*توضيح *
هذا لقاء منقول للكاتبة صباح الخراط زوين أجراه معها أحمد سليمان
ديوانك وطني
أتساءل عن علاقتي باللغة الفرنسية
هل عاش الشاعر اللبناني مدينته ؟
انتهت الإيديولوجيات والعصر الذهبي للأفكار الثورية
كل الأحزاب التي تحكي بالحرية فاشية
انطباعية منذ البدء ، ترتكز على موروث أساسه الثقافة الفرنسية ، ولأنها اكتشفت في وقت لاحق أن صلتها باللغة الفرنسية مبنية على تفاعل ثقافي ، إذ لم تكن هذه اللغة متأصلة في بنيتها النفسية أو مكانها الحيوي نجدها تتساءل عن هذه العلاقة وما نتج عبرها ؟!
يأتي هذا الهاجس بعد إصدارها مجموعات شعرية عدة ، وبعد مضي سنوات يتوج ذلك بترجمة كل ما كتبته إلى اللغة العربية حيث أصدرتها في كتاب حمل عنوان " بدءاً من ، أو ، ربما " .
هي ذي الشاعرة صباح الخراط زوين ، نرصد تجربتها بدءاً من (على رصيف عار 1983 - هيام أو وثنية 1985 - لكن 1986 - كما لو أن خللاً 1988 - ما زال الوقت ضائعاً 1992 - البيت المائل الوقت والجدران 1995) فضلاً عن كتاباتها الصحفية إلى جانب الترجمات الأدبية وصولاً إلى سجالنا معها ، ومن ذاتً الخللً الذي تخمنه كان الحوار .
_ لماذا الجسد ؟ أعني في غالبية كتاباتك يلاحظ القارئ انحياز واضح للجسد .
- أمازج الجسد بالمكان، أيضاً ثمة انحياز للمكان ، لأن هذا الأخير معادل للجسد ، ذلك أن الجسد بالنسبة لي هو العمق الأكثر براءة في الكتابة . تالياً أرى الكتابة هي إثم والجسد بريء من هذه اللعنة .
_ لا أدري يبدو لي الأمر في أحايين كثيرة أن هذه المعادلة نتبينها عند سائر شعراء الحداثة ، ثمة ما ألاحظه في ثنايا مجموعتك " كما لو إن خللاً" نفياً للأنوثة وأحياناً يبدو الأمر ملتبساً
- مطلقاً أجيب ، قبل أي شيء أرفض أي تصنيف يضعني بين النساء ، لست مع هذه الصفة ، قد أكون مصابة "بالميزاجونية " أي الرجل الذي يكره النساء (وصفت هذا اللقب إستعارة من الرجال) ذلك أنني أجد بالجسد كائناً فحسب ، ليست له وظيفة عدا ذلك ، ربما كائناً ملائكياً ، فلست إمرأة على الإطلاق ، إنني شاعر[ة] بآن معاً .
_ ألهذا قلت في "البيت المائل والوقت والجدران" "ما زلت واقفاً في بريقك بين الضوء والضوء وأنا بلا قعر" ؟
- لست أعرف ماذا تعني - لنقل ما معنى مصطلح إمرأة ، لما ولدت ولما بدأت أكتب (وكتبت باكراً جداً) ولما تابعت الكتابة لم أفكر يوماً أنني سأكون مصنفة إمرأة وغيري مصنف رجلاً ، كتبت على أساس أنني كائن حيوي ، أما "بلا قعر" وردت من مبدأ الكتابة وتجلياتها وليست من مبدأ جسدي ، أرمز بذلك الى جسد بلا ملامح جنسية .
_ أيضاً تقولين "ينوء نظري إذا ما اقتربنا من جسدينا" يحيل هذا النص الى عكس إجابتك .
