أفكار على شكل أسئلة
ما هي المناطق المشتركة بين الصداقة والحب؟ وما هي مناطق الاختلاف؟ وإذا كان
من المسلَّم به أن وشائج الحب أقوى من وشائج الصداقة، فكيف نفسِّر حقيقة أن
الصداقة أطول عمراً من الحب، بحيث انه يمكن أن يظل لنا صديق دائم، ربما حتى
نهاية العمر فيما يحدث كثيراً أن الإنسان يحب أكثر من مرة في حياته. لماذا يبهت
الحب ويتلاشى وربما يموت أيضاً، فيما تمتلك الصداقة تلك المقدرة المدهشة على
الاستمرار والتجدُّد؟
هل فضاء الصداقة هو غير فضاء الحب؟! أم أنهما من فضاء واحد، لكن الفرق
يكمن فقط في الدرجة والعمق لا في الجوهر. هل ينطوي الحب على صداقة، هل هو في
الأصل صداقة عميقة وراسخة تتحوَّل إلى حب، وما مصير هذه الصداقة إذا ذهب هذا
الحب أو ضعف أو تلاشى، هل تظل الصداقة من دونه، أم انهما يرحلان معاً، بحيث لا
نعود قادرين على تحمُّل شكل من الصداقة السوية مع شخص كنّا نحبه، وهل يمكن
تصوُّر الحبيب في صورة صديق، ألن ينتابنا الشعور بأن مشاعرنا السابقة قد نقصت
درجة أو درجات، وأن غياب الحب يخلق بيننا وبين الحبيب السابق غربة من نوعٍ ما
قد لا تهيئ المناخ لنشوء أو تبلور صداقة حقيقية قائمة على التفاهم والمودة؟
أسئلة حقيقية وصعبة يواجهها الكثيرون في الحياة، خاصة حين يكون الحبيب
السابق شخصاً عزيزاً وغالياً ولطيفاً ويعزّ علينا فراقه أو فقده بصورة نهائية. ما الذي
نفعله إزاء هذا الحبيب حين لا يعود كما كان حبيباً. هل نأخذ بنصيحة “زوربا” في
الرواية الشهيرة، بأن نقطع صلتنا به نهائياً ونعود إلى الوحدة التي هي المناخ الأصلي
للإنسان، أم نجرِّب الانقطاع المتدرِّج والبطيء عنه حتى تضمحل عاطفة الحب وتتلاشى
تماماً وتتحوَّل إلى شكل من أشكال الصداقة والوُد؟
قد يعيننا جزئياً على حل معضلة هذا النوع من الأسئلة معرفة أحد الفروق
الجوهرية بين الحب والصداقة، وهو ذلك المتصل بدرجة التملُّك. من طبيعة الحب أنه
ينطوي على درجة، قد تكون في حالات كثيرة متطرفة، من الرغبة في تملُّك الحبيب
التي تلتبس بمشاعر الغيرة الشديدة عليه والخوف من فقده، فيما تحتمل الصداقة حيِّزاً
أوسع من الرحابة، حين لا ينتابنا ذلك المقدار من الرغبة في تملُّك الصديق، ولا يسكننا
ذلك القلق أو الخوف من فقده، ونشعر بأننا وإيَّاه نتحرك في مدارين مختلفين لكنهما
متوازيان أو متجاوران؛ وبهذا المعنى فإننا على اطمئنان من هذا التوازي أو التجاور
ونكون بالنتيجة أقرب إلى احترام هذه الاستقلالية، فيما من طبيعة الحب أنه، خاصة في
حالاته العنيفة، خارق لهذه الاستقلالية ورافض لها، لدرجة تقرِّبنا أحياناً من التماهي
في شخص المحبوب والالتصاق الشديد به حين يكون الحب في أقصى درجات توهجه،
لكن المعضلة تنشأ حين ينتهي هذا الحب، ونحار كيف نتصرف إزاء من كنَّا نحب، أو
من كنَّا لا نزال نحتفظ بعاطفة خفيّة أو صامتة تجاهه، فيما الظروف تخذل هذا الحب،
هل نطمع ساعتها في الحفاظ على مستوى من الصداقة الحميمة مع هذا الشخص، وهل
ما نحن بصدد الطمع فيه هو في عمقه صداقة أم انه نوع من الحب يرتدي لبوس
الصداقة ويتوسل بها الوصول إلى المحبوب؟ وثمّة سؤال أخير: إذا كان الحب معرَّضاً
لأن يضعف أو يتلاشى، فهل تواجه الصداقة مصيراً مشابهاً، وهل الأسباب هنا هي ذاتها
التي قوَّضت الحب أو أضعفته أو دفعت به نحو الاضمحلال فالتلاشي؟! أم ان الصداقة
والحب هما عالمان مختلفان لكل منهما قواعده وتقاليده ومجريات نمو وتطوُّر خاصة
به؟!
إنها أسئلة! بالأحرى إنها أفكار على شكل أسئلة!
* من السهل تحول الصداقة الى حب أما تحول الحب الى صداقة ... فينبع من ارقتقاء
الشعور الانساني الى درجة التضحية ممزوجة بشعورك بالسعادة لمجرد انه/انها سعيدة
في الوضع الجديد
.................................
م ن ق و ل