أيها الإخوة الكرام
يَا مَن ذُقتُم حَلاوَةَ الإِيمَانِ وَتَنَعَّمَت به قُلُوبُكُم في شَهرِ رَمَضَانَ، يَا مَن تَلَذَّذتم بِالسَّهَرِ فِيهِ على الصَّلاةِ وَقِرَاءَةِ القُرآنِ، يَا مَن قَهَرتم وَأَرغَمتُم عَدَوَّكُمُ الشَّيطَانُ، اِحذَرُوا الفُتُورَ عَنِ الطَّاعَةِ وَالتَّكَاسُلَ في العِبَادَةِ، حَذَارِ مِنَ الإِعرَاضِ عَنِ اللهِ بَعدَ الإِقبَالِ، وَإِيَّاكُم وَالإِدبَارَ بَعدَ الإِقدَامِ، فَواللهِ لا يَمَلُّ اللهُ حتى تَمَلُّوا. لَقَد كَانَت أَعنَاقُكُم مُشرَئِبَّةً إلى المَعَالي مُرتَفِعَةً عَنِ السَّفَاسِفِ، وَنُفُوسُكُم نَشِيطَةً في الخَيرِ مُعرِضَةً عَنِ الشَّرِّ، فلا تَستَعبِدنَّكُمُ الشَّهَواتُ وَقَد تَحَرَّرتم مِن رِقِّهَا، وَلا تَرجِعُوا إلى النَّزَوَاتِ وَقَد طَلَّقتُمُوهَا، لا تَستَبعِدُوا الغَايَةَ وَلا تَستَبطِئُوا الوُصُولَ، وَلا تَستَطِيلُوا الطَّرِيقَ وَلا تَمَلُّوا مِنَ البَذلِ، وَاستَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ الضَّلالَةِ بَعدَ الهُدَى، وَمِنَ الحَورِ بَعدِ الكَورِ، فَإِنما هِيَ أَيَّامٌ مَعدُودَةٌ وَسَنَوَاتٌ مَحدُودَةٌ، ثم تَعُودُونَ إِلى مَولاكُمُ الحَقِّ، فَيُجَازِي كُلاًّ بِمَا عَمِلَ، فَاصبروا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاستَقِيمُوا تَفُوزُوا وَتُفلِحُوا.
واعلَمُوا أَنَّ مَدَارَ الاستِقَامَةِ عَلَى أَمرَينِ عَظِيمَينِ هُمَا: حِفظُ القَلبِ وَاللِّسَانِ، فَمَتَى استَقَامَا استَقَامَت سَائِرُ الأَعضَاءِ، وصَلَحَ السُلُوكُ والحَرَكَاتُ والسَّكَنَاتُ، ومَتَى اعوَجَّا وَفَسَدَا فَسَدَت الأَعضَاءُ كُلُّها، قَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((أَلاَ وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً، إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ القَلبُ))، وقَالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: ((لاَ يَستَقِيمُ إِيمَانُ عَبدٍ حَتَّى يَستَقِيمَ قَلبُهُ، وَلاَ يَستَقِيمُ قَلبُهُ حَتَّى يَستَقِيمَ لِسَانُهُ))
قَالَ بَعضُ السَّلَفِ: صُمِ الدُّنيَا وَاجعَلْ فِطرَكَ المَوتَ، الدُّنيا كُلُّها شَهرُ صِيَامِ المُتَّقِينَ، يَصُومُونَ فِيهِ عَنِ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَاتِ، فَإِذَا جَاءَهُمُ المَوتُ فَقَدِ انقَضَى شَهرُ صِيَامِهِم وَاستَهَلُّوا عِيدَ فِطرِهِم. مَن صَامَ اليَومَ عَن شَهَوَاتِهِ أَفطَرَ عَلَيهَا بَعدَ ممَاتِهِ، وَمَن تَعَجَّلَ مَا حُرِّمَ عَلَيهِ قَبلَ وَفَاتِهِ عُوقِبَ بِحِرمَانِهِ في الآخِرَةِ وَفَوَاتِهِ، وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَولُهُ تعالى( أَذهَبتُم طَيِّبَاتِكُم في حَيَاتِكُمُ الدُّنيَا وَاستَمتَعتُم بِهَا)
أَنـتَ فِي دَارِ شَـتَـاتٍ فَتَأَهَّـبْ لِشَتَاتِـكْ
وَاجعَـلِ الدُّنيَـا كَيـَومٍ صُمتَهُ عَن شَهَوَاتِكْ
وَلْيَكُـنْ فِطرُكَ عِنـدَ الله فِي يَـومِ وَفَاتِـكْ