أ. د. صالح عبدالعزيز الكريِّم
بكر أبوزيد في المدينة المنورة
قدم إلى المدينة المنورة شاباً في مقتبل العمر وكان كله نشاطا وحيوية، وإن كنت لم أدرك مجيئه من بدايته في عام 1384هـ، إلا أنني تعرفت عليه وأنا في المرحلة الثانوية عام 1394هـ وهو قد صدر أمر ملكي بتعيينه إماماً وخطيباً في المسجد النبوي الشريف عام 1391هـ، وكان تعرفي عليه في الحصوة (الرملة) عندما كان يجلس فيها منفرداً يراجع حفظه للقرآن الكريم أو ذاكراً لله وقد كان بسيطاً ومتواضعاً لدرجة كبيرة.
وتمضي بنا السنين؛ حتى لقيته في إحدى اجتماعات مجمع الفقه الإسلامي الدولي عام 1417هـ، وكان رئيساً للمجمع، وقد طلب مني المجمع يومها تقديم بحث علمي وورقة عمل عن الاستنساخ، وقد فعلت وألقيت ملخصاً عن البحث وبعد أن أنهينا الجلسة التقيت بمعاليه وتذاكرنا أيامنا في المدينة المنورة وتلك الحصوة المباركة، وقد كان من أعزّ أحبابه في تلك الأيام فضيلة الشيخ عبدالله الزاحم ـ رحمه الله ـ الذي زامله في القضاء في المدينة المنورة.
لقد فجع المسلمون كافة بنبأ وفاة الشيخ بكر أبوزيد، هذا العالم الرباني الذي وصل بأستاذيته الفقهية وفي تبحره في علم الحديث وفي العديد من العلوم الشرعية واللغوية حداً كبيراً، ومعاليه بالإضافة لكونه مرجعاً في البحوث والدراسات فإنه يعد من القلائل في التميّز بخصلتين راقيتين هما روحانيته في جانبه الإيماني وسلوكياته في جانبه الأخلاقي، ولعل الأولى وهي الجانب الإيماني والروحانية قد اكتسبها من مُكثه أكثر من ستة عشر عاماً بجوار نبيه وحبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وامتلأ قلبه بالذكر والصلاة والدعاء في الروضة الشريفة، أما سمته السلوكي والأخلاقي وتعامله مع الآخرين بكل أدب واحترام فيشهد له في ذلك الأصدقاء والأعداء والقاصي والداني وممن اختلف معه أو وافقه الرأي. وقد أثر عنه ـ رحمه الله ـ صده لأي باب فيه ذكر سيئ أو غيبة أو نميمة لأي شخص كان، ناهيك عن كون ذلك الشخص عالماً أو طالباً للعلم، رحم الله الشيخ بكر أبوزيد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جنته ونشهد الله على أنه كان من كبار حملة ميراث النبوة ومن دعاة الهدى وأئمة التوجيه والتربية والإصلاح، هكذا حسبناه ولا نزكي على الله أحداً.