أبو إسحاق الألبيري
وهو إبراهيم بن مسعود بن سعد التجيبي الألبيري، ويكنى بأبو أسحاق وأصله من أهل حصن العقاب، ولد عام 375هـ، الموافق عام 985م، وكان أديبا معروفا وشاعرا مشهورا في أهل غرناطة بالأندلس، ولقد أختلف مع ملك غرناطة وأنكر عليه إتخاذه وزيرا من اليهود أسمه ابن نغزلة. فنفاه الملك إلى ألبيرا، فألف إبراهيم أبو إسحاق في منفاه قصيدة أدت لثورة أهل صنهاجة على الوزير اليهودي فقتلوه، ومطلعها (ألا قل لصنهاجة أجمعين). وله أكثر من أربعين قصيدة، وكان شعره يتناول الحكم والمواعظ، وأشهر قصائده قصيدته التي أثارت أهل صنهاجة، على ابن نغزلة اليهودي. وتوفي أبو أسحاق في عام 460هـ، الموافق عام 1068م.
تفت فؤادك الأيام فتا
تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا
وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا
أراك تحب عرسا ذات غدر أبت طلاقها الأكياس بتا
تنام الدهر ويحك في غطيط بها حتى إذا مت انتبهتا
فكم ذا أنت مخدوع وحتى متى لا ترعوي عنها وحتى
أبا بكر دعوتك لو أجبتا إلى ما فيه حظك إن عقلتا
إلى علم تكون به إماما مطاعا إن نهيت وإن أمرتا
وتجلو ما بعينك من عشاها وتهديك السبيل إذا ضللتا
وتحمل منه في ناديك تاجا ويكسوك الجمال إذا اغتربتا
ينالك نفعه ما دمت حيا ويبقى ذخره لك إن ذهبتا
هو الغضب المهند ليس ينبو تصيب به مقاتل من ضربتا
وكنز لا تخاف عليه لصا خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص أن به كفا شددتا
فلو قد ذقت من حلواه طعما لآثرت العلم التعلم واجتهدتا
ولم يشغلك عنه هوى مطاع ولا دنيا بزخرفها فتنتا
ولا ألهاك عنه أنيق روض ولا خدر بربربه كلفتا
فقوت الروح أرواح المعاني فإن أعطاكه الله اخذتا
وإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد شبقتا
فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا
فرأس العلم تقوى الله حقا وليس بأن يقال لقد رأستا
وضاقي ثوبك الإحسان لا أن ترى ثوب الإسادة قد لبستا
إذا ما لم يفدك العلم خيرا فخير منه أن لو قد جهلتا
وإن ألقاك فهمك في مهاو فليتك ثم ليتك ما فهمتا
ستجنى من ثمار العجز جهلا وتصغر في العيون إذا كبرنا
وتفقد إن جهلت وأنت باق وتواجد إن علمت وقد فقدن
وتذكر قولتي لك بعد حين وتغبطها إذا عنها شغلتا
لسوف تعض من ندم عليها وما تغني الندامة إن ندمتا
إذا أبصرت صحبك في سماء قد ارتفعوا عليك وقد سفلتا
فراجعها ودع عنك الهوينى فما بالبطء تدرك ما طلبنا
ولا تحفل بمالك واله عنه فليس المال إلا ما علمتا
وليس لجاهل في الناس معنى ولو ملك العراق له تأتى
سينطق عنك علمك في ندي ويكتب عنك يوما إن كتبتا
وما يغنيك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا
جعلت فو العلم جهلا لعمرك في القضية ما عدلتا
وبينهما بنص الوحي بون ستعلمه إذا طه قرأتا
لئن رفع الغنى لواء مال لأنت لواء علمك قد رفعتا
وإن جلس الغنى على الحشايا لأنت على الكواكب قد جلستا
وإن ركب الجياد مسومات لأنت مناهج التقوى ركبتا
ومهما افتض أبكار الغواني فكم بكر من الحكم افتضضتا
وليس يضرك الإقتار شيئا إذا ما أنت ربك قد عرفتا
فماذا عنده لك من جميل إذا بفناء طاعته أنختا
فقابل بالقبول صحيح نصحي فإن أعرضت عنه فقد خسرتا
وإن راعيته قولا وفعلا وتاجرت الإله به ربحتا
