الذبابة والفيل
د. ميسرة طاهر
كلنا يعلم أن الذباب يتواجد في كل الفصول فهو يزداد عددا في الصيف ويقل في الشتاء ولكنه لا يختفي، والعلماء يقررون أن الذبابة لا
تعيش أكثر من ثلاثة أشهر منذ بداية حياتها حتى موتها، فهي إذن تعيش فصلا واحدا تقريبا، ولو تخيلنا أن الذباب يتكلم فإن الذبابة التي
تبدأ حياتها مع بداية الصيف ستموت مع نهايته، ولو سئلت عما شاهدته في هذه الدنيا لكان جوابها في الغالب أن هذه الدنيا حارة مزعجة،
ولو سئلت أختها التي بدأت حياتها وانتهت في فصل الشتاء لقالت عكس الأولى ولقررت أن سماء الدنيا كثيرة الغيوم باردة ممطرة ذات
برق ورعد، ومن بدأت حياتها وانتهت في الخريف لقالت عكس ما قالته أختاها فالدنيا عندها ذات ريح ومتقلبة الطقس وتملأ أوراق الشجر
المصفرة المتساقطة أرض هذه الدنيا، أما تلك التي تبدأ حياتها وتنتهي في الربيع فستؤكد على أن الدنيا خضرة جميلة بها من ألوان الأزهار
ما يسر العين وبها من تغريد الطيور ما يشنف الآذان، ومياه ينابيعها عذبة وأشجارها خضراء وأرضها جميلة رائعة. فهل الدنيا فعلا كما
تراها كل ذبابة أم هي كل هذا،والشيء بالشيء يذكر كما يقولون ، فلو تركنا الذباب وانتقلنا لقصة العميان مع الفيل فربما وجدنا شيئا يشبه
ما تراه الذبابات ولكن من وجه آخر، إذ يقال أن مجموعة من العميان تحلقوا حول فيل فمسك أحدهم قدمه ، والثاني خرطومه والثالث أذنه،
وبدأ كل منهم يتحسس ما وقعت عليه يده وحين سئلوا عن الفيل قال من مسك قدمه: الفيل كائن أسطواني الشكل جامد كالعمود، وقال من
مسك أذنه : الفيل رقيق صغير الحجم، وقال من مسك خرطومه: الفيل مرن مجوف من الداخل وكثير الحركة وهو رشيق أيضا، فهل الفيل ما
قاله كل منهم أم هو أكثر مما قالوا؟ استحضرت هاتين القصتين وأنا أستمع لرجل يتحدث عن المرأة فسمعته يقول: المرأة إما أن تكون
زوجة أو تكون أما، قلت: ماذا تقصد؟ قال: المرأة إما أن تكون زوجة تستطيع أن تدخل السرور على نفس زوجها ولكنها لا تعرف كيف
تربي أبناءها، وإما أن تكون أما تحسن تربية أبنائها ولكنها لا تعرف كيف تتعامل مع زوجها فتخسره ويكسبها أبناؤها، والسؤال: هل هناك
فرق بين ما رآه هذا الرجل في المرأة وبين ما رأته كل ذبابة من الدنيا التي عاشتها؟ أو بينه وبين حكم العميان على الفيل؟ لاشك أن أوجه
الشبه كبيرة بين الأطراف الثلاثة،فإن كان هذا الرجل قد قرأ أو سمع عن خديجة بنت خويلد رضي الله عنها والتي كانت نعم الزوجة ونعم
الأم فهو بالتأكيد قد نسي ذلك، وربما لا يكون قد سمع عن فاطمة بنت محمد التي كانت هي أيضا نعم الزوجة ونعم الأم، وبالتأكيد فهو قد لا
يكون ممن قرأ أو سمع ما دونته كتب التاريخ عن أسماء بنت أبي بكر التي ربت عبد الله بن الزبير فكانت نعم الأم وهي التي عاشت مع أبيه
فكانت نعم الزوجة، ومن يصاب بالكدر إن كان الشاهد من التاريخ فلينظر بعيون لا تعمم الجزء على الكل وليتذكر أن مشكلة أحكام الذبابة
قصر حياتها وخبرتها والحال نفسه مع مجموعة العميان الذين كانت خبرتهم المحدودة سببا لأحكامهم الخاطئة، ولو قرأ ذلك الرجل العالم
بوعي أكثر لرأى في زماننا الكثيرات اللواتي كن نعم الأم ونعم الزوجة، ولنبذ فكرة تقسيم الناس إلى فئات لأنها لا تستند لمنطق علمي
|
 |
رد مع اقتباس
