لونك المفضل

المنتديات الثقافية - Powered by vBulletin
 

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 30

الموضوع: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

العرض المتطور

  1. #1
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    طالـــــــــــــوت

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آَيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آَلُ مُوسَى وَآَلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248) فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) ))

    القصة:

    ذهب بنو إسرائيل لنبيهم يوما.. سألوه: ألسنا مظلومين؟
    قال: بلى..
    قالوا: ألسنا مشردين؟
    قال: بلى..
    قالوا: ابعث لنا ملكا يجمعنا تحت رايته كي نقاتل في سبيل الله ونستعيد أرضنا ومجدنا.
    قال نبيهم وكان أعلم بهم: هل أنتم واثقون من القتال لو كتب عليكم القتال؟
    قالوا: ولماذا لا نقاتل في سبيل الله، وقد طردنا من ديارنا، وتشرد أبناؤنا، وساء حالنا؟
    قال نبيهم: إن الله اختار لكم طالوت ملكا عليكم.
    قالوا: كيف يكون ملكا علينا وهو ليس من أبناء الأسرة التي يخرج منها الملوك -أبناء يهوذا- كما أنه ليس غنيا وفينا من هو أغنى منه؟
    قال نبيهم: إن الله اختاره، وفضله عليكم بعلمه وقوة جسمه.
    قالوا: ما هي آية ملكه؟
    قال لهم نبيهم: يسرجع لكم التابوت تجمله الملائكة.

    ووقعت هذه المعجزة.. وعادت إليهم التوراة يوما.. ثم تجهز جيش طالوت، وسار الجيش طويلا حتى أحس الجنود بالعطش.. قال الملك طالوت لجنوده: سنصادف نهرا في الطريق، فمن شرب منه فليخرج من الجيش، ومن لم يذقه وإنما بل ريقه فقط فليبق معي في الجيش..

    وجاء النهر فشرب معظم الجنود، وخرجوا من الجيش، وكان طالوت قد أعد هذا الامتحان ليعرف من يطيعه من الجنود ومن يعصاه، وليعرف أيهم قوي الإرادة ويتحمل العطش، وأيهم ضعيف الإرادة ويستسلم بسرعة. لم يبق إلا ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلا، لكن جميعهم من الشجعان.

    كان عدد أفراد جيش طالوت قليلا، وكان جيش العدو كبيرا وقويا.. فشعر بعض -هؤلاء الصفوة- أنهم أضعف من جالوت وجيشه وقالوا: كيف نهزم هذا الجيش الجبار..؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍!

    قال المؤمنون من جيش طالوت: النصر ليس بالعدة والعتاد، إنما النصر من عند الله.. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).. فثبّتوهم.
    وبرز جالوت في دروعه الحديدية وسلاحه، وهو يطلب أحدا يبارزه.. وخاف منه جنود طالوت جميعا.. وهنا برز من جيش طالوت راعي غنم صغير هو داود.. كان داود مؤمنا بالله، وكان يعلم أن الإيمان بالله هو القوة الحقيقية في هذا الكون، وأن العبرة ليست بكثرة السلاح، ولا ضخامة الجسم ومظهر الباطل.

    وكان الملك، قد قال: من يقتل جالوت يصير قائدا على الجيش ويتزوج ابنتي.. ولم يكن داود يهتم كثيرا لهذا الإغراء.. كان يريد أن يقتل جالوت لأن جالوت رجل جبار وظالم ولا يؤمن بالله.. وسمح الملك لداود أن يبارز جالوت..

    وتقدم داود بعصاه وخمسة أحجار ومقلاعه (وهو نبلة يستخدمها الرعاة).. تقدم جالوت المدجج بالسلاح والدروع.. وسخر جالوت من داود وأهانه وضحك منه، ووضع داود حجرا قويا في مقلاعه وطوح به في الهواء وأطلق الحجر. فأصاب جالوت فقتله. وبدأت المعركة وانتصر جيش طالوت على جيش جالوت.

    بعد فترة أصبح داود -عليه السلم- ملكا لبني إسرائيل، فجمع الله على يديه النبوة والملك مرة أخرى. وتأتي بعض الروايات لتخبرنا بأن طالوت بعد أن اشتهر نجم داوود أكلت الغيرة قلبه، وحاول قتله، وتستمر الروايات في نسج مثل هذه الأمور. لكننا لا نود الخوض فيها فليس لدينا دليل قوي عليها


    داود عليه السلام
    "

    هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل، وقد آتاه الله الملك والنبوة، وهو من سِبط يهوذا بن يعقوب، وقد ذكره الله في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، وقال: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: 55].



    * نسب داود عليه السلام:


    أثبت أهل التوراة وأهل الإِنجيل نسبه على الوجه التالي:

    هو داود بن يسى "إيشا" بن عَوْبيد بن بوعز "أفصان" بن سلمون بن نحشون بن عِمّيناداب بن إرَام، بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب "إسرائيل" عليه السلام.



    * حياة داود عليه السلام في فقرات:

    )أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة داود عليه السلام ما يلي:

    أولاً- مقدمة عن حال بني إسرائيل منذ وفاة موسى عليه السلام حتى قيام ملك داود عليه النقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    1- بعد انقضاء المدّة التي أقامها بنو إسرائيل في التيه -وهي (40) سنة- وبعد وفاة هارون وموسى، تولى أمر بني إسرائيل نبي من أنبيائهم اسمه (يوشع بن نون عليه السلام)، فدخل بهم بلاد فلسطين، وقسم لهم الأرضين. وكان لهم تابوت "صندوق" يسمونه تابوت الميثاق أو "تابوت العهد"، فيه ألواح موسى وعصاه ونحو ذلك، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ءايَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].



    2- لما توفي يوشع بن نون، تولى أمر بني إسرائيل قضاة منهم، ولذلك سمي الحكم في هذه المدّة: حكم القضاة.

    وفي هذه المدة دبّ إلى بني إسرائيل التهاون الديني، فكثرت فيهم المعاصي، وفشا فيهم الفسق، إلى أن ضيعوا الشريعة، ودخلت في صفوفهم الوثنية، فسلَّط الله عليهم الأمم، فكانت قبائلهم عرضة لغزوات الأمم القريبة منهم، وكانوا إلى الخذلان أقرب منهم إلى النصر في كثير من مواقعهم مع عدوهم، وكثيراً ما كان خصومهم يخرجونهم من ديارهم وأموالهم وأبنائهم.

    3- وفي أواخر هذه المدّة سَلب الفلسطينيون منهم "تابوت العهد"، في حربٍ دارت بين الطرفين، وكان ممّن يدبر أمرهم في أواخر مدّة حكم القضاة نبي من أنبياء بني إسرائيل من سِبط لاوي اسمه: (صمويل = شَمْويل)، يتصل نسبه بهارون عليه السلام.

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
    فسأل شمويل ربه في ذلك، فأوحى الله إليه أن الله قد جعل عليهم ملكاً منهم اسمه (طالوت= شاؤول) من سبط بَنْيامين، وكانت قبيلة بنيامين في ذلك العهد قد أوشكت على الفناء في حرب أهلية وفتن داخلية قامت بين بني إسرائيل، فاستنكروا أن يكون طالوت ملكاً عليهم.

    قال الله عزّ وجلّ: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 247].


    فسألوا عن دليل رباني يدلهم على أن الله ملَّكه عليهم، فقال لهم صمويل:

    {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 248].



    وأعطاهم صمويل موعداً لمجيء التابوت تحمله الملائكة، فخرجوا لاستقباله فلما وجدوا التابوت قد جيء به حسب الموعد أذعنوا لملك طالوت، فكان أول ملك من ملوك بني إسرائيل.

    4- جمع طالوت صفوف بني إسرائيل، وهيأهم لمحاربة عدوهم، وخرج بهم، ثم اصطفى منهم خلاصة للقتال، يقارب عددها عدد المسلمين في غزوة بدر. قالوا: وكان عددهم نحواً من (319) مقاتل، وذلك بطريقة قصها القرآن علينا في قوله تعالى: {فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنْ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249].


    وهؤلاء القلة هم الذين اصطفاهم طالوت للقتال بعد رحلة برية شاقة سار بهم فيها، وقد اشتد فيها ظمأ القوم، وبهذه القلة التي جاوزت النهر واجه طالوت الأعداء.

    5- لقي طالوت خصومه الوثنيين الفلسطينيين، وكان رئيسهم جالوت (جليات عند العبرانيين) قوياً شجاعاً فرهبه بنو إسرائيل.

    وهنا دخل في صفوف بني إسرائيل المقاتلين فتى صغير من سِبط يهوذا كان يرعى الغنم لأبيه "اسمه داود"، ولم يكن في الحسبان أن يدخل مثله في المقاتلين، ولكن أباه أرسله إلى إخوته الثلاثة الذين هم مع جيش طالوت ليأتيه بأخبارهم.

    قالوا: فرأى داود جالوت وهو يطلب المبارزة معتداً بقوته وباسه، والمقاتلون من بني إسرائيل قد رهبوه وخافوا من لقائه.

    فسأل داود -وهو الفتى الصغير- عما يصير لقاتل هذا الرجل الجبار شديد البأس، فأُجيب بأن الملك "طالوت" يغنيه ويزوِّجه ابنته، ويجعل بيت أبيه حراً في إسرائيل.

    فذهب داود إلى الملك طالوت وطلب منه الإِذن بمبارزة جالوت، فضنَّ به طالوت وحذره.

    فقال له داود: إني قتلت أسداً أخذ شاة من غنم أبي، وكان معه دبّ فقتلته أيضاً، فألبسه طالوت لامَة الحرب وعدة القتال، فلم يستطع داود أن يسير بها لعدم خبرته السابقة بذلك، فخلعها وتقدم بعصاه ومقلاعه وخمسة أحجار صلبة انتخبها من الوادي.

    وأقبل داود على جالوت وجرت بينهما مكالمةٌ عن بعد، وأظهر جالوت احتقار الفتى وازدراءه، والعفة عن مبارزته لصغر سنِّه، لكن داود أخذ مقلاعه -وكان ماهراً به- وزوَّده بحجرٍ من أحجاره، ورمى به فثبت الحجر في جبهة جالوت الجبار فطرحه أرضاً، ثم أقبل إليه وأخذ سيفه وفصل به رأسه، وتمت الهزيمة لجنود جالوت بإذن الله!



    ووفَّى طالوت لداود بالوعد، فزوجه ابنته (ميكال) وأغناه.

    6- ومنذ ذلك التاريخ لمع اسم (داود) في جماهير بني إسرائيل، ثم توالت الانتصارات لبني إسرائيل على يد داود، وخاف طالوت على ملكه منه فلاحقه ولاحق أنصاره وعَزَمَ على التخلص منه بالقتل، إلاَّ أن الله سلَّم داود منه، ولم يكن من داود لطالوت إلاَّ الوفاء والطاعة وحسن العهد، وقد تهيأت له الفرصة عدة مرات أن يقتله فلم يفعل ولو شاء لانتزع منه الملك.

    7- ولما لم يجد داود سبيلاً لإِصلاح نفس طالوت عليه، اعتزل عنه بعد عدة محاولات وفاء قام بها نحوه، فلم يخفف ذلك من حسده وقلقه وآلامه.

    ومن ثَمّ بدأت الهزائم تلاحق طالوت في حروبه مع أعداء بني إسرائيل، حتى قُتل هو وثلاثة من بنيه، وهُزم رجاله. قالوا: وقد ندم طالوت على ما كان منه وتاب.

    وكان نبيهم صمويل قد تغير على طالوت وهجره لما بدر منه نحو داود، وقد أُخبر داود أن المُلكَ صائر إليه بعد موت طالوت.

    ثانياً- داود في الملك:

    8- علم داود بمقتل طالوت، فصعد إلى حبرون (مدينة الخليل)، فجاء رؤساء سبط يهوذا وبايعوه بالملك.

    أما بقية أسباط بني إسرائيل فقد دانوا بالطاعة لولد من أولاد طالوت اسمه: (إيشبوشت).

    ثم قامت حروب بين جنود داود وجنود إيشبوشت، انتهت بمقتل ابن طالوت بعد سنتين أو ثلاث، واستتب لداود الملك العام على بني إسرائيل، وكان عمره (30) سنة.

    9- اتسعت مملكة بني إسرائيل على يد داود عليه السلام، وآتاه الله مع الملك النبوة، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل يحكم بالتوراة، كما أنزل عليه (الزبور) - أحد الكتب السماوية الأربعة الكبار - وآتاه الله الحكمة وفصل الخطاب.

    10- قالوا: وقد دام ملكه (40) سنة ثم توفي عليه السلام، ودفن في "بيت لحم" بعد أن أوصى بالملك لابنه سليمان، فيكون عمره على هذا حين قبض عليه السلام (70) سنة. والله أعلم.

    )ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة داود عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل ببدء ظهور اسمه في بني إسرائيل، وملكه ونبوته، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وأبرز ما جاء فيه النقاط التالية:

    1- إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه وأنزل عليه الزبور، وآتاه الحكمة وفصل الخطاب، وعلمه مما يشاء، وأمره أن يحكم بين الناس بالحق.

    2- إثبات أنه قتل جالوت في المعركة التي قامت بين بني إسرائيل وعدوهم بقيادة طالوت.

    3- إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها:

    )أ) أن الله آتاه الملك وشدّه له، وجعله خليفة في الأرض، وأعطاه قوةً في حكمه.

    (ب) أن الله سخر الجبال والطير يسبحن معه في العشي والإِبكار.

    "فقد آتاه الله صوتاً حسناً، وقدرة على الإِنشاد البديع، فهو يصدح بصوته بتسبيح الله وتحميده، ويتغنى فيه بكلام الله في الزبور في العشي والإِبكار، فترجّع الجبال معه التسبيح والتحميد، وتجتمع عليه الطير فترجع معه تسبيحاً وترنماً وغناءً.

    )جـ) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى ولده سليمان من بعده مثل ذلك.

    )د) أن الله ألان له الحديد، "فهو يتصرف بَطيّه وتقطيعه ونسجه، كما يتصرف أحدنا بالأشياء اللينة بطبعها.

    )هـ) أن الله علَّمه صناعة دروع الحرب المنسوجة من زرد الحديد.

    قالوا: وكانت هذه الصناعة غير معروفة قبل داود عليه السلام.

    4- عرض قصة استفتاء فقهي وُجِّه إليه، فأفتى فيه بوجه، وكان ابنه سليمان فتىً صغيراً حاضراً مجلس الاستفتاء فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب.

    وذلك ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 78-79].


    نفشت: أي رعت ليلاً بلا راعٍ.


    قال المفسرون: إن زرعاً دخلت فيه ليلاً غنم لغير أهله، فأكلته وأفسدته، فجاء المتحاكمون إلى داود - وعنده سليمان -، فحكم داود بالغنم لصاحب الحرث عوضاً عن حرثه الذي أتلفته الغَنم ليلاً. فقال سليمان - وهو ابن إحدى عشرة سنة -: غير هذا أرفق، فأمر بدفع الغنم إلى أهل الحرث لينتفعوا بألبانها وأولادها وأشعارها، وبدفع الحرث إلى أهل الغنم ليقوموا بإصلاحه حتى يعود إلى ما كان، ثم يترادّان.

    5- عرض قصة الخصمين اللذين تسوّرا على داود، ودخلا عليه المحراب في وقت عبادته الخاصة التي يخلو بها ولا يسمح لأحد أن يدخل عليه فيها، ففزع داود منهما، لأنهما لم يستأذنا بالدخول عليه، ولم يدخلا محرابه من بابه، فقالا له:

    {لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ} [ص: 22] أي: لا تَجُرْ في الحكم - {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.

    فأصغى لهما داود، فقال أحد الخصمين:

    {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} - أي: ملكنيها- {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: 23] أي: غلبني في المخاصمة بنفوذٍ أو بقوة.

    وسكت الآخر سكوت إقرار.

    فقال داود: {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24].
    وانصرف المتسوران دون أن يعلِّقا بشيء على ما أفتى به داود.

    فرجع داود إلى نفسه، فعرف أن الله أرسل إليه هؤلاء القوم بهذا الاستفتاء ابتلاء، وذلك لينبهه على أمر ما كان يليق به أن يصدر منه بحسب مقامه، فوبخ نفسه: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} تائباً من ذنبه، خائفاً من ربه.



    وتطبيقاً لمبدأ عصمة الرسل عليهم السلام، فإن ما فُتِنَ به داود ونبِّه عليه عن طريق الخصمين المستفتيين ينبغي أن لا يكون معصية ثابتة، وإنما هو من المباحات العامة التي لا تليق بمقام الرسل المصطفين عليهم السلام.

    هذا إذا كانت الحادثة بعد النبوة، أما إذا كانت قبل النبوة فينبغي أن لا تكون من الكبائر، إذ الكبائر لا تليق بآحاد المؤمنين، فضلاً عن الذين يهيؤون للرسالة. والله أعلم.

    وذكر فريق من المفسرين أنّ فتنة داود عليه السلام كانت لأنه حكم بمجرّد سماع الدعوى، دون أن يسأل البيِّنة، أو يسمع كلام المدَّعى عليه، ولذلك قال الله له بعد ذلك كما جاء: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26].


    والى قصة سليمان عليه السلام
    >>>>

  2. #2
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة


    سليمان بن داود عليهما السلام

    هو من الرسل الذين أرسلهم الله إلى بني إسرائيل بعد أبيه داود عليهما السلام، وقد انفردا من بين الرسل بأن الله آتاهما الملك والنبوة. وقد ذكر الله سليمان في عداد مجموعة الرسل عليهم السلام، فقال تعالى في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا...} [النساء: 163].


    * حياة سليمان عليه السلام في فقرات:

    )أ) أبرز ما تعرض له المؤرخون من حياة سليمان عليه السلام ما يلي:

    1- أوصى داود عليه السلام بالملك لولده سليمان، ولما مات داود ورثه سليمان في الملك، وكان عمره حينئذٍ اثنتي عشرة سنة، وكان سليمان - على حداثة سنه - ممن آتاهم الله الحكمة والفطانة وحسن السياسة.

    2- اتسع ملك سليمان، وغالَبَ الأمم من حوله، حتى ضرب الجزية على جميع ملوك الشام، ثم امتد ملكه حتى كان له نفوذ على ملوك اليمن، وخضعت له ملكة سبأ، فآمنت به ودخلت في دينه وطاعته.

    3- قام بعمارة بيت المقدس - تنفيذاً لوصية أبيه داود عليه السلام - بعد أربع سنين من توليه الملك، وأنفق في ذلك أموالاً كثيرة، وانتهى من عمرانه بعد سبع سنين، وأقام السور حول أورشليم (مدينة القدس).

    ثم بنى الهيكل (القصر الملكي)، قالوا: وقد أتم بناءه في مدة ثلاث عشرة سنة، وأنشأ مذبح القربان، وكان له اهتمام عظيم بالإِصلاح والعمران، وكان له أسطول بحري، قالوا: وكانت السفن تجلب له من الهند الذهب والفضة والبضائع، والفيلة والقرود والطواويس، وكان له عناية فائقة بالخيل، يروضها ويعدها للحرب، وكانت له مجموعة كبيرة من النساء الحرائر والسراري.

    قالوا: وقد قام بأعمال تجارية واسعة في البر والبحر، وأدخل نظام الضرائب والسُّخرة، حتى أصبحت عظمة حكمه مضرب الأمثال.

    4- وأورد المؤرخون أن سليمان عليه السلام حجَّ إلى بيت الله الحرام بمكة، في ركبٍ مَلَكيٍ كبيرٍ وفّى فيه نذره، وقدم في حجته ذبائح وقرابين كثيرةً، وأنه بعد حجه عليه السلام سافر بركبه إلى اليمن، ودخل أرض صنعاء. والله أعلم.

    5- ولبث في الملك (40) سنة ثم توفي عليه السلام، وقد بلغ عمره (52) سنة.

    )ب) وقد تعرض القرآن الكريم في عدة سور لحياة سليمان عليه السلام، بشكل تناول أهم النقاط البارزة في حياته، مما يتصل بنبوته وملكه، وبعض صفاته ونعم الله عليه، وذكر منها ما لم يتعرض له أهل التاريخ، وأبرز ما جاء في الكتاب العزيز مما يتصل به عليه السلام النقاط التالية:

    1- إثبات نبوته ورسالته، وأن الله أوحى إليه كما أوحى إلى سائر الرسل، وأن الله آتاه علماً، وفضله وأباه على عالمي زمانه، كما قال أبوه داود من قبل: {الحمد الله الذي فَضَّلَنا على كثيرٍ من عباده المؤمنين}.

    2- إثبات أنه أوَّاب، ولذلك أثنى الله عليه بقوله :

    {وَوهبنا لداود سليمان نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 30].



    3- إثبات أن الله أنعم عليه بنعم كثيرة منها ما يلي:

    )أ) أن الله آتاه الملك ميراثاً من أبيه داود عليه السلام، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16].


    (ب) أن الله آتاه علم منطق الطير، كما آتى أباه داود مثل ذلك من قبله.

    (جـ) أن الله آتاه الحكمة على حداثة سنه، ويشهد لذلك قصة الاستفتاء الفقهي الذي وُجِّه إلى أبيه داود، فأفتى فيه بوجه، فاستدرك سليمان فأفتى بوجه آخر، وكان ما أفتى به سليمان أضمن للحق وأقرب للصواب، وقد أوردنا هذه القصة فيما سبق عند الكلام على حياة داود عليه السلام.

    (د) أن الله سخَّر لسليمان الريح تجري بأمره حيث أراد، غُدُوُّها شهر ورواحها شهر، فإذا أرادها رخاء جرت بأمره رخاء حيث أصاب، وإذا أرادها عاصفةً جرت بأمره عاصفة إلى الأرض التي أراد.

    فتسوق له السفن حسب إرادته، وتتجه بأمره إلى الأرض التي يوجهها إليها حسب المصالح التي يقدرها.

    وهذا التسخير من المعجزات التي اختص الله بها سليمان عليه السلام.

    (هـ) أن الله سخر له من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه، ومن يزغ منهم عن أمر الله يذقه من عذاب السعير، يعملون له ما يشاء من محاريب، وتماثيل، وجفان كالجواب، وقدور راسيات. كما سخر له من الشياطين - وهم مَرَدَة الجن - من يغوصون له في البحار، لاستخراج ما يريد منها، ومن يبنون له المباني الضخمة، كما سلطه الله على آخرين من الشياطين إذ يكف شرهم عن الناس، وذلك بتقييدهم بالأغلال. قال الله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَءاخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ}.


    مقرّنين في الأصفاد: مقيدين في الأغلال.

    )و) أن الله سخر له الجنود من الجن والإِنس والطير، يجتمعون بأمره ويطيعونه. قال تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}.


    يوزعون: يؤمرون فيطيعون، ويمنعون فيمتنعون.

    (ز) أن الله أسال له عين القِطر - وهو النحاس - فكان النحاس يتدفق له مذاباً من عين خاصةٍ كتدفق الماء، ولعل ذلك كان في أرض بركانية.

    4- ومن الأحداث التي جرت لسليمان عليه السلام، قصته مع ملكة سبأ، قالوا: واسمها بلقيس. والله أعلم.

    وخلاصة هذه القصة - مقتبسة مما جاء في الكتاب المجيد في سورة (النمل) - كما يلي:

    عرفنا أن الله سخَّر لسليمان الطير يستخدم كلاً منها في مهماته، ضمن حدود القدرات التي وهبها الله ذلك الصنف من الطير، وكان قد اختصه الله بفهم منطقها، وكيفية خطابها وإفهامها أوامره ونواهيه، وتلك معجزة خاصة من الله لسليمان.

    وكان من الطير المسخرة له (الهدهد)، إلاَّ أن هذا الهدهد قد وهبه الله امتيازاً إدراكياً خاصاً، يستطيعأن يدرك به بعض ما يدركه الناس.

    وذات مرة تفقّد سليمان جنوده من الطير، فلم يجد بينها طائر الهدهد.

    قال سليمان: {مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنْ الْغَائِبِينَ * لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20-21].

    ثم أقبل الهدهد، وحضر بين يدي سليمان عليه السلام، وسمع تأنيبه على غيابه، وتوعُّدَه له إلاَّ أن يأتي بسلطانٍ مبين يبرر غيابه.

    فقال الهدهد لسليمان: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22].

