قضية العنوسة في المالعنوسة هي الشبح المخيف الذي يلاحق كثيرا من الفتيات السعوديات، حيث كشفت إحصائية عن وجود نحو 2 مليون عانس بالمملكة، وأكد بعض الاختصاصيين أنه رقم كبير ومخيف، وينذر بكارثة اجتماعية إن لم توجد الحلول الجذرية لهذه الظاهرة.
بعض الفتيات يرين أن العنوسة ليست مشكلة حقيقية، فبعض الفتيات اخترنها بأنفسهن، والبعض الآخر فضلن النجاح في مجال الحياة على الزواج، كما احتج بعض الشباب بالبطالة التي جعلتهم يعزفون عن الزواج، مؤكدين أن تكوين الأسرة لا يمكن أن يتحقق ما لم تتحقق الوظيفة، بينما أكد بعض المختصين في علم الاجتماع أن مشكلة العنوسة لها أسباب متعددة وهي تختلف من مجتمع لآخر، وأجمعت الآراء على أهمية دراسة هذه الظاهرة، للوقوف على أسبابها وإيجاد الحلول لها.
تقول فوزية الطيار (معلمة ثانوي بتعليم الطائف) "كلمة العنوسة لا تسبب لي إشكالا، لأنني أنظر لهذا الأمر من منظار القضاء والقدر، وطالما أنني استطعت أن أكون ناجحة في ذاتي وأسرتي ومجال عملي، فلا أعتقد أني بحاجة للزواج، فليس شرطا أن يقترن النجاح بالزواج، فالكثير من الفتيات السعوديات المبدعات حققن إنجازات عظيمة وهن غير متزوجات، وقد يكون الزواج عائقا أمام تحقيق العديد من الطموحات".
أما بسمة الثقفي (طالبة بجامعة الطائف) فلا تخشى العنوسة وتقول إن لها مواصفات محددة في زوج المستقبل، ومنها أن يكون على خلق ودين، وأن يكون بينهما توافق وتكافؤ اجتماعي، واحترامه للمرأة حق الاحترام، وأشارت إلى أن التأخر عن الزواج قد يكون برغبة الفتاة، أو لظرف خارج عن إرادتها، وقد يدفع وصف "عانس" بالفتاة إلى القبول مرغمة بمن لا يمثل أحلامها من أجل أن تخرس الألسنة فقط، لتدخل قائمة المتزوجات ولو على حساب نفسها.
وأكدت سارة محمد (موظفة بتعليم الطائف) أنها تفضل العنوسة لأسباب منها أن المرأة السعودية تقع دائما تحت ظل الرجل من الناحية المادية أو الوظيفية، وأغلب الشباب السعودي الآن يبحثون عن المرأة المتعلمة ليس لأنها متعلمة، بل طمعا في الحصول على الراتب، فالتعامل الذي تجده المرأة مع هذا الرجل لا يحقق لها المسار النفسي الصحيح الذي يقوم عليه الزواج.
شروط متعسفة
وجدت "ع. الغامدي" نفسها في قطار العنوسة مكرهة في اللحظة التي كان حلمها في الزواج يوشك أن يتحقق، تقول "ع" "تقدم لخطبتي شاب مثقف ومن عائلة طيبة، وعندما تمت الرؤية الشرعية شعرت بارتياح تجاهه، لكن والدي اشترط لإتمام الزواج أن أعطيه راتبي كاملا أول كل شهر، فقط قرر خطيبي صرف النظر عني والابتعاد هربا من شروط والدي المتعسفة"
وتحكي صالحة عبد القادر (معلمة بالمرحلة الابتدائية) تجربتها قائلة "تقدم لخطبتي أكثر من شاب، يشهد لهم الجميع بحسن الخلق، لكن أبي كان يرفض دائما، وكان يضع عيوب الدنيا كلها في كل عريس، وعندما أحاول إبداء رأيي يتهمني بعدم معرفة مصلحتي، ويمر بي العمر وأنا بانتظار من يرضى عليه أبي، والسبب راتبي الذي يخاف أن يأخذه زوجي".
