حرض» مركز أثرياء القات وعمالة التهريب
لعبة «السماسرة» « الكيف» مقابل الدقيق
جولة: ابراهيم عقيلي
كل شيء في حرض يمكن تهريبه بدءاً بالقات وانتهاء بالبشر فهي نقطة تمركز لعصابات التهريب والسماسرة المتكسبين من الحدود. ولتحديد خطوط التهريب وإكمال مسارها كان من الضروري خوض تجربة اسمها " حرض". والتفاوض علنا مع ما يسمونهم بـ"العتالة ". الذين يضمنون لك وصول قاتك الى أي قرية حدودية مقابل مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه مسبقا. وهؤلاء العتالة يمكن تشغيلهم في أي نشاط اخر تحتاج اليه كتهريب المتسولين الى المناطق الحدودية والدقيق والمخدرات وغيرها. فالمال هو مفتاح تشغيلهم والمقابل لا يكون كثيرا. فتح لي المجهولون عبر الحدود طريقا اخر للوصول الى حرض غير المنفذ النظامي وقدموا خدماتهم لايصالي الى اول نقطة يمنية.بمقابل ثمن بخس لم اكن اتوقعه. كانوا يجلسون على المقاهي المنتشرة في الطوال ينتظرون التقاط زبائنهم. عندما رأوني أترجل من سيارتي اقبلوا علي مقدمين خدماتهم. عرضت عليهم رغبتي في الدخول الى الاراضي اليمنية دون جواز سفر فقال لي احدهم. سانقلك الى قبل حرض بأمتار مقابل مئة ريال فقط. وبعد اخذ ورد وافق احدهم على نقلي مقابل عشرين ريالا فقط. ولن يكون كما قال لي السير مشيا على الاقدام ولكن سنشق طريقنا على ظهر"حمار" نستأجره وهي وسيلة النقل عبر الحدود. قال لي احد سكان الطوال عن هؤلاء المجهولين: هم على اهبة الاستعداد يتصيدون زبائنهم وغالبيتهم من المتخلفين اليمنيين العاملين في المدن الاخرى ولا يعرفون طرق التهريب المؤدية الى اليمن ورغم خطورة المغامرة التي يخوضونها الا انهم مستمرون عليها. فرجال حرس الحدود يقفون لهم بالمرصاد وعيون رجال المجاهدين تتتبعهم. لكن ما ان تطأ اقدامهم الحدود اليمنية حتى يزول الخطر. وتلك العمليات يسجل اضعافها في حرض حيث يقف العشرات من السماسرة على الجانب الاخر يقومون بتهريب المتسللين عبر طرق تؤدي الى القرى الحدودية السعودية.حتى اصبح منظر المتسللين وهم يعبرون القرى امرا مألوفا عند الجميع. ولا يقف الامر عند ذلك ولكن هناك من يقوم بتشغيلهم في بناء البيوت والزراعة والرعي مما يساعد على قدوم المتخلفين الى المنطقة. ولو لم يجد اولئك المتسللون التعاون من المواطنين لاختفت هذه الظاهرة.
من الطوال إلى حرض
اول ما لفت انتباهي بعد ان ختمت جوازي في منفذ الطوال متجها الى حرض هو منظر المتخلفين المرحلين الذين خرجوا من احدى حافلات الجوازات السعودية. وهم يسيرون على اقدامهم ووجهتهم حرض. تلك الاعداد من المرحلين تسير يوميا بعد ان يتم القبض عليهم في حملات الجوازات. لكن كما يقول البعض سرعان مايعودون خلال ايام معدودة. وصولي الى حرض ظهرا لم يمنحني فرصة اللقاء بحمالة القات فعملهم لم يبدأ بعد وحتى اسواق القات لم تستقبل البضائع الجديدة لذلك نصحني البعض بالانتظار الى قبل غروب الشمس.وهي ساعة انطلاق المهربين وعصرا بدأت سيارات النقل تفد الى حرض محملة بالقات تضع بضائعها ليقوم الحمالة بحزم اكياس القات وادخالها حملا الى القرى الحدودية. لم يكن ذلك فحسب بل كان لكل شيء في حرض متخصصون من تهريب البشر الى تهريب التنباك والالعاب النارية الممنوعة.