    فسأله سليمان: ما هو هذا النبأ اليقين؟

    فأجاب الهدهد: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ * يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 23-26].

    قال سليمان: {قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 27-28].

    حمل الهدهد كتاب سليمان، وطار به حتى وصل إلى ملكة سبأ، فألقاه إليها، ففضته وقرأته.

    ثم قالت لوزرائها ومستشاريها: {يَا أَيُّهَا المَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29]، فاسمعوا محتواه: {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ * أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 30-31].
    ولما قرأت عليهم الكتاب قالت لهم: {يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِي} [النمل: 32].

    قال ملَؤها ومستشاروها: "نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد"، فإن كنت تريدين الحرب فنحن أهل لها، وقد ذكروا ذلك ليشدوا من قوى مليكتهم، ويشيروا عليها بعدم الاستسلام، ثم قالوا لها: {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33]. معلنين بذلك كمال الطاعة لما تأمر به.

    قالت الملكة: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً} - أي: عنوة وعن طريق القتال - {أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 34-35]؟!
    فالرأي أن نصانعه أولاً بالهدايا، ونحمِّلها لرجال دهاة منا، ينظرون مدى قوة سليمان، ثم بعد ذلك نقرر ما يجب أن نفعله في ضوء ما يأتينا من معلومات عنه.

    حمل رسل ملكة سبأ هداياهم إلى سليمان، فلما وصلوا إليه ووضعوها بين يديه، قال سليمان: {أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36]!!.
    وبذلك أعلن لهم أنه ليس بحاجة إلى مال، وإنما هو رسول صاحب دعوة ربانية. ثم قال لرئيس رسل ملكة سبأ:

    {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37].

    فرجع الرسل، ووصفوا لمليكتهم ما شهدوه عن عظمة ملك سليمان، وقوة بأسه، وأنه لم يقبل هداياها، ولم يرضَ المصانعة، وأنه عازمٌ على ما ذكر في كتابه لها.

    فعزمت الملكة على الاستسلام والانقياد، وشدّت رحالها وأحمالها، وسارت بركابها إلى سليمان.

    علم سليمان عليه السلام بأن القوم وافدون إليه طائعين منقادين، فقال لوزرائه ومستشاريه، وسائر حاشيته من الإِنس والجن:{ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]؟!

    فتسارع جنود سليمان وأنصاره لتلبية الطلب.

    قال عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].

    وكان لسليمان مجلس ملكي يجلس فيه للاستشارة والقضاء، وتصريف مهام الملك.

    قال الذي عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ}.

    وإذا بعرش ملكة سبأ حاضر بين يدي سليمان قبل أن يرتد إليه طرفه.

    فلما رآه مستقراً عنده قال:{ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40].

    وأعدّ سليمان لها صرحاً خاصاً قبل أن تصل إليه، وجعل أرضه ممردة من زجاج متلامع، مهيأ بشكل يخَاله الناظر لُجّةً.

    وأراد عليه السلام أن يغير بعض معالم عرش ملكة سبأ، وينكِّره لها، ليمتحن قوة ملاحظتها وانتباهها إذا جاءت وشهدت مظاهر عظمة هذا الملك المؤيد بالخوارق والعجائب، ودهشت بها، ولذلك: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنْ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ}.
    {فَلَمَّا جَاءَتْ}فوجئت بأول امتحان، فعرض عليها عرشها و "قيل: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}؟! فنظرت إليه - وكانت صاحبة فطنة وذكاء - وتأملته ثم "قالت: كأنه هو" وهي قولة فَطِنٍ حَذِر.

    وكأنها أدركت السرَّ، وأنه عرشها حقاً نقل من اليمن إلى مركز ملك سليمان، ونُكِّر لها لامتحانها واختبار قوة ملاحظتها، فقالت: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ}.

    وأعلنت بذلك أن الذي جاء بها إلى سليمان - من بلادها - مسلمة طائعة، ما كان قد حصل لديها من العلم بما عند سليمان من قوى خارقة وملك عظيم، وأنه مؤيد بما لم يؤيَّد به ملك آخر.

    إنها امرأة ذات عقل راجح، وفطنة عالية، ولديها استعداد سريع لإِدراك الحقيقة والإِيمان بالله العلي القدير، إلا أن وجودها في بيئة كافرة - اعتادت أن تعبد من دون الله - هو الذي كان قد صدّها عن إدراك الحقيقة والإِيمان بها: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ}.

    ثم دُعيت إلى دخول الصرح الذي أعدَّ لها:

    "قيل لها: {ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}.

    قال سليمان لها: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ}.

    وهنا أدركت أن ذكاءها البالغ قد خانها في هذه اللحظة، إذ امتحنت بأمر لم يسبق لها فيه ملاحظة أن تجربة، فأعلنت إيمانها مع سليمان لله رب العالمين.

    "قالت: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

    5- ومن الأحداث التي جرت لسليمان عليه السلام مروره على وادي النمل، وذلك ما تضمنه قوله تعالى: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 17-19].


    فهذه القصة تتضمن أن الله خلق في هذه النملة قوة إدراك أدركت به مرور سليمان وجنوده في الوادي، فأمرت سائر النمل بدخول مساكنهم خشية أن يحطمهم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، إذ لا غرض لهم بتحطيمهم، إنما هم قوم يجتازون في طريقهم، وكان ذلك هبة خاصة اختص الله بها وادي النمل هذا من دون سائر النمل.

    وسمع سليمان قول النمل بما آتاه الله من معجزات، فتبسّم ضاحكاً من قولها، وتأمل في ما آتاه من نعمة الرسالة، ونعمة الملك، ونعمة اختصاصه بكثير من المعجزات، فدعا الله أن يُوزِعه - يلهمه - أن يشكر نعمته التي أنعم بها عليه وعلى والديه، وأن يعمل عملاً صالحاً يرضاه، وأن يدخله برحمته في عباده الصالحين.

    6- وقد تعرض القرآن الكريم لحادثةٍ جرت لسليمان عليه السلام، تتصل باهتمامه بإعداد خيول الجهاد في سبيل الله وإشرافه عليها، لأن الخيول كانت من أعظم وسائل القتال قبل وجود هذه الآليات الحربية الحديثة.

    وخلاصة هذه الحادثة: أنه عليه السلام كان قد أمر بإعداد مجموعة كبيرة من خيول الجهاد، ثم أراد أن يشاهد ما بلغت إليه هذه الخيول وفرسانها من قوة وترويض، فعقد لذلك مشهداً في عشية يوم من الأيام، فعرضت عليه مجموعة الخيول بكامل عدتها الحربية، فسره مرآها، وأعجبته كثرتها وقوتها. ورأى جنود سليمان وخاصته إعجابه بهذه الخيول وحبه لها، وإقباله على اقتنائها ورياضتها، فقال مبيناً سرّ ذلك: "إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي"، أي: إنني ما أحببت هذه الخيول تلبية لشهوة من شهوات النفس، ولا تحقيقاً لغرض من أغراض الدنيا، وإما أحببتها ابتغاء تقوية دين الله، ونشر الحق والخير. وإذا كان أناس يحبون أشياء من مظاهر الدنيا حب الشر، ورغبة في تلبية المطالب الدنيئة للأَنفس، فإني أحببت حب الخير، ورغبة بتحقيق طاعة الله تعالى. ثم إن هذا الحب ليس أثراً صادراً عن النفس التي تدفع كثيراً من ذوي السلطان إلى الظلم والعدوان، وبسط النفوذ على الشعوب لأغراض دنيوية، ولكنه أثر صادر عن ذكر الله تعالى، وذكر الله يدفع المؤمن إلى السعي في طاعته، والعمل ابتغاء مرضاته، وإن من طاعة الله تعالى الإِعداد للجهاد في سبيل نشر دينه.

    ثم أمر عليه السلام بإجرائها فانطلق بها فرسانها من الجهة التي هو فيها، وتابعها النظر "حتى توارت بالحجاب" أي غابت عن بصره، ثم قال: "ردوها علي"، فلما وصلت إليه، وسرّه منظر صلفها وقوتها، وأعجبه ترويضها، أقبل عليها وطفق في تواضع كريم يمسح بيده سوقها وأعناقها تكريماً لها.

    وإلى هذه الحادثة أشار القرآن الكريم بقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ* فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص: 30-33].


    7- وقد تعرض القرآن الكريم لقصّة فتنة سليمان، وإلقاء الجسد على كرسيه، وذلك في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 34-35].


    ولم يثبت بخبرٍ صحيح الأمر الذي فتن الله به سليمان، ولا المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا}. وقد ذكر المفسرون عدة وجوه يحتملها النص، ولكن لا سبيل إلى الجزم بواحد منها، ولأهل الحشو حول ذلك قصص لا أصل لها! وعليه فنحن نفوض الأمر إلى الله تعالى حتى يأتينا ما يكشف لنا المراد بوضوح.

    وقد استأنس بعض المفسرين في شرح المراد من هذه الآية بما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن سليمان قال:

    لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله تعالى، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون.

    قالوا: فلعل المراد من فتنة سليمان ابتلاؤه بما آتاه الله من ملك عظيم، ونساء كثيرات حرائر وإماء، وتمنيه أن يكون له من صلبه أولاد كثيرون يقاتلون في سبيل الله، ويوطدون دعائم الدولة الربانية، ونسيانه تعليق ذلك على مشيئة الله تعالى، وذلك إذ أخذ على نفسه أن يطوف في ليلة واحدة على عدد كبير من نسائه، تأتي كل واحدة منهن بفارس يجاهد في سبيل الله، وتجاوز بذلك حدود بشريته، ونسي أن يفوض تحقيق الأمر إلى مشيئة الله تعالى، فجوزي على هذا بأن النساء اللواتي طاف عليهن لم يحملن منه إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل. قالوا: فلعل هذا الشق هو المراد من قوله تعالى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا }، فلما رأى سليمان ذلك رجع إلى ربه وأناب، وقال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}. وبذلك فوض أمر توطيد الملك - الذي لا ينبغي لأحد من بعده - في مملكته الربانية إلى الله تعالى، لا إلى المجاهدين في سبيل الله من أولاده.

    8- وقد تعرض القرآن المجيد أيضاً لقصّة موت سليمان عليه السلام، وبعض الملابسات التي رافقت ذلك، فقال تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتْ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].



    المنسأة: العصا.


    فهذا النص القرآني يدلّ على أن سليمان عليه السلام قضى الله عليه الموت فمات، وبقي أمر موته مجهولاً، وأنه كان قبل موته متكئاً على عصاه، فلما مات بقيت العصا هي الحافظة لتوازن جسمه من أن يخرّ.

    لبث هكذا حتى جاءت دابة الأرض - قالوا: وهي الأرضة - فأخذت تأكل عصاه، إلى أن ضعفت العصا بتأثير الأرضة عن حمل جثة سليمان، فانكسرت فخرّ جسمه على الأرض، عند ذلك علموا موته، وأقبلوا عليه ودفنوه، وظهر لهم بعد البحث أن الموت قد حصل من زمن غير قصير. ولما رأت الجن - المسخرون لسليمان بالأعمال الشاقة من كل بناء وغواص - ذلك تبينوا أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين هذه المدة الواقعة ما بين موته وعلمهم به!!

    والذي يظهر: أن سليمان عليه السلام كان إذا دخل محرابه وخلا لنفسه، واعتكف لعبادة ربه، لم يستطع أحد أن يدخل عليه - سواء كان من أهله أو من غير أهله، وسواء كان من الإِنس أو من الجن - حتى يأذن له. وذلك بما وهبه الله من هيبة وسلطان في الملك، وما يعلمون عنه من معجزات وخوارق عادات، وقوى نافذة يستطيع أن يسخر بها الجن والطير، والريح الرخاء والريح العاصفة، وبخاصة بعد أن استقر ملكه، وتمرس به نوَّابه، وكبرت سنه، وصار ميّالاً للخلوات، يعبد فيها ربه، ويتجرد فيها من كل علائق الدنيا. وأما طعامه وشرابه وحاجاته فإنهم يعلمون أن ذلك أيسر ما في الأمر عليه، فلا يضعونها في حسابهم، بل يفوضون له الأمر، حتى يأمر بشيء منها.

    وبهذا التحليل تُدفع طائفة الإِشكالات التي قد تخطر على البال حول كيفية بقائه مدة من الزمن ميتاً، وهو ملك البلاد دون أن يعلم بذلك أهله
    وخاصته، والجن والشياطين المسخرون للعمل بأمره. والله أعلم[/SIZE]

  3. #3
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية صولانكو
    تاريخ التسجيل
    05 2006
    الدولة
    الرياض
    المشاركات
    204

    مشاركة: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    ومن القصص لعبرة

    أشكرك اخي جبران على هذا المجهود العظيم
    ودمت بالف خير,,,,,,,,,,,,,,

  4. #4
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية ا.عبدالله
    صديق الضوء
    تاريخ التسجيل
    07 2007
    المشاركات
    6,412

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    جزاك الله خيرا ونفع بك
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية * روعة خيال *
    غنيةٌ باللهِ عَنِ الْعَالمِين
    تاريخ التسجيل
    02 2008
    الدولة
    حيثُ الخيالُ يكون !
    المشاركات
    2,634

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    جبران


    جزاك الله خير الجزاء

    .

    .
    رَبِّي طَهرني منَ الحاسةِ السادسة كَما تُطَهرُ القُلوبَ منَ الذُنوب ..
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


  6. #6
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    فتح الأندلس العظيم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    في عام 86 هـ وفي زمن الوليد بن عبد الملك الأموي تولى موسى بن نصير المغرب ، فأخضع البربر ، ونشر الأمن في هذه الربوع ، واستطاع أن يفتح طنجة فترك بها حامية يقودها مولاه طارق بن زياد ، وعهد إليه بالعمل على نشر الإسلام في المنطقة ، وعسكر طارق بمن معه من المسلمين على سواحل بحر الزقاق ، وبدأت أنظارهم تتجه نحو أسبانيا .

    وعاد موسى إلى القيروان ، وعلم طارق أن ميناء سبتة على مقربة منه فبدأ يتحرك نحوه ، وكان حاكم سبتة يليان قد تحرر من سلطان الدولة البيزنطية ، وأصبح كالحاكم المستقل في سبتة وماحولها ، واحتك يليان بالمسلمين وأحس بقوتهم وضغطهم عليه ، فعمل على كسب ود طارق بن زياد ، وكان طارق يتطلع لفتح أسبانيا ، فراسل يليان ولاطفه وتهاديا حتى يستفيد منه .

    وأما الأندلس ( أسبانيا ) فقد حكمها القوط منذ عام 507 م ، غير أن أمرهم بدأ يضعف ، وقسمت أسبانيا إلى دوقيات ، يحكم كل منها دوق ، يرجـع في سلطنته إلى الملك في طليطلة ، وقسم المجتمع إلى طبقات : أعلاها طبقة الأشراف أصحاب الأموال والمناصب وحكام الولايات والمدن والإقطاعيون ، ثم طبقة رجال الدين الذين ملكوا الضياع وعاملوا عبيدهم بالعسف ، ثم طبقة المستخدمين وهم حاشية الملك وموظفو الدولة ، ثم الطبقة الوسـطى وهم الزراع والتجار والحرفيين وقد أثقلوا بالضرائب ، وأخيراً الطبقة الدنيا وهم الفلاحين والمحاربين والعاملين في المنازل ، وبلغ البؤس بأهل أسبانيا أن حل بهم الوباء في السنوات : 88 ، 89 ، 90 هـ حتى مات أكثر من نصـف سكانها .

    وفي عام 709 م تولى العرش وتيكا الذي يسميه العرب غيطشة ، ولكنه عزل في نهاية السنة نفسها ثم قتل ، واستلم الحكم بعده أخيلا ، وفي العام التالي710 م وصل ردريك - ويسميه العرب لذريق – إلى الحكم بعد عزل أخيلا ، وغرق لذريق في الشهوات حتى نفرت منه القلوب ، وانقسمت البلاد في عهده ، فظهـر حزب قوي بزعامة أخيلا الذي حاول استرداد عرشه وحزب آخر ناصر الملك .

    ولما كان يليان حليفاً لغيطشة فقد حـاول مد يد العون إلى حليفه ، ولكن أنصار لذريق ردوه عن الأندلس إلى العدوة الإفريقية ، فتحصن في سبتة ، وأخذ يرقب الأحداث .

    وتذكر الروايات أن يليان هو الذي دعا موسى لغزو الأندلس ، وذلك أن يليان كان قد أرسل ابنته إلى قصر لذريق لتتأدب ، وتنشأ فيه أسوة بغيرها من بنات القوط في ذلك الزمان ، وأن لذريق بصر بالفتاة وطمع فيها ونال منها ، فكتبت إلى أبيها بخبرها ، فدفعه ذلك إلى التفكير في الانتقام من لذريق ، فاتصل بطارق وزين له فتح الأندلس ، وجعل نفسه وأتباعه أدلاء للمسلمين بعد أن اطمـأن إليهم ، وزار يليان موسى بن نصـير في القيروان لإقناعـه بسهولة الفتح ، وطبيعي أن يشك موسى في صحة المعلومات فطلب من يليان أن يقوم بغارة سريعة ، ففعل وعاد محملاً بالغنائم .

    وليس هذا هو السبب الحقيقي للفتح ، ولكنه عجل به وساعد عليه ، وإلا فأعين طارق بن زياد على الأندلس منذ أن وصل طنجة ، ثم إن المسلمين فتحوا فرنسا وسويسرا وصقلية وجزر المتوسط كلها دون مساعدة يليان ، كما أن المسلمين منذ أيام عثمان بن عـفان رضي الله عنه يفكرون بفتح القسطنطينية من جهة أوروبا بعد فتح الأندلس ، وقال عثمان حينها : ( إن القسطنطينية إنما تفتح من قبل البحر ، وأنتم إذا فتحتـم الأندلس فأنتم شركاء لمن يفتح القسطنطينية في الأجر آخر الزمان ) .

    وكتب موسى يستأذن الخليفة بدمشق ، فجاء رد الخليفة الوليد أن خضها بالسرايا حتى تختبرها ، ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال ) ، فكتب إليه موسى إنه ليس ببحر وإنما هو خليج يكاد الناظر أن يرى ماخلفه فكتب إليه الخليفة وإن كان ، فاختبره بالسرايا فأرسل موسى مولاه طريف ، وكان في مائة فارس وأربعين راجلاً في مهمة استطلاعية ، وجاز البحر في أربعة مراكب أعانهم بها يليان وذلك في شهر رمضان ، ونزل المسلمون في جزيرة صغيرة على مقربة من الموضع الذي قامت فيه بلدة حملت اسم طريف ، وخفّت قوة من أنصار يليان وأبناء غيطشة لعونهم وقامت بحراسة المعبر حتى تم نزولهم ، ومن ذلك الموضع قام طريف وأصحابه بسلسلة من الغارات السريعة على الساحل غنموا فيها كثيراً ، وشجع هذا موسى على عبور الأندلس .

    واختار موسى للفتح طارق بن زياد ، وركب طارق السفن في سبعة آلاف من المسلمين ، جلّهم من البربر ، وبينما هو في عرض المضيق على رأس سفينته إذ أخذته سنة من النوم ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وحوله المهاجرون والأنصار ، قد تقلدوا السيوف ، وتنكبوا القسيّ ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا طارق تقدم لشأنك ) ، ونظر إليه وإلى أصحابه قد دخلوا الأندلس قدّامه ، فيهب طارق مستبشراً .

    وألقت السفن مرساها قبالة الجزيرة الخضراء عند جبل سمي فيما بعد جبل طارق ، وكان لذريق مشغولاً بثورة أخيلا في الشمال ، ولما علم بنزول المسلمين في أرض أسبانيا جمع جيشاً جراراً بلغ سبعين ألفاً ، وفي رواية : مائة ألف .

    وجاءت امرأة عجوز من أهل الجزيرة الخضراء إلى طارق ، وقالت له : إنه كان لها زوج عالم بالحدثان [ أخبار الزمان فكان يحدثهم عن أمير يدخل بلدهم هذا فيتغلب عليه ، ويصف من نعته أنه ضخم الهامة ، فأنت كذلك ، ومنها أن في كتفه الأيسر شامة عليها شعر فإن كانت فيك فأنت هو ، فكشف ثوبه فإذا بالشامة في كتفه على ما ذكرت ، فاستبشر ومن معه .

    وسار طارق باتجاه قرطبة حتى وصل لوادي بكة حرّف فيما بعد إلى وادي لكة ، وهنا عرف طارق بأن لذريق وصل لقرطبة ، ثم تقدم واستعد للموقعة في سهل البرباط وأرسل طارق يطلب المدد من موسى بن نصير ، فعجل موسى بإرسال خمسة آلاف من خيرة الجنود يقودهم طريف ، وفيهم عدد عظيم من العرب فأدركوا طارقاً قبيل المعركة فأصبح عددهم اثني عشر ألفاً ، وقام طارق في أصحابه خطيباً فشجعهم على الجهاد ، واستعد لذريق للقاء ، وقد ولى ولدي غيطشة على ميمنته وميسرته .

    وقبيل الالتحام أجمع أولاد غيطشة على الغدر بلذريق ، وأرسلوا إلى طارق يعلمونه أن لذريق كان تابعاً وخادماً لأبيهم ، فغلبهم على سلطانه بعد مهلكه ، ويسألونه الأمان ، على أن يميلوا إليه عند اللقاء فيمن يتبعهم ، وأن يسلم إليهم إذا ظفر ضياع والدهم بالأندلس كلها ، فأجابهم طارق إلى ذلك وعاقدهم عليه ، وأرسل لذريق رجلاً من أصحابه ليعاين له جيش المسلمين ، فلما عاد قال له : خذ على نفسك ، فقد جاءك منهم من لا يريد إلا الموت ، أو إصابة ماتحت قدميك .

    وقدم طارق نفراً من السودان بين يدي جيشه ليتلقوا بما عرف عنهم من الصبر والثبات صدمة الجيش الأولى ، وبدأ القتال يوم الأحد الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ ، فأظهر فرسان القوط مقدرة عظيمة أول المعركة ، وثبتوا لضغط المسلمين ، وأخذ يليان ورجاله يخذلون الناس عن لذريق ويصرفونهم عنه ، قائلين لهم : إن العرب جاؤوا للقضاء على لذريق فقط ، وإنهم إن خذلوا لذريق اليوم صفت لكم الأندلس بعد ذلك .

    وأثر هذا الكلام في جنود القوط فقد كان كثير منهم يكرهون لذريق ، فخرج فرسانه من المعركة وتركوه لمصيره ، فاضطرب نظام جيشه وفر الكثير منهم ، وخارت قوى لذريق ولم تغنه شجاعته شيئاً ، ويئس من النصر لما رأى جنده يفرون أو ينضمون للمسلمين . وهجم طارق على لذريق فضربه بسيفه فقتله ، وقيل : إنه جرحه ورمى بنفسه في وادي لكة فغرق ، وحمل النهر جثته إلى المحيط .

    وبعد مصرعه احتل المسلمون المعسكر وغنموه ، واتجه طارق لفتح المدن الرئيسية في الأندلس ففتح شذونة ومدوّرة وقرمونة وإشبيلية واستجة ، وكانت فيها قوة تجمعت من فلول عسكر لذريق فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أظهر الله المسلمين عليهم ، ولم يلق المسلمون فيما بعد ذلك حرباً مثلها ، وأقاموا على الامتناع أولاً إلى أن ظفر طارق بأمير المدينة على النهر وحده ، فوثب عليه طارق في الماء فأخذه وجاء به إلى المعسكر ، ثم صالحه طارق وخلى سبيله ، واستمر طارق في زحفه ، وانتهى إلى عاصمة الأندلس طليطلة وتمكن من فتحها .

    وجاءته الرسائل من موسى تأمره بالتوقف ، وعبر موسى إلى الأندلس بناء على استغاثة وجهها إليه طارق ، وذلك في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين ، بجيش عدده ثمانية عشر ألفاً ، ففتح بعض المدن كشذونة وقرمونة وإشبيلية وماردة ، وهي مدن لم يفتحها طارق ، ثم التقى بطارق ووبخه على أنهم توغلوا أكثر مما ينبغي ، وأن خطوط مواصلاتهم في الأندلس الواسعة في خطر ، فقد بقيت مناطق واسعة في شرق الأندلس وغربها لم تفتح .
    أوروبا في القرن السابع الميلادي، عصر كان فيه الحكام يتقاتلون فيما بينهم للسيطرة على ما تبقى من الإمبراطورية الرومانية البائدة، عام 711 تسلم الملك "رودريك" زمام الحكم في إسبانيا دون أن يعير أهمية إلى القوة الجديدة النامية في الجزيرة العربية، اعتبر فتح المسلمين للأندلس منعطفًا حاسمًا في التاريخ الأوروبي.

