كاتب النص الأصاي : أبو فادي
يا أخي يشهدالله على حبك يا أبا عمر ويعلم الله لاأريد أن أكون منافقا وما أقول إلا يسامحك الله وتفضل كيفية المناصحة لعلي أستفيد ويستفيد غير ي
22- باب النصيحة
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةَ) (الحجرات:10) ، وقال تعالى إخباراً عن نوح صلى الله عليه وسلم : (وَأَنْصَحُ لَكُمْ )(لأعراف:62)، وعن هود صلى الله عليه وسلم : (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)(لأعراف:68).
الشرح
قال المؤلف رحمه الله تعالى-: " باب النصيحة" النصيحة : هي بذل النصح للغير، والنصح معناه أن الشخص يحب لأخيه الخير ، ويدعوه إليه، ويبينه له، ويرغبه فيه، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصحية ، فقال " الدين النصيحة " ثلاث مرات، قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال :" لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" [264]وضد النصيحة المكر والغش والخيانة والخديعة.
والواجب على المؤمنين أن يكونوا كما قال الله عزّ وجلّ : : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةَ) وهم إخوة في الدين، والأخوة في الدين أقوى من الأخوة في النسب، بل إن الأخوة في النسب مع عدم الدين ليست بشيء، ولهذا قال الله - عزّ وجلّ - لنوح لما قال : ( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) قال تعالى : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )(هود:45،46).
أما المؤمنون فإنهم وإن تباعدت أقطارهم وتباينت لغاتهم، فإنهم إخوة مهما كان ، والأخ لابد أن يكون ناصحاً لأخيه ، مبدياً له الخير ، مبيناً ذلك له، داعياً له.
: فقول الله تعالى عن هود: ( وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)(لأعراف:68) .
وعلى كل حال يجب على المرء أن يكون لإخوانه ناصحاً مبدياً لهم الخير ، داعياً لهم إليه ، حتى يحقق بذلك الأخوة الإيمانية، والله الموفق.
وأما الأحاديث : 181- فالأول عن أبي رقية تميم بن أوسٍ الدارس- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الدين النصيحةُ" قلنا: لمن؟ قال:" لله، ولكتابه ، ولرسوله، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم" رواه مسلم[265].
الشرح
ذكر المؤلف رحمه الله تعالى - في باب النصيحة ثلاثة أحاديث : الحديث الأول عن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " الدين النصيحة ، الدين النصيحة، الدين النصيحة" كررها ثلاثاً صلى الله عليه وسلم لأجل أن ينتبه المخاطب والسامع حتى تتلقى ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم بانتباه . قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال :" لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم" خمسة أشياء هي محل النصيحة.
والنصيحة لله- عزّ وجلّ- تكون بالإخلاص لله تعالى، والتعبد له محبة وتعظيماً ؛ لأن الله عزّ وجلّ يتعبد له العبد محبة ، فيقوم بأوامره طلباً للوصول إلى محبته عزّ وجل، وتعظيماً فينتهي عن محارمه خوفاً منه سبحانه وتعالى.
ومن النصيحة لله: أن يكون الإنسان دائماً ذاكراً لربه بقلبه ولسانه وجوارحه، أما القلب فإنه لا حدود لذكره، والإنسان يستطيع أن يذكر الله بقلبه على كل حال، وفي كل ما يشاء، وفي كل ما يسمع؛ لأن في كل شيء لله تعالى آية تدل على وحدانيته وعظمته وسلطانه، فيفكر في خلق السماوات والأرض، ويفكر في الليل والنهار، ويفكر في آيات الله من الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وغير ذلك ، فيحدث هذا ذكراً لله عزّ وجلّ في قلبه.
فالحاصل أن الإنسان يتعبد لله عزّ وجلّ لا للنفس ولا للشيطان، حتى يتحرر من القيود التي تضره ولا تنفعه.