فليست هذه الدنيا بشيء تسؤوك حقبة وتسر وقتا
وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إن حلمتا
وتطعمك الطعام وعن قريب ستطعم منك ما منها طعمتا
وتعرى إن لبست لها ثيابا وتكسى إن ملابسها خلعتا
وتشهد كل يوم دفن خل كأنك لا تراد بما شهدتا
ولم تخلق لتعمرها ولكن لتعبرها فجد لما خلقتا
وإن هدمت فزدها أنت هدما وحصن أمر دينك ما استطعتا
ولا تحزن على ما فات منها إذا ما أنت في أخراك فزتا
فليس بنافع ما نلت فيها من الفاني إذا الباقي حرمتا
ولا تضحك مع السفهاء لهوا فإنك سوف تبكي إن ضحكتا
وكيف لك السرور وأنت رهن ولا تدري أتفدى أم غلقتا
وسل من ربك التوفيق فيها وأخلص في السؤال إذا سألتا
وناد إذا سجدت له اعترافا بما ناداه ذو النون بن متى
ولازم بابه قرعا عساه سيفتح بابه لك إن قرعتا
وأكثر ذكره في الأرض دأبا لتذكر في السماء إذا ذكرتا
ولا تقل الصبا فيه مجال وفكر كم صغير قد دفنتا
وقل لي يا نصيح لأنت أولى بنصحك لو بعقلك قد نظرتا
تقطعني على التفريط لوما وبالتفريط دهرك قد قطعتا
وفي صغري تخوفني المنايا وما تجري ببالك حين شختا
وكنت مع الصبا أهدى سبيلا فما لك بعد شيبك قد نكستا
وها أنا لم أخض بحر الخطايا كما قد خضته حتى غرقتا
ولم أشرب حميا أم دفر وأنت شربتها حتى سكرتا
ولم أحلل بواد فيه ظلم وأنت حللت فيه وانهملتا
ولم أنشأبعصر فيه نفع وأنت نشأت فيه وما انتفعتا
وقد صاحبت أعلاما كبارا ولم أرك اقتديت بمن صحبتا
وناداك الكتاب فلم تجبه ونهنهك المشيب فما انتبهتا
ليقبح بالفتى فعل التصابي وأقبح منه شيخ قد تفتى
فأنت أحق بالتفنيد مني ولو سكت المسيء لما نطقتا
ونفسك ذم لا تذمم سواها بعيب فهي أجدر من ذممتا
فلو بكت الدما عيناك خوفا لذنبك لم أقل لك قد أمنتا
ومن لك بالامان وأنت عبد أمرت فما أئتمرت ولا أطعتا
ثقلت من الذنوب ولست تخشى لجهلك أن تخف إذا وزنتا
وتشفق للمصر على المعاصي وترحمه ونفسك ما رحمتا
رجعت القهقرى وخطبت عشوا لعمرك لو وصلت لما رجعتا
ولو وافيت ربك دون ذنب وناقشك الحساب إذا هلكتا
ولم يظلمك في عمل ولكن عسير أن المنازل فيه شتى
لأعظمت الندامة فيه لهفا على ما في حياتك قد اضعتا
تفر من الهجير وتنقيه فهلا عن جهنم قد فررتا
ولست تطيق أهونها عذابا ولو كنت الحديد بها لذبتا
فلا تكذب فإن الأمر جد وليس كما احتسبت ولا ظننتا
أبا بكر كشف أقل عيبي وأكثره ومعظمه سترتا
فقل ما شئت في من المخازي وضاعفها فأنك قد صدقتا
ومهما عبتني فلفرط علمي بباطنتي كأنك قد مدحتا
فلا ترض المعايب فهي عار عظيم يورث الانسان مقتا
وتهوي بالوجيه من الثريا وتبدله مكان الفوق تحتا
كما الطاعات تنعلك الدراري وتجعلك القريب وإن بعدتا
وتنشر عنك في الدنيا جميلا فتلفى البر فيها حيث كنتا
وتمشي مناكبها كريما وتجني الحمد مما قد غرستا
وأنت الآن لم تعرف بعاب ولا دنست ثوبك مذ نشأتا
ولا سابقت في ميدان زور ولا أوضعت فيه ولا خببتا
فإن لم تنأ عنه نشبت فيه ومن لك بالخلاص إذا نشبتا
ودنس ما تطهر منك حتى كأنك قبل ذلك ما طهرتا
وصرت أسير ذنبك في وثاق وكيف لك الفكاك وقد اسرتا
وخف أبناء جنسك واخش منهم كما تخشى الضراغم والسبنتى
وخالطهم وزايلهم حذارا وكن كالسامري إذا لمستا
وإن جهلوا فقل سلاما لعلك سوف تسلم إن فعلتا
ومن لك بالسلامة في زمان ينال العصم إلا إن عصمتا