- أين المشكلة ؟ فهذا طبيعي ، فأنا عندي جسد لكنه غير جنسي ، جسد فحسب ، أكيد وإلاّ كيف أمشي وأكتب وأنام ، لكن هذا الجسد بأعضائه التي أسميها لا يعنيني البتة، أكرر لست امرأة بالمعنى الشائع ، ولست أنثى ، أقارب بمنأى عن أي تصنيف كياني للجسد.
_ بعيداً عن الإصطلاح الذكوري والأنثوي ، يحيل النص نفسه إلى خجل "يميل نظري إذا ما اقتربنا" هذا الشعر قائم على نفي ما سبق ،
- بعيدة كل البعد عن "الخجل" أنا جريئة و"وقحة" إن أردت . لكن إذا عدت إلى العنوان ، ترى أن "البيت والجدران والوقت" مائلين والنظر بطبيعة الحال سيكون مائلاً هذه الكلمة تعنى بالصياغة اللغوية ولا توحي بشيء نفسي - النظرة المائلة هي الكتابة المائلة .
_ نفهم بأنك ترفضين الشكل لا الرمز ، لكن كيف تفسرين قولك "كي لا يتلاشى الشكل ونحن في قلب المكان والكتابة تشبه كل هذا البيت" ثم ترد "القنطرة العالية" ثم تقولين "أجسده سرداً شكلياً" وفي مكان آخر نقرأ "مكاننا يعيدنا الى وقت ما زال مائلاً"
- تعليقك صحيح ، بالنسبة لي الشكل هو المهم ليس الموضوع الشكل يغيب باستمرار وأنا بموازاة الشكل أسعى الى إلغاء الحافة بين الإسم ورمزه هذا ما عبّرت عنه في كتاب "ما زال الوقت ضائعاً" ، بمعنى آخر بت أسأل كيف إلغاء المسافة بين الشيء ورمزه ؟
_ يحيل عنوان مجموعتك "كما لو أن خللاً أو في خلل المكان" إلى كائن لغويّ مأزوم في الحياة الكتابة .
- عندما أتكلم عن مكان ما ، ليس بذلك بحثاً في الجنينية ، ربما أمزج بين المكان الأول والمكان الذي أبحث عنه ولم أجده ، لا أعلم إن كانت الكتابة الشعرية في هذا المعنى مستديرة أو خطية ، فهي متاهة على أية حال في "كما لو أن خللاً" كان الشعر عندي خطياً ، حتى الإنفلات والضياع والتلاشي ، أما في كتب أخرى لم أحدد شكل الكتابة ربما كانت مستديرة خصوصاً في كتاب "البيت المائل والوقت والجدران" حيث بدى محتواه ككتابة انطباعية ومشهدية والى ما هنالك .
_ سأعود بك الى "ما زال الوقت ضائعاً" يبدو الرمز متماهياً في حالة من اللا معقول به لنورد بعض فقرات :هل يجوز الكلام في غمرة النهار ، إني في احتضار وكيف خارجاً - أكتمل"
أشير الى مفردة "خارجاً" لكونها الجنين الوصفي للشكل . ثم أحيل إلى أمسيت رمزاً خارج جسدي" سوف أقارن ما أوردته بما تضمنته مجموعتك "البيت المائل" بعد أن كان دأبك على إظهار الشكل نتبين إرجاء الشكل ليقوى الرمز كيف تعللين ذلك ؟
- ملاحظتك في محلها ، في "ما زال الوقت ضائعاً" أبحث عن الشكل . بالنسبة لي الشكل والرمز متوازيين ستلاحظ بأنني حاولت في هذا الكتاب أن ألغي الرمز ، سبق وأشرت حول ذلك ، لهذا أقول "كيف الكتابة خارجاً" أعني بذلك أن أكون "خارج الرمز" يبدو لي أن الرمز يلاحقني ، وفي نهاية الكتاب لاحظت أنني وصلت إلى مأزق ، هنا ، كيف الخروج عن الرمز وكيف البقاء داخله . وذكرت في واحدة من القصائد "كيف وصلت إلى هذا المكان" ذلك أنني وصلت إلى الحد الفاصل . وردت كثيراً هذه العبارة ورأيت البياض (أي اللا شيء وكل شيء بآن معاً) وقد احالني ذلك إلى ما بعد الموت ، وأبعد من الأزل . مكان آخر لا يشبه الموت ولا يسبه الأزل لست أعرف ما هو .