ومن النصيحة لله عزّ وجلّ : أن يكون باثاً دين الله في عباد الله؛ لأن هذا مقام الرسل كلهم، فهم دُعاة إلى الله يدعون الناس إلى الله عزّ وجلّ، كما قال الله تعالى عنهم : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةَُ) (النحل:36) ، وقوله تعالى: (فَمِنْهُمْ) أي من الأمة التي بعث فيها الرسول. نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم صراطه المستقيم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم :"ولكتابه" يعني أيضاً من الدين النصيحة لكتاب الله عزّ وجلّ ، وهذا يشما كتاب الله الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، والذي أُنزل من قبل، والنصيحة لهذه الكتب بتصديق أخبارها، أي أن ما أخبرت به يجب أن نصدقه.
قال " ولأئمة المسلمين" الأئمة جمع إمام ، والمراد بالإمام من يقتدي به ويؤتمر بأمره، وينقسم إلى قسمين : إمامة في الدين ، وإمامة في السلطة.
فالإمامة في الدين: هي بيدي العلماء ، فالعلماء هم أئمة الدين الذين يقودون الناس لكتاب الله ، ويهدونهم إليه، ويدلونهم على شريعة الله ، قال الله تبارك وتعالى في دعاء عباد الرحمن ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74)، هم ما سألوا الله إمامة السلطة والإمارة، بل سألوا الله إمامة الدين؛ لأن عباد الرحمن لا يريدون السلطة على الناس ولا يطلبون الإمارة، بل قد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة- رضي الله عنه - " لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها عن غير مسألة أعنت عليها" (1)لكنهم يسألون إمامة الدين، التي قالهم الله عنها: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24) فقال: (ائِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا).
والنصح لآئمة المسلمين في الدين والعلم ، وهو أن يحرص الإنسان على تلقي ما عندهم من العلم، فإنهم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فيحرص على تلقى العلم منهم بكل وسيلة، وقد كثرت الوسائل في وقتنا ولله الحمد من كتابة وتسجيل وتلقّ وغير ذلك، فليحرص على تلقي العلم من العلماء ، وليكن تلقيه على وجه التأني لا على وجه التسرع؛ لأن الإنسان إذا تسرع في تلقي العلم فربما يتلقاه على غير ما ألقاه إليه شيخه وقد أدب الله النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب ، فقال تعالى (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (القيامة:16-19) ، لأن النبي صلى الله وعليه وسلم كان يبادر جبريل عليه السلام إذا ألقى عليه القرآن فيقرأ، فقال الله تعالى(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) يعني لا تحرك اللسان- ولا سراً - حتى ينتهي جبريل من القراءة ، ثم بعد ذلك اقرأه.
(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) (القيامة:18-19) ، تكفل الربّ عزّ وجلّ ببيانه يعني أنك لن تنساه ، مع أن المتوقع أن الإنسان إذا سكت حتى ينتهي الملقي من إلقائه ربما ينسى بعض الجمل ، لكن قال الله عزّ وجلّ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) .
ومن النصح أيضاً لعلماء المسلمين : أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم وزلاتهم وما يخطئون فيه؛ لأنهم غير معصومين، قد يزلون وقد يخطئون، وكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولا سيما من يتلقى العلم فإنه لا يجب أن يكون أبلغ الناس في تحمل الأخطاء التي يخطئ بها شيخه، وينهه عليها، فكم من إنسان انتفع من تلاميذه؛ ينبهونه على بعض الشيء؛ على الخطأ العلمي، أو على الخطأ العملي، وعلى أخطاء كثيرة؛ لأن الإنسان بشر.
لكن الشيء المهم أن لا يكون حريصاً على تلقي الزلات ، فإنه جاء في الحديث :" يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه؛ لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه فضحه الله ولو في بيت أمه" [271]، هذا وهم مسلمون عمامة فيكف بالعلماء.
إن الذين يلتقطون زلات العلماء ليشيعوها ليسوا مسيئين للعلماء شخصياً وحسب، بل مسيئون للعلماء شخصياً، ومسيئون إلي علمهم الذي يحملونه، ومسيئون إلي شريعة التي تتلقى من جهتهم ؛ لأن العلماء إذا لم يثق الناس فيهم، وإذ اطلعوا على عوراتهم التي قد لا تكون عورات إلا على حسب نظر هذا المغرض، فإنه تقل ثقتهم بالعلماء وبما عندهم من العلم، فيكون في هذا جناية على الشرع الذي يحملونه من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام.