ولا تلبث بحي فيه ضيم يميت القلب إلا إن كبلتا
وغرب فالغريب له نفاق وشرق إن بريقك قد شرقتا
ولو فوق الأمير تكون فيها سموا وأفتخارا كنت أنتا
وإن فرقتها وخرجت منها إلى دار السلام فقد سلمتا
وإن كرمتها ونظرت منها بإجلال فنفسك قد أهنتا
جمعت لك النصائح فامتثلها حياتك فهي أفضل ما امتثلتا
وطولت العتاب وزدت فيه لأنك في البطالة قد أطلتا
فلا تأخذ بتقصيري وسهوي وخذ بوصيتي لك إن رشدتا
وقد اردفتها ستا وكانت قبل ذا مئة وستا
غازلني المنية من قريب
تغازلني المنية من قريب وتلحظني ملاحظة الرقيب
وتنشر لي كتابا فيه طيي بخط الدهر أسطره مشيبي
كتاب في معانيه غموض يلوح لكل أواب منيب
أرى الأعصار تعصر ماء عودي وقدما كنت ريان القضيب
أدال الشيب يا صاح شبابي فعوضت البغيض من الحبيب
وبدلت التثاقل من نشاطي ومن حسن النضارة بالشحوب
كذاك الشمس يعلوها اصفرار إذا جنحت ومالت للغروب
تحاربنا جنود لا تجارى ولا تلقى بآساد الحروب
هي الأقدار والآجال تأتي فتنزل بالمطبب والطبيب
تفوق أسهما عن قوس غيب وما أغراضها غير القلوب
فأنى باحتراس من جنود مؤيدة تمد من الغيوب
وما آسى على الدنيا ولكن على ما قد ركبت من الذنوب
فيا لهفي على طول اغتراري ويا ويحي من اليوم العصيب
إذا أنا لم أنح نفسي وأبكي على حوبي بتهتان سكوب
فمن هذا الذي بعدي سيبكي عليها من بعيد أو قريب
احمامة البيدا اطلت بكاك
احمامة البيدا اطلت بكاك فبحسن صوتك ما الذي ابكاك
إن كان حقا ما ظننت فإن بي فوق الذي بك من شديد جواك
إني أظنك قد دهيت بفرقة من مؤنس لك فارتمضت لذاك
لكن ما أشكوه من فرط الجوى بخلاف ما تجدين من شكواك
أنا إنما ابكي الذنوب وأسرها ومناي في الشكوى منال فكاكي
وإذا بكيت سألت ربي رحمة وتجاوزا فبكاي غير بكاك
من ليس بالباكي ولا المتباكي
من ليس بالباكي ولا المتباكي لقبيح ما يأتي فليس بزاك
نادت بي الدنيا فقلت لها اقصري ما عد في الأكياس من لباك
ولما صفا عند الإله ولا دنا منه امرؤ صافاك أو داناك
ما زلت خادعتى ببرق خلب ولو اهتديت لما انخدعت لذاك
قالت أغرك من جناحك طوله وكأن به قد قص في أشراكي
تالله ما في الأرض موضع راحة إلا وقد نصبت عليه شباكي
طر كيف شئت فأنت فيها واقع عان بها لا يرتجى لفكاك
من كان يصرع قرنه في معرك فعلي صرعته بغير عراك
ما أعرف العضب الصقيل ولا القنا ولقد بطشت بذي السلاح الشاكي
فأجبتها متعجبا من غدرها أجزيت بالبغضاء من يهواك
لأجلت عيني في نبيك فكلهم أسراك أو جرحاك أو صرعاك
لو قارضوك على صنيعك فيهم قطعوا مدى أعمارهم بقلاك
طمست عقولهم ونور قلوبهم فتها فتوا حرصا على حلواك
فكأنهم مثل الذباب تساقطت في الأري حتى استؤ صلوا بهلاك
لا كنت من أم لنا أكالة بعد الولادة ماأقل حياك
ولقد عهدنا الأم تلطف بابنها عطفا عليه وأنت ما أقساك
ما فوق ظهرك قاطن أو ظاعن إلا سيهشم في ثفال رحاك
أنت السراب وأنت داء كامن بين الضلوع فما أعز دواك
يعصى الأله إذا أطعت وطاعتي لله ربي أن أشق عصاك
فرض علينا برنا أماتنا وعقوقهن محرم إلاك
ما إن يدوم الفقر فيك ولا الغنى سيان فقرك عندنا وغناك
أين الجبابرة الألى ورياشهم قد باشروا بعد الحرير ثراك
ولطالما ردوا بأردية البها فتعوضوا منها رداء رداك
كانت وجوههم كأقمار الدجا فغدت مسجاة بثوب دجاك
