سنوي شراحيلي..مضاد حيوي لليأس
للكاتب / عبدالله المغلوث
عندما يضع الإحباط يده على كتفي، أهرب، أسافر باتجاه ذاكرتي وعلى وجه التحديد إلى سيرة رفيقي السابق في الجامعة، سنوي شراحيلي ،36 عاماً، والذي يطرد يأسي بعكازيه وعينيه المملوءتين بالطموح والأمل.
بدأت معاناة سنوي قبل أن يكمل عامه الأول عندما أصيب بالحمى الشوكية التي التهمت طرفيه السفليين نتيجة عدم توافر الخدمات والتوعية الصحية في قرية الخقاقة التابعة لمحافظة الحرث بمنطقة جازان.
ظل حبيس منزله حتى سن الثامنة عندما ألح على أبيه أن يسجله في المدرسة كأقرانه الذين كانوا يركضون حوله بمعية دفاترهم وأقلامهم بينما يذرف الدمع والألم والحسرة. انصاع والده لرغبه ابنه فحمله في حضنه وامتطى حماره إلى مدرسة الجابري الابتدائية. استقبلته المدرسة بحفاوة بالغة جعلته يأتيها حبوا رغم أنها تبعد نحو كيلو ونصف عن بيته.
فوجئ مدير المدرسة آنذاك، الفلسطيني سالم أبوطيور مع نهاية عامه الدراسي الأول من نتائج سنوي الدراسية والتي عكست نبوغه وتفوقه الكبيرين، مما دفعه إلى أن يسأله أن يحضر والده معه في صباح الغد. استقبل المدير والد سنوي بجملة قال فيها:"إن لم تعالج ابنك، دعني أقوم بذلك". فأجاب والدموع تنحدر من عينيه قائلا باللغة الجيزانية المحلية:" دلني على أي مكان يعالج ابني و سأطير له ولو في (مجامد اماء)"أي في المحيط المتجمد. لم تمر ساعات قصيرة على حوارهما حتى طارا مع سنوي بسيارة مدير المدرسة إلى مدينة جازان، العاصمة الإدارية لمنطقة جازان، عبر الطرق الترابية الشائكة التي لم تعرف التمهيد ولا السفلتة حتى اللحظة. وصلوا إلى مستشفى جازان العام بعد رحلة طويلة استغرقت زهاء الساعتين كادت أن تودي بحياتهم إثر خشونة الطريق والأودية الطارئة. انتقل من مستشفى جازان إلى مستشفى الخصاوية بالقرب من صبيا بعد إجراء الفحوصات الطبية. وأجرى هناك عمليتين في الركبتين وأخرى في الورك الأيسر لفك ارتباط الأعصاب وإعادة الرجلين لاستقامتهما.
مكث نحو ثلاثة أشهر مستلقيا على السرير الأبيض وسط جبس يغمره من أخمص قدميه إلى صدره. يقول:"كان والدي وشقيقي عبده يتناوبان على حملي والعناية بي طوال تلك الفترة كالرضيع تماما". عاد إلى مدرسته بعد أن قام بتفصيل جهاز تعويضي في مركز التأهيل الطبي بالرياض مستندا على عكازين ناحلين. ولم ينس سنوى كيف كان معلموه يتسابقون لاصطحابه إلى المدرسة وقتئذ. كما لم يغب عن ذاكرته ما قام به زميله يحيى حسن الكعبي وسائق سيارة النقل حسن شوك الهزازي، حيث كانا يحملانه بذراعيهما عندما تقادم جهازه التعويضي إثر عدم توفر صيانة له في منطقته حينها.
تعلم قيادة السيارة بمفرده رغم معارضة والديه. كانت جملة عمته: صالحة بنت جابر شراحيلي تحلق فوق رأسه كلما ارتطم باحتجاجات أمه و أبيه. فقد كانت تقول له :"دعوه يتعلم فلن تظلا معه إلى الأبد".
انتقل إلى أبها لدراسة إدارة الأعمال في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تاركا خلفه كل النصائح التي انهالت عليه من أقاربه للدراسة في كلية المعلمين في جازان ليكون قريبا منهم. يبرر:"لا أقبل أن أدع الإعاقة تحد من طموحي".
في فصله الدراسي الأخير في الجامعة في عام 1993م تزوج إحدى قريباته دون أن يلتفت إلى اقتراحات عديدة تلقاها ليتزوج من الخارج "كما يفعل البعض من المعاقين" على حد تعبيره. يبوح:" لم يكن سهلا أن ارتبط بفتاة طبيعية. لكن الفضل لله ثم لشقيق زوجتي الأكبر المهندس أحمد شراحيلي".
