ان معظم القصائد لا نستطيع أن نشعر بجمالها وعذوبتها وروعتها عند قراءتها كما نسمعها عندما تغنى ..
فعند سماعها تجتاحنا أشياء جدا جميله .. ..
فما بالك وأنت تسمعيا بصوت الفنان الكبير محمد عبده ؟..
فنان العرب ..
لقب أطلقه عليه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة ..
محمد عبده الذي وصل بجد واجتهاد إلى شتى بقاع العربية فاستحق هذا اللقب وبجدارة لأنه يعد احد أضلاع عمالقة الطرب ..
بل انه لايقل شانا ومكانة عنهم ..
استساغه العرب من الماء إلى الماء ورددوا ..
ايوه ..
إبعاد ..
مركب الهند ..
الجو غيم ..
جمال ألكلمه لا يمكنك أن تشعر بها إلا إذا سمعته يتفنن في الشدو بها ..
ولا تستغرب إذا قلت لك إنها تحث على مكارم الأخلاق ..
نعم تحث على مكارم الأخلاق ..
أقول هذا استنادا إلى كلام أهل الطب النفسانيين الذين قالوا ..
ا أن جمال الصوت الحسن واللحن الحسن يحث على مكارم الأخلاق ..
واستنادا إلى دليل آخر ..
من يستمع إلى أغنية عاطفية جميله في كلماتها ولحنها وهو محب عاشق تكون الأغنية بالنسبة له صافية بكلماتها وموسيقاها وجميلة بإلحانها ورائعة بكلماتها ..
لكن حين لا يكون محبا أو يصطدم في من يحب .. تصبح نفس الأغنية باردة ميتة مملة جدا سخيف لا تعرف لها هوية ..
إذا ( عذاب الحب احمل من فراغه ) وهذا موضوع آخر لن ادخل في سياقه ..
كما إننا نجد معظم الشعراء يسعون ليقدموا أشعارهم لمحمد عبده ..
يعجزون أن يجدوا أحدا غيره ليشدوا بقصائدهم ويتغنى بروعة أسلوب أشعارهم ورقة عباراتهم ..
ليست الاغنيه أو الكلمات هي التي تخدم صوته ..
صوته هو الذي يخدم الاغنيه لأنه يعطيها بإخلاص وإحساس وصدق ..
أي شاعر لا يعرف على مستوى الوطن العربي ولا تكون له مكانة ما لم يلعلع ابورنوره بإحدى قصائده
وهذه حقيقة لا مبالغ فيها ..
فهو يحمل صوتا وموهبة وفكرا وطربا أصيلا ..
والطرب الأصيل ليس بالنطنطه والتصفيق الأبله ..
فإبراز جمال الاغنيه يتم بإبراز معانيها..
فيتم التأثر في المستمع عبر الولوج للعقل الباطن لا ملامسة المشاعر وحسب ..
ما أجمل الاستماع إلى الأغنية بصوت هذا الفنان ..
صاحب المدرسة الفنية المستقلة التي لها بصمات وملامح خاصة جدا ..
حضرت له أكثر من حفلة هنا وهناك وفي كل مكان تسنح لي الفرصة للحاق به ..
وتنقية أذني من ذلك الكم الهائل من ألردائه ..
حضرت حفلته التي أحياه في الكويت في ( هلا فبراير )
وكان بالفعل ختامها مسك ..
رأيت كبار السن الذين جاوا ليسترجعوا لحظات حب وعشق في حياتهم مضت عليها زمن بعيد ..
ولا نهم يعلموا أن أغاني فنان العرب مرافقة متفقة لما يشعروا به .. حضروا في تلك الليلة البهية ..
رأيت السيدات اللاتي كان يبدوا عليهن وقار السن ..
لم يستطعن أن يقاومن الانقياد لما كان يثيره صوته من شجن ..
رأيت أياديهن تصفق وتتمايل ..
سمعت الآهة تفلت منهن .. غير مبالين بما حولهن أو خلفهن ..
يغني ويبدع وكأنه يغني لكل حاضر بمفرده ..