تهريب البشر
قال لنا احد اليمنيين في حرض في حديث عابر: ان الكثير من اليمنيين الراغبين في التسلل للاراضي السعودية يجهلون المناطق الحدودية والقرى المجاورة لذلك يستعينون بالدلالين والمهربين فكثير من الذين تجدهم يقفون في طريق حرض يقومون بعرض خدماتهم للجميع فمئات المهربين ينتظرون القادمين من المدن اليمنية الى منفذ حرض لنقلهم مقابل ثلاثين ريالا سعودية. فتبدأ المسيرة من حرض تنقلهم الحمير عبر الصحاري الى القرى السعودية ومنها المبخرة والملاحيط والحصامة والخوجرة والمصفق وغيرها وهناك يبدأ التفاوض مع المهرب السعودي الذي ينقلهم من تلك القرى إلى مدن رئيسية مقابل ألف ريال للشخص الواحد ويزيد المبلغ قليلا أو يقل حسب الاتفاق. وقال أيضا أن هناك شهوراً في السنة يزيد فيها التهريب وهي الشهور التي تسبق شهر رمضان حيث يحاول البعض اللحاق بموسم التسول.ويستمر الموسم إلى بعد شهر الحج حيث يكثر فيه التهريب الى المناطق السعودية ولا يعود المتسللون إلا بعد انقضاء الموسم محملين بحصادهم.
تهريب القات
في احد مطاعم حرض واثناء تناول وجبة الغداء سألت احد الزبائن عن الحمالة فأين اجدهم.. سألته بعد ان اوهمته اني انوي التفاوض مع احدهم لنقل كمية من القات الى السعودية. فقال لي: كثير هنا من تخصص في نقل القات الى القرى السعودية وانا كنت احدهم لكني تركت تلك المهمة لمن لايخشون من الخطر. فحرس الحدود شددوا على المهربين الذين قد يتعرضون الى الموت لو اشتد الامر ولم يصبح تهريب القات آمنا. وتركته رغم مايقدمه القات للمهرب من مقابل مغر لأي منا. واضاف: لكن لك ان تسأل عنهم في سوق القات في حرض فلن يصعب عليك العثور عليهم. ولكن كيف سيتم الامر؟ وكم سيأخذ مني؟ قلت له ذلك وكأني اطلب منه المساعدة خوفا من ان اقع في مصيدة المحتالين. اجاب مرجحا وقوع ذلك الامر. بقوله: لوكنت جادا سأدلك على ثقة تترك له قاتك وترحل. ولكن يجب عليك ان تشتري القات اولا لتتحدد الكمية وبعد ذلك يمكن التفاوض لمعرفة القيمة التي ستكلفك. ولكن لن تكلفك العملية اكثر من مائة وخمسين ريالا للحمال. واما القات فتحدد قيمته نوعية القات الذي ستشتريه وكميته. وانصحك بأخذ نوعية تقاوم الحرارة خلال الوقت الذي يقضيه المهرب الى ان يصل. واشار الى نوع من القات يسمى "جحاشة" وهو يتوفر بكثرة في منطقة حرض. ولكن هل يستطيع ان يوصله لي الى جازان.قلت له وانا اعرف بأن الحمالة لايستطيعون الوصول الا للقرى التي يمكنهم الوصول لها مشيا على الاقدام. فقال: لا لن يستطيع ان يصل الى جازان ولكن القرى التي يصلها الحمالة هي الخوجرة والموسم والمصفق وغيرها من القرى القريبة. واضاف لي معلومة وهي ان من ستتفق معه سيبدأ رحلته بعد غروب الشمس وانت تتحمل مسؤولية مصادرة القات فهذه التجارة ليس فيها شيء مضمون.