    تحولت أوروبا إلى ساحة للمعارك الدامية تجولها عصابات مرتزقة والملوك المتحاربين، عرفت تلك الحقبة بعصر الظلام، استقر "الفيسكوتس" في إسبانيا رغم مناخها القاسي والحار، حملوا الخوف والرعب عبر القرون التالية للفلاحين والمزارعين ممن لجؤوا إلى الكنيسة البباوية طلبًا للحماية.

    من يمكنه حصر تلك المآسي، من يستطيع أن يعدد هذا الحجم من الدمار، حتى لو تحولت جميع الأطراف سيكون الأمر أبعد من القدرة البشرية على التعبير، ثم بدأت القصة، في العام الرابع من تولي الإمبراطور "جوستنيان" زمام العرش، تسلم الوليد بن عبد الملك مقاليد الحكم خلفًا لوالده في الخلافة الأموية.

    كانت القوة الإسلامية تكبر منذ نزول أول آية قرآنية.

    بسم الله الرحمن الرحيم

    اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ? [ سورة العلق، الآيات 4:1
    ]

    وهبَّ نور المشرق ينتشر في بقاع جديدة كل يوم وبدأت رقعة الدولة الإسلامية في الاتساع مع الفتوحات الإسلامية حتى وصلت إلى شمال إفريقيا.

    مع بداية القرن الميلادي الثامن وصلوا إلى الحدود مع أوروبا، عين الخليفة الوليد "موسى بن نصير" ليكون عاملاً على شمال إفريقيا، أراد أن ينشر نور الإسلام في قارة أوروبا الواقعة خلف البحر.

    مات الملك "ويتيزا" الذي حكم إسبانيا لتسعة أعوام، كانت التقاليد المتبعة تنص على أن يجتمع البارونات حين يبلغ ملك الفيسكوتس الكبر ليختاروا خلفه.

    أدى الموت المفاجئ للملك إلى حالة خطيرة من الفراغ في السلطة شعر رجال الكنيسة بالقلق، فلا بد من إيجاد ملك جديد، كتب أحد المؤرخين يقول: إنه في هذه اللحظة بالذات قام بارون "فيسكوتسي" اسمه "رودريك" بالاستيلاء على المملكة بالتآمر مع ضباط القصر وأتباعه.

    كان "رودريك" زعيمًا قويًّا انطلق من قاعدة قوته الأساسية في بلدة "ميريدا" جنوبي إسبانيا، كان "رودريك" متأكدًا من دحره لباقي البارونات وحكم البلاد وكانت تلك فرصته، فسرعان ما نظم جيشًا وانطلق إلى العاصمة للمطالبة بالعرش.

    ضمن أجواء عدم الاستقرار السائدة كانت جميع القوانين تصدر عن الكنيسة، حتى بعد استيلائه على العرش، كانت موافقة الأساقفة ضرورية لاستمرار "رودريك" في توليه الحكم.

    كان اهتمام الكنيسة يتركز على الاستقرار والحماية التي يمكن لملك قوي أن يضمنهما.

    بداية العرش الجديد كانت مرحلة ضعف، على الملك أن يواجه فيها التحديات ويثبت جدارته في المعارك، وكان هذا ما ينطبق تمامًا على رودريك، كان رودريك يتلقى الدعم القوي من منطقته في الجنوب كما أن بعض بارونات الشمال عرضوا المساعدة أيضًا.

    قررت الكنيسة أن تدعم رودريك كمرشح أوفر حظًّا لتوحيد مملكة "الفيسكوتس".

    كانت عملية التتويج بمثابة خطوة في المجهول، فهل سيتمكن رودريك من الحفاظ على تماسك المملكة.

    مع وضع التاج على رأس الملك الفيسكوتسي، بدأت تظهر في الأفق تحديات منافس قوي.

    نسي رودريك المشاعر المحبطة التي شعر بها حين بدأ العمل على وقف الهجمات القادمة من جبال الباسك على شمال إسبانيا، كان يعلم رودريك أنه إذا ما لم يطمع الباسك ستنفصل مناطق أخرى عنه ما يعني تفكك مملكته.

    أخذ ينطلق نحو الشمال البعيد دون أن يشعر بأن الفاتحين المسلمين على أبواب بلاده من ناحية الجنوب.

    قبل أن يتجه المسلمون إلى فتح إسبانيا كان عليهم أن يعززوا سلطانهم في شمال إفريقيا.

    كان البرابرة شعبًا قويًّا مستقلاً وهم يُعرفون باللاتينية بلقب "برباروس".

    لقد عاشوا يومًا في هذه المنطقة ولكن توسع الجيوش العربية دفعهم إلى اللجوء إلى تحصيناتهم في الجبال الآمنة، ومن هنا كانوا يستطيعون القيام بهجماتهم المتكررة على العرب، استمرت الحروب الطاحنة لما يزيد عن الثلاثين عامًا من المعارك الضارية قبل أن يدخل نور الإسلام إلى عقول وقلوب البرابرة.

    اعتنق البرابرة الإسلام وقاتلوا تحت لواء الدولة الإسلامية، كان طارق بن زياد الزعيم الأساسي للبرابرة وكان قائدًا فذًّا ومقاتلاً مخيفًا.

    كانت عائلته قد اعتنقت الإسلام.

    دُعي طارق إلى اجتماع مع القائد والفاتح البطل موسى بن نصير.





    كان القائد المجاهد موسى بن نصير يعد المجاهدين الأقوياء لفتح الأندلس ونشر الإسلام فيها، تحدث موسى مع طارق بالأمر وأمره بأن يجمع رجاله ويأتي بهم إلى ميناء طنجة، تقع إسبانيا على بعد عشرين ميلاً خلف البحر كان موسى متأكدًا من أن هذا البلد سيُفتح بإذن الله بسهولة.

    وسيقود طارق الحملة الأولى من الهجوم لتحديد مستوى مقاومة "الفيسكوتس"، عام 711 أبحر طارق متوجهًا إلى إسبانيا، رست السفن على صخرة عند أسفل الجبل تُعرف حتى ذلك اليوم باسم جبل طارق.

    واجه الفاتحون المسلمون مقاومة محدودة عندما أقاموا قواعد لهم، كان "الفيسكوتس" يتقاتلون فيما بينهم على مسألة تولي "رودريك" العرش.

    ما كان طارق يتوقع بأن يكون الأمر بهذه السهولة بعد أن بدأ يدفع بوحداته إلى الأمام ويعزز الفتح الإسلامي على الشواطئ الأسبانية.

    واندفع المسلمون في أعماق الأرض عازمين على نشر دعوة الإسلام في ربوع إسبانيا، عندما تنبه "الفيسكوتس" أخيرًا للأمر بعثوا بسفير ينقل الخبر.

    حذر الموالون للملك في الشمال بأن هناك هجومًا واسعَ النطاق قد بدأ يتقدم من جنوب إسبانيا.

    انطلقت شبكة من المبعوثين تعبر ستمائة ميل كي تصل إلى الملك.

    كان "رودريك" على ثقة بأن القوات الملكية سوف تتمكن من دحر الغزاة.

    دون أن ينتظر حشد مزيد من القوات، انطلق "رودريك" بمن معه من رجال باتجاه الجنوب.

    بعد مسيرة طويلة ومتعبة واصل "رودريك" وقواته إلى وادي النهر الكبير، كان "الفيسكوتس" يعتادون على قتال تقف فيه القوات المتحاربة في مواقع متواجهة لبعضها البعض عبر ساحة القتال، ولكنهم هذه المرة يواجهون عدوًّا من نوع آخر، فهو نشط ومتحرك ويهاجم بسرعة فائقة.

    توجه مقاتلو طارق البرابرة مباشرة نحو "رودريك" لأنهم يعلمون بأنه حالما يسقط الملك من الممكن أن يتحقق النصر، تمكن المسلمون بفضل الله من إحراز النصر السريع على "الفيسكوتس" المتعبين.

    وكان طارق يراقب وحداته وهي تحقق الفوز الكبير، وقُتل الملك "رودريك".

    سرعان ما طارت أنباء الانتصارات التي حققها طارق إلى موسى في شمال إفريقيا، وتمهدت الطريق لنشر نور الإسلام في أوروبا.

    أنزل موسى قوات كبيرة في جنوب إسبانيا وهو يصر على متابعة فتوحاته، أدى موت الملك "رودريك" إلى عودة الانقسام بين الفيسكوتس وفتح طارق قرطبة ومدينة طليطلة الملكية بينما فتح موسى مدينة "سيفيل"، فرح المسلمون المجاهدون وسجدوا لله شكرًا.

    لجأ ما تبقى من جنود الملك "رودريك" إلى مدينة "ميريدا" ثم حوصرت المدينة من قبل بعض المجاهدين المسلمين.

    قاوم "الفيسكوتس" الحصار لمدة أربعة أشهر حتى تضاءلت المؤن والمياه فأجبروا على الاستسلام ودخلها أيضًا نور الإسلام.

    بعد أن رأوا ما جرى في "ميريدا" سارعت المدن الإسبانية الأخرى ووقعوا على معاهدة الاستسلام التي عرضها "موسى" يقول فيها:

    أولئك الذين يستسلمون ويخضعون لمشيئة الله لن يتعرضوا للقتل أو الاستعباد أو الانفصال عن بعضهم البعض، ولن يتعرض لهم أحد فيما يتبعونه من ديانة ولن تتعرض كنائسهم للدمار

    وقد شهدت الأندلس في ظل الحكم الإسلامي نهضة شاملة حتى أضحت منارة أضاءت جنبات أوروبا المظلمة، ولم يعرف التاريخ أرحم من الفاتح المسلم الذي حمل الخير والهداية إلى كل مكان نزل فيه.

    بعد ثمانية عشر شهرًا استدعي موسى بأمر من الخليفة للعودة إلى بلاده وقدم نفسه للخليفة "الوليد بن عبد الملك".

    وسلم موسى كل ما جمعه من ثروات لأنها كانت ملك الأمة، وسجد المجاهد "موسى بن نصير" شكرًا لله تعالى الذي وفقه في إبلاغ دعوة الإسلام ونصرة المسلمين.

    أما طارق بن زياد فترك إسبانيا وعاد إلى شمال إفريقيا بعد أن كتب التاريخ اسمه كبطل فاتح.

    شكل الفتح الإسلامي للأندلس منعطفًا هامًّا في تاريخ أوروبا، بقي العرب في أسبانيا فأدخلوا تقنيات الري والزراعة الحديثة من الشرق الأوسط إلى أوروبا، كما حملوا الثقافات ومبتكرات الحضارة الإسلامية حيث أثروا في أشكال الرياضيات والعلوم المختلفة في مجالات كثيرة.

    كان الفتح الإسلامي للأندلس منارة حضارية في أوروبا كلها فقد أسهمت المعارف الإسلامية وآدابها في بعث روح حضارية جديدة في أوروبا مما كان له بالغ الأثر في نهضتنا المعاصرة وبالاستفادة من علوم المسلمين تمكن كريستوفر كولومبس من اكتشاف أمريكا.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  7. #7
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    هكذا سقطة الأندلس

    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    غرناطة قبيل السقوطة

    في دراسة للوضع في آخر الخمس والعشرين سنة المتبقية من المائتي عام قبل السقوط النهائي لغرناطة وللدولة الإسلامية بصفة عامة في الأندلس، والذي كان يُعد (خلال المائتي عام) عهد خمول ودعة، وركون إلى معاهدات مخزية مع النصارى، تبدلت الأحوال (في الخمس والعشرين سنة الأخيرة من السقوط)، والتفت النصارى إلى غرناطة بعد أن كانوا قد شُغلوا عنها بحروبهم، الأمر الذي أدى في النهاية إلى سقوط الأندلس بالكلية.

    مملكة غرناطة وممالك النصارى نحو الفرقة ونحو الوحدة
    قبل السقوط بست وعشرين سنة تقريبا، وفي سنة 871 هـ= 1467 م كان يحكم غرناطة في ذلك الوقت رجل يدعى محمد بن سعد بن إسماعيل بن الأحمر، والذي كان يلقب بالغالب بالله، وكان له أحد الإخوة واسمه أيضا محمد، ويعرف بأبي عبد الله محمد الملقب بالزغل (الزغل يعني الشجاع)، فكان الأول غالب بالله، وكان الثاني زغلا أو شجاعا.

    وكما حدث في عهد ملوك الطوائف اختلف هذان الأخَوان على الحكم، وبدآ يتصارعان على مملكة غرناطة الهزيلة الضعيفة والمحاطة في الشمال بمملكتي قشتالة وأراجون النصرانيتين.

    وكالعادة أيضا استعان أبو عبد الله محمد الزغل بملك قشتالة في حرب أخيه الغالب بالله، وقامت على إثر ذلك حرب بينهما، إلا أنها قد انتهت بالصلح، لكنهما وللأسف قد اصطلحا على تقسيم غرناطة البلد الضعيف جدا والمحاط بالنصارى إلى جزء شمالي على رأسه الغالب بالله وهي الولاية الرئيسة، وجزء جنوبي وهي ملقة، وعلى رأسها أبو عبد الله محمد الزغل، وبعد هذا التقسيم بثلاثة أعوام، وفي سنة 874 هـ= 1469 م يحدث أمر غاية في الخطورة في بلاد الأندلس، فقد تزوج فرناندو الثالث ملك أراجون من إيزابيلا وريثة عرش قشتالة؛ وبذلك تكون الدولتان قد اصطلحتا معا وأنهتا صراعا كان قد طال أمده، وبعد خمس سنوات من هذا الزواج كانت المملكتان قد توحدتا معا في مملكة واحدة هي مملكة أسبانيا، وكان ذلك في سنة 879 هـ= 1474 م وكانت هذه بداية النهاية لغرناطة.

    غرناطة وصراع أُسَري في ولاية الغالب بالله

    بعد زواج فرناندو الثالث ملك أراجون من وريثة عرش قشتالة إيزابيلا كانا قد أقسما على ألا يعقدا عرسا إلا في قصر الحمراء، قصر الرئاسة الذي هو في غرناطة.

    على الجانب الآخر كانت غرناطة في ذلك الوقت وفي سنة 879 هـ= 1474 م كانت منقسمة إلى شطرين، شطر مع الزغل والآخر مع الغالب بالله، ومن ناحية أخرى فكان الشعب يعيش حالة من الترف والخمول والدعة، وقد انتشرت الخمور والغناء بصورة لافتة في هذه الآونة، وفوق ذلك أيضا كان هناك الأشدّ والأشنع.

    كان الغالب بالله الذي يحكم غرناطة متزوجا من امرأة تُدعى عائشة، وقد عرفت في التاريخ بعائشة الحرة، وكانت له جارية نصرانية تُسمى ثريّا قد فُتن بها وغرق في عشقها، وكانت قد أنجبت له ولدا اسمه يحيى، وقد أثرت عليه حتى تجعل يحيى هذا وريث عرش غرناطة من بعده.

    كان المؤهل للحكم رسميا هو ابن عائشة الحرة، والذي يدعى محمد أبو عبد الله محمد، وللتفرقة بين اسم العم واسم ابن الأخ، سمّوا الأخير بالصغير، حيث هو أصغر من عمه، وقد كان وسبحان الله اسما على مسمى، فكان بالفعل صغيرا في سنه وصغيرا في مقامه.

    وحتى يضمن ولاية العهد لابنه يحيى الذي هو من الجارية النصرانية، قام الغالب بالله بحبس ابنه الآخر أبو عبد الله محمد الصغير هو وأمه عائشة في قصر كبير، وقد قيد حركتهما تماما، ولأن هناك أناس كثيرون من الشعب كانوا يأبون أن يحكمهم رجل أمه جارية نصرانية، وكان هناك أيضا من يرى أحقية أبي عبد الله محمد الصغير في الحكم بعد أبيه، انطلق هؤلاء الناس حيث الابن وأمه، واستطاعوا تخليصهما، بعد فكاكه من السجن قام أبو عبد الله محمد الصغير بثورة على أبيه، وقد أحدث انقلابا في غرناطة ثم تولى الحكم وقام بطرد أبيه إلى الجنوب حيث أخيه الزغل (أخو الغالب بالله) في ملقة، وهكذا آلت البلاد إلى قسمين، قسم عليه الصغير في غرناطة، وقسم عليه الزغل في مالقة، ومعه وتحت حمايته أخوه الغالب بالله.

    فرناندو الثالث واستغلال النزاع والفرقة

    حيال هذا الوضع الذي آل إليه حال المسلمين في الأندلس استغل فرناندو الثالث هذا الموقف جيدا لصالحه، وبدأ يهاجم حصون غرناطة؛ حيث كان يعلم أن هناك خلافا وشقاقا كبيرا داخل البلد، وعلى غير عادة الغالب بالله الذي كان بينه وبين ملك أسبانيا معاهدات، قامت الحروب بين الصغير وبين ملك أسبانيا، لكنه (الصغير) لم يكن له طاقة بحرب ملك أسبانيا، فأُسر من قِبل الأخير وصار في يده.

    وبعد أسْر الصغير استطاع الزغل أن يضم غرناطة إلى أملاكه، فأصبحت غرناطة من جديد إمارة واحدة تحت حكم الزغل.

    وبعد ذلك بعام واحد مات هما وكمدا الغالب بالله، وذلك من جراء الذي حدث في البلاد، ولقد كان هذا هو ما جنته عليه نفسه وما اقترفته يداه، وما جناه عليه أحد.

    وفي محاولة لفك أسر الصغير عرض الزغل على ملك أسبانيا أموالا كثيرة، ولأنه (ملك أسبانيا) كان يفكر في أمر غاية في الخطورة قابل طلبه بالرفض، فقد اتفق ملك أسبانيا مع الصغير (الذي هو في الأسر، وكان يبلغ من العمر آنذاك خمسة وعشرين عاما) على أن يُمكّنه من حكم بلاد غرناطة ويطرد منها الزغل بالكليّة.

    الصغير وملك أسبانيا وخطة السراب الخادع

    أشار ملك أسبانيا على الصغير بأن يدخل البلاد من جهة الشمال (شمال غرناطة)، فيثور فيها، أما هو (ملك أسبانيا) فسيأخذ جيشه ويحاصر ملقة من الجنوب، وبذلك تنحصر غرناطة بين فكي الكمّاشة.

    وكان الهدف من وراء ذلك كما أراد ملك أسبانيا أنه حينما يقوم الزغل بصد ومحاربة ملك أسبانيا في ملقة في الجنوب، هو أن يدخل الصغير غرناطة في غياب الزغل عنها ويسيطر تماما عليها، ثم بعد أن يأخذ ملك أسبانيا ملقة فيعطيها بعد ذلك للصغير، ليصبح هو حاكما على غرناطة باسم ملك أسبانيا.

    وافق الصغير على هذه الخطة، فثار في شمال غرناطة، واتجه فرناندو الثالث بجيوشه إلى ملقة، وعلى الفور توجه الزغل إلى ملقه لحرب النصارى هناك، لكنه لم يستطع أن يصمد، واستطاع النصارى أن يأخذوا ملقة منه، وهنا عاد سريعا إلى غرناطة فوجدها وقد صارت في يد ابن الأحمر الصغير.

    انطلق الزغل إلى شرق غرناطة حيث منطقة تسمى وادي آش، واستقل بها وأقام فيها جزءا من مملكة، وبذلك تقلصت غرناطة في انقساماتها المتكررة إلى نصفين، والنصف بدوره إلى نصفين، فكان الوضع هو جزء في شرق غرناطة هو وادي آش وعلى رأسه الزغل، ثم جزء آخر في غرناطة على رأسه الصغير، وجزء أخير هو ملقة وقد أصبحت في يد ملك أسبانيا، ومن المفترض أن يعيدها إلى ابن الأحمر الصغير.

    طلب ابن الأحمر الصغير من ملك أسبانيا أن يعيد إليه ملقة كما كان العهد والاتفاق، إلا أن ملك أسبانيا أجابه بأنه إن هو سحب جيشه منها (من ملقة) فسيطمع الزغل فيها ويأخذها منه (من الصغير)، فالحل إذن هو أن أُبقي جيوشي فيها لحمايتك.

    ثم ما مرت إلا شهور حتى استرقّ ملك أسبانيا أهل ملقة جميعا (أخذهم رقيقا، وكانوا مسلمين)، ولم يرعى المعاهده التي تمت بينه وبين الصغير، وإن هذا وأيم الله لديدنهم وطبيعتهم [لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ] {التوبة:10}.

    ملك أسبانيا والتداعي على باقي القصعة

    كان على الساحة الآن "الصغير" ومعه ولاية غرناطة، والزغل ومعه وادي آش، ثم ملك أسبانيا وتحت قبضته ملقة، واستكمالا لآمال كان قد عقدها قديما، وفي سنة 895 هـ= 1490 م انطلق ملك أسبانيا من ملقة إلى ألمرية على ساحل البحر المتوسط فاحتلها، ثم منها توجه إلى وادي آش (التي هي في يد الزغل) فاستولى عليها، وهرب الزغل منها إلى تونس، وقد ترك البلاد بما فيها من المسلمين، تماما كما هو حال ملوك هذا الزمان.

    كان الوضع الآن أن حوصرت مدينة غرناطة وكل قراها ومزارعها من كل مكان بجيوش النصارى، أحاطوها من الشرق ومن الغرب ومن الشمال ومن الجنوب، وكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    تُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، قَالُوا: أَوَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ (ما يحمله السيل من وسخ) كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ مِنْ قُلُوبِ أَعْدَائِكُمْ، وَلَيُلْقِيَنَّ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، قَالُو: وَمَا الْوَهْنُ يَا رَسَولَ اللَّهِ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةِ الْمَوْتِ.

    فقد تداعت ملوك النصارى حول مملكة غرناطة الصغيرة والضعيفة جدا في ذلك الوقت، وقد حاصروها وأحرقوا القرى والمزارع حول حصونها، وطلبوا من الصغير أن يسلم مفاتيح المدينة، وكان ذلك في سنة سنة 895 هـ= 1490 م وقبل السقوط بعامين.

    حينها فقط شعر الصغير أن ما حدث من ملك أسبانيا هو خلاف ما كان يعتقده؛ فقد كان يعتقد أن بينه وبين النصارى ولاء، وبينه وبين ملك أسبانيا تحالفات وعهود، لكن الذي حدث هو أنهم لم يتركوه على كرسيّه كما وعدوه، بل طالبوه بأن يترك غرناطة ويرحل ليتولوا هم أمرها، وذلك بعد إعطائه مهلة للتفكير في ذلك.

    وفي هذا الأمر فكر كثيرا محمد بن الأحمر الصغير، إلا أنه لم يجد حلا سوى أن يحاربهم، فلو أطاع أمرهم واستجاب لمطلبهم ترك البلاد وترك الحكم، وهذا لا يريده ولا يقدر أن يتحمله، فاقتنع وبعد تفكير وجدال طويل مع وزرائه بأنه يجب أن يدافع عن البلد، يجب أن يدافع عن غرناطة.

    دور الشعب وانتفاضة إسلامية قوية

    كان المتوقع والطبيعي بعد أن أعلن الصغير الدفاع عن غرناطة هو أنه لن تكون له قدرة ولا طاقة هو ومن معه من جيشه ووزرائه وهيئته الحاكمة على الحرب أو الدفاع، فقامت في غرناطة في ذلك الوقت انتفاضة إسلامية قوية، وعلى رأسها رجل يُسمى موسى بن أبي غسّان، فكان أن حرّك الجهاد في قلوب الناس، وبدأ يحمسهم على الموت في سبيل الله وعلى الدفاع عن بلدهم وهويتهم، فاستجاب له الشعب وتحرك للدفاع عن غرناطة.
    وطيلة سبعة أشهر كاملة ظل أصحاب الانتفاضة في دفاعهم عن حصون غرناطة ضد الهجمات النصرانية الشرسة، وفي ذات الوقت كان محمد بن الأحمر الصغير ينظر إلى الأمور ويستطلعها من بعيد حال الواقف المتفرج، ولم يستطع أن يفعل شيئا، يريد ويتمنى أن يجد حلا أو مخرجا يستر به ماء وجهه لكنه لا يجد.