أما خلود القحطاني فإن أحلامها كبيرة في زوج المستقبل، وهذا ما جعلها ترفض كل من يتقدم لها لأنها لا ترى فيهم الشخص المثالي الذي رسمته في خيالها ولذلك فضلت أن تبقى من غير زواج طول هذه الفترة، تقول "لم أشعر بالندم إلا بعد أن تقدم بي العمر وأصبحت على مشارف 38 سنة، أريد الزواج من أي شخص حتى ولو مسيارا".
وتقول سميرة الحربي (فتاة جامعية) "عمري الآن ثلاثون عاما، ولم يتقدم لي الشخص المناسب حتى الآن، شبابنا أنانيون؛ يريدون الزوجة الصغيرة التي لا تعي شيئا حتى ولو كانت جاهلة، لست أدري لماذا يخشى الرجل الشرقي المرأة المتعلمة صاحبة الشخصية القوية".
وذكرت غادة سالم (ربة منزل) أن أسرتها لا تقبل تزويج الفتاة إلا من قبيلة معينة أو البقاء دون زواج، وذلك للمحافظة على حسب ونسب العائلة، وحتى لا يتم تزويجها هي وأخواتها لرجال تعتبرهم الأسرة غرباء، ما جعل العمر يتقدم بها دون زواج.
الوقوع ضحية المشعوذين
في إحدى المدن السعودية أدى تأخر زواج إحدى الفتيات وبلوغها سن الأربعين دون زواج إلى بحث والدتها عن حل لدى المشعوذين، ودفع مبلغ 50 ألف ريال، بعد أن أكد لها أن ابنتها مصابة بالسحر، فهي على قدر كبير من الجمال وفي وظيفة مرموقة، ولم يكن المبلغ متوفرا لديها، فأخذت البنت قرضا من البنك وأعطته لأمها، ولم تعرف أن هذا المال هو لفك السحر عنها للتزوج، إلا بعد أن جاءت والدتها لتبشرها بأن المشعوذ فك السحر عنها وسيأتونها الخطاب طوابير، ولكنها شارفت على الخمسين ولم تتزوج حتى الآن.
فيما لجأت طبيبة بلغ عمرها 48 لخاطبة للبحث لها عن زوج، لأنها نسيت نفسها في عملها ومضى بها العمر، ولم يتقدم لها أحد سوى راغبي زواج المسيار، وهي ترفض وتبحث عن زواج حقيقي واستقرار عائلي.
الشباب يحتجون بالبطالة
الشباب كان لهم رأي في القضية، حيث قال الشاب فايز الذيابي "رغم أنني أرغب في الزواج، ولكن الزواج الناجح له مرتكزات أساسية، فكيف أكون أسرة وليس لي دخل يفي باحتياجاتها الأساسية، فقبل أن أفكر في الزواج لابد أن أبحث عن مصدر رزق، حيث إنني حاصل على الشهادة الجامعية، ورغم محاولاتي العديدة للبحث عن وظيفة إلا أنها باءت بالفشل".
ويؤكد الشاب غالب السميري أن الزواج حلمه الوحيد، ولكن مرتبه لا يفي بتكاليف الزواج، حيث إن مرتبه ضعيف، وهو العائل الوحيد لأسرته المكونة من والده ووالدته وسبعة إخوة، منهم من مازال على مقاعد الدراسة.
أما الشاب سامي محسن العريني والذي يبلغ من العمر 33 عاما ً فكان له رأي آخر، حيث قال " أنا لا أفكر بالزواج حالياً رغم وظيفتي المرموقة، فما زلت أتمتع بحياتي الخاصة دون قيود، فالزواج يقيد الحرية، وأنا لا أجد نفسي سائقاً لأسرة أو حتى مربياً للأطفال، وأنا أفضل الزواج بعد سن الأربعين".