لذلك من نصيحتك لأئمة المسلمين من أهل العلم أن تدافع عن عوراتهم، وأن تسترها ما استطعت، وأن لا تسكت إذا سمعت شيئاً بل نبّه العالم ، وابحث معه واسأله، ربما ينقل عنه أشياء غير صحيحة، وقد نُقل عنا وعن غيرنا أشياء غير صحيحة، لكن الناس- نسأل الله العافية- إذا كان لهم هوى وأحبوا شيئاً وعرفوا أحداً من أهل العلم يقبل الناسُ قوله، نسبوه لهذا العالم، ثم إذا سألت نفس الذي نسب إليه القول، قال أبداً ما قلت كذا، وقد يخطئ السائل مثلاً في صيغة السؤال، فيجب العالم على قدر السؤال ويفهمه السائل على حسب ما في نفسه هو ، فيحصل الخطأ وقد يجيب العالم بالصواب بعد فهم السؤال لكن يفهمه السائل على غير وجهه فيخطئ في النقل.
وعلى كل حال من النصيحة لأئمة المسلمين في العلم والدين أن لا يتتبع الإنسان عوراتهم، بل يلتمس العذر لهم، اتصل وقل سمعت عنك كذا وكذا هل هذا صحيح فإذا قال : نعم ، قل : أظن أن هذا خطأٌ غلط حتى يبين لك وربما يشرح شيئاً لا تعرفه وتظن أنه أخطأ فيه، وربما قد خفي عليه شيء فتنبهه أنت، وتكون مشكوراً على هذا، وقد قال أول إمام في الدين والسلطة في هذه الأمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر رضي الله عنه، حيث خطب أول خطبة ، قال للناس وهو يخاطبهم يتحدث عن نفسه: إن اعوججت فأقيموني. وذلك لأن الإنسان بشر.
فقوّم أخاك ولا سيما أهل العلم، لأن العالم خطره عظيم، الخطر الزللي، والخطر الرفيع، لأن كلمة الخطر تكون للعلو والنزول ، فهو خطره عظيم، إن أصاب هدى الله على يده خلقاً كثيراً، وإن أخطأ ضلّ على يد خلق كثير فزلة العالم من أعظم الزلات.
ولهذا أقول: يجب أن نحمي أعراض علمائنا، وأن ندافع عنهم ، وأن نلتمس العذر لأخطائه من ولا يمنع هذا أن نتصل بهم، وأن نسألهم ، وأن نبحث معهم، وأن نناقشهم حتى نكون مخلصين ناصحين لأئمة المسلمين.
النوع الثاني من أئمة المسلمين: أئمة السلطة وهم الأمراء، والأمراء في الغالب أكثر خطأ من العلماء ؛ لأنه لسطته قد تأخذه العزة بالإثم فيريد أن يفرض سلطته على الصواب والخطأ، فالغالب من أئمة المسلمين في السلطة وهم الأمراء أن الخطأ فيهم أكثر من العلماء إلا ما شاء الله.
والنصيحة لهم هي أن نكف عن مساوئهم، وأن لا ننشرها بين الناس، وأن نبذل لهم النصيحة ما استطعنا، بالمباشرة إذا كنا نستطيع أن نباشرهم أو بالكتابة إذا كنا لا نستطيع، أو بالاتصال بمن يتصل بهم إذا كانا لا نستطيع الكتابة؛ لأنه أحياناً لا يستطيع الإنسان الكتابة لهم، ولو كتب لم تصل إلى المسؤول ، فيتصل بأحدٍ يتصل بالمسؤول وينبهه، فهذا من النصح.
أما نشر مساوئهم فليس فيه عدوان شخصي عليهم فقط، بل هو عدوان شخصي عليهم وعلى الأمة جميعاً؛ لأن الأمة إذا امتلأت صدورها من الحقد على وُلاة أمورها عصت الولاة، ونابذتهم، وحينئذ تحصل الفوضى، ويسود الخوف، ويزول الأمن، فإذا بقيت هيبة ولاة الأمور في الصدور صار لهم هيبة، وحميت أوامرهم ونظمهم التي لا تخالف الشريعة.
