الحسد
لو عرف المحسود ما للحاسد عنده من يد, وما اسدى اليه من نعمة لأنزلة من نفسه منزلة الاوفياء المخلصين,ولوقف بين يديه تلك الوقفه التي يقفها الشاكرين بين ايدي المحسنين.
لايزال صاحب النعمة ضالا عن نعمتة , لايعرف لها شأنا ,ولايقيم لها وزنا,حتى يدله الحاسد عليها بنكرانها ,ويرشدة اليها بتحقيرها ,والغض منها,فهو الصديق في ثياب العدو والمحسن في ثياب المسيء.
انا لا اعجب لشيء عجبي لهذا الحاسد , ينقم على محسوده نعم الله عليه , ويتمنى لو لم تبق له واحده منها وهو لا يعلم انه في هذه النقمة , وفي تلك الامنية قد اضاف الى محسوده نعمة هي افضل من كل ما في يديه من نعم.
وجه الحاسد ميزان النعمة ومقياسها ,فأن اردت ان تزن نعمة وافتك فارم بخبرها في فؤاد الحاسد ,ثم خالسه نظرة خفيفة ,فحيث ترى الكآبة والهم فهناك جمال النعمة وسناؤها.
ليس بين نعم التي ينعم بها الله على عبادة نعمة اصغر شانا ,واهون خطراً من نعمة ليس لها حاسد,فإن كنت تريد ان تصفو لك النعم فقف بها في سبيل الحاسدين ,والقها في طريق الناقمين ,فإن حاولو تحقيرها وازدراءها, فاعلم انهم قد منحوك لقب ( المحسد ) فلينهأ عيشك وليعذب موردك.
ان اردت ان تعرف اي الرجلين افضل , فانظر الى اكثرهما نقمة على صاحبة , وكلفاً بالغض منه , والنيل من كرامتة , فاعلم انه اصغرهما شأناً واقلهما فضلاً.
قد جعل الله لكل ذنب عقويه مستقلة يتألم لها المذنب عند حلول اجلها , فالشارب يتألم عند حلول المرض , والمقامر يتألم يوم نزول الفقر , والسارق يتألم يوم دخول السجن .
أما الحاسد فعقوبتة حاضره دائمة,لاتفارقة ساعة واحدة ,انه يتألم لمنظر النعمة كلما رآها.
النظرات ___ مصطفى لطفي المنفلوطي
الجلاد