    وبعد سبعة أشهر يجد الصغير بريق أمل كان قد تمنى مثله، حيث أرسل فرناندو الثالث وإيزابيلا رسالة إليه يطلبان فيها أن يسلم غرناطة لهما على أن يضمنوا له ولقومه ولجيشه الأمان، وفي مقابل أكثر من سبعين شرطا يضمن له فيها البقاء.

    كان من بين هذه الضمانات وتلك الشروط أن تُترك المساجد، ولا تُدخل الديار، ويُطلق الأسرى، وتُؤمّن الأعراض والأموال، ويوضع عبد الله بن الصغير كأحد الوزراء المعاونين لملك أسبانيا.

    الصغير وكبح الانتفاضة

    كان قد فهم مغزى الرسالة السابقة موسى بن أبي غسّان الرجل الذي قاد الانتفاضة في بلاد غرناطة وعلم أنها محاولة لوقف الانتفاضة، ووقف الدفاع عن البلاد، ووقف الحميّة للجهاد، ووقف حميّة الناس للموت في سبيل الله، لكن محمد الصغير لم يفهم هذا المغزى، فوافق على هذه الشروط، وذلك بعد أن وجد فيها حلا مناسبا للخروج من المأزق الذي هو فيه؛ إذ كان يرفض الجهاد، ويرفض الحرب، ويريد أن يبقى حيا حتى وإن ظل ذليلا...

    من هنا وافق الصغير على هذه المعاهدة، إلا أنه وخوفا من الخيانة المعهودة، وحرصا على حياة أبدية وسرمدية، ونجاة بنفسه من نهاية لا يحمد عقباها، اشترط لنفسه شرطين هما:

    أولا: أن يقوم فرناندو وإيزابيلا بالقسم على هذه العهود، فاستُجيب له، وأقسما الملكان له.

    ثانيا: أن تحكم في هذه المعاهدة هيئة معينة، تضمن تطبيقها بالصورة السليمة، وبعد أن نظر في دول العالم لم يجد من يحترم ملك أسبانيا رأيه إلا البابا في إيطاليا، فألزم أن يوقّع البابا على هذه المعاهدة، ولا ضير، فوقّع البابا عليها.

    وبعدها اتجه الصغير ليسلم مفاتيح مدينة غرناطة، ويوقف حركة الجهاد في البلد في مقابل أن يعطوه الأمان كما ذكروا، وذلك بعد أن وقّع له بابا روما، وأقسم على هذه العهود فرناندو وإيزابيلا.

    موسى بن أبي غسّان وعملية استشهاديّة

    في رد فعل طبيعي وصريح له حيال ما حدث وقف موسى بن أبي غسّان رحمه الله في قصر الحمراء ثم خطب خطبة مهيبة قال فيها:

    ، لا تخدعوا أنفسكم ولا تظنوا أن النصارى سيوفون بعهدهم، ولا تركنوا إلى شهامة مَلِكِهم؛ إن الموت أقل ما نخشى (يريد أن هناك ما هو أصعب من الموت)؛ فأمامنا نهب مدننا وتدميرها، وتدنيس مساجدنا، وتخريب بيوتنا، وهتك نسائنا وبناتنا، وأمامنا الجور الفاحش والتعصب الوحشي، والسياط والأغلال، وأمامنا السجون والأنطاق والمحارق، أما أنا فوالله لن أراه.

    يريد موسى بن أبي غسّان أنه لن يرى كل هذا الذُلّ الذي سيحل بالبلاد جراء هذا التخاذل والتقاعس، أما أنا فسأموت الموت الشريف.

    ثم غادر المجلس وذهب إلى بيته ولبس سلاحه وامتطى جواده، وانطلق يقابل سريّة من سرايا النصارى.

    وبمفرده يقابل موسى بن أبي غسّان خمس عشرة رجلا من النصارى، فيقتل معظمهم ثم يُقتل هو في سبيل الله رحمه الله.

    انتهاء عصر الدولة الإسلامية في الأندلس

    كان مقتل موسى بن أبي غسّان وتسليم ابن الأحمر الصغير غرناطة إيذانا بانتهاء عصر الدولة الإسلامية في مملكة غرناطة.

    أعطى أبو عبد الله محمد الصغير الموافقة بالتسليم للملكين فرناندو الثالث وإيزابيلا، ولم ينس أن يرسل إليهما بعضا من الهدايا الخاصة، وفي خيلاء يدخل الملكان قصر الحمراء الكبير ومعهما الرهبان، وفي أول عمل رسمي يقومون بتعليق صليب فضي كبير فوق برج القصر الأعلى، ويُعلن من فوق هذا البرج أن غرناطة أصبحت تابعة للملكين الكاثوليكيين، وأن حكم المسلمين قد انتهى من بلاد الأندلس.

    وفي نكسة كبيرة وفي ظل الذل والصغار يخرج أبو عبد الله بن محمد بن الأحمر الصغير من القصر الملكي، ويسير بعيدا في اتجاه المغرب، حتى وصل إلى ربوة عالية تُطل على قصر الحمراء يتطلع منها إليه وإلى ذاك المجد الذي قد ولّى، وبحزن وأسى قد تبدّى عليه لم يستطع فيه الصغير أن يتمالك نفسه، انطلق يبكي حتى بللت دموعه لحيته، حتى قالت له أمه "عائشة الحرة": أجل، فلتبك كالنساء مُلْكا لم تستطع أن تدافع عنه كالرجال.

    وإلى هذه اللحظة ما زال هذا التل الذي وقف عليه أبو عبد الله بن محمد الصغير ما زال موجودًا في أسبانيا، وما زال الناس يذهبون إليه، يتأملون موضع هذا المَلِك الذي أضاع مُلكا عظيما كان قد أسسه الأجداد، ويعرف (هذا التل) بـ زفرة العربي الأخيرة، وهو بكاء أبي عبد الله محمد الصغير حين ترك ملكه.

    وقد تم ذلك في الثاني من شهر ربيع الأول، لسنة 897 هـ= 2 من يناير سنة 1492 م.

    وقد هاجر بعدها أبو عبد الله بن محمد الصغير إلى بلاد المغرب، وهناك اعتقله ملكها بتهمة الخيانة لبلاد المسلمين، ثم وضعه في سجنه، وكما يقول المؤرخون فقد شوهد أولاده (أولاد أبي عبد الله بن محمد الصغير) بعد ذلك بسنوات وسنوات يشحذون في شوارع المغرب.

    فلعنة الله على هذا الذُلّ، ولعنة الله على هذا التَرْك للجهاد اللذَيْن يوصلان إلى هذا المثوى وتلك المنزلة.

    وما كان من أمر، فقد اندثرت حضارة ما عرفت أوروبا مثلها من قبل، إنها حضارة الدنيا والدين، وقد انطوت صفحة عريضة خسر العالم أجمع بسببها الكثير والكثير، وقد ارتفع علم النصرانية فوق صرح الإسلام المغلوب، وأفل وإلى الآن نجم دولة الإسلام في بلاد الأندلس.

    وليت شعري، أين موسى بن نصير؟

    أين طارق بن زياد؟

    أين يوسف بن تاشفين؟

    أين عبد الرحمن الداخل وعبد الرحمن الناصر؟

    أين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟

    أين يعقوب المنصور المُوَحدي؟

    أين يعقوب المنصور الماريني؟

    أين كل هؤلاء؟

    غابوا وانقطعت آثارهم وإمداداتهم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله...

    النصارى في غرناطة.. لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة

    كالعادة ولطبيعة جُبلت نفوسهم عليها، وبعد أن ترك أبو عبد الله بن محمد الصغير البلاد، لم يوف النصارى بعهودهم مع المسلمين، بل تنكّروا لكلامهم، وأغفلوا شروطهم السبعين، وقد أهانوا المسلمين بشدة، وصادروا أموالهم، وكان ذلك مصداق قوله تعالى: [كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ] {التوبة:8}.

    وبعد تسع سنوات من سقوط غرناطة، وفي سنة إحدى وخمسمائة وألف من الميلاد أصدر الملكان فرناندو الثالث وإيزابيلا أمرا كان خلاصته أن الله قد اختارهما لتخليص الأندلس من الكفرة (يقصدان المسلمين)، ولذلك يحظر وجود المسلمين في بلاد الأندلس، ويعاقب من يخالف ذلك بالقتل.

    ومن هذا المنطلق قام النصارى بعدة أمور، كان منها:

    أولا: التهجير

    هجر المسلمون بلاد الأندلس بالكلية، هجروها إلى بلاد المغرب والجزائر، وإلى تونس وغيرها من بلاد المسلمين.

    ثانيا: التنصير

    ولكي يعيش آخرون في بلاد الأندلس في ظل حكم النصارى الأسبان، تَنَصّر من المسلمين آخرون، وهؤلاء لم يرتض لهم النصارى الأسبان حتى بالنصرانية، فلم يتركوهم دون إهانة، وقد سمّوهم بالمُورِسْكِيين احتقارا لهم وتصغيرا من شأنهم، فلم يكن المُورِسْكِي نصرانيا من الدرجة الأولى، لكنه كان تصغيرا لهذا النصراني الأصيل.

    (( نقل "الدوني روني" مؤرّخ ديوان التفتيش الإسباني وثيقة من أغرب الوثائق القضائية تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديوان المقدس أن يأخذ بها المسلمون المتنصرون في تهمة الكفر والمروق، وإليك ما ورد في تلك الوثيقة الغريبة

    "يعتبر الموريسكي - وهو لقب يطلق على المسلم الذي أكره على الدخول في النصرانية - أو العربي المتنصر قد عاد إلى الإنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي إذا امتدح دين محمد أو قال إن يسوع المسيح ليس إلهًا وليس إلا رسولًا. أو أن صفات العذراء أو اسمها لا تناسب أمه، ويجب على كل نصراني أن يبلغ عن ذلك. ويجب عليه أيضًا أن يبلغ عما إذا كان قد رأى أو سمع أن أحدًا من الموريسكسين يباشر بعض العادات الإسلامية، ومنها أن يأكل اللحم في الجمعة وهو يعتقد أن ذلك مباح، وأن يحتفل يوم الجمعة بأن يرتدي ثيابًا أنظف من ثيابه العادية، أو يستقبل المشرق قائلًا باسم الله، أو يوثق أرجل الماشية قبل ذبحها، أو يرفض أكل تلك التي لم تذبح، أو ذبحتها امرأة، أو يختن اولاده أو يسميهم بأسماء عربية، أو يعرب عن رغبته في اتباع هذه العادة، أو يقول: إن يجب ألا يعتقد إلا بالله وبرسوله محمد أو يقسم بإيمان القرآن أو يصوم رمضان ويتصدق خلاله، ولا يأكل ولا يشرب إلا عند الغروب، أو يتناول الطعام قبل الفجر - السحور - أو يمتنع عن أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، أو يقوم بالوضوء والصلاة بأن يوجه وحهه نحو الشرق ويركع ويسجد ويتلو سورًا من القرآن أو أن يتزوج طبقًا لرسوم الشريعة الإسلامية أو ينشد الأغاني العربية، أو يقيم حفلات الرقص والموسيقى العربية، أو أن يستعمل النساء الخضاب - الحناء - في أيديهن أو شعورهن، أو يتبع قواعد محمد الخمس، أو يلمس بيده على رؤوس أولاده أو غيرهم تنفيذًا لهذه القواعد، أو يغسل الموتى ويكفنهم في أثواب جديدة أو يدفنهم في أرض بكر أو يغطي قبورهم بالأغصان الخضراء أو أن يستغيث بمحمد وقت الحاجة منعتًا إياه بالنبي ورسول الله أو يقول: إن الكعبة أول معابد الله أو يقول: إن لم ينصّر إيمانًا بالدين المقدس، أو أن آباءه وأجداده قد غنموا رحمة الله لأنهم ماتوا مسلمين...))

    (الموسوعة العامة لتاريخ المغرب - و دولة الموحدين - الصلابي)

    محاكم التفتيش وأهوال تشيب لها الولدان
    (( هدفت إلى تنصير المسلمين بإشراف السلطات الكنسية، وبأشد وسائل العنف، ولم تكن العهود التي قطعت للمسلمين لتحول دون النزعة الصليبية، التي أسبغت على السياسة الإسبانية الغادرة ثوب الدين والورع، ولما رفض المسلمون عقائد النصارى ودينهم المنحرف وامتنعوا عنه وكافحوه، اعتبرهم نصارى الإسبان ثوارًا وعملاء لجهات خارجية في المغرب والقاهرة والقسطنطينية، وبدأ القتل فيهم وجاهد المسلمون ببسالة في غرناطة والبيازين والبشرات، فمزقوا بلا رأفة ولا شفقة ولا رحمة، وفي يوليو 1501 م= ذي الحجة 906 هـ أصدر الملكان الكاثوليكيان أمرًا خلاصته "أنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة، فإنه يحظر وجود المسلمين فيها، ويعاقب المخالفون بالموت أو مصادرة الأموال". (دولة الموحدين - الصلابي نقلًا عن مصادر أخرى)
    لم يقف الأمر عند حد التهجير والتنصير، وإنما تلى ذلك أن قام رئيس الأساقفة الأسباني كان يُدعى كِنِّيس وكان صليبيا حاقدا قام بحرق ثمانين ألف كتاب إسلامي من مكتبة قرطبة وإشبيلية وغرناطة في يوم واحد.

    وهو نفسه الذي قام بعد ذلك بما سُمّي في التاريخ بمحاكم التفتيش؛ وذلك للبحث عن المسلمين الذين ادّعوا النصرانية وأخفوا الإسلام، فكانوا إذا وجدوا رجلا يدّعي النصرانية ويخفي إسلامه، كأن يجدوا في بيته مصحفا، أو يجدوه يصلي، أو كان لا يشرب خمرا، أقاموا عليه الحدود المغلظة، فكانوا يلقون بهم في السجون، ويعذبونهم عذابا لا يخطر على بال بشر، فكانوا يملأون بطونهم بالماء حتى الاختناق، وكانوا يضعون في أجسادهم أسياخا محمية، وكانوا يسحقون عظامهم بآلات ضاغطة، وكانوا يمزقون الأرجل ويفسخون الفك، وكان لهم توابيت مغلقة بها مسامير حديدية ضخمة تنغرس في جسم المعذب تدريجيا، وأيضا أحواض يقيّد فيها الرجل ثم يسقط عليه الماء قطرة قطرة حتى يملأ الحوض ويموت.

    كانوا أيضا يقومون بدفنهم أحياء، ويجلدونهم بسياط من حديد شائك، وكانوا يقطعون اللسان بآلات خاصة.

    كل هذه الآلات الفتاكة وغيرها شاهدها جنود نابليون حين فتحوا أسبانيا بعد ذلك، وقد صوروها في كتاباتهم، وعبروا عن شناعتها بأنهم كانوا يصابون بالغثيان والقيء، بل والإغماء من مجرد تخيل أن هذه الآلات كان يُعذّب بها بشر، وقد كان يُعذّب بها مسلمون، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

    (( ومما يذكر.. أن هناك عذابًا اختص به النساء وهو تعرية المرأة إلا ما يستر عورتها، وكانوا يضعون المرأة في مقبرة مهجورة ويُجلسونها على قبر من لقبور، يضعون رأسها بين ركتيها ويشدون وثاقها، وهي على هذه الحالة السيئة، ولا يمكنها الحراك، وكانوا يربطونها إلى القبر بسلاسل حديدية، ويرخزن شعرها فيجللها وتظهر لمن يراها عن كثب كأنما هي جنّية لا سيما إذا ما أرخى الليل سدوله، وتُترك المسكينة على هذه الحال إلى أن تجن أو تموت جوعًا ورعبًا.

    لقد قام النصارى بإجبار المسلمين على الدخول في دينهم، وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق فيها من يقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله. إلا من يقولها في قلبه وفي خفية من الناس، وجعلت النواقيس في صوامعها بعد الأذان، وفي مساجدها الصور والصلبان بعد ذكر الله وتلاوة القرآن، فكم فيها من عين باكية وقلب حزين، وكم فيها من الضعفاء والمعذورين، لم يقدوا على الهجرة واللحاق بإخوانهم المسلمين، قلوبهم تشتعل نارًا، ودموعهم تسيل سيلاً غزيرًا، وينظرون إلى أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان، ويسجدون للأوثان، ويأكلون الخنزير والميتات، ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات، فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم، ومن فعل ذلك عوقب بأشد العقاب، فيا لها من فجيعة ما أمرها! ومصيبة ما أعظمها وطامة ما أكبرها...

    لقد كانت محاكم التفتيش والتحقيق مضرب المثل في الظلم والقهر والتعذيب.

    كانت تلك المحاكم والدواوين تلاحق المسلمين حتى تظفر بهم بأساليب بشعة تقشعر لها القلوب والأبدان.

    فإذا عُلم أن رجلًا اغتسل يوم الجمعة يصدر في حقه حكم بالموت، وإذا وجدوا رجلا لابسًا للزينة يوم العيد عرفوا أنه مسلم فيصدر في حقه الإعدام.

    لقد تابع النصارى الصليبيون المسلمين، حتى إنهم كانوا يكشفون عورة من يشكون أنه مسلم فإذا وجدوه مختونًا أو كان أحد عائلته كذلك فليعلم أنه الموت ونهايته هو وأسرته.

    وكان دستور محاكم التفتيش في ديوان التحقيق يجيز محاكمة الموتى والغائبين وتصدر الأحكام في حقهم وتوقع العقوبات عليهم كالأحياء. فتصادر أموالهم وتعمل لهم تماثيل تنفذ فيها عقوبة الحرق. أو نبش قبورهم وتستخرج رفاتهم لتحرق في موكب "الأوتودافي" وذلك يتعدى أثر الأحكام الصادرة باإدانة من المحكوم عليه إلى أسرته وولده فيقضى بحرمانهم من تولي الوظائف العامة وامتهان بعض المهن الخاصة)).

    (دولة الموحدين - الصلابي نقلًا عن مصادر أخرى)

    وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.

    ولنستمع إلى هذه القصة التي يرويها لنا أحد ضباط الجيش الفرنسي الذي دخل إلى إسبانيا بعد الثورة الفرنسية ( كتب (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا قال: " كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ.

    وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.

    وبينما أسير في إحدى الليالي اجتاز شارعاً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة.. "

    حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد ".

    وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت "دي ليل" استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.

    عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.

    أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.

    وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.

    قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!.

    وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.

    وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.

    رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.

    رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.

    وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.

    كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم، وهم في الرمق الأخير من الحياة.

    كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.

    أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.

    ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.

    وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة.

    كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.

    كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.

    وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.

    وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير...

    تاريخ الأندلس ووقفة معتبر

    على طول الدراسة السابقة كان تاريخ الأندلس يحوي أكثر من ثمانمائة عام، الأمر الذي ينبغي على المسلمين أن يقفوا معه وقفات ووقفات، يأخذون منه العبرة والدرس، ويكررون ما حدث فيه من أفعال العظماء، وفي ذات الوقت يتجنبون أفعال الأقزام، تلك التي أدت إلى هذه الحال التي رأيناها آخر عهود الأندلس وفترات السقوط.

    بداية لم يكن سقوط الأندلس بالسقوط المفاجئ، فقد كان هذا متوقعا منذ أكثر من مائتي عام، إلا أنها وبمدد من بني مارين مرة، وبخلاف النصارى مرة أخرى مع بعضهم البعض، صمدت وصبرت بعض الشيء، لكن الذي حدث في النهاية هو الذي كان متوقعا.

    وهنا لا بد لنا من وقفة على أسباب هذا الانهيار والتي كان من شأنها أنها ما إن تكررت في أيٍ من الأزمان أو الأوقات، وفي أيٍ من البلدان أو القارات، فإنها ولا شك ستعمل عملها، وتكون العاقبة والنتيجة من نفس العاقبة وتلك النتيجة.
    للقصة بقية >>>>>>>>>>>>

  8. #8
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    سقوط الأندلس بقية القصة
    الدرس الأول:

    سقوط وضياع غرناطة.. العوامل والأسباب

    كانت عوامل انحدار وسقوط وضياع الأمم قد تشابهت وإلى حد كبير في كل فترات الضعف في تاريخ الأندلس، وهذه العوامل نفسها قد زادت وبشدة في فترة غرناطة؛ ولذلك كان السقوط كاملا وحاسما، وكان من هذه العوامل ما يلي:

    العامل الأول:

    كان الإغراق في الترف، والركون إلى الدنيا وملذاتها وشهواتها، والخنوع والدعة والميوعة، هي أولى العوامل التي أدت إلى تلك النهاية المؤلمة، وقد ارتبطت كثيرا فترات الهبوط والسقوط بكثرة الأموال والانغماس في الملذات، والميوعة الشديدة في شباب الأمة، والانحطاط الكبير في الأهداف، قال تعالى: [وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ(11)فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ(12)لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ] {الأنبياء:11،12،13}.

    وهكذا يا أهل غرناطة، أين ستذهبون؟ وإلى أين ستركضون؟ ارجعوا إلى قصر الحمراء، وارجعوا إلى مساكنكم وما أترفتم فيه، وسلموا هذه البلاد إلى النصارى، وتذوقوا الذُلّ كما لم تعملوا للعزة وللكرامة.

    ولننظر إلى ذاك الرجل الذي كان يرثي سقوط غرناطة، ولنعي ما يقول في شعره الذي كان يعد كما ذكرنا إعلام هذا العصر الذي يُحَفّز الناس على أفكار معينة، يقول يرثي غرناطة:

    غرناطة يا أجمل المدن

    لن تَسريَ بعد اليوم نغمات العود الناعمة

    في شوارعك المُقمرة

    ولن تُسمع ألحان العُشّاق

    تحت قصورك العالية

    وستسكت دقات الصنوج المرحة

    التي كانت تتناغم فوق تلالك الخصبة

    وستقف الرقصات الجميلة

    تحت عرائشك الوريفة

    واحسرتاه

    لن يستمع عربي بعد اليوم إلى البلابل

    تصدح في مروجك الفسيحة

    ولن يُستَروح أريج الريحان وأزهار البرتقال

    في ربوعك المؤنسة

    لأن نور الحمراء أُطفئ إلى الأبد

    فحتى بعد هذا السقوط الشنيع لغرناطة يقف هذا الرجل وبهذه الكلمات الفجة يرثيها، هذا ما كان يهمه في هذه البلاد، لا يهمه الثغور التي خرجت منها الجيوش تجاهد في سبيل الله، ولا يهمه المكتبات التي أُحرقت، ولا المساجد التي دُنّست وحُولت إلى كنائس، بل لا يهمه المسلمون الذين قُتلوا بأيدي النصارى.

    فلننظر إلى مثل هذا ونقارنه بأحوال الشباب الذين انحطتّ أهدافهم، حتى أصبح حلم حياتهم أن يُحدّث فتاة من الفتيات أو يخرج معها، أو يبادلها حبا غير مشروع لا يرتضيه هو لأخته أو لابنته.

    لننظر حين يُصَوّر مثل هذا الشعر هذا الحب على أنه أسمى درجات الحب، فيضحي الرجل من أجله، ويسمو عنده فوق كل حب، حتى يسمو عنده فوق حب الدين وحب الله وحب رسوله وحب الجهاد وحب الوالدين وحب الوطن وحب الفضيلة، بل وقد يضحي بحياته انتحارا إذا فارق محبوبه.

    فأي انحدار هذا؟! وأي انحطاط هذا؟! وأي سفاهة وأي تفاهة أكبر من هذا؟ وقد قال الله تعالى: [قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ] {التوبة:24}.
    وليس ببعيد عنا ما فعله زرياب وأمثال زرياب في تاريخ الأندلس، وكيف قادوا الشباب إلى هذه الميوعة التي أسقطتها في النهاية وإلى الأبد.

    العامل الثاني:

    ترك الجهاد في سبيل الله، وهو أمر ملازم لمن أُغرق في الترف؛ فالجهاد سنة ماضية إلى يوم القيامة، وقد شرعه الله ليعيش المسلمون في عزة ويموتون في عزة، ثم يدخلون بعد ذلك الجنّة ويُخلّدون فيها.