فالمهم أن أئمة المسلمين تشمل النوعين، أئمة الدين وهم العلماء، وأئمة السلطان وهم الأمراء، وإن شئت فقل أئمة البيان، وأئمة السلطان، وأئمة البيان وهم العلماء الذين يبيّنون للناس ، وأئمة السطان وهم الأمراء الذين ينفذون شريعة الله بقوة السلطان، إذاً أئمة المسلمين سواء أئمة العلم والبيان، أو أئمة القوة والسلطان يجب علينا أن نناصحهم، وأن نحرص على بذل النصيحة لهم، في الدفاع عنهم وستر معايبهم، وعلى أن نكون معهم إذا أخطئوا في بيان ذلك الخطأ لهم بيننا وبينهم؛ لأنه ربما نعتقد أن هذا العالم مخطئ أو أن هذا الأمير مخطئ وإذا ناقشناه تبين لنا أنه غير مخطئ، كما يقع هذا كثيراً.
كذلك أيضاً ربما تنقل لنا هذه الأشياء عن العالم أو عن الأمير على غير وجهها، وإما لسوء القصد من الناقل؛ لأن بعض الناس- والعياذ بالله - يحب تشهير السوء بالعلماء وبالأمراء ، فيكون سيىء القصد ينقل عليهم ما لم يقولوه، وينسب إليهم ما لم يفعلوه، فإذا سمعنا عن عالم أو عن أمير ما نرى أنه خطأً فلابد من تمام النصيحة مناقشته، وبيان الأمر وتبيُّنه حتى نكون على بصيرة.
أما آخر الحديث فيقول:" وعامتهم" يعني النصح لعامة المسلمين، وقدم الأئمة على العامة؛ لأن الأئمة إذا صلحوا صلحت العامة؛ فإذا صلح الأمراء صلحت العامة، وإذا صلح العلماء صلحت العامة، لذلك بدأ بهم، وليُعلم أن أئمة المسلمين لا يّراد بهم الآئمة الذين لهم الإمامة العظمى، ولكن يُراد به ما هو أعم، فكل من له إمرة ولو في مدرسة فإنه يعتبر من أئمة المسلمين، إذا نوصح وصلح، صلح من تحت يده.
والنصيحة لعامة المسلمين بأن تحب لهم ما تجبُ لنفسك، وأن ترشدهم إلى الخير، وأن تهديهم إلى الحق إذا ضلوا عنه، وأن تذكرهم به إذا نسوه، وأن تجعلهم لك بمنزلة الأخوة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم أخو المسلم"[272] ، وقال :" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُ بعضه بعضاً " [273]، وقال :" مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى" [274]، فأنت إذا أحسست بألم في أطرف شيء من أعضائك، فإن هذا الألم يسري على جميع البدن، كذلك ينبغي أن تكون للمسلمين هكذا، إذا اشتكى أحد من المسلمين فكأنما الأمر يرجع إليك أنت.
وليُعلم أن النصيحة هي مخاطبة الإنسان سراً بينك وبينه؛ لأنك إذا نصحته سراً بينك وبينه أثرت في نفسه، وعلم أنك ناصح، لكن إذا تكلمت أمام الناس عليه ؛ فإنه قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل النصيحة، وقد يظن أنك إنما تريد الانتقام منه وتوبيخه و وحطّ منزلته بين الناس فلا يقبل ، لكن إذا كانت النصيحة بينك وبينه صار لها ميزانٌ كبير عنده وقيمة ، وقبل ذلك، والله المسؤول أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه.
182- الثاني : عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: " بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم" متفقٌ عليه[275].
183- الثالث: عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبٌ لنفسه" متفق عليه [276] .
الشرح
قال المؤلف رحمه الله - عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم؛ هذه ثلاثة أشياء : حق محض لله، وحق للآدمي محض، وحق مشترك ، أما الحق المحض لله ؛ فهو قوله" أقام الصلاة".
ومعني " إقام الصلاة " أن يأتي بها الإنسان مستقيمة على الوجه المطلوب ، فيحافظ عليها في أوقاتها، ويقوم بأركانها وواجباتها وشروطها ، ويتمم ذلك بمستحباتها.