عوامل متشابكة
من جهتها أشارت الدكتورة ابتسام العنبري الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية في كلية التربية للبنات بجدة إلى أن الزواج تشريع إلهي نحقق من خلاله منافع عديدة للزوجين ومنافع أكبر للجنس البشري أجمع، والعنوسة في المجتمع إحدى المشاكل الاجتماعية التي ظهرت على السطح بسبب عوامل شخصية واقتصادية واجتماعية متعددة ومتشابكة، ولعل من أبرز الأسباب زيادة الاهتمام بالماديات من ناحية المهر وحفلات الزفاف وغيره، مما يجعل فكرة الزواج في حد ذاتها غولا يغتال الرغبة في تحقيقها، إضافة إلى ذلك المواصفات الخرافية المطلوبة في الزوجة سواء من الرجل أم من أهله.
وترى الدكتورة العنبري تغليب الجانب الإيماني الروحي لدى الشاب والفتاة، بنشر الوعي والعمل في تحقيق العصمة من الحرام بالدعاء والرضا بالقضاء والقدر الذي كتبه الله للعبد، وأن تعي المرأة الدور الحقيقي لها، فهي أم بالفطرة، ولن يعيقها الزواج عن إتمام دراستها أو إيجاد العمل المناسب، فالفرصة الجيدة قد لا تتكرر، ولا بد للشاب بالذات أن يقف وقفة حقيقية مع نفسه ليعرف مؤهلاته ومواصفاته، الأمر الذي سيسهم إلى حد كبير في التخفيف من غلوائه وشروطه التي يتطلبها في شريكة حياته، وطالبت العنبري بوضع قوانين تسهل زواج السعوديات من غير السعوديين، وتضمن لهن حقوقهن، وخاصة في حال الطلاق، وأهمها التجنيس المباشر للأطفال.
أما عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة فوزية منيع الخليوي فأوضحت "أن للعنوسة آثارا على المرأة والرجل على حد سواء، فقد يصابان بأمراض نفسية، مثل الكآبة والشعور بالظلم أكثر من الأشخاص المتزوجين، وذلك لأن الشخص المتزوج سيفكر ألف مرة باستغلال وقته بما ينفع عائلته وزواجه، كما أن المرأة المتزوجة ستكون منهمكة بالحفاظ على عائلتها وزواجها.
وأكدت أن أسباب العنوسة ليست فقط التي تطرح في الإعلام، بل هناك أسباب أخرى يتحرج المجتمع من التطرق إليها، مثل تكافؤ النسب، وتلاعب الخاطبات في المعلومات لكلا الزوجين، وخجل المرأة من طلب الزواج من والديها.
الحضارة سبب
ويذكر الباحث في علم المواريث والمأذون الشرعي أحمد المعبي أن لدينا في السعودية نسبة عنوسة كبيرة، والسبب هو انتشار الحضارة، فقبل خمسين سنة لم تكن هناك تعقيدات في الزواج بالصورة التي نراها الآن.
ويضيف أن تعليم الفتاة من قبل لم يكن كما هو الحال الآن، حيث تمر الفتاة في عدد من المراحل الدراسية حتى التعليم العالي، وبذلك نجد الفتاة وصلت لسن 27 سنة، معتبرا أن من أسباب العنوسة مواصلة الفتاة للتعليم.
ويرى أن بعض الآباء يفضلون أن يكون الزوج المتقدم ذا دخل عال وآخرون يشترطون أن يكون من نفس القبيلة أو من قبيلة معينة، وهناك من يرفض تزويج الصغيرة قبل الكبيرة ، ولا نستطيع التغاضي عن أحلام الفتيات اللاتي يفضلن زوجا معينا.
