كثير منا يحجب افكاره عن رؤسائه،وبالتالي تضيع ملايين الأفكار التي كان من الممكن أن تقودنا للأمام، فلماذا نحجب أفكارنا؟
هذا السؤال سأعيده وأعيد فحوى اجابته بعد أن تلقيت مكالمة هاتفية من أحد العاملين في جريدة عريقة شاكيا من سرقة فكرة تقدم بها الى مديره المباشر فاهملها مديره نظريا لكنه عمليا تقدم بها للمدير العام على انها من بنات افكاره ..وكانت الفكرة مربحة للجريدة ويمكن ان تدخل لها مليون ريال سنويا (هذا بالميت) بينما صاحب الفكرة تمت (زحلقته).
والذي نعانيه في حياتنا العملية سرقة أفكار صغار الموظفين. ولو أردنا تتبع هذه الخصلة وما تحدثه من دمار اجتماعي واقتصادي ونفسي (وهذا ليس تهويلاً) فلن يقف حال شعور المسروق بالغبن فقط لأننا حين نفرط او نتهاون في ممارسة سلوك سلبي لا نلتفت الى ما يخلفه من انقاض نعجز ان نحملها من طريق النفوس المتوثبة للغد..كل منا يحمل أفكارا عظيمة، تحتاج لمن يتبناها ويسندها لصاحبها من غير أن يسلب صاحب الفكرة حقه، ونحن دأبنا على سرقة أفكار الآخرين وإلحاقها أو إلصاقها بأنفسنا مؤكدين أن تلك الأفكار هي نتاج لقدح تفكيرنا المتواصل من غير أن يهتز لنا رمش من خجل ..هكذا وفي تسلسلية أنانية نقوم بسرقة أراء وأفكار من هم حولنا، فقد تنبع الفكرة من موظف صغير في السلم الوظيفي لكن فكرته تتدرج حتى تصل الى أعلى مسؤول ليتبجح الأخير أمام سيده الأول بأن الفكرة فكرته وان الدنيا من غيره ستقع وستعود الديناصورات الى الحياة .
ولكي نعرف لماذا تنجح كثير من المشاريع والصناعات في الدول المتحضرة (المتمسكة بالقيم الأخلاقية) أعيد سرد حكاية حدثت لأحد العمال في شركة اوروبية كان يعمل في مصنع لانتاج الشامبو ،وكان عمله مقتصرا على تنظيف السيارات في الكراج ،وفي ذات يوم جلس يتفحص منتج مصنعه : فوجده عبارة عن قارورة ملئت بمنتج جيد الصنع وتصميم رائع ،كان يتفحصها بدقة فرأى أن فتحة عبوة الشامبو فتحة ضيقة ،فتوجه مباشرة الى رئيسه المباشر قائلاً: يمكن لمصنعنا أن يضاعف من انتاجه بكميات كبيرة ويكسب كثيرا، استقبله رئيسه استقبالا حسنا، وسأله:
كيف يمكن لمصنعنا ان يضاعف من انتاجه ؟
فقال العامل البسيط: إن فتحة زجاجة الشامبو ضيقة ولو تم تكبيرها بعض الشيء لأدى ذلك الى استهلاك اكبر وبالتالي سيزداد الطلب على المنتج. قام رئيسه بتسجيل تلك الملاحظة ورفعها لمن هم أعلى منه في السلم الاداري داخل المصنع، وقد كتب ان الفكرة ليست له بل لذلك العامل البسيط، وتسلسلت التوصيات الى أعلى هرم اداري في المصنع وهي تحمل اسم صاحبها، ليقوم المصنع بعد ذلك بتوسيع فتحة زجاجة الشامبو ويتم ترقية ذلك العامل واعطائه فرصة أن يكون فاعلا في المصنع ومن خلال أفكاره تضاعفت أرباح المصنع وصعد ذلك الموظف البسيط الى موقع متقدم بسبب أفكاره وانتقالها من مسؤول الى مسؤول وهي تحمل نسبها الحقيقي.
ولو ان هذا العامل في بلادنا –الممتدة من الماء الى الماء – لو تفوه بفكرته لمديره لتسلسلت تلك الفكرة من شخص لآخر وكل واحد منهم يسرقها لنفسه حتى تصل الى الرأس الكبيرة وهي ابنة كل من مرت بهم بينما يظل صاحب الفكرة منزويا لا يعرف أحد انه هو الذي غير مسيرة مصنع أو منشأة ولا يقدم له الا التقريع في تدخله فيما لايعنيه وبالتالي يتحول المكان الذي تعمل فيه الى مكان تقضي فيه عقوبة ساعات العمل من غير أن تشعر بالانتماء له او تشارك في نهوضه.
إن سرقة الأفكار من أخطر ما يعترض تقدم نمو أي مجتمع ويخلق تقاعسا لدى الجميع ،أعتقد ان هذا هو سر عدم المبادرة وسر عدم الانتماء وسر عدم الانتاج الجيد أو التقدم الجيد.
هذه المرثية على الاخلاق اهديها لذلك المسؤول الاعلامي الذي سرق فكرة من يرأسه ونسبها لنفسه أمام المدير العام ويكفي ان سرقته تسربت لشخص أو شخصين قادرين على افشاء سر سرقته للملايين من البشر..حينما يكون مثلهما في تدني الاخلاق المهنية.. ألا يكفي هذا لأن يخجل من نفسه.
عبده خال