قوة التحمل
د. محمد حامد الغامدي
الكائن الوحيد الذي يضحك هو الإنسان.
وهذا معروف حتى لسكان الكواكب الأخرى، الذين تبحث عنهم (أم السباع) أمريكا، للتأكد من انهم لا يشكلون خطرا، على أمن (الدلوعة) إسرائيل.
وانهم أيضا يمارسون الديمقراطية التي تبشر بها أم السباع. يضحك الإنسان في الضيق وفي قمة الغضب.
يضحك في نصره و في هزيمته. وعند العرب: شر البلية ما يضحك. ويضحك الإنسان في السر والعلانية.
يضحك وحده، ويضحك مع المجموعة. يساهم في إثارة الضحك ويخلقه أيضا للآخرين. ولكن لم أسمع أن التاريخ يضحك.
ولان التاريخ من صنع الإنسان، فان كل شيء يساهم في خلقه هذا المخلوق، يمكن أن يكون مادة للضحك.
والتاريخ أحد (العجائب) التي صنعها الإنسان. (ليصغي) إلى ماضيه. ربما من باب الفضول حيث يرغب في الاطلاع على مادة الماضي، ليقف على تناقضاتها.
ويستمتع... ثم يضحك، وقد يبكي أيضا بحرقة. وفي النهاية يضحك على نفسه، بسبب الشيء ونقيضه. تاريخ البشرية كالإنسان نفسه، مليء بالتناقضات ومليء بالمفارقات، وهذا يدعو إلى التعجب والتندر والضحك.
يقول (فقيه) السياسة الأمريكي (كيس نجر)، الذي صال وجال، وقدم النكتة التاريخية للعرب، ممثلة في الصلح مع إسرائيل، يقول: التاريخ لا يعيد نفسه إلا على الأغبياء.
وهذه مقولة يمكن تطبيقها على جميع سكان الكرة الأرضية، باستثناء سكانها من العرب (الاكحاح) أمثالي. العرب وحدهم الذين يعيدون التاريخ على أنفسهم، ولكن ليس بمنظور الفقيه (كيسنجر). يعيدون التاريخ على أنفسهم، بدافع حب البقاء، وليس بدافع الغباء.
وباستثناء العرب، فإن كل شعوب العالم تستشعر المستقبل، وتتصرف في ضوء معطيات اضوائه ومبشراته، من واقع الأحداث وقراءتها الصحيحة. العربي يرفع شعار: عش ليومك. ويقول: اصرف ما في الجيب يأتك ما في الغيب. ويقول: بكرة على ربك. وهكذا التاريخ عند العرب.
في مسيرتي كعربي، ومنذ عرفت والدي الذي اصبح يروي لي، ما عاشه من أحداث، ومر عليه وعلى أمته العربية من أحداث، ونحن متمسكون بالتاريخ، ثم نتمسك به اكثر من أي وقت مضى.
وما زال فقيه العرافين (كيسنجر)، يسبنا ويقول: التاريخ لا يعيد نفسه إلا على الأغبياء (فقط). في عام 48 ميلادية، تم غرس إسرائيل كدولة، بقرار من هيئة الأمم المتحدة. ودون (فيتو). في حينه، لم يقرأ العرب المستقبل. كابروا... حاربوا.
مستندين على التاريخ والحق، وهم لا يملكون قيادة التاريخ، ولا يملكون حق إعطاء الحق. . هكذا مر المستقبل... دون قراءة
زكانت نكتة مؤلمة سجلها التاريخ. رفعوا شعار الحروب... وهم ضعاف ومنكسرون. فكانت هزيمة 67 ،التي للتاريخ... سجلوها نكسة حزيران.
وهذه نكتة (نكسوية) سجلها التاريخ للعرب. تصلب العود العربي على التاريخ، يمر المستقبل دون قراءة. (ظلوا) ماشين من (جرف) إلى (دحديرة). حتى كان اجتياح العراق، وزمان الجدار الفاصل، و11 سبتمبر، والنشيد العالمي عن الإرهاب العربي.
واختلافهم حتى على مصالحهم. ز المستقبل لا يعنينا، فلماذا ننشغل به؟ الحاضر هو شغل العرب الشاغل... ولا نتيجة يسجلها هذا الانشغال.
زالعرب مشغولون... ولا ندري على ماذا؟ وهذه نكتة (إنشغالية) سجلها التاريخ للعرب. برع العرب في إدارة الأزمات. لأنهم ينتظرون على الطريق قدوم أزمة. انتظارهم هذا من باب الحفاظ على التاريخ.
