كنت اعلم انه عندما يجتمع عملاقان ( محمد شاكر السياب ) و ( بدر عبده ) اقصد ( محمد عبده ) و ( بدر شاكر السياب ) سيكون هناك حدث .. ليس كأي حدث .. عندما يتلخبط الاسمان الرائعان سنتذوق روعة .. وحاولوا ان تغيروا الراء إلى لام في كلمة روعه .. حتى تعرفوا كيف نستقبل الكثير من الأغاني التي ( تزوعها ) اقصد تلفظها شركات الإنتاج الرخيصة هذه الأيام .. ان هذه الأغنية ليست كبقية الأغاني .. الاسم ( أنشودة المطر ) كلمات ( بدر شاكر السياب ) لحن وغناء ( محمد عبده ) .. أنها أغنية تعري كثير من الأغاني هذه الأيام .. وتسود وجوه ينعقون بهذه الأغاني النقازية .. ان هذه الأغنية كالطوفان الجارف الذي يجرف كل ما هو غير أصيل .. وهذه القصيدة تحتاج إلى مروض موسيقي كي يتعامل مع عنفوان كلماتها .. وجاء الرائع ( عبده )..لا اقصد " عبده " بطل مسرحية ( الا خمسة ) بل ( محمد عبده ) .. جاء ( بسيطرته المتأستذة ) اقصد ( أستاذيته المسيطرة ) .
عيناك غابتا نخيل
ساعة السحر
أو شرفتان
راح ينأى عنهما القمر ..
عيناك حين تبسمان ..
تورق الكروم وترقص الأضواء
كالأقمار في نهر
يرجّه المجداف وهنا ساعة السحر
كأنما تنبض في غوريهما النجوم
أنشودة المطر
مطر .. مطر .. مطر
ولكن قبل أن يحملنا إلى زرقة السماء بهذه المقطوعة الرائعة جعلنا نعيش في جو من العصافير المغردة بمقدمة موسيقية يؤكد بها انه مطرب غير عادي بل إمبراطورا يرفض السندويشات الرخيصة اقصد الكلمات العادية والألحان التي تنتهي قبل أن تبدأ .. يقول محمد عبده انه استغرق ثلاث سنوات ليلحن هذه القصيدة التي تحتاج تعاملا خاصا مع كلماتها .. لاحظوا موسيقاه عندما وصل إلى جملة ( تثاءب المساء ) تحس أن كل ما حولك يتثاءب ولست أنت وحدك .. تحس أن اللحن يأخذه النعاس إلى النوم .. تحس في صوت ( عبده ) نعاس ثقيل يحملك بصدق إلى ما تعنيه هذه الكلمات هنا تكمن الروعة وكلما وصلت الأغنية إلى كلمة ( مطر ) يتلون هذا المطرب ويصبح كقوس قزح في الجمال تشعر أن الجملة تأخذ حقها من صوت وحنجرة هذا الطير المغرد .. ويتألق اكثر واكثر ويتألق ( السياب ) في كلماته التي قيل عنها إنها قصيدة حديثة من الصعب أن تروض اقصد تلحن .. ليفوز ( عبده ) بالرهان ويثبت أن روعة الكلمات لو امتزجت بروعة اللحن سيكون هناك فن لا تستحقه ألا حنجرة ( محمد عبده ) فكل كلمة في هذه القصيدة أغرقت في بحر في اللحن الذي تستحقه ليعبر عنها فقط …
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبر أمواج الخليج تمسح البروق
شواطئ الخليج بالنجوم والمطر
كأنها تهم بالشروق
أصيح بالخليج .. يا خليج ..
واسمع الصدى كأنه النشيج
أصيح بالخليج يا واهب اللؤلؤ
والمحار والردي .. واسمع الصدى
من لجة القرار .. وينثر الخليج
من هباته الكثار..
نجح ( محمد عبده ) في عجن هذه الكلمات بموسيقى شرقية خليجية ولم يقف عاجزا ولم يستكثر الوقت الذي قضاه في تسخير هذه الكلمات ليقدم لنا طبقا شرقيا <فقرة للتعليق> قلما تذوقناه من صوت ( خالد الشيخ ) أو ( سلمان زيمان ) وآلاتهما الغربية التي لا يستطيعون ألا أن يغنوا بها حتى لا يقال عنهم ( … )<\فقرة للتعليق> <نص التعليق> وما دخل خالد الشيخ و سلمان زيمان بسماعك لمحمد عبده <\نص التعليق> أبعدنا هذا ( العبده ) عن أغاني التصفيق التي تصاحب أغاني ( عمرو دياب ) واغاني الوسيم ( راغب علامه ) بل أعادنا إلى حقيقة لم يصل أليها الكثير من المطربين ألا وهي ( الفن الحقيقي ) ..
( محمد عبده ) أننا نصفق لك احتراما وبهذا الفن وصلت إلى ما وصلت أليه من تألق لا يستطيع الكثيرون الوصول أليه .. لاحظوا معي روعة هذا المطرب في آخر مقطع من الأغنية .. كيف استطاع أن يلون جملة واحدة في آخر القصيدة بكل هذه الألوان من الموسيقى .. لو كان ( عبده ) في ( هوليود ) الفن وعاصمة الفنانين العرب ( أم الدنيا ) لأصبح موسيقارا مثل ( بليغ والسنباطي والطويل ) ولكنه في الخليج لذلك لزم التعتيم الإعلامي عليه ..
(( منقول من جريدة الأيام العدد 1694 بتاريخ 24 / 10 / 1993 م ))..
ولقراءة القصيدهـ كامله باللغتين العربيه والأنجليزيه بالإضافه إلا سماع الأغنيه :
إضـغـط (هنــــا)
منقووووووووووووووول