العباءات السوداء لماذا لم توقف التحرش (المعاكسات) بالنساء الذي وصلت نسبته في المملكة إلى 215% كما أعلنت ذلك إحصائيات وزارة الداخلية، ونقلتها "الوطن" في خبرها يوم الخميس 21 صفر 1429، فقد ارتفعت قضايا التحرش من 1031 عام 1426إلى 3253 قضية عام 1427هـ، وهذا فقط ما تم الإبلاغ عنه، بينما قضايا الاعتداء على العرض ارتفعت بنسبة 25 %، فيما ارتفعت حالات الاغتصاب بنسبة 75%، ووصلت قضايا اختطاف النساء بنسبة 10 %، وللأسف لم ترد أي نسبة للتحرش (الهاتفي) التي تعاني منه الكثيرات حين يتابعن معاملاتهن في الأجهزة الحكومية، ناهيك عن التحرش (العنكبوتي) عبر منتديات الإنترنت.
قد يبدأ البعض في التشنج الآن؛ ويلقي تهمة الغواية على المرأة (الشيطانة) التي يتم التعامل معها وكأنها خطيئة متحركة، خاصة تلك التي لا ترتدي العباءة الإسلامية كما يُروج لها، لكن هذه النسبة المتجاوزة للضعف خلال عام تجعلنا ندرك أنه حتى اللواتي يرتدين العباءة الإسلامية تعرضن للتحرش؛ فغالبية النساء في المملكة ترتديها، بقناعة كانت أو بدونها، وأن الفصل بين الجنسين في كثير من الأماكن لم يمنع من وجود مُتحرش بهن، ومتحرشين؛ ليسوا فقط من الشباب والمراهقين بل حتى المتزوجين.
والغريب أن هذه النسبة (المخيفة) التي لا أحسب أنها وصلت في المجتمعات المفتوحة، وصلت لدينا في ظل جو اجتماعي يغلب مظهر التدين والالتزام على شكلياته، وفي ظل مناهج تعليمية تبدأ بتدريس الشريعة الإسلامية للجنسين منذ الأول ابتدائي حتى السنة الجامعية الأخيرة، وفي ظل منابر دعوية غزيرة ورقابة دينية للسلوكيات الاجتماعية، فلماذا فشل ذلك؟.
إن التخبط بين ما تفرضه التقاليد الاجتماعية والتزامات الحياة المدينة وعولمة الثقافة، وبين مؤسسات المجتمع الدينية، والأخرى المدنية، كل ذلك تسبب في خلق شكلانية الدين لا جوهريته في ممارساتنا، وحولت الكثيرين منّا إلى ممثلين محترفين يؤدون أدوارهم المتباينة في سلوكياتها كل في موقعها المناسب، فالمعلم (س) يختلف في فصله، عنه في المقهى، عنه مع زوجته، عنه حين يمشي وحيدا في السوق، والداعية الذي خطب مرارا من منبره في تحريم الفضائيات الليبرالية أصبح أحد نجومها المشجعين لمشاهدتها بقبوله عرضا حصريا بالدولار، وذات الشيء حينما تُحرم وزارة التربية والتعليم عزف لحن السلام الوطني أثناء تأدية طلابها للنشيد في الطابور الصباحي، ومن ثم تبث الأغاني الوطنية الموسيقية على القنوات الرسمية التابعة لوزارة الثقافة والإعلام، فهذه العملية المتناقضة في الأفراد / المؤسسات، زعزعت القيم الجوهرية والصدق الذاتي معها، وزادت في ظل معاناة الشبان من البطالة وتأخر الزواج وقلة الفرص التعليمية والترفيهية، فلا يوجد استغلال لطاقاتهم التي يتجاهلها الخطاب الديني ويلزمها بالمثالية، فما النتيجة، مجموعة من المتناقضات السلوكية ما بين رغبات لم تعزز بالبديل، وشكل مفروض يرفض الاختلاف.
فالمسألة إذاً تتجاوز فصل الجنسين وشكلانية العباءات السوداء والثياب البيضاء في شوارعنا إلى جوهر سلوكيات يومية ممارسة، ترتبط بمدى تعزيز روحانية الإيمان التي تتسق مع عصرية الواقع، وبسبب هذه الفوضى السلوكية التي أنتجت أشكالا للتحرش الجنسي في مجتمعنا، تأتي ضرورة سن أنظمة قانونية تتعامل مع المرأة بكامل أهليتها، وتحميها من التحرش، وتُمكنها من التبليغ عنه؛ دون تخويفها بتوجيه تهمة الغواية لها باعتبارها خطيئة متحركة .
حليمة مظفر
للعلم فقط ..![]()
نقلي للمقال لا يعني أنني أتبنى ماورد فيه ..
لكنها قضية أراها تستحق التوقف عندها ومناقشتها ..
لماذا تتزايد نسبة التحرش في مجتمعنا بطريقة مفزعة ؟!!!!!!!!!