_ ذلك يحيلنا أن المكان في الجسد الكتابي .
- هذا مؤكد ، أبحث عن مكان موجود في المشروع الكتابي ، الذي لا ينفصل عن مشروع المكان - إذاً هو مشروع أبحث فيه باستمرار ولا أعتقد أن مشروع الكتابة يبدأ في اللا وعي .
_ صباح ، ما ندعوه بالأكاذيب البيضاء، حيث كل شاعر يفترض بداخله كائناً لغوياً ، بالنسبة لك هل يرضخ هذا الكائن لمعايير معيّنة ؟ بينما تكون الكتابة خارج نطاق العقل ؟
- مَنْ يعرف بماذا يفكر العقل ؟ ربما في كل لحظة يفكر عقلي شعرياً وأتعرّف إجتماعياً ما رأيك؟ أين هي الحدود بين العقل واللا عقل ؟ لا يستطيع أن يبرهن أحداً حتى الآن ، حتى العلم بمنأى عن ذلك ، ربما الشعر يستطيع الولوج الى ذلك ، فإذا كان هناك ثمة من يعيشون ويفكرون إجتماعياً ثم يقدموا لنا كتاباً شعرياً فهذا ليس بالشعر ، أو ربما نستطيع إعادة النظر فيه .
_ ترد مفردة "بابل" بأكثر من سياق بعضها قائم على وصف من ينظر في المرآة ويجد "بابل" تحذره فهل بابل وجه آخر للمكان بالنسبة إليك ؟
- شكلت بابل بالنسبة لي المكان الأول ، الأزلي ، الذهني ، ولما كتبت "ما زال الوقت ضائعاً" رأيت نوراً كثيفاً وشمساً وذهباً ، كنت في حالة لاهوتية وبابل المكان اللاهوتي والسماوي أيضاً، كانت هذه الكلمة تشع كالشمس المضيئة ، الذهنية اللاهوتية والإلهية وما لست أدري .
_ ثمة مقطع بما معناه : تخرجين والأزهار تطلع من تحت قدميك .
- ربما صور شعرية لاهوتية، كنت في لا معقولية الكتابة، في بداية الكتاب توجد قصيدة تتكلم عن "الفقر" أريد الفقر في الكتابة، حاولت إلغاء التصوير والألوان والرموز ، لكن يبدو لي أن الكتابة تغلّبت عليّ .
_ أصدرت عدداً من المجموعات الشعرية باللغة الفرنسية كيف كانت تلك التجربة ؟
- إنها في المشروع الكتابي ذاته ، وهذا ما أنجزه لليوم ، منذ تلك الكتابات حتى اليوم ما زلت بنفس الإتجاه الكتابي على اختلافات بسيطة في الشكل والتعبير ، لكنني ما زلت كما لو أنني في ذات الكتاب الأول مثلاً أستطيع أن أقول أنني اعتمدت الكتابة السوريالية (ليست تماماً سوريالية ، هي ملونة جداً وبدائية من حيث تفكيري) كنت كالشاعر البدائي الذي ينتمي الى الأشياء المحسوسة والمرئية ، الباهرة كان عندي بعض الحس الغرائبي ، أما عن التصوير لا أدري من أين أتاني وما هو مصدره . سوف تلاحظ أن تاريخ النشر 1983 وتاريخ الكتابة 1981 ، قبل هذا الكتاب كانت لي تجارب لم أنشرها كنت في الحادية عشر من العمر .
.