    وإن الناظر إلى عهد الأندلس ليتساءل: أين أولئك الذين كانوا يجاهدون في حياتهم مرة أو مرتين كل عام، وبصفة مستمرة ودائمة؟! أين يوسف بن تاشفين، وأين أبو بكر بن عمر اللمتوني؟ وأين الحاجب المنصور؟ وأين عبد الرحمن الناصر وغيرهم؟

    وإنها لعبرة وعظة حين ننظر إلى ملوك غرناطة، ومن كان على شاكلتهم حين ذُلوا وأُهينو لما تركوا الجهاد في سبيل الله، يقول تعالى:

    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(38)إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] {التوبة:38،39}.
    وقد يظن البعض أنه يجب على الملتزمين بالمنهج الإسلامي أن يضحوا بأرواحهم ويظلوا يعيشون حياة الضنك والتعب والألم في الدنيا؛ وذلك حتى يصلوا إلى الآخرة، وإن حقيقة الأمر على عكس ذلك تماما؛ إذ لو عاش المسلمون الملتزمون بمنهج الإسلام على الجهاد لعاشوا في عزة ومجد، وفي سلطان وملك من الدنيا عريض، ثم لهم في الآخرة الجنّة خالدين فيها بإذن الله.

    العامل الثالث:

    يتبع العامليْن السابقين عامل الإسراف في المعاصي، فجيش المسلمين لا يُنصَر بالقوة ولا بالعدد والسلاح، لكنه يُنصر بالتقوى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنكم لا تُنصرون على عدوكم بقوتكم ولا عُدتكم، ولكن تُنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له، فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العُدّة والعتاد.

    فإذا بعُد المسلمون عن دين ربهم، وإذا هجروا نهج رسولهم صلى الله عليه وسلم كُتب عليهم الهلكة والذلّة والصغار، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ.

    وإذا كان هذا حال محقّرات الذنوب، تلك التي يستحقرها العبد من فرط هوانها، فما تزال تجتمع عليه حتى تهلكه، فما البال وما الخطب بكبائر الذنوب من ترك الصلاة، والزنا، والتعامل بالربا، وشرب الخمور، والسب واللعن، وأكل المال الحرام، فأي نصر يُرجى ويُتَوقّع بعد هذا.

    كانت هذه هي أهم عوامل السقوط في دولة الأندلس، وهناك غيرها الكثير مثل:

    - الفُرقَة والتَشرذُم.

    - موالاة النصارى واليهود والمشركين.

    وقد قال سبحانه وتعالى: [وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ] {البقرة:120}. وقال أيضا:

    [لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ المُعْتَدُونَ] {التوبة:10}. وأ
    يضا:

    [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51}. وآيات غيرها كثير.

    - توسيد الأمر لغير أهله

    وكان ذلك واضحا جدا خاصة في ولاية هشام بن الحكم، وولاية الناصر بعد أبيه يعقوب المنصور الموحدي، وأيضا ولاية جميع أبناء الأحمر في ولاية غرناطة.

    - الجهل بالدين

    وقد وضح جيدا قيمة العلم والعلماء في زمن عبد الله بن ياسين، وزمن الحَكم بن عبد الرحمن الناصر، وما حدث في عهدهما من قوّة بعد هذا العلم، ووضح أيضا أثر الجهل في نهاية عهد المرابطين، وفي عهد دولة الموحدين، حيث انتشر الجهل بين الناس، وسادت بينهم آراء ومعتقدات غريبة وعجيبة، كان من ذلك أيضا ما حدث من الجهل بأمر الشورى، والذي هو أصل من الأصول التي يجب أن يحكم بها المسلمون، وكيف اعتدوا بآرائهم، وكيف قبل الناس ذلك منهم؟!

    ومثل أيضا ما كان من غزو محمد بن الأحمر الأول لإشبيليّلة، وقد تبعه الناس في ذلك ظنا منهم أنهم على صواب، وأنهم أصحاب رسالة وفضيلة، وأيّ جهل بالدين أكثر من هذا؟!

    الدرس الثاني: أمل النصر لا تخبو جذوته أبدا

    بعد الدرس الأول والوقوف على عوامل وأسباب السقوط كان هذا الدرس الثاني، وهو ما نستقيه من تاريخ الأندلس، حيث إنه لا يغيب الأمل أبدا في نصر الله، فإن الله دائما ما يقيض لهذه الأمة من ينصرها، ومن يجدد لها أمر دينها.

    وقد حدث مثل ذلك كثيرا في تاريخ الأنلس، كان منه ما حدث في نهاية عهد الولاة، وذلك بقيام عبد الرحمن الداخل، ثم ما حدث أيضا في نهاية الإمارة الأموية على يد عبد الرحمن الناصر، وهكذا في كل عهد تجد من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، تجد يوسف بن تاشفين، وتجد يعقوب المنصور الموحدي، وتجد يعقوب المنصور الماريني، وغيرهم الكثير.

    وقد يتساءل البعض قائلا: لقد انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكلية، فأين ذاك القيام، الذي من المفترض أن يكون بعد هذا الانتهاء، طالما كانت قد جرت السنة على ذلك؟!

    وفي معرض الرد على مثل هذا السؤال نسوق حدثا في غاية الغرابة، فقد حدث قبل سقوط الأندلس الأخير بنحو أربعين سنة حادثا عجيبا، وأعجب منه هذا التزامن الذي فيه، فقد فُتحت القسطنطينية في سنة 857 هـ= 1453 م أي قبل سقوط الأندلس بأربعين عاما، فكان غروب شمس الإسلام على أوروبا من ناحية المغرب يزامنه شروق جديد عليها من ناحية المشرق، واستبدل الله هؤلاء الذين باعوا، وأولئك الذين خانوا من ملوك غرناطة في الأندلس بغيرهم من العثمانيين المجاهدين الفاتحين الأبرار، الذين فتحوا القسطنطينية وما بعدها، وقد بدأ الإسلام ينتشر في شرق أوروبا انتشارا أسرع وأوسع مما كان عليه في بلاد الأندلس وفرنسا.

    وإنها وأيم الله لآية من آيات الله سبحانه وتعالى تبعث الأمل وتبثه في نفوس المسلمين في كل وقت وكل حين، مبشرة ولسان حالها: أمة الإسلام أمة لا تموت.

    الدرس الثالث: فلسطين اليوم أندلس البارحة

    كان الدرس الثالث من تاريخ الأندلس هو الأخطر من نوعه، وتبدو معالمه في سؤال ربما يكون قد شغل أذهان البعض كثيرا، وهو: لماذا انتهى الإسلام بالكليّة من بلاد الأندلس؟!

    فبلاد الأندلس (أسبانيا والبرتغال) هي اليوم من أقل بلاد العالم في عدد المسلمين، والذين بلغ عددهم فيها مائة ألف مسلم فقط، أي أقل من عدد المسلمين في مدينة من مدن أمريكا.

    ففي مدينة دالاس الأمريكية وحدها يصل عدد المسلمين إلى مائة ألف مسلم، وهي بعد لم تكن قد حكمت بالإسلام، بينما تعداد المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية (أسبانيا والبرتغال) وبعد أن حُكمت ثمانية قرون بالإسلام لا يزيد عن مائة ألف مسلم، وهو أمر في غاية الغرابة.

    ومن هنا كان هذا السؤال: لماذا انتهى الإسلام من بلاد الأندلس بالكليّة كأفراد وشعوب ولم ينته من البلاد الأخرى، والتي استُعمرت استعمارا صليبيا، طال أمده في بعض الدول مثل الجزائر التي احتُلت ثلاثين ومائة سنة، ومصر التي احتُلت سبعين سنة، وفلسطين احتُلت مائتي سنة في زمن الصليبيين، وغيرها من الدول الإسلامية التي غُلبت على أمرها، ورغم ذلك لم يندثر المسلمون أيا كانت طريقة اندثارهم ولم يتغيروا، وظلوا مسلمين وإلى الآن؟!

    وللإجابة على هذا التساؤل لننظر أولا ما كان يفعله الاستعمار الأسباني في بلاد الأندلس، فقد كان الاستعمار الأسباني استعمارا استيطانيا إحلاليا، ما إن يدخلوا بلدا إلا قتلوا كل من فيه من المسلمين في حرب إبادة جماعية، أو يطردونهم ويهجّرونهم إلى خارج البلد، ثم يُهجّروا إليها من النصارى من أماكن مختلفة من الأندلس وفرنسا من يحل ويعيش في هذه المدن وتلك الأماكن التي خلفها المسلمون، وبذلك لم يعد يبقى في البلاد مسلمون.

    وحكم البلاد وعاش فيها بعد ذلك نصارى وأبناء نصارى، على عكس ما كان يحدث في احتلال البلاد الإسلامية الأخرى مثل مصر والجزائر وليبيا وسوريا وغيرها، فإن الاحتلال في هذه البلاد كان بالجيوش لا بالشعوب، واحتلال الجيوش ولا شك مصيره إلى ردة وزوال.

    وإن مثل هذا ليضع أيدينا على شيء هو في غاية الأهمية، ذلك أن الاحتلال الاستيطاني هذا الذي حدث في بلاد الأندلس لم يتكرر في أيٍ من بلاد العالم إلا في مكان واحد فقط، وهو أيضا يخص المسلمين، وهو فلسطين.

    وإن ما يحدث الآن فيها وعلى أرضها ما هو إلا تكرار لأندلس جديدة، ما يفعله اليهود الآن من تهجير اليهود إلى أرض فلسطين، وإبادة في الشعب الفلسطيني بالقتل والطرد والتشريد، وإصرارهم (اليهود) على عدم عودة اللاجئين إلى ديارهم، ثم الإكثار من بناء المستعمرات، كل ذلك وغيره ما هو إلا خطوة من خطوات إحلال الشعب اليهودي مكان الفلسطيني.

    فقد شُرّد الشعب الفلسطيني وبات مصيره في طي النسيان، بات العالم أجمع ينسى قضيته يوما بعد الآخر، بل بات محتملا أن ينسى هو نفسه (الشعب الفلسطيني) قضيته، وأخشى والله أن ينسى الفلسطينيون المشردون القضية تماما كما نسيها أهل الأندلس الذين هاجروا إلى بلاد المغرب وإلى تونس والجزائر بعد عام أو عامين، أو حتى بعد عشرة أو مائة عام، فقد مر الآن على سقوط الأندلس خمسمائة عام، فمن يفكر في تحريرها؟!

    وهكذا وعلى هذا الوضع يسير اليهود ويجمعون ويُهجّرون شتاتهم إلى بلاد فلسطين لإحلال الشعب اليهودي مكان الشعب الفلسطيني.

    فكانت قضية فلسطين شديدة الشبه بالأندلس، وتُرى لماذا عُقد اتفاق السلام الأخير بين اليهود وبين الفلسطينيين، ومن بين كل بلاد العالم هناك يعقد في إحدى مدن الأندلس القديمة في مدريد؟!

    كانت مفاوضات السلام تدور في أوسلو وترعاها أمريكا وروسيا وغيرها من البلاد، ومع ذلك أُقيمت في "مدريد" وفي إزالة علامات التعجب أن ذلك كان بسبب أن المفاوضات قامت في سنة 1992 م *، وهي ذكرى سقوط الأندلس، حيث كان قد مر على سقوطها خمسمائة عام.

    ففي تلك الأثناء كانت شوارع "مدريد" مكتظة بالاحتفالات والمهرجانات، حيث هزيمة المسلمين وانتصار الصليبيين في هذه الموقعة القديمة منذ خمسمائة عام، وكأنهم يبعثون برسالة مفادها: ها هو التاريخ يتكرر، وها هي أحداث الأندلس تتكرر من جديد في فلسطين، وها هي الانتفاضة التي تحدث في فلسطين تُقتَل كما قُتلت من قبل انتفاضة موسى بن أبي غسّان في غرناطة، ها هو التاريخ يتكرر، لا داعي للحرب ولا داعي للجدال والمحاورات الكثيرة؛ فإن مصيركم هو ما حدث في الأندلس من قبل.

    أبو البقاء الرندي (601 - 684 هـ / 1204 - 1285م ) وقصيدته في رثاء الأندلس:

    التعريف به:

    هو صالح بن يزيد بن صالح بن شريف الرندي، أبو البقاء.

    وتختلف كنيته بين أبي البقاء وأبي الطيب وهو مشهور في المشرق بأبي البقاء.

    وهو أديب شاعر ناقد قضى معظم أيامه في مدينة رندة واتصل ببلاط بني نصر (ابن الأحمر) في غرناطة.

    وكان يفد عليهم ويمدحهم وينال جوائزهم وكان يفيد من مجالس علمائها ومن الاختلاط بأدبائها كما كان ينشدهم من شعره أيضاً.

    وقال عنه عبد الملك المراكشي في الذيل والتكملة كان خاتمة الأدباء في الأندلس بارع التصرف في منظوم الكلام ونثره فقيهاً حافظاً فرضياً له مقامات بديعة في أغراض شتى وكلامه نظماً ونثراً مدون... "الموسوعة الشعرية"

    وهذه هي قصيدته في رثاء الأندلس

    لكل شيء إذا ما تم نقصان...=... فلا يغر بطيب العيش إنسانُ
    هي الأمور كما شاهدتها دول...=... من سرهُ زَمنٌ ساءته أزمانُ
    وهذه الدار لا تُبقي على أحد.....=. ولا يدوم على حال لها شانُ
    يُمزق الدهرُ حتماً كلّ سابغة..=.... إذا نبت مشرفيات وخرصانُ
    وينتضي كل سيف للفناء ولو....=.. كان ابن ذي يزنٍ والغمد غمدانُ
    أين الملوك ذوي التيجان من يمن...=... وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ؟
    وأين ما شادهُ شدّاد في إرم.....=. وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ؟
    وأين ما حازه قارون من ذهبٍ....=.. وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ؟
    أتى على الكل أمر لا مرد له....=.. حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا
    وصار ما كان من ملك ومن ملكٍ...=. كما حكى عن خيال الطيف وسنانُ

  9. #9
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية اجـــتـــيـــاح
    نبـ صامطة ـض
    نبض لمع في سماء الإشراف
    تاريخ التسجيل
    01 2008
    الدولة
    أفـيـاء كـوب..
    المشاركات
    8,587

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة


    قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ...
    لا تُمل أبداً..

    في من العبرة والعظة وضرب الأمثال الشيء الكثير...

    أسأل الله لنا لفائدة...

    جبران حكمي..
    لا حرمنا الله روعة طرحك...

    دمت والألق




    من أين جئت..؟
    وكيف عدت ؟
    وهل سترحل من جديد ؟


    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  10. #10
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    قصة اصحاب الكهف

    قال الله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21) سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22) وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا
    (26)


    القصــــــــــــة

    في زمان ومكان غير معروفين لنا الآن، كانت توجد قرية مشركة. ضل ملكها وأهلها عن الطريق المستقيم، وعبدوا مع الله مالا يضرهم ولا ينفعهم. عبدوهم من غير أي دليل على ألوهيتهم. ومع ذلك كانوا يدافعون عن هذه الآلهة المزعومة، ولا يرضون أن يمسها أحد بسوء. ويؤذون كل من يكفر بها، ولا يعبدها.

    في هذه المجتمع الفاسد، ظهرت مجموعة من الشباب العقلاء. ثلة قليلة حكّمت عقلها، ورفضت السجود لغير خالقها، الله الذي بيده كل شيء. فتية، آمنوا بالله، فثبتهم وزاد في هداهم. وألهمهم طريق الرشاد.

    لم يكن هؤلاء الفتية أنبياء ولا رسلا، ولم يتوجب عليهم تحمل ما يتحمله الرسل في دعوة أقواهم. إنما كانوا أصحاب إيمان راسخ، فأنكروا على قومهم شركهم بالله، وطلبوا منهم إقامة الحجة على وجود آلهة غير الله. ثم قرروا النجاة بدينهم وبأنفسهم بالهجرة من القرية لمكان آمن يعبدون الله فيه. فالقرية فاسدة، وأهلها ضالون.

    عزم الفتية على الخروج من القرية، والتوجه لكهف مهجور ليكون ملاذا لهم. خرجوا ومعهم كلبهم من المدينة الواسة، للكهف الضيق. تركوا وراءهم منازلهم المريحة، ليسكنوا كهفا موحشا. زهدوا في الأسرّية الوثيرة، والحجر الفسيحة، واختاروا كهفا ضيقا مظلما.

    إن هذا ليس بغريب على من ملأ الإيمان قلبه. فالمؤمن يرى الصحراء روضة إن أحس أن الله معه. ويرى الكهف قصرا، إن اختار الله له الكهف. وهؤلاء ما خرجوا من قريتهم لطلب دنيا أو مال، وإنما خرجوا طمعا في رضى الله. وأي مكان يمكنهم فيه عبادة الله ونيل رضاه سيكون خيرا من قريتهم التي خرجوا منها.

    استلقى الفتية في الكهف، وجلس كلبهم على باب الكهف يحرسه. وهنا حدثت معجزة إلاهية. لقد نام الفتية ثلاثمئة وتسع سنوات. وخلال هذه المدة، كانت الشمس تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله، فلا تصيبهم أشعتها في أول ولا آخر النهار. وكانوا يتقلبون أثناء نومهم، حتى لا تهترئ أجاسدهم. فكان الناظر إليهم يحس بالرعب. يحس بالرعب لأنهم نائمون ولكنهم كالمستيقظين من كثرة تقلّبهم.

    بعد هذه المئين الثلاث، بعثهم الله مرة أخرى. استيقضوا من سباتهم الطويل، لكنهم لم يدركوا كم مضى عليهم من الوقت في نومهم. وكانت آثار النوم الطويل بادية عليهم. فتساءلوا: كم لبثنا؟! فأجاب بعضهم: لبثنا يوما أو بعض يوم. لكنهم تجاوزوا بسرعة مرحلة الدهشة، فمدة النوم غير مهمة. المهم أنهم استيقظوا وعليهم أن يتدبروا أمورهم.

    فأخرجوا النقود التي كانت معهم، ثم طلبوا من أحدهم أن يذهب خلسة للمدينة، وأن يشتري طعاما طيبا بهذه النقود، ثم يعود إليهم برفق حتى لا يشعر به أحد. فربما يعاقبهم جنود الملك أو الظلمة من أهل القرية إن علموا بأمرهم. قد يخيرونهم بين العودة للشرك، أو الرجم حتى الموت.

    خرج الرجل المؤمن متوجها للقرية، إلا أنها لم تكن كعهده بها. لقد تغيرت الأماكن والوجوه. تغيّرت البضائع والنقود. استغرب كيف يحدث كل هذا في يوم وليلة. وبالطبع، لم يكن عسيرا على أهل القرية أن يميزوا دهشة هذا الرجل. ولم يكن صبعا عليهم معرفة أنه غريب، من ثيابه التي يلبسها ونقوده التي يحملها.

    لقد آمن المدينة التي خرج منها الفتية، وهلك الملك الظالم، وجاء مكانه رجل صالح. لقد فرح الناس بهؤلاء الفتية المؤمنين. لقد كانوا أول من يؤمن من هذه القرية. لقد هاجروا من قريتهم لكيلا يفتنوا في دينهم. وها هم قد عادوا. فمن حق أهل القرية الفرح. وذهبوا لرؤيتهم.

    وبعد أن ثبتت المعجزة، معجزة إحياء الأموات. وبعدما استيقنت قلوب أهل القرية قدرة الله سبحانه وتعالى على بعث من يموت، برؤية مثال واقي ملموس أمامهم. أخذ الله أرواح الفتية. فلكل نفس أجل، ولا بد لها أن تموت. فاختلف أهل القرية. فمن من دعى لإقامة بنيان على كهفهم، ومنهم من طالب ببناء مسجد، وغلبت الفئة الثانية.

    لا نزال نجهل كثيرا من الأمور المتعلقة بهم. فهل كانوا قبل زمن عيسى عليه السلام، أم كانوا بعده. هل آمنوا بربهم من من تلقاء نفسهم، أم أن أحد الحواريين دعاهم للإيمان. هل كانوا في بلدة من بلاد الروم، أم في فلسطين. هل كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، أم خمسة سادسهم كلبهم، أم سبعة وثامنهم كلبهم. كل هذه أمور مجهولة. إلا أن الله عز وجل ينهانا عن الجدال في هذه الأمور، ويأمرنا بإرجاع علمهم إلى الله. فالعبرة ليست في العدد، وإنما فيما آل إليه الأمر. فلا يهم إن كانوا أربعة أو ثمانية، إنما المهم أن الله أقامهم بعد أكثر من ثلاثمئة سنة ليرى من عاصرهم قدرة على بعث من في القبور، ولتتناقل الأجيال خبر هذه المعجزة جيلا بعد جيل.
    والله اعلم

  11. #11
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية همس الروح
    *******
    قلم من ذهب
    تاريخ التسجيل
    09 2007
    المشاركات
    5,442

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة


    الاخ جبران

    مجهود كبير اشكرك عليه

    بارك الله بك ولك

    جعله في موازين حسناتك ان شاء الله

    ودي وتقديري

    مون لايت

  12. #12
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة moonlights مشاهدة المشاركة

    الاخ جبران

    مجهود كبير اشكرك عليه

    بارك الله بك ولك

    جعله في موازين حسناتك ان شاء الله

    ودي وتقديري

    مون لايت
    اختي الفاضلة مون لايت

    لايحرمني الله من مرورك على مشاركاتي

    لأستنير برايك ومشاعرك الفياضه

  13. #13
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية اسير الليالي
    تاريخ التسجيل
    06 2008
    الدولة
    الدمام
    العمر
    45
    المشاركات
    365

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    جزاك الله خير ونفع الله بك المسلمين وان في ذالك لعبرة


    يعطيك العافيه على بذل مجهودك

  14. #14
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    زكريا عليه السلام

    عبد صالح تقي أخذ يدعو للدين الحنيف، كفل مريم العذراء، دعا الله أن يرزقه ذرية صالحة فوهب له يحيى الذي خلفه في الدعوة لعبادة الله الواحد القهار.

    سيرته:

    امرأة عمران:

    في ذلك العصر القديم.. كان هناك نبي.. وعالم عظيم يصلي بالناس.. كان اسم النبي زكريا عليه السلام.. أما العالم العظيم الذي اختاره الله للصلاة بالناس، فكان اسمه عمران عليه السلام.

    وكان لعمران زوجته لا تلد.. وذات يوم رأت طائرا يطعم ابنه الطفل في فمه ويسقيه.. ويأخذه تحت جناحه خوفا عليه من البرد.. وذكرها هذا المشهد بنفسها فتمنت على الله أن تلد.. ورفعت يديها وراحت تدعو خالقها أن يرزقها بطفل..

    واستجابت لها رحمة الله فأحست ذات يوم أنها حامل.. وملأها الفرح والشكر لله فنذرت ما في بطنها محررا لله.. كان معنى هذا أنها نذرت لله أن يكون ابنها خادما للمسجد طوال حياته.. يتفرغ لعبادة الله وخدمة بيته.

    ولادة مريم:

    وجاء يوم الوضع ووضعت زوجة عمران بنتا، وفوجئت الأم! كانت تريد ولدا ليكون في خدمة المسجد والعبادة، فلما جاء المولود أنثى قررت الأم أن تفي بنذرها لله برغم أن الذكر ليس كالأنثى.

    سمع الله سبحانه وتعالى دعاء زوجة عمران، والله يسمع ما نقوله، وما نهمس به لأنفسنا، وما نتمنى أن نقوله ولا نفعله.. يسمع الله هذا كله ويعرفه.. سمع الله زوجة عمران وهي تخبره أنها قد وضعت بنتا، والله أعلم بما وضعت، الله.. هو وحده الذي يختار نوع المولود فيخلقه ذكرا أو يخلقه أنثى.. سمع الله زوجة عمران تسأله أن يحفظ هذه الفتاة التي سمتها مريم، وأن يحفظ ذريتها من الشيطان الرجيم.

    ويروي الإمام مسلم في صحيحه: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِىِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلاَّ نَخَسَهُ الشَّيْطَانُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخاً مِنْ نَخْسَةِ الشَّيْطَانِ إِلاَّ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).

    كفالة زكريا لمريم:

    أثار ميلاد مريم بنت عمران مشكلة صغيرة في بداية الأمر.. كان عمران قد مات قبل ولادة مريم.. وأراد علماء ذلك الزمان وشيوخه أن يربوا مريم.. كل واحد يتسابق لنيل هذا الشرف.. أن يربي ابنة شيخهم الجليل العالم وصاحب صلاتهم وإمامهم فيها.

