اصبح هنا «الأصدقاء هم العائلة الجديدة»، أو يمكن ان يحلوا محلها. طبعا الأمر يشمل عينة محدودة من الأصدقاء يمكن الاعتماد عليهم في كل كبيرة وصغيرة، والثقة بهم ثقة عمياء، وهي عينة يمكن القول بأنها تعد على أصابع اليد الواحدة، وقلما تتحقق لكل واحد منا. وقد اتفق الخبراء على انه مهما نعمنا بحياة أسرية سعيدة وكانت اواصر الدم قوية بين افرادها، فإنها لا تغني عن حاجتنا إلى اصدقاء حقيقيين، نبوح لهم بمكنونات قلوبنا في ساعات الحاجة، ونتبادل معهم الأفكار والأسرار بشكل لا نتشجع عليه مع اقرب افراد الاسرة، لاعتبارات كثيرة. الأهم من هذا أن الصداقة الحقيقية تغني حتما عن الحاجة إلى طبيب نفسي. لكن، على غير الاعتقاد السائد
نحن لا نحتاج إلى مجرد صديق أو صديقين متشابهين في الأهواء والميول فحسب، يوافقانا ويتوافقان معنا في كل شيء، بل إلى باقة مشكلة بشخصيات وتوجهات ورؤى مختلفة حتى تكمل بعضها، وتغني حياتنا. وقد ذهب بعض الخبراء إلى تشبيه تعاملنا مع الأصدقاء بتعاملنا مع الأحذية (وإن كان هذا التشبيه خاص بالمرأة أكثر من الرجل!). فكما تشعر بأن الأحذية يجب ان تكون متنوعة في ألوانها وتصاميمها ومريحة، وأن تكون متباينة بين العملي والأنيق، وبين البسيط والمعقد، كذلك الأصدقاء. تفسيرهم لهذا القول إنه إذا كان لديك حذاء رياضي عملي ومريح، فأنت رغم كل حبك له وعدم قدرتك على الاستغناء عنه، إلا انك تعرفين جيدا انه لا يمكنك ارتداؤه لسهرة أو موعد عمل. في حالة الأصدقاء، فإن الذي تستطيع ان تبوح له بمكنونات قلبك وأسرارك، ليس بالضرورة هو الذي ترتاح لمناقشته في الأمور المادية أو السياسية او في شؤون العمل، أو الذي تحب ممارسة الرياضة أو التسوق أو زيارة متحف معه. بدليل أنه من المستحيل ان يخطر على بال أم، مثلا، ان تتصل بصديقتها العزباء لاستشارتها عن الحساسية التي سببتها الحفاظات لطفلها. فكل صديق يخاطب جانبا من شخصيتنا ويغذي حاجة ملحة بداخلنا. تقول امينة رزقي، وهي مخرجة تلفزيونية، تركت العمل لرعاية طفليها:
«عندما أشعر بالكآبة أو الإحباط، فإنني دائما اتصل بصديقة طفولتي ندى، لأنها تريحني وتفهمني جيدا، كما انها مستمعة جيدا. فمع الوقت تعلمنا ان نتكلم نفس اللغة والأحاسيس وتجمعنا ذكريات كثيرة تجعل لقاءاتنا غنية ورائعة. ورغم أني من النوع الاجتماعي واتمتع بصداقات كثيرة،
إلا اني لا أتصل بغيرها في المواقف الخاصة جدا، خصوصا أني اعرف مسبقا ان تقييم صديقاتي الأخريات للأمور مختلف ولا يتناسب مع أسلوبي في الحياة. وفي الوقت ذاته عندما أريد ان اتسوق أو أعرف آخر مستجدات الموضة، كوني أخاف أن أنسى انوثتي وأتحول إلى مجرد أم، فإن ندى آخر من يخطر ببالي!، لأنها تعتبر هذه الأمور سطحية، وبأن الجينز زي رسمي لكل المناسبات. في هذه الأوقات اتصل بصديقة أخرى تعمل في مجال الموضة، أو أعمد إلى مقابلتها على فنجان قهوة لنتصفح المجلات وقضاء وقت ممتع معها
وهذا ما يؤكده الخبراء بتأكيدهم على ضرورة ان يكون لدينا باقة من الأصدقاء المختلفين حسب اختلاف حاجياتنا النفسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرية.
لكن الأهم من ربط علاقات صداقة هو الحفاظ عليها، وذلك بتفهم حدودها وقدراتها، وهو ما تشير إليه أمينة بقولها: «لديّ صديقة عزيزة جدا لا تتأخر عن مد يد المساعدة كلما احتجتها، سواء برعاية أطفالي عندما اضطر لقضاء حاجياتي خارج البيت، أو مصاحبتي إلى الطبيب إذا اقتضى الأمر، لكني لا أستطيع ان أبوح لها بمشكلاتي الشخصية مع زوجي، لأنها ببساطة من النوع المتمرد على الرجل، وبالتالي أعرف رأيها مسبقا، وهو ان أتركه في كل مرة يقع بيننا سوء تفاهم ولو بسيط. أدرك تماما ان نيتها صادقة ونابعة من قناعتها الشخصية، لكني لا أستطيع ان اشتكي لها أو أخبرها عن أموري الشخصية، وهذا لا يعني أني لا احبها وأقدرها، كل ما في الأمر اني أعرف القضايا التي تستفزها ويمكن ألا نتفق عليها».