لماذا الملامة وقد تحددت أهدافهم؟ العرب يرون عناصر الماضي ولكنهم لا يرون عناصر المستقبل. ويظل التاريخ مع أمريكا، مع الدول الغربية، مع الدول الشرقية، جميعهم يضحكون على العرب. ولكن العرب يرون انهم يضحكون على الجميع. وهذه نكتة للتميز العربي عبر التاريخ.
التاريخ جزء من لعبة الأمم. لا يكتبه إلا المنتصر واتباعه وأعوانه. المهزوم دائما هو الذي يحمل قضية الباطل... والتطاول على الحضارة.
وهكذا يصبح العرب في مهب هذه القضية. ولان للعرب تاريخا، ولهم ثقافة لهذا التاريخ، فقد سجلوا لأنفسهم انتصارات، غيبت الطرف الآخر المهزوم في صحائف (عنتريتهم).
وغيبت أيضا قوته وسطوته وجبروته. وهذه كانت نكتة كبيرة اسمها (نكتة التغييب). التاريخ يسجل في أوعيته المتناقضة كل شيء. التاريخ لا يضحك، ولكن مادته هي التي تضحك على العرب وعلى وجودهم.
التاريخ يُظهر تناقضات العرب، ويشيد بحسهم التاريخي المرهف نحو خطبالانتصارات والبطولات والإنجازات الوهمية. التاريخ له مزبلة...وهي أيضا من صنع البشر. وهي خاتمة المطاف لكل من لا يقرأ المستقبل. وهذه نكتة مكروهة لم يسمع عنها العرب.
التاريخ يحضن العرب، ويسجل تناقضات الشعارات المرفوعة، والآمال العريضة المهدرة . وهذه هي النكتة المحيرة التي سجلها التاريخ للعرب. ولكن التاريخ يعرف أن الوقت لدى العرب مهدر.
ويعرف أيضا أن العرب أصحاب فكر قروي، لا يرى أبعد من أرنبة خشمه. وتتمدد صفحات التاريخ نحو العرب، عندما يرى احتفالات النصر، وبرقيات التهاني، تبث على خطوط سير الهزائم.
ولكن العرب يضحكون على التاريخ، عندما يسجلون انتصارات خرافية، مبنية على معطيات غير عقلانية. يضحك العرب على التاريخ، عندما يعرفون انهم مستمرون في هذا الدور، فمن للتاريخ غيرهم؟ ورغم كل شيء...
يبقى للعرب كلمة، فكل انتصار عليهم، يحيرون الطرف الآخر (بقوة التحمل). حتى انهم اخترعوا سباق (قوة التحمل)، لجيادهم العربية الأصيلة لتفوز وتنهزم جياد غيرهم. وهذه نكتة حلوة.
كان لا بد من عمل شيء للتاريخ، بعد فشل الحصان العربي في حلبات السباق العالمية. كل مؤهلات هذا الحصان، أن طوله يساوي عرضه.
ويرفع ذيله فوق ظهره أثناء السباق. وهي دلالة على الاستسلام ... من البداية.
ونحسبها نحن العرب خاصية جميلة، تميز هذا الحيوان العربي الأنيق. وهذه نكتة عجيبة وحلوة ومترفة.
قوة التحمل صفة مشتركة بين العرب، وكل شيء مرتبط بهم. قوة التحمل نابعة من البيئة، ونابعة من النفس العربية.
قوة التحمل هي القوة التي تلجم التاريخ، ليضحك العرب.
لا تخافوا التاريخ.. ولكن خافوا انكسار (قوة التحمل)، التي أكسبتنا قوة الاستمرار، بجانب لوننا الحنطي.
التاريخ لا يضحك. ولكنه يسجل لمن يريد أن يضحك. النكتة الكبيرة التي يسجلها التاريخ للعرب، في كونهم ما زالوا يعتقدون انهم عرب.
لقد اصبحوا أعرابا في دول عديدة. لها حدود ولها سيادة ولها اكثر من هوية ولها مقاعد في هيئة الأمم. وهذه نكتة مؤلمة للشعب العربي. والحال هذه كيف يمكن للعرب قراءة المستقبل؟ هل يعيد التاريخ نفسه، ويفعلها العرب بالسعي نحو تحقيق الوحدة العربية؟ عندها نثبت للعالم كذب العراف (كيسنجر).
وهذه آخر نكتة هدية مني لكم. علما بأن التاريخ مازال يكتبها، ولكنه لن يعجز عن تفسيرها عبر صفحاته. ويا سلام سلم على التاريخ وعلى العرب.
وعلى ما حدث ويحدث في مدينة (هج ولف لا) التي أصبحت هي العراق. قوة التحمل هي السلاح العربي الوحيد الذي لا يقهر.
وصلني عبر الايميل