الحلقة الأولى :
الخضر :
الخضر صاحب موسى عليه السلام اختلف في نسبه وفي كونه نبيا وفي طول عمره وبقاء حياته وعلى تقدير بقائه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم وحياته بعده فهو داخل في تعريف الصحابي على أحد الأقوال ولم أر من ذكره فيهم من القدماء مع ذهاب الأكثر إلى الأخذ بما ورد من أخباره في تعميره وبقائه وقد جمعت من أخباره ما انتهى إلى علمه مع بيان ما يصح من ذلك وما لا يصح 0
باب نسبه :
قيل هو بن آدم لصلبه وهذا قول رواه الدار قطني في الأفراد من طريق رواد بن الجراح عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن بن عباس ورواد ضعيف ومقاتل متروك والضحاك لم يسمع من بن عباس القول الثاني أنه بن قابيل بن آدم وذكره أبو حاتم السجستاني في كتاب المعمرين قال حدثنا مشيختنا منهم أبو عبيدة فذكروه وقالوا هو أطول الناس عمرا وهذا معضل وحكى صاحب هذه المقالة أن اسمه خضرون وهو الخضر وقيل اسمه عامر وذكره أبو الخطاب بن دحية عن بن حبيب البغدادي القول الثالث جاء عن وهب بن منبة أنه بليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن عامر بن أرفخشد بن نوح وبهذا قال بن قتيبة وحكاه النووي وزاد وقيل كلمان بدل ملكان القول الرابع جاء عن إسماعيل بن أبي أويس أنه المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد القول الخامس هو بن عمائيل بن النوار بن العيص بن إسحاق حكاه بن قتيبة أيضا وكذا سمي أباه عمائيل مقاتل القول السادس أنه من سبط هارون أخي موسى روى عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن بن عباس وهو بعيد وأعجب منه قول بن إسحاق أنه أرما بن خلفيا وقد رد ذلك أبو جعفر بن جرير القول السابع أنه بن بنت فرعون حكاه محمد بن أيوب عن بن لهيعة وقيل بن فرعون لصلبه حكاه النقاش القول الثامن انه اليسع حكى عن مقاتل أيضا وهو بعيد أيضا القول التاسع انه من ولد قارس جاء ذلك عن بن شوذب أخرجه الطبري بسند جيد من رواية ضمرة بن ربيعة عن بن شوذب القول العاشر أنه من ولد بعض من كان آمن بإبراهيم وهاجر معه من أرض بابل حكاه بن جرير الطبري في تاريخه وقيل كان أبوه فارسيا وأمه رومية وقيل كان أبوه روميا وأمه فارسية وثبت في الصحيحين أن سبب تسميته الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء هذا لفظ أحمد من رواية بن المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة والفروة الأرض اليابسة وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام عن أبي هريرة رفعه إنما سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة فاهتزت تحته خضراء والفروة الحشيش الأبيض قال عبد الله بن أحمد أظنه تفسير عبد الرزاق وفي الباب عن بن عباس من طريق قتادة عن عبد الله بن الحارث ومن طريق منصور عن مجاهد قال النووي كنيته أبو العباس وهذا متفق عليه
باب ما ورد في كونه نبيا :
قال الله تعالى في خبره مع موسى حكاية عنه وما فعلته عن أمري وهذا ظاهره أنه فعله بأمر الله والأصل عدم الواسطة ويحتمل أن يكون بواسطة نبي آخر لم يذكر وهو بعيد ولا سبيل إلى القوم بأنه إلهام لأن ذلك لا يكون من غير النبي وحيا حتى يعمل به من قتل النفس وتعريض الأنفس للعرق فإن قلنا إنه نبي فلا إنكار في ذلك وأيضا فكيف يكون غير النبي أعلم من النبي وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن الله قال لموسى بلى عبدنا خضر وأيضا فكيف يكون النبي تابعا لغير نبي وقد قال الثعلبي هو نبي في سائر الأقوال وكان بعض أكابر العلماء يقول أول عقد يحل من الزندقة اعتقاد كون الخضر نبيا لأن الزنادقة يتذرعون بكونه غير نبي إلى أن الولي أفضل من النبي كما قال قائلهم