حالة أمينة ليست شاذة، فنحن جميعا، وبطريقة لاشعورية أحيانا، نقوم بنفس الشيء ونوزع اهتماماتنا وهمومنا على مجموعة من الأصدقاء، قسمها الخبراء إلى نوعيات وشخصيات بعدة ألوان حتى تتكامل الباقة وتضفي على كل جوانب حياتنا، سواء العاطفية أو العملية او الاجتماعية، إحساسا بالسعادة والراحة:
ـ صديق العمل: وهو ضروري ويجعل اليوم يمر سريعا. فالعمل معه يتحول إلى متعة، لأنه ببساطة الشخص الذي نقيم معه تحالفات ويساعدنا على التنفيس عن نوبات الغضب التي تجتاحنا بسبب تدخلات بعض الزملاء أو مضايقاتهم. كما انه هو الذي يمكننا الحديث معه على ما يجري في المكتب، وعن الإحباطات والإنجازات والطموحات، بطريقة لا يمكن لأي صديق خارج المكتب ان يفهمها، لسبب مهم، وهو انه لا يعرف الشخصيات وتركيبتها الفيزيولوجية والنفسية. المشكلة في هذا النوع من الصداقة، أنها يمكن ان تنتهي أو تخف قوتها بمجرد ترك المؤسسة إلى أخرى، لان الروابط المشتركة تنتفي، كما يمكنها من جانب آخر ان تتوطد أكثر لأنها تصبح خالية من أي منافسة، تحتمها ظروف العمل، كما تختفي اية مخاوف. ـ صديق الطفولة: وهي صداقة لا تقدر بثمن، لأنها تأسست في فترة البراءة، وبالتالي لا تدخل فيها عناصر المصلحة. كما أن كل لقاء يتحول إلى منجم لذكريات قديمة تجلب السعادة، سواء كانت تتعلق بتجارب في المدرسة أو بين أحضان العائلة. هذه الصداقة تكون أحيانا بقوة الأخوة لأنها تتمتع بكل مواصفاتها باستثناء أواصر الدم. ـ صديق الهوايات: وهو الصديق الذي نتصل به لمرافقتنا إلى السينما أو حفل موسيقي أو إلى ناد رياضي أو متحف فني وما شابه. وهذا النوع من الأصدقاء مهم لتحسين مزاجنا وجعلنا مواكبين لمستجدات الحياة الخارجية. ويؤكد خبراء علم النفس انه مهم وضروري في حياتنا،
فشريك الحياة قد لا يكون من النوع الذي تربطنا به هوايات كثيرة أو فقط تحرمه ظروف العمل من ممارستها، لذلك فإن هذا الصديق يتحول إلى مكمل يعوضنا عن النقص الحاصل في علاقاتنا الأخرى ويؤثر فيها إيجابا، لأن إشباع هواياتنا معه قد يجنبنا اختلاق خلافات مع اقرب الناس إلينا. ـ الصديق العملي والصريح، قد لا يتمتع هذا الصديق بالدبلوماسية، لكنه أحسن مَن يمكن استشارته في الأمور الصعبة والمحيرة، وكلنا نحتاج إليه. ففي الكثير من الاحيان نريد اتخاذ قرار ولا نجد الشجاعة لذلك، ومن هنا يكون رأي هذا الصديق، وإن كان صارما ومحددا، هو صوت العقل. صحيح ان بعض الآراء قد تكون جارحة في صدقها، لكننا كلنا سمعنا بالمثل «صديقك من أخلص لك القول».
ـ الصديق المريح: هو النوع الذي يجعلك تشعر بالسعادة كلما قابلته، ويحول اوقاتك معه إلى متعة بمجرد رؤيته. فهذا النوع إيجابي ومتفائل دائما، لا يحاول ان يحلل أي فعل تقول به أو ينتقد اية فكرة تؤمن بها، حتى وإن كانت تتعارض مع أفكاره، والأهم من هذا لا يتبرع بإسداء النصح، رغم انه مستمع جيد. تقول فلورانس إيزاكس، إنه من المهم ان نكون مع هذا الصديق ليس فقط في الأوقات التي نشعر بها بالاكتئاب او الإحباط، بل ايضا في المناسبات السعيدة، لانه «من النوع الذي يسعد لسعادتنا». كيف تكون صداقات جديدة من دون أن تخسر القديمة؟
» لا تترك مشاغل الحياة تأخذ كل وقتك إلى حد ينسيك اهمية الصداقة والتواصل مع أصدقائك. دائما حدد أولوياتك، ولا تجعل الظروف تباعد بينك وبين من تحب، فالأمر احيانا لا يحتاج إلى أكثر من اتصال تليفوني أو لقاء واحد في الشهر.
منقول