وعنت لقيوم السماوات العلا رب الجميع وقاهر الأملاك
وجلال ربي لو تصح عزائمي لزهدت فيك ولا بتغيب سواك
وأخذت زادي منك من عمل التقى وشددت غيماني بنقض عراك
وحططت رحلي تحت ألوية الهدى ولما رآني الله تحت لواك
مهلا عليك فسوف يلحقك الفنا فترى بلا أرض ولا أفلاك
ويعيدنا رب أمات جميعنا ليكون يرضي غير من أرضاك
والله ماالمحبوب عند مليكه إلا لبيب لم يزل يشناك
هجر الغواني واصلا لعقائل يضحكن حبا للولي الباكي
إني أرقت لهن لا لحمائم تبكى الهديل على غصون أراك
لا عيش يصفو للملوك وإنما تصفو وتحمد عيشة النساك
ومن الإله على النبي صلاته عدد النجوم وعدة الأملاك
يا أيها المغتر بالله
يا أيها المغتر بالله فر من الله الى الله
ولذ به واسأله من فضله فقد نجا من لاذ بالله
وقم له الليل في جنحه فحبذا من قام لله
وأتل من الوحي ولو آية تكسى بها نورا من الله
وعفر الوجه له ساجدا فعو وجه ذل من الله
فما نعيم كمناجاته لقانت يخلص لله
وابعد عن الذنب ولا تاته فبعد قرب من الله
يا طالبا جاها بغير التقى جهلت ما يدني من الله
لا جاه يوم القضا إذ ليس حكم لسوى الله
وصار من يسعد في جنة عالية في رحمة الله
يسكن في الفردوس في قبة من لؤلؤ في جيزة الله
ومن يكن يقضى عليه الشقا في جاحم في سخط الله
يسحب في النار على وجهه بسابق الحكم من الله
يا عجبا من موقن بالجزا وهو قليل الخوف لله
كأنه قد جاءه مخبر بأمنه من قبل الله
يا رب جبار شديد القوى أصابه سهم من الله
فأنفذ المقتل منه وكم أصمت وتصمي أسهم الله
وغاله الدهر ولم تغنه أنصاره شيئا من الله
واستل قسرا من قصور إلى ال أجداث واستسلم لله
مرتهنا فيها بما قد جنى يخشى عليه غضب الله
ليس له حول ولا قوة الحول والقوة لله
يا صاح سر في الأرض كيما ترى ما فوقها من عبر الله
وكم لنا من عبرة تحتها في أمم صارت إلى الله
من ملك منهم ومن سوقة حشرهم هين على الله
والحظ بعينك أديم السما وما بها من حكمة الله
ترى بها الأفلاك دوارة شاهدة بالملك لله
ما وقفت مذ اجريت لمحة أو دونها خوفا من الله
وما عليها من حساب ولا تخشى الذي يخشى من الله
وهي وما غاب وما قد بدا من آية في قبضة الله
وما تسمى أحد في السما والأرض غير الله بالله
إن الحمد حمى الله منيع فما يقرب شيء من حمى الله
لا شيء في الأفواه أحلى من الت وحيد والتمجيد لله
ولا اطمأن القلب إلا لمن يعمره بالذكر لله
وإن رأى في دينه شبهة أمسك عنها خشية الله
أو عرضته فاقة أو غنى لاقاهما بالشكر لله
ومن يكن في هديه هكذا كان خليقا برضى الله
وكان في الدنيا وفي قبره وبعده في ذمة الله
وفي غد تبصره آمنا لخوفه اليوم من الله
ما أقبح الشيخ الذي إذا ما صبا وعاقه الجهل عن الله
وهو من العمر على بازل يحمله حثا الى الله
هلا اذا أشفى رأى شيبه ينعاه فاستحيى من الله
كأنما رين على قلبه فصار محجوبا عن الله
ما يعذر الجاهل في جهله فضلا عن العالم بالله
داران لا بد لنا منهما بالفضل والعدل من الله
ولست أدري منزلي منهما لكن توكلت على الله
فاعجب لعبد هذه حاله كيف نبا عن طاعة الله
واسوأتا إن خاب ظني غدا ولم تسعني رحمة الله
كم سوءة مستورة عندنا يكشفها العرض على الله
في مشهد فيه جميع الورى قد نكسوا الأذقان لله
وكم ترى من فائز فيهم جلله ستر من الله
فالحمد لله على نعمة الإسلم ثم الحمد لله