من معاصيه ( ولا يخاف عقباها)( سورة الشمس، الآية 15.).
دخلت امرأة النار في هرة ؛ وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، وإن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، فإذا كان عند الموت جار في الوصية فيختم له بسوء عمله فيدخل النار. العمر بآخره والعمل بخاتمته.
من أحدث قبل السلام بطل ما مضى من صلاته، ومن أفطر قبل غروب الشمس ذهب صيامه ضائعا، ومن أساء في آخر عمره لقي ربه بذلك الوجه. لو قدمت لقمة وجدتها ولكن يؤذيك الشره.
كم جاء الثواب إليك فوقف بالباب فرده بواب: سوف، ولعل، وعسى. كيف الفلاح بين إيمان ناقص، وأمل زائد، ومرض لا طيب له ولا عائد، وهوى مستيقظ، وعقل راقد، ساهيا في غمرته، عمها في سكرته، سابحا في لجة جهله، مستوحشا من ربه، مستأنسا بخلقه، ذكر الناس فاكهته وقوته، وذكر الله حبسه وموته، الله منه جزأ يسير من ظاهره، وقلبه ويقينه لغيره.
كتاب " الفوائد " لإبن قيم الجوزيه