مقام النبوة في برزخ :
فويق الرسول ودون الولي ثم اختلف من قال إنه كان نبيا هل كان مرسلا فجاء عن بن عباس ووهب بن منبه أنه كان نبيا غير مرسل وجاء عن إسماعيل بن أبي زياد ومحمد بن إسحاق وبعض أهل الكتاب أنه أرسل إلى قومه فاستجابوا له ونصر هذا القول أبو الحسن الرماني ثم بن الجوزي وقال الثعلبي هو نبي على جميع الأقوال معمر محجوب عن الأبصار وقال أبو حيان في تفسيره والجمهور على أنه نبي وكان علمه معرفة بواطن أوحيت إليه وعلم موسى الحكم بالظاهر وذهب إلى أنه كان وليا جماعة من الصوفية وقال به أبو علي بن أبي موسى من الحنابلة وأبو بكر بن الأنباري في كتابه الزاهر بعد أن حكى عن العلماء قولين هل كان نبيا أو وليا وقال أبو القاسم القشيري في رسالته لم يكن الخضر نبيا وإنما كان وليا وحكى الماوردي قولا ثالثا إنه ملك من الملائكة يتصور في صورة الآدميين وقال أبو الخطاب بن دحية لا ندري هل هو ملك أو نبي أو عبد صالح وجاء من طريق أبي صالح كاتب الليث عن يحيى بن أيوب عن خالد بن يزيد أن كعب الأحبار قال إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ بحر الهند وهو بحر الصين فقال يا أصحابي دلوني فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد فقالوا له يا خضر ما رأيت فلقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر فقال استقبلني ملك من الملائكة فقال لي أيها الآدمي الخطاء إلى أين ومن أين فقلت أردت أن أنظر عمق هذا البحر فقال لي كيف وقد هوى رجل من زمان داود النبي عليه السلام ولم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة وذلك منذ ثلاثمائة سنة أخرجه أبو نعيم في ترجمة كعب من الحلية وقال أبو جعفر بن جرير في تاريخه كان الخضر ممن كان في أيام أفريدون الملك في قول عامة أهل الكتاب الأول وقيل أنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان أيام إبراهيم الخليل وإنه بلغ مع ذي القرنين الذي ذكر أن الخضر كان في مقدمته نهر الحياة فشرب من مائه وهو لا يعلم ولا يعلم ذو القرنين ومن معه فخلد وهو عندهم حي إلى الآن قال بن جرير وذكر بن إسحاق أن الله استخلف على بني إسرائيل رجلا منهم وبعت الخضر معه نبيا قال بن جرير بين هذا الوقت وبين أفريدون أزيد من ألف عام قال وقول من قال إنه كان في أيام أفريدون أشبه إلا أن يحمل على أنه يبعث نبيا إلا في زمان ذلك الملك قلت بل يحتمل أن يكون قوله وبعث معه الخضر نبيا أي ايده به إلا أن يكون ذلك الوقت وقت إنشاء نبوته فلا يمتنع أن يكون نبيا قبل ذلك ثم أرسل مع ذلك الملك وإنما قلت ذلك لأن غالب أخباره مع موسى هي الدالة على تصحيح قول من قال إنه كان نبيا وقصته مع ذي القرنين ذكرها جماعة منهم خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمات فسار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها الخضر دونه ومما يستدل به على نبوته ما أخرجه عبد بن حميد من طريق الربيع بن أنس قال قال موسى لما لقي الخضر السلام عليك يا خضر فقال وعليك السلام يا موسى قال وما يدريك أني موسى قال أدراني بك الذي أدراك بي وقال وهب بن منبه في المبتدء قال الله تعالى للخضر لقد أحببتك قبل أن أخلقك ولقد قدستك حين خلقتك ولقد أحببتك بعدما خلقتك وكان نبيا مبعوثا إلى بني إسرائيل بتجديد عهد موسى فلما عظمت الأحداث في بني إسرائيل وسلط عليهم بختنصر ساح الخضر في الأرض مع الوحش وأخر الله عمره إلى ما شاء فهو الذي يراه الناس 0