تركي الدخيل
لماذا تموت الجدّات؟!
ما أكثر الأشياء التي نزعم أننا نتقنها ونتمكن من تفاصيلها، إذا اعتقادنا بالإمساك بها لا يعدو أن يماثل قدرة من يحاول أن يقبض على الماء بإحدى كفّيه.
بالأمس جمعت أطفالي، لأخبرهم بوفاة جدتي، غفر الله لها، فانسابت دموع الطفولة، والأسئلة التي تربكني.
أزعم أني أملك الحد الأدنى من معرفة لعبة الأسئلة، لكنني غرقت بالأمس في شبر ماء، إزاء أسئلة أطفالي. قالت لي صغيرتي بعد أن أخبرتها أن الله توفى (ماما حصة): ليش يا بابا؟!
واصلت شرح سؤالها الصغير الكبير: طيّب هي طيبة يا بابا وتصلي وتحب الناس؟! فرّت دموعي رغم حرصي على أن أتمالك نفسي، فهذا مصدر الألم، وسبب الحزن على فراقها.
ابني عبدالله اختار أن يسأل: لماذا تموت الجدّات يا بابا؟!
هذا السؤال مصدر قلق لي. إنها سنة الحياة يا بني. قال: هناك أشرار كثيرون، لماذا لا يتخطفهم الموت؟! إنه يفعل، لكننا لا نحزن على من لا نحب.
بالأمس بعد أن سكن صخب الصلاة على جدتي، والدفن، والعزاء، بدأت الذكريات تنساب رقراقة كماء عذب يبلل ريق العطشى.
جدي عبدالعزيز في العقد التاسع من عمره وهو شقيق جدتي لأمي الراحلة والذي كان أكثر المتأثرين في المقبرة والعزاء سألته عن أخته فقال: كأني أراها أمامي، في منزلنا في بريدة، وقد جاء جدك، محمد العبدالله العطيشان، بعد زواجه منها، تدعوني وأنا ابن أربع سنوات تقريباً، فتقول لي:انطق حرف الراء.
جدي ألثغ في حرف الراء، وكانت جدتي تريد أن تمتع زوجها ببراءة طفل لا يحسن نطق الراء، لكن المفارقة الجميلة، أنها رحمها الله، كانت لثغاء في ذات الوقت.
قدّر عبدالعزيز الدخيل، عمر شقيقته، بأنها دلفت المئة أو أوشكت، فهو الآن في منتصف الثمانينات، وبينها وبينه نحو 15 عاماً.
استطاعت حصة الدخيل، رحمها الله، أن تقضي مائة عامٍ من عمرها، وقد حاولنا أمس في أكثر من مجموعة من أبنائها وبناتها وأحفادها أن نذكر أنها أغضبت أحداً، فأعيتنا ذاكرتنا.
لهذا نحزن على هذه الأجيال الطاهرة النقية، فمن له أن يقضي مائة عام من الخُلق الرفيع؟ وأي قدرة هذه لدى هؤلاء أن يعيشوا كل هذه السنين، وهم نبع صافٍ للحنان، وشلال متدفق من العطاء، وأرض خصبة من المحبة، لا تكاد ترى أولها من آخرها.
دمعة ...... حتى أعود ..!!