    قال زكريا: أكفلها أنا.. هي قريبتي.. زوجتي هي خالتها.. وأنا نبي هذه الأمة وأولاكم بها.

    وقال العلماء والشيوخ: ولماذا لا يكفلها أحدنا..؟ لا نستطيع أن نتركك تحصل على هذا الفضل بغير اشتراكنا فيه.

    ثم اتفقوا على إجراء قرعة. أي واحد يكسب القرعة هو الذي يكفل مريم، ويربيها، ويكون له شرف خدمتها، حتى تكبر هي وهي تخدم المسجد وتتفرغ لعبادة الله، وأجريت القرعة.. وضعت مريم وهي مولودة على الأرض، ووضعت إلى جوارها أقلام الذين يرغبون في كفالتها، وأحضروا طفلا صغيرا، فأخرج قلم زكريا..

    قال زكريا: حكم الله لي بأن أكفلها.

    قال العلماء والشيوخ: لا.. القرعة ثلاث مرات.

    وراحوا يفكرون في القرعة الثانية.. حفر كل واحد اسمه على قلم خشبي، وقالوا: نلقي بأقلامنا في النهر.. من سار قلمه ضد التيار وحده فهو الغالب.

    وألقوا أقلامهم في النهر، فسارت أقلامهم جميعا مع التيار ما عدا قلم زكريا.. سار وحده ضد التيار.. وظن زكريا أنهم سيقتنعون، لكنهم أصروا على أن تكون القرعة ثلاث مرات. قالوا: نلقي أقلامنا في النهر.. القلم الذي يسير مع التيار وحده يأخذ مريم. وألقوا أقلامهم فسارت جميعا ضد التيار ما عدا قلم زكريا. وسلموا لزكريا، وأعطوه مريم ليكفلها.. وبدأ زكريا يخدم مريم، ويربيها ويكرمها حتى كبرت..

    كان لها مكان خاص تعيش فيه في المسجد.. كان لها محراب تتعبد فيه.. وكانت لا تغادر مكانها إلا قليلا.. يذهب وقتها كله في الصلاة والعبادة.. والذكر والشكر والحب لله..

    وكان زكريا يزورها أحيانا في المحراب.. وكان يفاجأه كلما دخل عليها أنه أمام شيء مدهش.. يكون الوقت صيفا فيجد عندها فاكهة الشتاء.. ويكون الوقت شتاء فيجد عندها فاكهة الصيف.

    ويسألها زكريا من أين جاءها هذا الرزق..؟

    فتجيب مريم: إنه من عند الله..

    وتكرر هذا المشهد أكثر من مرة.

    دعاء زكريا ربه:

    كان زكريا شيخا عجوزا ضعف عظمه، واشتعل رأسه بالشعر الأبيض، وأحس أنه لن يعيش طويلا.. وكانت زوجته وهي خالة مريم عجوزا مثله ولم تلد من قبل في حياتها لأنها عاقر.. وكان زكريا يتمنى أن يكون له ولد يرث علمه ويصير نبيا ويستطيع أن يهدي قومه ويدعوهم إلى كتاب الله ومغفرته.. وكان زكريا لا يقول أفكاره هذه لأحد.. حتى لزوجته.. ولكن الله تعالى كان يعرفها قبل أن تقال.. ودخل زكريا ذلك الصباح على مريم في المحراب.. فوجد عندها فاكهة ليس هذا أوانها.

    سألها زكريا: (قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا)؟!

    مريم: (قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ).

    قال زكريا في نفسه: سبحان الله.. قادر على كل شيء.. وغرس الحنين أعلامه في قلبه وتمنى الذرية.. فدعا ربه.

    سأل زكريا خالقه بغير أن يرفع صوته أن يرزقه طفلا يرث النبوة والحكمة والفضل والعلم.. وكان زكريا خائفا أن يضل القوم من بعده ولم يبعث فيهم نبي.. فرحم الله تعالى زكريا واستجاب له. فلم يكد زكريا يهمس في قلبه بدعائه لله حتى نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب: (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا).
    فوجئ زكريا بهذه البشرى.. أن يكون له ولد لا شبيه له أو مثيل من قبل.. أحس زكريا من فرط الفرح باضطراب.. تسائل من موضع الدهشة: (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) أدهشه أن ينجب وهو عجوز وامرأته لا تلد..

    (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا) أفهمته الملائكة أن هذه مشيئة الله وليس أمام مشيئة الله إلا النفاذ.. وليس هناك شيء يصعب على الله سبحانه وتعالى.. كل شيء يريده يأمره بالوجود فيوجد.. وقد خلق الله زكريا نفسه من قبل ولم يكن له وجود.. وكل شيء يخلقه الله تعالى بمجرد المشيئة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
    امتلأ قلب زكريا بالشكر لله وحمده وتمجيده.. وسأل ربه أن يجعل له آية أو علامة. فأخبره الله أنه ستجيء عليه ثلاثة أيام لا يستطيع فيها النطق.. سيجد نفسه غير قادر على الكلام.. سيكون صحيح المزاج غير معتل.. إذا حدث له هذا أيقن أن امرأته حامل، وأن معجزة الله قد تحققت.. وعليه ساعتها أن يتحدث إلى الناس عن طريق الإشارة.. وأن يسبح الله كثيرا في الصباح والمساء..

    وخرج زكريا يوما على الناس وقلبه مليء بالشكر.. وأراد أن يكلمهم فاكتشف أن لسانه لا ينطق.. وعرف أن معجزة الله قد تحققت.. فأومأ إلى قومه أن يسبحوا الله في الفجر والعشاء.. وراح هو يسبح الله في قلبه.. صلى لله شكرا على استجابته لدعوته ومنحه يحيي..

    ظل زكريا عليه السلام يدعوا إلى ربه حتى جاءت وفاته.

    ولم ترد روايات صحيحة عن وفاته عليه السلام. لكن ورايات كثير -ضعيفة- أوردت قتله على يد جنود الملك الذي قتل يحيى من قبل.

    الأعجاز العلمي في اسم زكريا

    بني اسرائيل يتكلمون اللغة العبريه ومعظم الاسماء تترجم فمثلا

    فمثلا محمد بالعبريه (بماد ماد ) او (لجوى جدول)


    واحمد في العبريه (فارقليط)


    ويحى يو حنا

    يونس يونان

    ابراهيم ابرام


    بالنسبة لمعنى اسم زكريا


    فهي كلمة ومعانها في العبرية ينقسم الى قسمين


    القسم الاول (زكر) ومعنها بالعربي ذكر


    القسم الثااني (يا) وهي اختصار كلمة (يهوا) ومعناها الله


    اذا معنى كلمة زكريا ذكر الله لانه كان يذكر الله كثيراَ


    واسم (ذكر الله ) يتكون من سبعة احرف والمعجزه اللغويه والفنيه والعددية

    والاعجاز الترجمي هنا ان سيدنا زكريا ذكر في القران الكريم 7 مرات


    في سورة ا ل عمرا ن 3 مرات

    الا نعام

    سورة مريم 2مره
    سوره الانبياء مره واحده

  15. #15
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    قصة بناء بيت المقدس


    في ابتداء بناء بيت المقدس والمسجد الأقصى
    روى البخاري رحمه الله ورضي عنه في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول. قال: )المسجد الحرام( قال: قلت: ثم أي؟ قال: )المسجد الأقصى( قلت: كم كان بينهما؟ قال: )أربعين سنة ثم أينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه(. هكذا نقلته من البخاري.
    روى الحافظ في كتابه المستقصى بسند من أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: )المسجد الحرام( قلت: ثم أي؟ قال: )المسجد الأقصى( قلت: كم كان بينهما؟ قال: )أربعين سنة( ثم قال: زاد الفرا: )أينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد(. ثم قال: هذا حديث صحيح أخرجاه في الصحيحين وأخرجه النسائي والقزويني نقلته من باب: أي مسجد وضع في الأرض أول من باب: فضائل بيت المقدس يروى بعد ذلك باب بني بيت المقدس على أساس قديم قال: والأساس الذي أسسه سام بن نوح عليهما السلام ثم بناه داود وسليمان عليهما السلام على ذلك الأساس قلت: وقد يقال ينبغي أن يكون الذي أسسه سام عليه السلام على بناء القبلة الحديث المقدم فإنه روي عن الأزرقي عن مجاهد رضي الله عنهما قال: )لقد خلق الله الأرض بألفي عام، وإن قواعده في الأرض السابعة السفلى( ثم روى عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن البيت الحرام من بناء الملائكة عليهم السلام.
    ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنه أن آدم عليه السلام أول من أسس وصلى فيه وطاف به ثم درس موضع البيت من الطوفان حتى بعث الله إبراهيم وإسماعيل فرفعا قواعده، وإذا كان الأمر كذلك وكان بينه وبين المسجد الأقصى أربعون سنة، كان ابتداء المسجد الأقصى قبل سام عليه السلام، فإنه قال في كتاب المغني في غريب المهذب أنه كان بين آدم ونوح عليهما السلام ألف ومائة سنة ونبه الإمام الخطابي في كتاب الأعلام له على أن من بني المسجد بعض أولياء الله تعالى قبل داود وسليمان عليهما السلام ثم بناء داود وسليمان وزادا قبة ووسعاه فأضيفا بناؤه إليهما والله تعالى أعلم.

    الفصل الثاني
    في ابتداء شد الرحال إلى بيت المقدس
    وفضل ابنائه وأسراجه ومن أين يدخل بيت المقدس ومن أين يدخل مسجدها وفضل إتيان بيت لحم والصلاة فيه عن ميمونة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس. قال: )أرض المنشر والمحشر إئتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة(، قالت: أرأيت إن لم نطق نتحمل إليه ونأتيه قال: )فليهد إليه زيتا يسرج في قناديله فأنه من يهدي إليه، كان لمن صلى فيه( أخرجه القزويني من باب إسراج بيت المقدس.
    وعن كعب رضي الله عنه: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس وضع القربان في رحبة المسجد ثم قام على الصخرة ثم قال بعد ثناء وحمد: اللهم إني أسألك لمن دخل هذا المسجد خمس خصال: أن لا يدخل إليه مذنب لم يتعمده إلا لطلب التوبة أن تتقبل منه وتتوب عليه وتغفر له ولا يدخل إليه خايف لم يتعمده إلا لطلب الاستشقاء أن تشقى له وأن لا تعرف بصرك عمن دخله حتى يخرج منه اللهم أن أجيب دعوتي وأعطيتني مسألتي فاجعل علامة ذلك أن تقبل قربانة فنزلت نار من السماء فاحتملت القربان فصعدت به إلى السماء )نقلته من أخر باب بناء سليمان بيت المقدس(.
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله )صلي الله عليه وسلم(: )لما بنى سليمان بيت المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنتان وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه سأله حكما يوافق حكمه وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه ذلك وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت يصلي فيه لرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك(. وعنه أيضاً أنه قال: )أن سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس قرب قربانا فتقبل منه ودعا الله دعوات منهن، قال: اللهم أنما عبد مؤمن بك زارك في هذا البيت نايبا إليك، أنما جاء يتنصل من ذنوبه وخطاياه أن تتقبل منه وتنزله من خطاياه كيوم ولدته أمه(. وفي رواية: )تنزعه من خطاياه(.
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي )صلى الله عليه وسلم(: )لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل ثلاث خصال حكما توافق حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي أحد هذا البيت لا ينتهين إلا الصلاة فيه تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه(. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: )أما الثنتان فقد أعطيهما، وأما الثالثة فأرجو أن يكون قد أعطيها(، فقال: دعا نبي وجاءني وتوفي، رواية أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: )أن سليمان ابن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس سأل الله عز وجل حكما حكمه وملكا لا ينبغي لأحد من بعده ولا يأتي هذا أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطى الثالثة( )رواه النسائي وابن ماجه(. وعن أبي العوام رضي الله عنه أنه قال: لما فرغ نبي الله سليمان من بناء بيت المقدس ذبح ثلاثة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة ثم قال: اللهم من أتاه من ذي ذنب فاغفر له ذنبه أو ذي ضر فاكشف ضره قال: فلا يأتيه أحداً إلا أصاب من دعوة سليمان خيراً كثيراً )نقلته من باب دعاء سليمان عليه السلام لما فرغ من بناء المقدس( إنتهى.
    عن شداد بن أوس وضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله: كيف أسرى بك؟ قال: )صليت بأصحابي صلاة الغمة بمكة معتما فأتاني جبريل عليه السلام بدابة فوق الحمار ودون البغل، فقال اركب فاستصحبني على فقادها بأذنها وحملني عليها ثم انطلقت تهوي، يقع حافرها حيث أدرك طوقها حتى بلغنا ارضا ذات نخل فانزلني، فقال: صل فصليت ثم ركبنا، فقال: أتدري أين صليت؟ قلت: لا أعلم. قال: صليت بيثرب صليت بطيبة. قال: فانطلقت تهوي يقع حافرها حيث أدرك طرفها، ثم بلغنا أرضا فقال: أنزل فصلى فنزلت ثم قال: فصلى فصليت، ثم قال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم. قال: صليت بمدين صليت عند شجرة موسى عليه السلام، ثم انطلقت تهوى بنا يقع حافرها حيث أدرك طرفها ثم بلغنا أرضا بدت لنا قصورها فقال: أنزلت فنزلت فقال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت. قلت: الله أعلم. قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام ثم انطلق بي حتى دخلنا المدينة من بابها اليماني فأنا قبلة المسجد فربط دابته فيه ثم دخلنا المسجد من باب فيه تمثيل الشمس والقمر فصليت في المسجد حيث شاء الله تعالى وأخذ مني العطش أشد ما اخذني فأوتيت بأناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر أرسل إلى بهما جميعا فعدلت بينهما، ثم هداني الله عز وجل فأخذت اللبن فشربت منه حتى عرفت به جيئتي وبين يدي شيخ شكى على مثران له، فقال: أخذ صاحبك الفطرة ليهدي ثم انطلق بي حتى أتينا الوادي فيه المدينة، فإذا جهنم تنكشف عن مثل الروابي(.

    قال: قلت يا رسول الله كيف؟ قال: مثل الحمة السخنة ثم انصرف بي فمررنا بعير لقريش بمكان كذا قد أحلوا بعيراً لهم قد جمعه فلان فسلمت عليهم، فقال بعضهم هذا صوت محمد صلى الله عليه وسلم ثم أتيت أصحابي، قبلة الصبح، فأتاني أبو بكر. فقال: أين كنت الليلة فقد التمستك في مضانك فقال: أعلم أني أتيت المقدس الليلة فقال يا رسول الله: أنه سبين، فصفه لي قال ففتح لي صراط كأني انظر إليه لا تسألني عن شيء إلا ابنائه به. قال أبو بكر رضي الله عنه: أشهد أنك رسول الله. فقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس الليلة قال: فقال إني سرابه ما أقول لكم أني مررت بعير لكم في مكان كذا وكذا وقد اضلوا بعيراً فجمعه فلان وإن مسيرهم بكذا ثم كذا ولاقوكم بكذا يقدمهم جمل أدم عليه مسخ أسود وغدارتان سوداوتان، فلما كان ذلك اليوم أشرف الناس ينتظرون حتى كان قريب من نصف النهار أقبلت العير يقدمهم ذلك الجمل الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كذا رأيته في رواية البيهقي ثم عقبه هذا الإسناد صحيح ورأيت هذا الحديث في كتاب فضل الخيل منقولا عن رواية الطبري وغيره وفيه بدابة بيضاء من غير شك وفيه أولا حتى بلغنا أرضاً ذات نخل فقال: أنزلت فنزلت ثم قال صلى فصليت ثم فيه بعد قوله: إدرك طرفها حتى بلغنا أرضا بيضاء فقال: أنزل فنزلت ثم قال: صلى فصليت وفيه: ثم مررنا بأرض بدت لنا قصورها فقال: أنزل ونزلت به، قال: صلى فصليت ثم ركبنا فقال: أتدري أين صليت، قلت: الله أعلم، قال: صليت ببيت لحم حيث ولد عيسى ابن مريم عليه السلام.

    الفصل الثالث
    في فضل الصلاة في بيت المقدس
    وفضل الحج والصلاة في مسجد المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )الصلاة في بيت المقدس خير من ألف صلاة فيما حواله إلا في المسجد الحرام ومسجدي هذا(.
    عن أبي الدرادء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: )الصلاة في المسجد الحرام تفضل على غيره بمائة ألف صلاة وفي مسجدي ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة(.
    وفي حديث آخر عن أبي المهاجر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من صلى في بيت المقدس غفرت ذنوبه كلها(.
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلوته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلوته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلاة وصلوته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة وصلوته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة(.
    وعنه أيضا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من صلى في بيت المقدس خمس صلوات نافلة كل صلاة أربع ركعات يقرأ في الخمس صلوات بعد فاتحة الكتاب عشرة الف مرة )قل هو الله أحد( فقد اشترى نفسه من الله تبارك وتعالى وليس للنار عليه سلطان(.
    وفي رواية عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بعشرين ألف صلاة(.
    وعن أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من حج واعتمر وصلى في بيت المقدس جاهزون ابط فقد استكمل جميع سنتي(.
    وعن مكحول رضي الله عنه قال: )من خرج إلى بيت المقدس لغير حاجة إلى الصلاة فيصلي فيه خمس صلوات صبحا وظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً ثم يصلي الغداة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(.

    وعن مكحول أيضا رضي الله عنه قال: )من زار بيت المقدس شوقا إليه دخل الجنة مدللا ورفادة جميع الأنبياء في الجنة وهبطوه بمنزلته عند الله عز وجل وإنما رفقة خرجوا يريدون بيت المقدس شيعهم عشرة آلاف ملك يستغفرون لهم ويصلون عليهم ولهم بكل يوم يقيمون فيه صلاة بسبعين ملك، ومن دخل بيت المقدس طاهرا من الكبائر تلقاه بمائة رحمة ما بها رحمة إلا لو قسمت على جميع الخلائق لوسعتهم، ومن صلى في بيت المقدس ركعتين خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وكان له بكل شعره في جسده حسنة، ومن صلى في بيت المقدس أربع ركعات مر على الصراط كالبرق الخاطف وأعطى أمانا من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن صلى في بيت المقدس ست ركعات أعطى مائة دعوة مستجابة أدناها براءة من النار ووجبت له الجنة، ومن صلى في بيت المقدس ثمان ركعات كان رفيق إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم ومن استغفر للمؤمنين والمؤمنات في بيت المقدس ثلاث مرات كان له مثل حسناتهم ودخل على كل مؤمن ومؤمنة سبعون مغفرة ذنوبهم كلها(.
    وعن محمد بن أبي شعيب قال: قلت لعثمان بن عطاء الخراساني ما يقول في بيت المقدس؟ قال: أنه فضل فيه فإن داود أسسه وسليمان عليهما السلام بنائه مخلطة بالذهب لبنه ذهب ولبنه فضة، وليس فيها شبراً إلا وقد سجد له ملك أو نبي فلعل أن تنال جبهته جبهة ملك أو نبي.
    وعن سفيان الثوري أنه سأله رجل بمكة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصلاة في هذه البلدة؟ قال: بمائة ألف صلاة. قال: ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بخمسين ألف صلاة، قال: ففي بيت المقدس؟ قال: بأربعين ألف صلاة، قال: ففي دمشق؟ قال: بثلاثين ألف صلاة.
    وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: من حج وصلى في المدينة والمسجد الأقصى في عام واحد خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

    الفصل الرابع

    في فضل الإحرام من بيت المقدس
    والآثار فيه
    عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة(. وفي رواية عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من أحرم من بيت المقدس بحج أو عمرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه(. وفي رواية: )غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تاخر( )رواه ابو داود والقزويني(.
    وعن أم حكيم: من أهل بعمرة من بيت المقدس عدلت عشر غزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله: أي الخلق دخولا الجنة؟ قال: )الأنبياء( قال يا نبي الله: ثم من؟ قال: )مؤذنوا المسجد الحرام(. قال: يا نبي الله: ثم من؟ قال: )مؤذنوا مسجدي هذا(. قال يا رسول الله: ثم من؟ قال: )سائر المؤذنون على قدر أعمالهم(.

    الفصل الخامس

    في فضل الصدقة والصيام في بيت المقدس
    وشهور الموسم
    عن الحسن البصري قال: من تصدق في بيت المقدس بدرهم كان فداؤه من النار ومن تصدق برغيف كان كمن تصدق بجبال الأرض ذهبا. وعن مقاتل قال: من صام يوما في بيت المقدس كان له براءة من النار. وقال السدي رحمه الله: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويوافيان الموسم كل عام.

    الفصل السادس

    في ذكر الصخرة وأنها من الجنة
    عن رافع أن عمر المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )الصخرة من الجنة(.
    وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )سيد البقاع بيت المقدس(.
    وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. وعن كعب أن الكعبة بازاً عنه البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه الملائكة لو وقعت منه أحجار وقعت على الكعبة وأن الجنة من السماء السابعة بازا بيت المقدس لو وقع مهنا حجر لوقع على الصخرة.
    وعن دهب قال: يقول الله تعالى: (الصخرة بيت المقدس فيك جنتي وناري وفيك جزائي وعقابي فطوبى عن زارك).
    وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )صخرة بيت المقدس على نخلة، والنخلة على نهر من أنهار الجنة، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان سموطا لأهل الجنة إلى يوم القيامة(.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: )الأنهار كلها والرياح من تحت صخرة بيت المقدس(.
    وعن أبي بن كعب أنه قال: ما من ماء عذب إلا يخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وعن نوفل البكالي قال: يخرج من تحت صخرة بيت المقدس أربعة أنهار من الجنة: سيحان وجيحان والنيل والفرات.
    وعن أبي بن كعب قال: يقول الله تعالى لصخرة بيت المقدس: أتتي عرشي الأولى ومت تحتك بسط الأرض ومن تحتك جعلت عذب الماء يطلع إلى رؤوس الجبال.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى به إلى بيت المقدس: )أتاني جبريل عليه السلام إلى الصخرة فصليت ثم عرج بي إلى السماء(.
    وعن أبي إدريس الخولاني قال: يحول الله تعالى صخرة بيت المقدس مرجانة كعرض السماء والأرض ثم يضع عليه عرشه ويضع الميزان ويقضي بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة.
    وعن البحتري القاضي قال: تكره الصلاة في سبعة مواطن على ظهر الكعبة وعلى الصخرة وعلى طور سيناء وعلى الصفا والمروة وعلى الحمرة وعلى جبل عرفات.
    وعن أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي في قوله تعالى: (ثُم إذا دعاكُم دَعَوة مِن الأرضِ إذا أنتُم تخرُجُون) بدعوة إسرافيل من صخرة بيت المقدس حين ينفخ في الصور بأمر الله للبعث وبعد الموت.
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )صليت ليلة أسرى بي إلى بيت المقدس غربي الصخرة(.
    وعن عبد الله بن سلام قال: من صلى في بيت المقدس ألف ركعة عن يمين الصخرة وعن يسارها دخل الجنة قبل موته)يعني يراها في منامه(. وعن الحوشي قال: إذا دخلتم الصخرة يصنعوها عن أيمانكم. وعن كعب قال: من أتى بيت المقدس فصلى فيه عن يمين الصخرة وشمالها ودعا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وإن سأل الله تعالى الشهادة أعطاه إياها.
    وقال المشرق بن المرجا: يستجب لمن دخل الصخرة أن يجعلها عن يمينه حتى يكون بخلاف الطواف حول البيت، ويضع يده ولا يقبلها ثم يدعو وأن أحب أن ينزل إلى تحت الصخرة فليفعل ولكن يجتهد في الدعاء ويقدم النبية وبيوت إلى الله تعالى ويكون ذلك تحت الصخرة، فإن الدعاء في ذلك الموضع مستجاب إن شاء الله تعالى.
    وعن زيد بن أسلم: أن مفتاح صخرة بيت المقدس كان عند سليمان بن داود عليهما السلام لا يأمن علي أحد فقام ذات يوم ليفتحها فعسر عليه، فاستعان بالجن فعسر عليهم فاستعان بالأنس فعسر عليهم فجلس كئيبا حزينا يظن أن ربه قد منه فهو، كذلك إذ أقبل شيخ يتوكأ على عصا له وقد طعن في السن، وكان من جلساء داود عليه السلام فقال: يا نبي الله إني أراك حزينا، فقال: قمت إلى هذا الباب لافتحه فعسر على، فاستعنت عليه بالإنس فلم يفتح ثم استعنت بالجن فلم يفتح فقال لشيخ: ألا أعلمك كلمات كان أبوك داود يقولهن عند كل كرب فيكشف الله تعالى ذلك عنه قال: بلى قال: قل اللهم بنورك اهتديت وبفضلك استغيث وبك أصبحت، وأمسحت ذنوبي بين يديك، استغفرك وأتوب إليك يا حنان يا منان. فلما قالها انفتح له الباب. قال ابو المعالي: فيستحب له أن يدعو إذا دخل بهذا الدعاء من باب الصخرة، وكذلك من باب المسجد.