احتفل مع زوجته بعد أسابيع قليلة من ارتباطهما بتخرجه وتفوقه، حيث كان الأول على دفعته، مما جعله يستلم شهادته من شخص أحب شعره وفكره: الأمير خالد الفيصل.
عمل في البنك الأهلي في مستهل حياته العملية. ثم تقدم لديوان الخدمة المدنية للحصول على فرصة العمل كمعلم للعلوم الإدارية في وزارة التربية والتعليم في عام 1998م وأثناء خوضه لاختبار المفاضلة مر عليه أحد المشرفين وهمس في إذنه قائلا:" لن تصبح معلما لو حصلت على 200 من 100. سأضع في الحقل المخصص أنك غير لائق صحيا". حينها أمطر ورقة إجابته بدموعه، وصدره بألمه، لكن ذلك الموقف أتاح له فرصة لقاء الأمين العام للتربية الخاصة الدكتور ناصر علي الموسى الذي فتح له قلبه والأبواب ليصبح معلما رغم العراقيل التي شيدت أمامه.
لم يقف طموحه عند هذا الحد، ففور مباشرته التدريس لاح طيف متابعته للدراسة في الخارج في ذهنه. استأنس برأي الدكتور محمد الطريقي، المشرف العام على مركز الأطراف الاصطناعية الذي كان يتردد عليه فشجعه بشدة وحثه على عدم التراجع عن حلمه مهما كان السبب.
وبعد محاولات مستميتة استطاع في عام 1999م أن يحصل على منحة دراسية للدراسة في أمريكا. يتذكر:"كانت البعثات محدودة جدا والحصول عليها أقرب إلى المستحيل لشخص بدون قدمين". ولا ينسى دور مدير مكتب وزير التعليم العالي موسى السليم في حصوله على البعثة عندما منحه فرصة مقابلة الوزير والتي كان لها أبلغ الأثر في ابتعاثه.
ذهب إلى أمريكا برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة: نايف، ونادر، وناصر بعد أن حصل على إجازة بدون مرتب من وظيفته. عاش في الولايات المتحدة حياة هانئة، لا يعكر صفوها أي شيء، فذوو الاحتياجات الخاصة يحصلون على امتيازات ومرافق وتجهيزات تجعلهم ينطلقون دون أدنى مشاكل. وقد أسفرت هذه الظروف عن حصوله على الماجستير بمرتبة الشرف من جامعة كلورادو في تقنية المعلومات.
يقول عنه أستاذ مادة الإحصاء في جامعة كلورادو الدكتور جيمس بيلك :" لدى سنوى شهية مفتوحة للتعلم والتطوير تجعله يفوز على منافسيه في أي سباق يخوضه".
هذه الشهية دعته للبدء في برنامج الدكتوراه في جامعة نوفا ساوث إيسترن في فلوريدا في تخصص تحليل الصراعات والقرارات والتي أنجز منها 30 ساعة ، لكنه لم يكمل مشواره بسبب عدم السماح له بدخول أمريكا بعد عودته من إجازة قضاها في مسقط رأسه في السادس من سبتمبر عام 2006م. يقول:"فوجئت بموظف إدارة الهجرة في مطار (جي إف كي) يطلب مني وأفراد عائلتي العودة إلى المملكة رغم سريان مفعول تأشيرتي دون أن يخبرني عن السبب".
وقد أسهمت علاقاته الجيدة مع زملائه وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة في تدخل عميد الكلية التي يدرس فيها، الدكتور مارك هايزر في قضيته والتي يأمل أن تنفرج وشيكا.
لم يدع سنوي القلق الذي يعيشه يجره إلى الإحباط أو اليأس بل دفعه للمزيد من المثابرة التي منحته فرصة العمل محاضرا في جامعة جازان "بدعم منقطع النظير من وكيل الجامعة الدكتور عبدالغفار بازهير، وعميد كلية المجتمع الدكتور سلطان الحازمي"، مما سيتيح له فرصة متابعة دراسته العليا.
ويشير سنوي إلى أنه سيظل يلاحق الفرص مهما فرت منه. وسيظل يحلم أن "يرى وزيرا سعوديا من ذوي الاحتياجات الخاصة يمثل دولة الإنسانية في المحافل الدولية"
وأنني أود أن اشكر الكاتب الاستاذ / عبدالله المغلوث على ماقام به من تعريف بالاخ سنوي
الذي يستحق كل خير وأسال الله له التوفيق والنجاح
والشكر موصول لمنسوبي جامعة جازان على هذه الفته المباركة لذوي الاحتياجات الخاصة لهم كل الشكر والتقدير.
منقول عن جريدة الوطن الجمعة 1 جمادى الأولى 1428هـ الموافق 18 مايو 2007م العدد (2422) السنة السابعة