ابراهيم جبران
المتأملُ في المشهد الثقافي في جازان يدركُ للوهلةِ الأولى أن حِراكا من نوع خاص هو السَّائد . هذه الخصوصية التي تميز الحِراك الثقافي في المنطقة خلقت حالة استثنائية أرى أن ضررها أكبر بكثير من نفعها .
لا ينكرُ أحدٌ أن المنطقة ثرية بمبدعين في شتى المجالات وأخص الأدبي منها ، فهناك عددُ كبيرٌ من الشعراء ، والقاصِّين والنَّاثرين ناهيك عن العدد الكبير من الفنانين التشكيليين لكن المحزن أن المنطقة ثقافياً لم تُحقق أي انسجام بين أفراد هذه الطاقات ، ولم تُعد المثقف الحقيقي القادر على خلق حراك ثقافي صحِّي إيجابي يعزِّز مكانة المنطقة الثقافية ، بمعنى أن المنطقة بها الكم الهائل من الأدباء لكن العدد قليلٌ وقليلٌ جداً من المثقفين الفاعلين الحاملين للهم الجماعي الذي يتخطى حدود الذات لينشر المعرفة ويستوعب الآخر دون مصادرة أو إلغاء أو توجس !
لذا أرى أن مثقف جازان بحاجة إلى وعي حقيقي بدوره ، وبرسالته سواء الفردية أو الجماعية ، وبحاجة ماسة إلى تفعيل دور المؤسسات الثقافية في المنطقة – نادي جازان الأدبي والمؤسسات الأخرى - لتقوم بدورها بشكل أكبر بعد حل مشكلاتها الداخلية التي بدأت تطفو على السطح بسبب النزاعات الشخصية التي استهلكت طاقاتها فلم تنجز إلا برامج مستهلكة ولكنها فشلت في تحقيق أي فرادة من أي نوع .
جازان بحاجة إلى مثقف حقيقي يخلق أجواءً تفاعلية ، ومؤسسة جادة تقيم جسوراً للتواصل الإيجابي بين مبدعي ومثقفي المنطقة من ناحية وبين مثقفي المنطقة وبقية مثقفي المملكة والعالم العربي ، تُبقي المهتمين على اطلاع مستمر بالجديد ، قادرةٌ على تجسيد المعنى الحقيقي للثقافة التي تبني جيلاً مدركاً لما حوله ، مستوعباً لتفاصيل المشهد الثقافي ، ذو ثقافة شاملة غير انتقائية تحكمها الأهواء والمزاجية .
جازان بحاجة إلى وسط ثقافي صحي همه الأول والأخير بناء إنسان واعي قادر على التفريق بين ما يضر وما ينفع بعيد كل البعد عن التحزبات والشللية أو الانكفاء على الذات والتي تنهك جسد المنطقة الثقافي بحاجة إلى تنقية ذلك الوسط من الشوائب والقضاء على أعداء النجاح وأشباه المثقفين الذين يتصدرون المجالس ويتزاحمون على المنابر وهم خواء إلا من أطماع شخصية متسلقين على أكتاف المبدعين الحقيقيين .
جازان بحاجة ماسة إلى إدراك واقعها الحالي ، وتلتفت بجدية إلى إصلاح مؤسساتها الثقافية ودعم الصالونات الأدبية وإشراك ذوي الهم الثقافي في رسم خططها المستقبلية بعين بصيرة وأفق رحب خالٍ من الأنا مؤمن بأن الإنسان بأخيه الإنسان .