ومن هذا بالنسبة للرجال إقامة الصلاة في المساجد مع الجماعة، فإن هذا من إقامة الصلاة، ومن تخلف عن الجماعة بلا عذر فهو آثم، بل هو عند بعض العلماء - كشيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - إذا صلى بدون عذر مع غير الجماعة؛ فصلاته باطلة مردودة عليه، لا تقبل منه، ولكن الجمهور هو على أنها تصح مع الإثم، وهذا هو الصحيح، فمن ترك صلاة الجماعة بلا عذر ؛ فصلاته صحيحة ولكنه آثم، وهذا هو القول الراجح وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد- رحمه الله - وهو الذي عليه جمهور من قالوا بوجوب صلاة الجماعة.
ومن إقامة الصلاة: الخشوع فيها ، والخشوع هو حضور القلب وتأمله بما يقوله المصلي وما يفعله ، وهو أمر مهم؛ لأن الصلاة بلا خشوع كالجسد بلا روح ، فأنت إذا صليت وقلبك يدور في كل وادٍ فإنك تصلي حركات بدنيه فقط، فإذا كان قلبك حاضراً تشعر كأنك بين يدي الله عزّ وجلّ، تناجيه بكلامه ، وتتقرب إليه بذكره ودعائه، فهذا هو لبُّ الصلاة روحها.
وأما قوله :" إيتاء الزكاة" يعني : إعطاءها لمستحقها، وهذه جامعة بين حق الله وحق العباد، أما كونها حقاً لله فلأن الله فرض على عباده الزكاة وجعلها من أركان الإسلام، وأما كونها حقاً للآدمي فلما فيها من قضاء حوائج المحتاجين، وغير ذلك من المصالح المعلومة في معرفة أهل الزكاة.
وأما قوله:" النصح لكل مسلم" فهذا هو الشاهد من الحديث للباب، أي: أن ينصح لكل مسلم: قريب أو بعيد ، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى.
وكيفية النصح لكل مسلم هي ما ذكره في حديث أنس- رضي الله عنه-: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" هذه هي النصيحة أن تحب لإخوانك ما تحب لنفسك، بحث يسرك ما يسرهم، ويسوءك ما يسوؤهم، وتعاملهم بما تحب أن يعاملوك به، وهذا الباب واسع كبير جداً.
فنفى النبي عليه الصلاة والسلام الإيمان عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه في كل شيء، ونفي الإيمان قال العلماء : المراد به نفي الإيمان الكامل، يعني لا يكمل إيمانك حتى تحب لأخيك ما تحب لنفسك ، وليس المراد انتفاء الإيمان بالكلية.
ويذكر أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه حين بايع النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم، أنه اشترى فرساً من شخص بدراهم، فلما اشتراه وذهب به وجد أنه يساوي أكثر، فرجع إلى البائع وقال له: إن فرسك يساوي أكثر، فأعطاه ما يرى أنها قيمته، فانصرف وجرّب الفرس فإذا به يجده يساوي أكثر مما أعطاه أخيراً، فرجع إليه وقال له : إن فرسك يساوي أكثر فأعطاه ما يرى أنها قيمته، وكذلك مرة ثالثة حتى بلغ من مائتي درهم إلى ثمان مائة درهم؛ لأنه بايع الرسول صلى الله عليه وسمل على النصح لكل مسلم، وإذا بايع النبي صلى الله عليه وسلم أحد على شيء لا يختص به فهو عام لجميع الناس، كل الناس مبايعون الرسول عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم؛ بل على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم ، والمبايعة هنا بمعنى المعاهدة؛ لأن المبايعة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة تطلق على البيع والشراء، وتطلق على المعاهدة، كما قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ )(الفتح: 10) ، وسميت مبايعة ؛ أن كلاًّ من المتبايعين يمدُ باعه إلى الآخر ، يعني يده من أجل أن يمسك بيد الآخر ، ويقول : بايعتك على كذا وكذا، والله الموفق.اتمنى ياأباعمر أن تقرأ
منقووووووووووووووووووووول