وشدد المعبي على ضرورة كسر هذه القيود والعمل على تزويج الفتيات، حتى إذا كانت الفتاة تتعلم، فلا مانع من أن تتزوج وتكمل دراستها، مؤكدا ضرورة التيسير في تكاليف الزواج والابتعاد عن ارتفاع المهور التي تكون سببا في عضل الفتاة عن الزواج، فيشترط مهر المثل، وهذا المتعارف عليه، فالإسلام حث على الاعتدال والوسطية في كل شيء، ومن ذلك المهور، ويراعي الحرص على الخلق والدين قبل المال عند اختيار الزوج المناسب، ونصح المعبي الفتيات بالقبول بالتعدد حيث أصبحن في الوقت الحالي يقبلن بذلك والبعض الآخر يطلبن زواج المسيار هربا من شبح العنوسة.
مؤسسات للتوفيق
ويقول المحامي والمستشار الشرعي محمد المشوح "إن الإسلام لم يحدد عمرا للعنوسة، ولكنه حث على الزواج المبكر في سن الشباب، مضيفاً أن من أقوى الحلول الشرعية تهيئة الأجواء للشباب والفتيات للزواج، إذ إن الحياة المادية التي يعيشها الناس اليوم أوجدت الكثير من العراقيل والصعوبات التي يواجهها الشاب والفتاة في سبيل الحصول على حقهما الشرعي، وأن من الأشياء المطلوب تسهيلها (المهر) الذي مازال يشكل عبئا، وذلك من خلال دعم المؤسسات والجمعيات الخيرية، ومساعدة الشاب بقروض ميسرة وهبات، وتسهيل الجوانب الأخرى كتصحيح النظرة الخاطئة عن تعدد الزوجات عند الفتيات، وكذلك يجب تصحيح النظرة عن الزواج من بنات الوطن، فيجب الحد من الزواج من خارج الوطن وأن توضع ضوابط، وتصحيح بعض التقاليد الخاطئة التي تسلب الفتاة أو الشاب حقه في اختيار شريك حياته من حيث وضع الفوارق القبلية والاجتماعية.
وأضاف أن العلماء أفتوا بأن تيسير الزواج من أبواب الزكاة المشروعة، أيضاً يجب تفعيل الجمعيات الخيرية التي تخصصت في مساعدة الشباب على الزواج، مشيرا إلى الحاجة لمؤسسات تعنى بالتوفيق بين الراغبين في الزواج وهي من مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن تظهر، وأن تعطى الدعم الكافي لاسيما أننا في مجتمع مغلق يعيش بضوابط شرعية معينة.
موقف إداري صارم
ويرى الكاتب الدكتور مسفر القحطاني أن العنوسة أصبحت أزمة، لأنها قد تأخرت كثيراً عن إيجاد المشاريع والبرامج بالقرارات الملزمة لعلاجها، وطالب بموقف إداري صارم يفرض على الجميع مستوى من المهور والاحتفالات لا يزيد عن الحد المطلوب للمتوسط من الناس، وتقديم مبادرات عملية من خلال وضع مناهج دراسية إلزامية في المراحل الجامعية يتعرف من خلالها الشباب على منافع الزواج المبكر، وأسس اختيار الزوج والزوجة ومفاهيم الحياة الزوجية ومقومات السعادة الأسرية.
وأرجع المستشار الشرعي الشيخ منصور العضيلة ارتفاع نسبة العنوسة إلى غلاء المهور، وطمع أولياء الأمور برواتب البنات، وقلة فرص الوظائف والعمل أمام الشباب إضافة إلى قلة أجور العاملين منهم.
وقال المحامي ماجد القحطاني إن لتزايد العنوسة علاقة بانخفاض أجور الموظفين مع ارتفاع الأسعار، وازدياد الصرف على الزوجة والأبناء، إضافة إلى البطالة مع غلاء المهور والمبالغة فيها، وكذلك ارتباط الشباب بأقساط خاصة بالسيارة أو مسؤوليته عن والديه وأخوته، ملقيا باللائمة على مفهوم الزواج الخاطئ لدى أهل الفتاة بطلبات
ملكة قضية مهمة جدا ونشرت جريدة الوطن هذي القضية المهمة وحبيت ان اطعكم عليها
نشرة جريدة الوطن قضية العنوسة في المملكة وحبيتة اطلعكم عليها