    الفصل السابع

    في البلاطة السوداء ومن أين يدخل الصخرة
    عن إبراهيم بن مهران قال: حدثنا نحيله وكانت ملازمة لصخرة بيت المقدس قالت: أعلم يوما إلا وقد دخل على من الباب الشامي رجل عليه هيئة السفر، فقلت: الخضر عليه السلام ثم صلى ركعتين أو أربعة ثم خرج فتعلقت بثوبه فقال: أتى رجل من أهل اليمن خرجت أريد هذا البيت فمررت بوهب بن منبه فقال: أين تريد؟ قلت: بيت المقدس. قال: إذا دخلت السجد فأدخل الصخرة من الباب الشامي ثم تقدم إلى القبلة فإن عن يمينك عموداً أو أسطوانة، وعن يسارك عموداً وأسطوانة فأنظر بين ذلك تجد رخامة سوداء، فإنها على باب الجنة فضل فيها وأدع الله عز وجل فإن الدعاء عليها مستجاب. وعن عثمان الأنصاري أنه كان يجيء الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان على البلاطة السوداء
    .
    الفصل الثامن
    في قبة المعراج
    وقبة النبي صلى الله عليه وسلم وباب الرحمة وباب السكينة وباب حطه ومحراب الصخور ومحراب عمر رضي الله عنه وقبة السلسلة والصخرات التي في مؤخرة المسجد وغير ذلك. يستجيب للزائر أن يتي هذه الأماكن ويجتهد في الدعاء فيها
    فهي مواضع مجمع على إجابة الدعاء فيها وقد جربه غير واحد وكذلك متعبدة مريم عليها السلام وينبغي لزائر هذه الأماكن الشريفة أن يخلص التوبة لله تعالى وأن يقلع عن الذنوب ويشكر الله على ما وفقه لزيارة هذا المسجد الشريف ويجتهد في الطاعة والصلاة والصدقة فإن ذلك فضلاً كثيراً وإذا فعل ذلك خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه فليستأنف العمل ويصعد إلى طور سيناء وهو الساهرة.
    وعن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في موضع الموقف الذي يقف الأنبياء فيه ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وجبرائيل أمامه فاضلا له فيه ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل وحشر الله تعالى الأنبياء والمرسلين وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين والمرسلين والملائكة، ثم تقدم قدام ذلك فوضعت له مرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج إلى السماء.
    وعن أبي حذيفة مؤذن بيت المقدس عن جدته أنها رأت صفية في المنام وكعب يقول لها: يا أم المؤمنين صلى هنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالنبيين هاهنا وأومى بيده أبو حذيفة إلى القبة القصوى في دبر الصخرة.
    وعن وهب: لما كثر الشر وشهادات الزور أعطى الله تعالى لداود عليه السلام سلسلة من ذهب، وقيل من نوف لمفضل الحطاب وكانت معلقة من السماء إلى الأرض بجبال الصخرة شرقي الصخرة وهي القبة التي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فيه الحور والعين.
    وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (وإذ قُلنا ادخُلوا هَذِه القَريَة) هي بيت المقدس وكلوا منها حيث شئتم رغدا الأقصى. وقوله: خطة يعني لا إله إلا الله بخط الذنوب.
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: السور الذي ذكره الله تعالى: (فَضَربَ بينَهُم بِسُورِ له بابُ) هو باب بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم.

    الفصل التاسع

    في عين سلوان وبناء بيت المقدس
    وفضل جب الورقة
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أختار من المدائن: مكة وهي البلدة والمدينة وهي النخلة وبيت المقدس وهي الزيتونة ودمشق وهي التينة، وأختار من الثغور أربعة: إسكندرية مصر وقزوين خراسان وعدان العراق وعسقلان الشام، وأختار من العيون أربعة قال الله تعالى: (فِيهُما عَينان تَجرِيان) سلوان وبيسان، وقال: )فيها عينان نضاختان( زمزم وعين عكا وأختار من الأنهار: سيحان وجيحان والنيل والفرات.
    وعن الرقاشي: من أراد أن يشرب من ماء الليل فليقل بماء بيت المقدس يقرئك السلام فإنه أمان بإذن الله تعالى.
    وعن شريك بن جباسة النميري أنه جاء ليشفي من جب سليمان فانقطع دلوه، فنزل الجب ليخرجه فبينما هو يطلبه إذ هو بشجرة فتناول منها ورقة فإذا هي ليست من شجرة الدنيا فأتي ابن الخطاب رضي الله عنه قال: أشهد أن هذا هو الحق سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: )يدخل من هذه الأمة قبل موته الجنة( فأخذ عمر الورقة فجعلها بين دفتي المصحف.

    الفصل العاشر

    في فضل الساهرة
    وفضل من مات بها وبيت المقدس
    عن أبي عبلة في قوله تعالى: (فَإذا هُم بِالسَاهِرَة) قال هو: البقيع الذي إلى جانب طور زيتا.
    وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء(.
    وعن كعب قال: يقول الله تعالى في التوراة لبيت المقدس: من مات فيك فكأنما مات في السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فيها.
    وعن كعب الأحبار قال: من دفن في بيت المقدس فقد جاز الصراط. وعنه قال: مقبور بيت المقدس لا يعذب.
    وعن وهب قال: من دفن في بيت المقدس نجا من فتنة القبر وضيقه.
    وعن عبد الرحمن بن عدي المازني قال: سألني عبد الرزاق عن منزلي فأخبرته أني من بيت المقدس، قال: هل تعرف زبيون الملة؟ قلت: نعم، قال: بلغني أنها روضة من الرياض.

    الفصل الحادي عشر

    فيمن رأى بدور تلك المواضع
    ومن لم يدور
    روي عن جعفر بن مسافر أنه قال: رأيت مؤمل بن إسماعيل ببيت المقدس أعطى قوما شيئا، ودور به في تلك الأماكن فقال له ابنه يا أبة قد دخل وكيع بن الجراح فلم يدور قال: كل إنسان يفعل ما أراد
    .
    الفصل الثاني عشر

    المصدر تاريخ بيت المقدس . ابن الجوزي يتبع >>>>>>>>>>

  16. #16
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    يتبع بقية قصة بناء بيت المقدس

    في جامع فضائل بيت المقدس

    عن عبد الله بن عمر قال: أن الحرام في السموات السبع بمقداره في الأرض.
    وعن معاذ قال: قال الله تعالى: (يا روشلم أنت صفوتي من بلادي وأنا سايق إليك صفوتي من عبادي من كان مولده بك فأختار عليك فنذبت بصيبه ومن كان مولده في غيرك وأختار على مولده فرحمة مني).
    وفي الخبر المقدسي أيضا: روشلم أنت مقدس بنورك وفيك محشر عبادي أذقك يوم القيامة كالعروس إلى خدرها ومن دخلك استغنى عن الزيت والقمح.
    وعن معاذ قال: يقول الله تعالى لبيت المقدس: (أنت جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي من سكنك فترحمه مني، ومن خرج منك فسخط مني عليه) وعن وهب قال: أهل بيت المقدس جيران الله تعالى وحق على الله تعالى أن لا يعذب جيرانه.
    وعن ابن عباس قال: باب مفتوح من أبواب الجنة يخرج من خلاله من جنات الجنة فيسقط على مسجدها وجبالها وصخورها، وصخرة بيت المقدس من صخور الجنة.
    وعن كعب قال: باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل من الجنات الرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة والظل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء من جنان الجنة.
    وعن مقاتل: كل ليلة ينزل سبعون ألف ملك من السماء إلى الأرض إلى مسجد بيت المقدس يهللون الله ويسبحونه ويقدسونه ويحمدون الله لا يعودون إلى يوم القيامة.
    وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: أن الجنة تحن شوقا إلى صخرة بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس وهي صخرة الأرض السابقة.
    وعن مقاتل إذ قال لعبد لصاحبه انطلق بنا إلى بيت المقدس يقول الله تعالى: (يلا ملائكتي أشهدوا أني غفرت لهما قبل أن يخرجا هذا إذا كانا لا يعدان على الذنوب).

    وعن مقاتل قال: أن الله تعالى تكفل لمن سكن بيت المقدس بالرزق إن فاته المال، ومن مات مقيماً محتسباً في بيت المقدس فكأنما مات في في السماء، ومن مات حولها فكأنما مات فيها، وما نقص من الأرض زيد في بيت المقدس والماء العذبة كلها تخرج من تحت صخرة بيت المقدس والأرض المقدسة التي قال الله تعالى: (التي بارَكَن فِيها لِلعالَمِينِ) هيأرض بيت المقدس فإن فيها ناري ونوري وتنوري: يعني وقار التنور، وكلم الله موسى في أرض بيت المقدس وتجلى للجبل في أرض بيت المقدس ورأى موسى نور رب العزة في أرض بيت المقدس وناب الله تعالى على داود وسليمان في أرض بيت المقدس، ورد الله تعالى على سليمان ملكه في أرض بيت المقدس وبشر الله تعالى إبراهيم وسارة بإسحاق في بيت المقدس وبشر الله تعالى زكريا بيحيى في بيت المقدس وسخر الله تعالى الجبال والطير لداود في بيت المقدس... رب الملائكة على داود في المحراب في بيت المقدس وكانت الأنبياء لا تقرب القرابين إلا في بيت المقدس، وأوتيت مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف في بيت المقدس، وأنبت الله تعالى عز وجل بكريم النخلة وتكلم عيسى عليه السلام في المهد صبيا في بيت المقدس ورفعه الله تعالى إلى السماء من بيت المقدس وينزل من السماء إلى الأرض في بيت المقدس، وأنزلت عليه المائدة في بيت المقدس ويغلب يأجوج ومأجوج على الأرض كلها غير مكة والمدينة وبيت المقدس يهلكهم الله في أرض المقدس، وينظر الله تعالى في أرض بيت المقدس في كل يوم بخير وأعطى الله تعالى البراق للنبي صلى الله عليه وسلم فحمله إلى بيت المقدس، وأوصى آدم عليه السلام حين مات بأرض الهند أن يدفن في بيت المقدس وأوصى إبراهيم إسحاق إذا ماتا أن يدفنا في أرض بيت المقدس، وماتت مريم في أرض بيت المقدس، وهاجر إبراهيم عليه السلام من كوتا إلى بيت المقدس، ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس وصلى المسلمون إلى بيت المقدس زمانا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم مالكا خازن النار في بيت المقدس والمحشر والمنشر في بيت المقدس وترف الجنة يوم القيامة إلى بيت المقدس وينصب الصراط إلى الجنة وتوضع الموازين وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس على الصخرة ينادي أيتها العظام البالية واللحوم المتفرقة والعروق المتقطعة أخرجوا إلى حسابكم تنفخ فيكم أرواحكم وتجازون على أعمالكم وتتفرق الناس يوم القيامة من بيت المقدس إلى الجنة والنار فذلك قوله تعالى: (يومَئِذٍ يَتَفَرَقُون ويومَئِذٍ يُعرَضُون) وكفل زكريا مريم ببيت المقدس ويقتل عيسى الدجال بأرض بيت المقدس وفهم الله تعالى سليمان منطق الطير في بيت المقدس وسأل سليمان ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده في بيت المقدس والحوت الذي للأرضين على ظهره رأسه في مطلع الشمس وذنبه في المغرب ووسطه تحت بيت المقدس ومن سره أن يمشي في روضة من رياض الجنة فليمشي في صخرة بيت المقدس ويوم القيامة ينادي من مكان قريب من صخرة بيت المقدس وقال: الأرض التي يرثها عبادي الصالحون هي بيت المقدس وقال تعالى: (سُبحان الذِي أسَرَى بِعَبدِهِ مِن المسجِدِ الحَرَام إلى المسجِد الأقصَى الذِي بارَكنا حُولَهُ) هو بيت المقدس وقوله تعالى لبني إسرائيل: (اَدخُلُوا هَذِه القَريَة وكُلُوا مِنها حَيثُ شِئتُم رَغَدا) هي بيت المقدس وقرب نوج القربان على صخرة بيت المقدس، وقوله تعالى: (ادخُلوا الأرضَ المُقدَسَة التِي كَتَبَ اللهُ لَكُم) هي بيت المقدس، وقرب آدم القربان ببيت المقدس وشرد الله تعالى لداود الملك ببيت المقدس، وتقبل الله تعالى من امرأة عمران نذرها ببيت المقدس، ووهب لداود ملكه ببيت المقدس وحرة الأرض ببيت المقدس، وتخرب الأرض كلها إلا ببيت المقدس، ويحشر الله تعالى الأنبياء إلى بيت المقدس، وينفخ في الصور في بيت المقدس، وتصف الملائكة حول بيت المقدس، ويغفر الله تعالى لمن أتى بيت المقدسن وتشجر النار في بيت المقدس وباب السماء مفتوح إلى بيت المقدس، وتطير أرواح المؤمنين إلى أجسادهم في بيت المقدس، وقال صلى الله عليه وسلم: )أن خيار أمتي هاجر هجرة بعد هجرة إلى بيت المقدس ومن توضأ وصلى ركعتين أو أربعة فيه غفر له ما كان قبل ذلك ومن صلى فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه وكان له بكل شعرة مائة نور يوم القيامة عند الله تعالى وكان له حجة مبرورة متقبلة

    وأعطاه الله تعالى مع الأنبياء ذاكرا أو قلبا شاكراً وعصم عن المعاصي وحشره الله تعالى مع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين(. ومن صبر ببيت المقدس على أذاها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته يأكل رغداً ويدخل الجنة. ه الله تعالى مع الأنبياء ذاكرا أو قلبا شاكراً وعصم عن المعاصي وحشره الله تعالى مع الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين(. ومن صبر ببيت المقدس على أذاها وشدتها جاءه الله برزقه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته يأكل رغداً ويدخل الجنة.
    قال الله تعالى لسليمان عليه السلام حين فرغ من بنائه: يا سليمان سلني قال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنوبي، وأسألك ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي، وأسألك ممن جاء هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه أن تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأسألك يا رب لمن جاءه من سقم أن تشفيه، وأسألك أن تكون عينك عليه إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: لك ذلك وكذلك، وعصى موسى عليه السلام آخر الزمان في بيت المقدس، وبشر الله تعالى مريم بعيسى في بيت المقدس، ويمنع الله تعالى الدجال الدخول إلى بيت المقدس ويغلب على الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس، ومن صام يوما ببيت المقدس، كان له براءة من النار وصفر له الله تعالى من بلاده ببيت المقدس، وفيها صوته من عباده ومنها بسطت الأرض ومنها تطوى ويطلع الله تعالى كل صباح إلى بيت المقدس فيدر عليهم من رحمته والظل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء لأنه من جنان الجنة، وما يسكن أحد في بيت المقدس حتى يشفع فيه سبعون ملك، ويقول الله تعالى للمقبور في بيت المقدس تجاورني في داري الأوان الجنة داري لا يجاروني إلا مغفور له.

    الفصل الثالث عشر

    في زيارة قبر إبراهيم الخليل
    عليه السلام
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل عليه السلام إلى قبر الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: أنزل صلى ها هنا ركعتين فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام. وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: )إن إبراهيم ولد بالعراق في موضع يقال له كوتا فهجره قومه وأخرجوه منها ثم سار إلى فلسطين والأردن فهم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تدعو على العراق فأنى جعلت شيئا من رحمتي فيهم واسكنت الرحمة في قلوبهم(.
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أول من مات ودفن في حبري سارة فدفنها إبراهيم.
    وفي الحديث أن إبراهيم عليه السلام طلب من ملك ذلك الموضع أن يبيعه موضعا يدفن فيه من مات من أهله فقال له: قد ابحتك ادفن حين شئت فأبى إلا بالثمن وكان قد طلب منه المغارة، فقال: يعطي لك بأربعمائة درهم في كل درهم خمسة دراهم كل مائة ضرب ملك وأراد أن يشدد عليه لكيلا يجد فيرجع إلى قوله فخرج من عنده فجاءه جبريل عليه السلام بذلك الذي طلبه الملك فدفعه له وحمل بسارة إلى المغارة فدفنت فيها ثم توفي إبراهيم عليه السلام فدفن بجوار زوجته ثم توفي إسحاق فدفن فيها بجوار زوجته ثم توفي يعقوب فدفن فيها عند باب المغارة، ثم توفيت ربعة فدفنت بحذاء يعقوب فاجتمع أولاده وأخوته وقالوا: ندع باب المغارة وسدوا باب المغارة ووضع عليها حائط وعملوا فيه علامات القبور، وكتبوا عليه هذا قبر أبراهيم، هذا قبر سارة، هذا قبر إسحاق، هذا قبر ربعة، هذا قبر يعقوب، هذا قبر زوجته لبقاء وخرجوا عنه وطبقوا بابها فكان كل من جاز به يطوف، ولا يصل إليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة.

    وفي بعض الكتب أن إبراهيم عليه السلام لما نجاه الله تعالى عز وجل من النار خرج من أرض بابل إلى الأرض المقدسة، ورهط من قومه حتى ورد وأخران فاقموا بها زمانا ثم خرجوا إلى الأردن ودفعوا إلى مدينة بعلبك، وكان بها ملك كافر وقيل هو الذي عرض له في سارة رضي الله تعالى عنها في قوله ومنعها الله تعالى سنة بقدرته قال: وخرج ذلك الملك من تلك المدينة وأورثها الله تعالى إبراهيم عليه السلام فأنزل بها وأنمى الله تعالى له ماله فقاسم لوطا فأعطاه نصفها ومات إبراهيم عليه السلام فدفن في حبري قرية الجبار وفيها دفنت سارة وهي مزرعة كان اشتراها إبراهيم.
    وعن عبد الله بن مسلم قال: عاش إسحاق عليه السلام مائة وثمانون سنة، ولما مات قبر في المزرعة التي اشتراها إبراهيم عليه السلام.
    وعن عباس رضي الله عنه قال: لما أراد الله تعالى أن يقبض زوج إبراهيم عليه السلام أومى الله إلى الدنيا أنى دافن فيك خليلي فاضطربت الدنيا اضطرابا شديدا وتشامخت جبالها وتواضعت منها قرية يقال لها حبري فقال الله تعالى عز وجل: يا حبري أنت قدسي أنت خزانة علمي وعليكى رحمتي وبركاتي، وإليك أحشر خيار عبادي فطوبى لمن وضع جبهته فيك لي ساجداً اسقيه من حضرة قدسي وآمنه من الفزع الأكبر يوم القيامة وأسكنه الجنة برحمتي معلو بالك ثم طوبى لك ادفن فيكى خليلي.
    وعن كعب أن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس أوحى الله تعالى إليه أن ابني على قبر خليلي ليعرف به مخرج سليمان فبني في موضع يسمى الرامة فأوحى الله تعالى إليه ليس هو هذا ولكن انظر إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فينظر فإذا النور على بقعة يقال لها حبري فعلم أن ذلك المقصود فبنى عليه.
    وعن وهب بن منبة قال: إذا كان آخر الزمان جبل بين الناس بين الحج فمن لم يصل إلى الحج فعليه بقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فإن زيارته تعدل حجة.
    وعنه أيضا أنه قال: من زار قبر أبراهيم عليه السلام لا يعنيه إلا ذلك يحشر يوم القيامة أمن من الفزع الأكبر،ووقار فتأتي القبر وكان حقا على الله تعالى أن يجمع بينه وبين إبراهيم عليه السلام.
    وعن كعب: من زار بيت المقدس وأبراهيم عليه السلام وصلى فيه خمس ركعات ثم سأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه. وأيضا: من زار إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسارة وربعة ولبقة أعطى بتلك الزيارة الكرامة الدائمة والرزق الدائم الواسع في دنياه ويبلغه الله عز وجل منازل الأبرار ولا يرجع إلى منزله إلا وقد غفرت له ذنوبه ولا يخرج من الدنيا حتى يرى الخليل ويبشره أن الله قد غفر له.
    روي عن عبد الله بن سلام قال: أن الزيارة إلى قبر الخليل عليه السلام عنده حج الفقر أو درجات الأنبياء فيستجب لمن أراد الزيارة أن يخلص النية، ويسأل الله تعالى التوفيق والمعونة، ويصلى ركعتين ولا سوء أدبه في زيارته، فإن الأنبياء أحياء في قبورهم ثم يقصد المكان بوقار وسكينة وذكر واستغفار، ثم يدخل المسجد ويبدأ بإدخال رجله اليمني ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وفي كل مسجد يقول هذا ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يدخل إلى قبر الخليل يستقبله من أي نواحيه شاء، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهو واقف، وذكر أن يضع يده على القبر وأن يعاتقه ويقف ويسلم كما يسلم على الحي بوقار وسكينة كان يشاهده صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكثر الدعاء عنده ويتوسل فما توسل به أحداً إلا إجابة الله تعالى، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر سيدنا يعقوب ويفعل كما فعل، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر ستني سارة وإلى ربعة، وكذلك عذر ليفة يبدأ بزيارة الرجال قبل النساء ثم يمضي إلى قبر سيدنا يوسف الصديق سلام الله عليه، وهو خارج المغارة في بطن الوادي ويفعل كما فعل.

    روي عن أبي بكر بن أحمد بن عمر بن جابر قال وقد سأل عن قبر الخليل عليه السلام فقال: ما رأيت أحداً من الشيوخ الذي لحقتهم إلا ويصححوا قبره وقبر أولاده وازواجهم صلوات الله عليهم أجمعين ودعا النبي صلى الله عليه وسلم مع حبري بأمرها لتميم الداري قبل أن يفتحه الله عز وجل على المسلمين الشام، وجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فأجاز له ذلك، وجاء إلى عمر فأجاز له بعد الفتوح، ثم روى أبي هند الداري قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سريتين تميم بن أوس وأخيه نعيم ويزيد بن أبي قيس وأبي عبد الله بن عبد الله وأخيه الطيب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وفاكهة ابن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشام فقال: سلوا ما شئتم. قال أبو هند فقلنا: إلى موضع يتشاور فيه تميم: أرى أن تسلوا ببيت المقدس. قال تميم: نعم. قال أبو هند: فكذلك يكون ملك العرب فقال: أخاف أن لا يتم لنا هذا. فقال: نسأله حبري وكورتها فقال أبو هند: هل أكبر وأكثر. فقال تميم: أين ترى، قال: نسأله العربي التي يضع حضرنا فيها مع ما فيها من آثار أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيتحب أن تخبرني بما أنتم فيه وأخبركم( قال: تخبرني أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزداد إيمانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: )أردت يا تميم أمراً وأراد أبو هند غيره ونعم الرأي رأي أبو هند( قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة من جلد من أديم فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذهب محمد رسول الله إذا أعطاه الله الأرض لهم بيت عيون وحبرون والمرطون وبيت إبراهيم فيهم أبدا، شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وجهنم ابن قيس. وشرحبيل حسنه قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمناه عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتاب نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما انظر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري وأصحابه أني أنطيتكم بيت عيون وحبرون وبيت إبراهيم بذمتهم جميع ما فيهم نطية بت وتغارت: وسلمت ذلك لهم ولا عقابهم من بعدهم شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.
    فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر بعده وجند الجنود إلى الشام، كتب كتاب نسخته من أبي بكر الصديق إلي عبيدة بن الجراح: سلام الله عليك فأني أحمد الله الذي لا إله هو وصلى الله على سيدنا محمد، أما بعد فامنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الكلام في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأرادوا الربوان أن يزرعوها فليزرعوا، فإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق والسلام عليك.
    آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد صلى وعلى آله وأصحابه، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء عاشر المحرم الحرام المبارك من شهور سنة خمسة وثمانين وثمانمائة من الهجرة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة وأتم السلام بالقاهرة المحروسة حرسها الله تعالى آمين.