انتهى حوارنا بأن أخذت رقم هاتفه على ان اقوم بالاتصال به بعد ان اشتري القات.
أثرياء التهريب
علمت وانا في حرض ان هناك كثيراً من ابناء القرى المجاورة لحرض اثراهم تهريب القات وحولهم التهريب الى تجار يتجاوز رأس مالهم الملايين. ورغم المخاطر التي يتعرض لها التجار والحمالة الا انهم مستمرون عليها رغم كل ذلك. فلا مجال لتركها. وعلمت ان القات يتم ربطه في حرض وكل منطقة سعودية يربط قاتها بطريقة معينة تميزه عن غيرها. كما ان هناك عدة منافذ يدخل منها القات للمملكة ومن اهمها "الملاحيط" وهي تبعد خمسين كيلومترا من حرض واكثر قاتها يصدر للخوبة وقراها وقرية البحطيط. وهناك منافذ رئيسية اخرى ومنها الحصامة والمثلث والمشنق المزرق واخرها حرض وهي الاهم وكل هذه المنافذ تصدر اجود انواع القات كما يقولون ومنه "محابشي وشعثي ومراني ورازحي والرادعي والجحاشة الشماخ"
المقدمي
المهربون أو ما يسمونهم بالحمالة لهم دليل ومساعد يرشدهم على الطريق وهو شخص يعرف دهاليز المكان ومخاطره. ويسمى بالمقدمي وذلك لأنه يتقدم المجموعة ويتقاضى 200 ريال سعودي ويواجه هؤلاء الكثير من المخاطر وهم في طريقهم إلى المستورد في القرى السعودية ومن تلك المخاطر الرصاص والثعابين والعقارب التي تواجههم في الأودية والجبال إضافة للكسور والرضوض التي يتعرضون لها نتيجة الهرب من رجال حرس الحدود الذين يقفون لهم بالمرصاد على الخطوط الحدودية.
الدقيق السعودي مقابل القات
اول ما لفت انتباهي وانا اجوب شوارع حرض هو منظر اكياس الدقيق السعودي المتراصة على جانبي بعض الطرق. وبعد سؤال عرفت انه دقيق يهرب من قبل ضعاف النفوس الى اليمن مقابل القات او مقابل مبلغ مالي يفوق سعره اذا بيع في الاسواق السعودية. وبات يجزم بعض سكان القرى الحدودية بأن من اسباب ازمة الدقيق التي تمر بها بعض الاسواق السعودية هي تهريبه الى اليمن وبيعه في اسواقها.
يقول احدهم: هناك سوق سوداء لبيع الدقيق في حرض ذلك بسبب تفشي ظاهرة تهريب الدقيق السعودي الى القرى اليمنية حيث يجد اقبالا كبيرا من التجار و ساهم في ذلك بعض ضعاف النفوس الذين يقومون ببيعه للمهربين اليمنيين وبدورهم يقومون بنقله إلى الجانب اليمني بواسطة الحمير الامر الذي جعل الدقيق عملة نادرة في جازان واصبح من الصعوبة ان تجد كيسا للدقيق في اسواقنا وفي الجانب الاخر تراه متواجدا بكثرة ويباع بأسعار مضاعفة والامر الاخر ان هناك من المواطنين من يعرض على المهرب اليمني كيسا من الدقيق مقابل كمية من القات فكيف نستبدل أساس لقمة العيش بالقات. طلبت من احد بائعي الدقيق في حرض شراء كيس دقيق سعودي محاولا الوصول لسعره .. فقال: الكيس الواحد بمائة وسبعين ريالا سعوديا والدقيق اليمني بستين ريالا. ابديت امتعاضي من السعر فقلت كم تدفع لي اذا احضرت لك دقيقا سعوديا.. فقال: سأشتريه. لكن احضره اولا. ونتحدث عن السعر.