في مثل هذا التوقيت من كل عام مع ختام السنة الدراسية.. كان طالب الثانوية (سالم.م) من القلائل الذين يتميزون بالهدوء وسط زملائه. ومع اجتهاده كان التفوق عنوان خطواته منذ الأيام الأولى لدخوله المدرسة. حياة سالم والوسط الذي يعيش فيه كان أشبه بـ(المثالية) فقد تربى في كنف والديه اللذين حرصا على ان يزرعا فيه الخصال الطيبة لكي يواصل تعليمه ليحقق حلم الأسرة في الحصول على بكالوريوس الطب أو الطيران . كانت تلك أحلام والده الذي يعمل في احد القطاعات الحكومية براتب متوسط ووالدته التي فضلت البقاء في المنزل وتفرغت له لتحقيق الحلم. ومنذ اليوم الأول الذي دخل فيه سالم أكبر الابناء الى المدرسة انتشرت الفرحة في أرجاء منزلهم المتواضع الصغير في حي البوادي شمال جدة. الأسرة لا ترفض له طلبا (المهم ان يعود لنا بالشهادة).. هذه الجملة كانت تتردد على لسان الأب عندما يلتقي زوجته ويتحدثان حول تفاصيل الحلم.
اما سالم فبدا ينمو يوما بعد يوم والأمل في ان يصل الى الدرجات العُلى يزداد مع نموه، وكانت بداياته مميزة فقد استمر منذ أولى خطواته في مدرسته الابتدائية التي تقع بالقرب من منزله لا يرضى بدلا عن الترتيب الأول على فصله.
وعندما انهى أول مراحل دراسته (الابتدائية) بتقدير ممتاز اقام له والده حفلا داخل منزله المتواضع دعا خلاله اشقاءه (أعمام سالم) وشقيقاته والمقربين منه للاحتفاء بظهور نابغة جديدة في الأسرة.
علامات الخطر
منذ دخول سالم الى المرحلة المتوسطة ظهرت علامات الخطر تبدو واضحة على سلوكياته.. وكان للحي الشعبي الذي يقطنه دورا في ذلك وعندما لفت ذلك انظار والده بدأ في الاقتراب منه أكثر ومحاولة ابعاده عن رفاق السوء الذين بدأوا في غزو عقله وتفكيره. ولان المهم عند والده الشهادة ودرجات التفوق فقط ترسخ ذلك في ذاكرة الابن الذي كان (يقدس) أيام الامتحانات حتى انه كان يعتكف في منزله برعاية والدته ومتابعة من والده ولا يخرج الا بعد انقضاء آخر أيام الاختبارات.
ومع دخوله المرحلة الثانوية بدأ يستقطبه رفقاء السوء احدهم ارتبط معه بعلاقة عميقة.
تعلم صديق ورفيق عمره من اشقائه الكبار طريقة استخدام (حبوب) خلال ايام الاختبارات واعتاد متابعتهم وهم يوزعونها على الطلاب خلال تلك الفترة بمبالغ مالية طائلة، وداوم على التجسس عليهم وسرقة بعض الحبوب من جيوبهم ليستخدمها في اسبوع الاختبارات.
وامام احدى القاعات التقى سالم الذي كان الارهاق باديا على وجهه بصديقه الذي بدا في منتهى الهدوء.. سأله عن السبب الذي يجعله هادئاً وسعيداً (ونحن نعيش اجواء الامتحانات) فجاءت اجابة صديقه مترددة خوفا من فضحه.
لكن بعد انتهاء الامتحانات بسلام بدأ الصديقان يحكيان ما حدث لهما من مواقف خلال تلك الفترة العصيبة، ففجر صديقه المخلص سر تفوقه وهدوئه كاشفا عن استخدامه لنوعية معينة من الحبوب صنعت خصيصاً لذلك وانه يقوم بانهاء مفعولها من رأسه من خلال تعمير سيجارة الحشيش التي تمنحه الضحك الهستيري والنوم الجميل..
بدأت محاولات الاقناع التي مارسها صديق العمر حتى يستميل رفيقه سالم الى نفس الدرب الذي عاشه لينجح في نهاية المطاف.
سراب الحلم
راقب والد سالم التحول الغريب الذي طرأ على تصرفات ابنه فحاول ان يستكشف الامر ولكنه لم يستطع ورجح ان يكون ما حصل له مجرد (مراهقة شاب)، لكن الاب لاحظ ان سالم اعتاد طلب الكثير من المال والسهر ليلا خارج المنزل وحتى عندما يعود فانه ينام نوما غريبا لا يصحو منه الا بعد فترة طويلة. استمر سالم على نفس حالته حتى دخل في نفق مظلم وتحول من مستخدم لها الى مروج ليستطيع كسب المال (رغم عدم الحاجة).
وفي احدى الليالي المظلمة تحطم الحلم كليا عندما قامت فرقة من مكافحة المخدرات بالقبض عليه متلبسا قبل اختبارات الثانوية العامة باسابيع قليلة حيث كان يقوم بتصريف كمية من الحشيش على عدد من زملائه بحجة رغبته في انهاء الكمية بالكامل والتفرغ للاختبارات النهائية.
وكانت الكمية التي عثرت بحوزته ضخمة وتم تحويله الى سجن بريمان ليحكم عليه القاضي بالسجن ثلاث سنوات وجلده 150 جلدة انهى نصفها تقريبا مع عزمه على انهاء دراسته الثانوية في داخل سجنه لعل وعسى يستعيد جزءا من حلم والده خاصة ان الاب رفض زيارته داخل السجن.