لو تغنى بأغاني السبعينات أو الثمانينات أو التسعينات ..
فانه يغنيها وكأنه يغنيها لأول مرة ..
وهذه صفة جميلة أصيلة بالفنانين الأصيلين فقط ..
فالغناء حالة لا تتشابه حتى مع تكرار الأغنية الواحدة ..
لولا ذكائه وحسن اختياره لما استمر في القمة طوال أربعين سنة ..
رقة رشاقة دلع وان تحرك ورقص .. رقص بشموخ واتزان غير مبتذل ..
ليس لأنه يسعى إلى جمع المتناقضات بل لان تنوعه وتعدد أساليب غنائه موهبة تميز وتفرد استقل بها عن غيره ..
له أغنيات كثيرة نقلت الطرب الخليجي إلى اللون الكلاسيكي الرومانسي المرتكز على معاني المقدرة لا طريقة لفظها .. وهو ما يتميز به فنان كل العرب فقط ..
اسمع يوم أقبلت للشاعر فائق عبد الجليل التي غناها في الثمانينات والتي تعتبر فارقة بارزة في الأغنية العربية التي اتبع فيها أسلوب تجسيد الموقف ..
( صوتك يناديني ) مثلا :
قبل أن تسمع مطلع الاغنيه .
عند بداية الموسيقى وبمجرد ما أن تسمعيها تنبئك عن لحظات من المشاعر الحميمة التي يحملها صوته الدافئ العذب الذي لا يشيخ وأداؤه الصادق ينقل إليك تيارات من العواطف بإحساسه .
فصوتك يناديني وغيرها الكثير من أغانيه الرائعة ولولا انك سمعتها بصوته لما جاء تحليلك عنها بمنتهى الدقة والتصوير .
اسمع مذهلة تجدي فيها كثيرا من التحدي .
اسمع بنت النور وما فيها من رقة وشفافية وشاعريه حميمة ..
اسمع جمرة غضى وستجدي نفسك فجأة وكأنك جزء منها ..
اسمع شبيه الريح ..
ولي مع هذه الأغنية وقفة طويلة سأطرحها هنا يوما ما ..
اسمع أغانيه القديمة النبطية كيف طورها وقدمها بصورة غنائية تبرز جمالها وتكشف عن هوية صاحبها الذي كان قبل ذلك بلا هوية ..
ووهم والبرواز وما أدراك ما قيل عنها داخل إطار البرواز .
اسمع مواويله وهو يستعرض فيها قدراته الصوتية ومهاراته في التجديد في المواويل طبقا للفظ الكلمات ومعانيها ..
اسمع صاحب الفن الراقي الذي يختلف تماما عن غيره من الأغاني الهابطة ..
الهابطة جدا التي لا يوجد فيها إلا النهيق والنعيق والصراخ والمواء والصخب والصياح والعويل والطنين ..
مجزرة رهيبة ..
تقدم للطفل يوميا منذ الصباح الباكر مع كوب الحليب وكتاب المدرسة ..
أغاني هابطة ركيكة مبتذلة المعاني سقيمة الإيحاء
أغاني مصحوبة بالحان لا يمكن أن تكون إلا مستهلكة من ورشة حدادة ..
أغاني هابطة تثير العواطف الفجة ..
لمن ؟..
للمتذوق الغليظ فقط ..
صاحب الإحساس والسلوك المتبلد ..
أصوات كلها نشاز في نشاز ..
أنا معك يا سيدي بان الساحة الغنائية مليئة ببعض الأصوات الجميلة ..
لكن مع كل احترامي للأذواق والقيم النبيلة والوجدان المتدفقة حبا وجمالا ..
فانا ادعوك قارئي أن تستمع إلى أغنياته الشاهقة بالإحساس التي تستطيع تساهم في تكوين السلوك الأنبل والعاطفة الأسمى ..
محمد عبده لو غاب لن يستطيع احد أن يملا الفراغ الذي سيتركه ..
محمد عبده قمة في الهرم وسيكون الترتيب الذي يليه يحمل رقم ألف ..
تحياتي ..
اخوكم ..
ابو عمر ..