سياسة البيض المسروق
يُحكى أن أحد ملوك القرون الوسطى كان يحكم شعبا حراً كريماً، وكان هذا الشعب رغم طيبته وبساطته وعلاقاته الطيبة لا يسكت على باطل أبداً، ولا يدع الملك أو أي وزير من وزرائه يظلم أحدا منهم، فإذا ظُلم أحدهم وقفوا وقفة رجل واحد حتى يُرد الظلم عن أخيهم
أخذ الملك يسأل وزراءه عن حل للتخلص من وحدة الشعب وكيف له أن يحكم هذا البلد كما يريد، فخرج من وزرائه رجل داهية فأشار عليه بإتباع سياسة يسميها سياسة البيض المسروق
فما هي تلك السياسة ؟؟؟
*******
هي أن ينادى المنادي في الناس أن الملك يريد من كل رب أسرة خمس بيضات من أي نوع.. وفعلاً قام الناس بجمع البيض والذهاب به إلى قصر الملك.. وبعد يومين نادى المنادي أن يذهب كل رجل لأخذ البيض الخاص به .. فاستجاب الناس وذهب كل منهم لإسترداد بيضه... وهنا وقف الوزير والملك وحاشيتهم وهم يتابعون الناس أثناء أخذ البيض..
ترى ما الذي وجدوه !!!؟؟؟
وجدوا أن كل واحد منهم تمتد يده ليأخذ البيضة الكبيرة!! والتي ربما لم يأتِ بها
هنا وقف الوزير ليعلن للملك أنه الآن فقط يستطيع أن يفعل بهم ما أراد.. فقد أخذ الكثير منهم حاجة أخيه وأكل حراماً، ونظر كل منهم لما في يد الآخر (جشعاً وطمعاً) فبذلك لن يتجمعوا بعدها أبدا ً
*******
لا عجب في ذلك فقد أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لِمن كان مأكله حرام وملبسه حرام ومشربه حرام ويدعو الله فأنّى يستجاب له
من هنا لجأت بعض الحكومات لانتهاج نفس السياسة، تجويع الناس ليقوموا باللجوء إلى المال الحرام ولو في أبسط صوره، وجعلوا المجتمع طبقات لكي ينشأ الحقد والحسد بين الناس وهو ما يجعلهم يستطيعون حكم شعوبهم
*******
وعندما مر الزمن وقامت فئة واعية أبصرت ما فعله الملك بشعبه أخذوا يثورون ويطالبون بحق الشعب في الحياة الطيبة، فلجأ الملك للوزير الذي أشار عليه بسياسة جدول الضرب
فما هذه السياسة؟
*******
هي أن يستخدم الملك العمليات الحسابية: الجمع والطرح والضرب والقسمة.. في تعامله مع هذه الفئة التي تطالب بحقوقها وحقوق الوطن...كيف؟؟؟
أولاً: يبدأ بعملية الجمع.. فيجمع ما استطاع منهم حوله بأن يتقلدوا المناصب ويأخذوا الأموال والأوسمة فينسوا القضية بعد أن احتواهم الملك وأغدق عليهم بالعطايا والهدايا .
أما الفئة التي تظل على موقفها وبالضرورة هم قلة فيلجأ الملك للأسلوب الثاني وهو الطرح.. فيطرحهم أرضا بتلفيق القضايا واستخدام نقاط الضعف فيهم ، وبذلك يتواروا عن الأنظار إما خجلا أو في غياهب السجون، شرط أن تكون كل القضايا بعيدة عن خلافهم مع الملك.. أي يكون التدبير محكما ونظيفاً .
أما من تبقى منهم وهم قلة القلة فإذا خرجوا هاتفين منددين معترضين فالرأي أن يلجأ للأسلوب الثالث من الطرق الحسابية وهي الضرب.. فضربُهم والتنكيلُ بهم في الطرقات وعلى الملأ سوف يخيف الباقين على مبدأ "اضرب المربوط بيخاف السايب"
*******
هنا تساءل الملك: ترى ما الذي سيكون عليه حال الشعب ؟؟؟ فضحك الوزير قائلا يا سيدي لن يتبقَ للشعب في معادلتنا سوى طريقة واحدة وهي القسمة
قال الملك متعجباً وماذا تعني!!!؟؟؟ فأجاب الوزير أعنى أنه لن يكون أمامهم سوى أن يخضعوا للأمر الواقع والمفروض عليهم ويفلسفوا عجزهم بقولهم: قِسمتنا كده !!! ونصيبنا كده !!! ربنا على الظالم!!! يعني على جلالتك طبعاً !!! وهذا أمر مؤجل ليوم القيامة .
وهنا ضحك الملك وضحك الوزير ومازالت أصداء ضحكاتهم تملأ الآفاق حين يقف أي شعب مكتوف الأيدي بعد أن كبله الخوف والقهر والإذلال وطحنه البحث عن لقمة العيش وهو يهمس قائلا:
قسمتنا كده..
ربنا على الظالم