يتباين عشق السعوديات والخليجيات أيضا لنبات المستيكا، حيث يستخدمها بعضهن في منطقة الحجاز في تبخير كاسات شرب المياه وأواني حفظها، أو حتى وضع المبخرة داخل الثلاجة لتزويدها بالرائحة الزكية، وبالطبع في الطبخ، وأخريات في نجد وباقي مناطق المملكة لا يعرفن من الاستخدامات سوى إضافتها إلى باقي البهارات، وفي سلق اللحم والدجاج للحصول على رائحة وطعم شهي.
لكن معظم السعوديات اللاتي يمضغن اللبان يجهلن المصدر الأساسي للمستيكا التي يتفقن على حبها، فضلا عن أنهن لا يعرفن أن هناك أكثر من 200 منتج من هذا النبات، بدءا من اللبان كمادة خام، وانتهاء إلى المستحضرات الطبية المصنعة في شركات الأدوية الأمريكية.
هنا في جزيرة خيوس اليونانية الواقعة في بحر إيجه، تقف في الجنوب مليونا شجرة يكسر شموخها المزارعون بجرح أغصانها وسيقانها، لتذرف الدموع الكريستالية التي تتساقط على الأرض مكونة حبيبات المستيكا.
وفي خيوس التي يطلق عليها البحارة جزيرة "البيرفيوم" لما يحمله هبوب الرياح الشرقية من روائح الحمضيات البرتقال والمندرين المخلوطة بعبق أشجار المستيكا، تم اكتشاف شجرة المستيكا قبل 1700.
ويقول رئيس اتحاد منتجي مستيكا خيوس كونستانتينوس غايتارس، إن الجزيرة تنتج 150 طنا سنويا، بينما يتم تداول 200 طن في منطقة الشرق الأوسط، 70 طنا منها أصلية، والبقية كميات مقلدة تدخل في منتجات على أنها مستيكا، ولكنها تحمل النكهة فقط.
وفي محاولة لاتحاد منتجي المستيكا، تم تأسيس شركة مستيكا شوب بعشرة فروع، أحدها في جدة على شارع حراء، وآخر في قبرص، وثالث في نيويورك، والبقية موزعة في اليونان.
ويعتبر المدير التجاري ملتياديس سارانتينيوس، السعودية أهم سوق تجارية للمستيكا، في أكبر مستهلك للمادة الخام، مشيرا إلى أنه تم اكتشاف كثير من الوصفات في الشرق الأوسط، إذ يستخدمها السوريون في الشوكلاتة، واللبنانيون في الحلويات وعلى رأسها الحلقوم والبوظة العربية، وفي شراب السحلب. وفيما يستخدم الكوريون المستيكا مع اللبن الرائب، توقف العراقيون عن الاستيراد إثر اندلاع الحرب منذ 25 عاما، وهو البلد الذي كان الأكثر استهلاكا للمنتج.
وفي أوائل القرن الواحد والعشرين، يقول الصيدلي غيورغورس كوريس المتخصص في المنتجات الطبيعية: حدث الانقلاب الكبير، حيث كشف الغرب عن الفوائد الطبيعية لحبات المستيكا، مما زاد الطلب عليها، وآلاف الخواص التي تؤثر الواحدة على الأخرى، ويتم تصنيع دواء فورومولا ميزاني من المستيكا، وهو يستخدم للعديد من الأمراض منها آلام البطن والأسنان والمشاكل الجلدية، ووفق كوريس، فإن النبات يستخدم لصحة الفم من حيث الرائحة الزكية وصحة الأسنان، وبالنسبة للمعدة فإن جراما واحدا يوميا يحمي الإنسان من القرحة. وأثبتت الأبحاث العقارية أن في المستيكا خواص مضادة للالتهاب والأكسدة والعفن، وجاء ذلك حينما لاحظ الباحثون أنه عندما يجرح ساق الشجرة تسرع المستيكا لاحتواء مكان الجرح، وفور تشافيه تتساقط على الأرض مكونة حبات المستيكا.
أما الكيميائية كاترينا فاسيلاتو المتخصصة في مستحضرات التجميل، فتؤكد على أهمية استغلال تأثير المستيكا الشديد ضد المايكروبات، حيث إنها مقاومة للتجاعيد والتأكسد، وتساهم في التئام الجروح، وبعض الشركات الكبرى خصصت خطا إنتاجيا في تصنيع أدوات التجميل من المستيكا، وفي الولايات المتحدة هناك محلول من المستيكا يستخدمه الجيش لحماية أفراده بعد العمليات الجراحية الكبرى لإزالة آثار الخياطة وإعادة لون البشرة إلى طبيعته.
وتتميز القرى المنتجة للمستيكا في جزيرة خيوس بأن يرى الواقف على شاطئها تركيا بالعين المجردة، ويسكنها 52 ألف نسمة، بملامح خاصة تختلف عن غيرها، فالنساء هنا يرتدين غطاء للرأس. وتقول المزارعة يانيس "نبدأ جرح شجرة المستيكا من أسفل الساق، ونتجه إلى الأعلى بحثا عن العروق "العصب"، وعدو المستيكا المطر والمياه، ويطلق المزارعون على القطع الصغيرة من حبات المستيكا "عين الأرنب" والكبرى "فطائر"..".
ويتم العمل كله على الركبتين، وفقا للمزارع غيوروس، حيث يجثو المزارعون على ركبهم لجمع حبات المستيكا تحت الأشجار ووضعها في منخل، ويجري الفرز خلال الفترة من يوليو ـ أكتوبر، حيث تجرح الشجرة من 4 إلى 5 مرات، بمعدل مرة واحدة أسبوعيا، وبعد المرة الخامسة تترك الشجرة 15 يوما لتجمد، وعندما تكبر الشجرة وتنضج تنتج 150 ـ 200 جرام في الموسم الواحد، وهناك بعض الأشجار وفقا لمنتجين، أعطت نصف كيلو جرام وهي حالات نادرة.
http://www.alwatan.com.sa/news/newsd...=2712&id=44573