    المصدر تاريخ بيت المقدس . ابن الجوزي

  17. #17
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    فتح مكة المكرمـــة العظيم
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    فتح مكة 8هـ كان فتح مكة على يد الرسول محمد بن عبدالله في 20 رمضان للسنة الثامنة من الهجرة بعد أن هاجر منها وكله أشواق وحنين وكانت هجرته للمدينة نواة لتأسيس دولته والعمل على العودة لمكة مجددا.

    الأسباب

    بعد صلح الحديبية بين الرسول و قريش انضمت قبيلة بكر لقريش وانضمت قبيلة خزاعة لحلف المسلمين .

    وكان بين بني بكرٍ وقبيلة خزاعة ثارات في الجاهلية ودماء ، وذات يومٍ تعرضت قبيلة خزاعة لعدوانٍ من قبيلة بكر الموالية لقريش ، وقتلوا منهم نحو عشرين رجلاً . فالتجئت خزاعة إلى الحرم للنجاة بنفسها ، ولكن بني بكرٍ لاحقوهم وقتلوا منهم في الحرم . فجاء عمرو بن سالم الخزاعي الرسول يخبرهم بعدوان قبيلة بكرٍ عليهم ، وأنشد الرسول صلى الله عليه وسلم شعراً :
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    يا رب إني نـاشد محمداً حلف أبـينا وأبيه الأتلدا إنه قريشٌ أخلفوك المـوعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا فانصر رسول الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مدداً

    فقال له رسول الله عليه وسلم : " نصرت يا عمرو بن سالم ، والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه " . ودعا الله قائلاً " اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ".

    وندمت قريش على مساعدتها لبني بكرٍ ، ونقضها للعهد ، فأرسلت أبا سفيانٍ إلى المدينة ليصلح ما فسد من العهد ، فعاد خائباً إلى مكة.


    فتح مكة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    بعدها قام الرسول بتجهيز الجيش للخروج إلى مكة فحضرت جموع كبيرة من قبائل جهينة وبني غفار ومزينة واسد وقيس وبني سليم و الأنصار والمهاجرين

    وقام ابي حاطب بن أبي بلتعة بكتابة كتاب بعث به إلى قريشٍ مع امرأة ، يخبرهم بما عزم عليه رسول الله عليه وسلم ، وأمرها أن تخفي الخطاب في ضفائر شعرها حتى لا يراها أحدٌ . فإذا الوحي ينزل على رسول الله عليه وسلم بما صنع حاطب ، فبعث الرسول صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ليلحقا بالمرأة . وتم القبض عليها قبل أن تبلغ مكة ، وعثرا على الرسالة في ضفائر شعرها .

    فلما عاتب النبي صلى الله عليه وسلم حاطباً اعتذر أنه لم يفعل ذلك ارتداداً عن دينه ، ولكنه خاف إن فشل رسول الله عليه وسلم على أهله والذين يعيشون في مكة .

    فقال عمر : " يا رسول الله ، دعني أضرب عنق هذا المنافق " . فقال رسول الله عليه وسلم:

    " إنه قد شهد بدراً ، وما يدريك لعل الله قد اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " .

    وكان حاطب ممن حارب مع رسول الله عليه وسلم في غزوة بدر . فعفا عنه ، وتحرك جيش المسلمين بقيادة رسول الله عليه وسلم إلى مكة في منتصف رمضان من السنة الثامنة للهجرة . وبلغ عددهم نحو عشرة آلاف مقاتل . ووصلوا " مر الظهران " قريباً من مكة ، فنصبوا خيامهم ، وأشعلوا عشرة آلاف شعلة نار . فأضاء الوادي .

    وهناك تقابل العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان . فأخذه العباس إلى الرسول . فقال له الرسول : " ويحك يا أبا سفيانٍ أما آن لك

    أن تعلم أن لا إله إلا الله .

    فقال العباس : " والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد " .

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ويحك ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ "

    فقال : " أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً " .

    وبعد حوارٍ طويلٍ دخل أبو سفيانٍ في الإسلام . وقال العباس : " إن أبا سفيانٍ يحب الفخر فاجعل له شيئاً . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من دخل دار أبي سفيانٍ فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن " .

    وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يري أبا سفيانٍ قوة المسلمين ، فحبسه عند مضيق الجبل . ومرت القبائل على راياتها ، ثم مر رسول الله صلى عليه وسلم في كتيبته الخضراء. فقال أبو سفيان : ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة .

    ثم رجع أبو سفيانٍ مسرعاً إلى مكة ، ونادى بأعلى صوته : " يا معشر قريش ، هذا محمدٌ قد جاءكم فيما لا قبل لكم به . فمن دخل داري فهو آمن ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ". فهرع الناس إلى دورهم وإلى المسجد . وأغلقوا الأبواب عليهم وهم ينظرون من شقوقها وثقوبها إلى جيش المسلمين ، وقد دخل مرفوع الجباه . ودخل جيش المسلمين مكة في صباح يوم الجمعة الموافق عشرين من رمضان من السنة الثامنة
    للهجرة
    ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أعلاها وهو يقرأ قول القرآن : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ))

    وتوجه الرسول إلى الحرم ، وطاف بالكعبة ، وأمر بتحطيم الأصنام المصفوفة حولها . وكان يشير إليها وهو يقول : (( و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ))

    وبعد أن هدمت الأصنام من حول الكعبة أمر النبي عليه الصلاة والسلام بلالاً أن يؤذن فوقها .

    ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل بكم ؟ " قالوا : " خيراً . أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم " . فقال عليه الصلاة والسلام : " اذهبوا فأنتم الطلقاء".
    .
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

    تعريف بمكة المكرمة

    مكّة المكرمة مدينة سعودية تقع في غرب شبه الجزيرة العربية ولمكة المكرمة عدة أسماء من بينها أم القرى والحرم والبلد الآمن والبلد الأمين، أمَّا بكة فهو موضع الكعبة داخل المسجد الحرام. وفي مكة المكرمة أقدس مكان للمسلمين وهي الكعبة في بيت الله الحرام قبلة المسلمين في صلواتهم بشتى أنحاء العالم. و يحج المسلمون اليها كل عام لتأدية فريضة الحج حيث يفد إليها أكثر من مليوني شخص من كل انحاء العالم، لتادية المناسك. وهي مدينة مقدسة منذ أيام إبراهيم وفي أيام الجاهلية وفي الإسلام. ومهبط الوحي ومبعث الرسالة الإلهية (الإسلام). فيها ولد الرسول الكريم محمدُ بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) عام 570 م. وتقع مكة في الجانب الغربي من شبه الجزيرة العربية في واد تحده الجبال من الشمال للجنوب. و موقعها من أصعب التكوينات الجيولجية، فاغلب صخورها بركانية ويصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى أكثر من 300 متر. ويحدها وادي ابراهيم المنحصر بين سلسلتي جبال جهة الشرق والغرب والجنوب. فالسلسلة الشمالية من الجبال تتالف من جبل الفلق وجبل قعيقعان والسلسلة الجنوبية تتالف من جبل ابي حديدة غربا، وجبل كدي باتجاه الجنوب الشرقي وجبل ابي قبيس في الجنوب الشرقي وبعده جبل خندمة. ويقع في الجهة الجنوبية الشرقية على طريق جدة-الطائف وادي ضيم

    ولمكة المكرمة ثلاثة مداخل رئيسية هي المعلاة وتعرف باسم الحجون والمسفلة والشبيكة. و المعلاة هي كل ما ارتفع عن مستوى ارض المسجد الحرام والمسفلة هي كل ما كان أسفله. رفع بها إبراهيم قواعد البيت (الكعبة) مع ابنه إسماعيل بأمر من الله بعدما أمره الله بذبح ابنه الوحيد إسماعيل وفداه بعد طاعته بكبش عظيم. وتبعد مكة عن مدينة جدة 70 كم. وكانت المدينة قديما مركزا هاما للتجارة وتحولت لعبادة الأصنام قبل ظهور الإسلام حيث كانت تفد إليها القبائل العربية من نسل إبراهيم كل عام للحج. هاجر منها عام 622 م الرسول محمد إلى يثرب التي سميت المدينة المنورة. ومكة طوال تاريخها القديم والحديث لم تفقد قدسيتها. لأن فيها الكعبة والحرم المكي وتعتبر قبلة المسلمين حيث يتجهون إليها في كل صلواتهم بكل أنحاء العالم. وبجوارها يوجد بئر زمزم. و تشهد المدينة المقدسة كل عام وفود الحجيج من شتي أنحاء العالم. فيحج إليها آلاف المسلمبن سنويا ليؤدوا مناسك الحج والعمرة و ليشهدوا منافع لهم وليذكروا اسم الله. ومكة لايزورها ولايقطنها إلا المسلمون منذ ان امر الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ان لايدخلها غيرالمسلمين استعدادا لحج الرسول صلوات الله عليه وسلامه وذلك في السنة

    التاسعة من الهجرة.

    حارات مكة التاريخية

    حارات مكة التاريخية، منذ الجاهلية إلى صدر الاسلام.

    الشبيكة، وتتبعها حارة الهجلة.
    الشامية
    السليمانية
    المسفلة
    أجياد
    النّقا
    جرول
    حارة الباب
    شعب عامر
    القرارة
    المعابدة
    سوق الليل
    القشاشية
    المعلاة

    حارات مكة المكرمة الحالية

    حارة أبو طبنجة
    من أقدم الحواري في مكة وقريبة جدا من الحرم والمدعى

    حارة النكاسة

    وأيضا من الأحياء القديمة ولا يسكنها الآن سوى بعض الجاليات الهندية

    حارة الملاوي

    من الأحياء القديمة أيضا ويفصل حي الملاوي عن الحرم جبل خندمة ومن أقدم سكانها الحضارم بعض القبائل

    حارة شارع منصور

    وأيضا من الأحياء القديمة التي تتصف بمنازلها الشعبية ويسكنها الآن عدد كبير من الجاليات الإفريقية به جزء من كلية التربية للبنات والتي تضم فقط قسم الاقتصاد المنزلي

    حي كدي

    وأيضا من الأحياء القديمة يبعد عن المسفلة مسافة 10 دقائق ومازال بها سكان من أهالي مكة ولكن أغلب من سكانها مقيمين والآن يشتهر هذا الحي بوجود سوق مركزي كبير يسمى سوق مكة الدولي به عدد كبير من المحلات التجارية العالمية وعدد من المطاعم وجلسات للعائلات كما يشتهر حي كدي بوجود منطقة لتملئه الزمزم به حيث تم سحب مياه زمزم إليه لقلة سكانه وسعة أرضه فيتيح ذلك إمكانية تملئه الزمزم دون ازدحام ويوجد به منطقة مواقف للباصات للذهاب من وإلى الحرم خاصة في مواسم الذروة وهي رمضان والحج لتفادي ازدحام السيارات الصغيرة في منطقة الحرم ويشتهر حاليا هذا الحي بتواجد الحجاج الايران والأفغان في مواسم الحج ورمضان لتبادل التجارة والبيع والشراء

    حي الخانسة

    من الأحياء التي تعد جديدة نوعا ما ولكن يغلب على منازلها الطابع الشعبي تبعد عن الحرم مسافة 15 دقيقة

    حي ريع زاخر

    ايضا من الاحياء الجديدة يغلب على منازلها الطابع الشعبي وهي المنازل المتعددة الادوار يوجد به كلية جديدة للبنات تضم قسم اللغة العربية واللغة الإنجليزية والدراسات الاسلامية يبعد هذا الحي عن حي الخانسة مسافة 10 دقائق أو أقل تقريبا

    حي العتيبية

    يشتهر الآن بأسواقه المتنوعة الشعبية معظم منازله من الطراز متعدد الأدوار ويبعد عن الحرم مسافة 5 دقائق وتقع قريبا منه مقابر المعلا والتي تم ذكرها في رابط آثار ومعالم

    حي الزاهر

    يقع قريبا جدا من حي العتيبية فمن حي الزاهر يمكن الذهاب مباشرة إلى العتيبية عبر أكثر من طريق مفتوح ويبعد عن الحرم مسافة 15 دقيقة تقريبا يوجد به جامعة أم القرى للبنات وسكن الطالبات وكذلك مستشفى الزاهر العام يغلب على منازله الطابع الشعبي متعدد الادوار كما تم به افتتاح مركز تجاري كبير يسمى سوق الضيافة به عدد من المحلات التجارية العالمية كما يوجد بنفس الحي محلات تجارية ومحطات ومكتبات وقرطاسيات وبعض الاسواق الصغيرة

    حي النزهة

    لا يبعد كثيرا عن حي الزاهر ومنه يمكن الوصول إلى شارع يسمى الستين نتحدث عنه لاحقا وحي النزهة من الاحياء المشهورة في مكة المكرمة بكثرة المحلات التجارية منها محلات بيع وصيانة أجهزة الحاسب الآلي والأجهزة التقنية المكتبية الحديثه وكذلك المكتبات ومحلات التصوير النسائي وصالونات التجميل ومحلات بيع الزهور والحلويات بأنواعها يبعد هذا الحي عن الحرم مسافة 15 دقيقة تقريبا

    شارع الستين

    يبعد عن النزهة مسافة 5 دقائق تقريبا ومنه يمكن الذهاب إلى مدينة جدة أو حي الرصيفة أو الذهاب إلى منطقة الحرم المكي ويبعد عن الحرم مسافة 10 دقائق يشتهر هذا الشارع بمحلات الاقمشة والجزم وكذلك الملبوسات كما يوجد به عددمن محلات الذهب وبعض الاسواق التجارية المجمعة والمطاعم والمكتبات ويعتبر شارع رئيسي في مكة المكرمة وهو أول شارع يقابل القادم من مدينة جدة وبه سوق تجاري مشهور يسمى سوق الحجاز يقع على طريق جدة

    حي الرصيفة

    هذا الحي يفصله عن شارع الستين إشارة مرورية فقط ويقابل القادم من جدة يبعد عن الحرم مسافة 15 دقيقة تقريبا به عدد من المحلات التجارية والمطاعم وسوق مشهور يسمى سوق الرصيفة كما يوجد به عدد من محلات الخياطين وصيدليات وبه قصور لافراح وبه ملاعب وملاهي للاطفال

    حي الملك فهد (الاسكان)

    يعتبر اول حي يقابل القادم من طريق جدة السريع ويمتاز الحي بفلله ذات الشكل الواحد ويبلغ عددها حوالي 1300 فله ويوجد بالحي مركز طبي و مجمع مدراس للبنين ومجمع للبنات و عدة مساجد من اشهرها مسجد الشيخ عبد القادر نصير و يعتبر الاشهر في مكة بعد المسجد الحرام يسكن بالحي العديد من العائلات الراقية و وجهاء مكة

    حي المسفلة

    من أقدم احياء مكة قريب جدا من الحرم المكي به عدد كبير من الفنادق والشقق المفروشة كان قديما يسكنه أغلب اهل مكة أما الآن فإنه متروك للزوار والمعتمرين وبه عدد قليل من اهل مكة ممن حافظوا على منازلهم ويعرف بشدة إزدحامه في شهري الحج ورمضان لكثرة الزوار به محلات لبيع الخردوات والاقمشة وبعض ما يلزم الحجاج وكذلك عدد كبير من المطاعم والمطابخ ويمكن الذهاب منه إلى الحرم سيرا على الاقدام لقربه من الحرم

    حي الكعكية

    من الاحياء الجديدة في مكة المكرمة فلم يكن معروفا منذ القدم بل كان ممرا للمسافرين وقطاع الطرق اما اليوم فهو حي سكني به العديد من الفلل السكنية والمرافق العامة والاستراحات وقصور الافراح والمدارس الخاصة والحكومية والمنازل السكنية متعددة الطوابق


    حي العوالي

    ايضا من الاحياء الجديدة في مكة المكرمة يبعد عن الحرم مسافة نصف ساعة ويقع بعد حي الكعكية يشتهر بالفلل السكنية وبعض المرافق كمحطات البنزين والسوبرماركات وهو هادئ نوعا ما ويعتبر من المخططات السكنية الجديدة تم فيه انشاء جزء تابع لجامعة أم القرى قسم البنين يضم بعض الاقسام العلمية وهذا الحي يقابل مباشرة القادم من مدينة الطائف من خط الكر وهو خط الجبل

    حي السبهاني
    ايضا من المخططات الجديدة في مكة المكرمة يشتهر بفلله الجميلة يبعد عن الحرم مسافة نصف ساعة او أكثر قليلا تم فيه انشاء متجر كبير يسمى وطني

    حي العزيزية

    ايضا من الاحياء التي لم تكن معروفة من قبل وكان يطلق عليه في الماضي اسم حوض البقر لانه مكان للمزارع وتربية الماشية ويعتبر اقدم من السبهاني والعوالي به العديد من المحلات التجارية والخدمات العامة كالمطاعم والمكتبات والصيدليات وهو من أشهر شوارع مكة الآن ومن شوارعها الرئيسية يبعد عن الحرم مسافة 15 دقيقة تقريبا ويسهل الوصول منه إلى منى به جامعة أم القرى فرع البنين ولكن بعد انشاء حي العوالي أنقسمت الجامعة لتضم بعض الاقسام في العزيزية والاخرى في العوالي يشتهر بشدة ازدحامه في ايام الحج لانه طريق الحجاج من الحرم إلى منى حيث تم به ايضا انشاء خط مشاه لينقل الحاج مباشرة من مكة إلى مشعر منى وقد وفرت الحكومة السعودية في هذا الخط الكثير من المرافق التي يحتاجه الحاج

    حي الشرائع
    يعتبر مخطط كبير به حي المخططات وحي شرائع المجاهدين ولكل منهما عدد كبير من المسميات ففي شرائع المخططات يوجد من مخطط رقم1 إلى مخطط رقم 8 ومازال العدد في ازدياد وفي مخطط شرائع المجاهدين يوجدعدد من الشوارع أيضا ويفصل شرائع المخططات عن شرائع المجاهدين مسافة 5دقائق تقريبا وحي الشرائع من الاحياء السكنية الجديدة التي تبعد عن الحرم مسافة لا تقل عن نصف ساعة بل إن بعد المخططات في الشرائع تقع خارج حدود مكة المكرمة ولا تعتبر داخلها به عدد كبير من الففلل السكنية وكثير من سكان مكة يوجد في هذا الحي العديد من الخدمات كالمستوصف الحكومية والخاصة والصيدليات والمطاعم وبعض الخدمات الأخرى التي يحتاجه السكان كما يوجد به عدد كبير من المدارس الحكومية للبنين والبنات لمختلف المراحل من الروضة إلى التوجيهي وبه عدد كبير من الاستراحات وقصور الأفراح وحي الشرائع يقابل القادم من مدينة الطائف من طريق السيل وكذلك القادم من الرياض والشرقية

    النوارية

    ايضا من الاحياء الجديدة في مكة وبه عدد كبير من الفلل السكنية والخدمات التي يحتاجها السكان كالصيدليات والمطاعم والمدارس وغيرها

    وهذا الحي يقابل القادم من المدينة المنورة..

    و بها قبر السيدة ( أم المؤمنين ) ميمونة بنت الحارث

    الشوقية

    من الأحياء الجديدة في مكة وهي تقع بين جنوب وغرب مكة ويمتاز الحي بالعمائر الحديثة.


    المواقع الإسلامية التاريخية

    جبل النور: يقع شمال شرقي مكة المكرمة وفيه غار حراء حيث هبط الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وسلم أول مرة).
    مسجد البيعة : أقيم في موضعه بيعة العقبة التي تمت بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) الأنصار قرب جمرة العقبة ، على يمين المتجه من منى إلى مكة المكرمة. بناه أبو جعفر المنصور عام144هـ.
    مسجد الخيف : أقيم في موضع تآمر أحزاب الشرك لشن غزوة ويقع على السفح الشمالي لجبل الخيف في منى . جدد عمارته عدة مرات آخرها العمارة السعودية عام 1393هـ
    مسجد المشعر الحرام : موضع أقيم على المشعر الحرام بمزدلفة أقام به الرسول (صلى الله عليه وسلم)وسلم في حجة الوداع حيث الناس بعدم المزاحمة وقال "وجمع كلها موقف".
    جبل الرحمة : قرن جيلي يمتد من جبل السعد نحو وسط ارض الموقف بعرفات ارتفاعه 339مترا فوق مستوى سطح البحر. وهو واحد من الجبيلات الذي وقف عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع.
    مسجد النمرة : أقيم في موضع صلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسلم فيه صلاتي الظهر و العصر وجمعا وقصرا ظهيرة يوم عرفة حيث خطب خطبة البلاغ . والبناء الحالي بناء العهد السعودي وجزء من هذا المسجد يقع خارج حدود عرفات.
    جبل ثور : يقع جنوب مكة المكرمة. ارتبط اسمه بهجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لوجود (غار ثور)الذي دخله الرسول عند هجرته ومعه صاحبه أبو بكر الصديق .
    مسجد الراية : الموضع الذي ركن فيه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسلم رايته يوم أن فتح الله عليه مكة المكرمة وأشار إليه الأزر قي في أخبار مكة.
    مسجد الجن : يقع في منطقة الحجون بمكة المكرمة إلى الشمال الشرقي من المسجد الحرام. وسمي بمسجد الجن لأن الله عز وجل أوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الموضع بأن الجن استمعوا إليه و آمنوا به. بني في أوائل القرن الثالث الهجري وعمارته الحالية تمت في العهد السعودي.
    مسجد الإجابة : في مكة المكرمة بحي المعابدة على يسار المتجه إلى منى. ولقد صلى في موضعه الرسول (صلى الله عليه وسلم). بني قبل الثالث الهجري.

    جبال مكة المكرمة

    تشتهر مكة المكرمة بكثرة جبالها حيث تتصف بأنها منطقة جبلية ، ونظراً لكثرة هذه الجبال كان لبعض منها مسميات تعرف بها . فهي إما تنسب إلى أشخاص عاشوا عليها ، وإما لوقوع حوادث إسلامية وتاريخية فيها . من هذه الجبال ، جبل يطلق عليه جبل النور ، وآخر أبو لهب ، وثالث جبل ثور وأبو قبيس ، وغيرها كثير من الجبال المعروفة والمشهورة في مكة المكرمة والقرى التابعة لها . ووفق الكتب التاريخية يقع جبل النور شمال شرق المسجد الحرام ، ويطل على طريق العدل وسمي بهذا الإسم لظهور أنوار النبوة فيه ، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو فيه بنفسه ليعبد الله قبل البعثة في غار حراء . ويبلغ ارتفاع هذا الجبل 642 متراً ، وينحدر انحداراً شديداً من 380 متراً حتى يصل إلى مستوى 500 متر ، ثم يستمر في الإنحدار على شكل زاوية قائمة حتى قمة الجبل وتبلغ مساحته خمسة كيلو مترات و 250 متراً مربعاً وتشبه قمته الطربوش أو سنام الجمل . ويقع جبل ثور جنوب جبل المسجد الحرام بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً ، ويشرف على حي الهجرة ، ويعتبر من الجبال المعروفة نظراً لما يتمتع به من مكانة تاريخية حيث يوجد فيه الغار الذي اختبأ فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق من كفار مكة الذين أرادوا قتله ، ومنه هاجر هو وصاحبه سراً إلى المدينة المنورة. ويقال إن سبب تسمية جبل ثور بهذا الإسم أنه كان يعرف بجبل أطحل ، ولكن حين سكنه ثور بن عبد مناف نسب إليه ، ويقال أيضاً إنه يشبه ثوراً مستقبلاً الجنوب ، هو جبل مستدير الشكل نسبياً له عشر قمم مدببة ترتفع من قاعدته الدائرية ويصل ارتفاع أعلاه إلى 755 متراً وتبلغ مساحته عشرة كيلو مترات مربعة. أما جبل أبو قبيس فهو يقع شرق المسجد الحرام ، ويطل عليه من الجهة الشرقية ويشرف على الصفا ، ويقع بين جبال السد وشعب علي ، فهو امتداد لسلسلة جبال خندمة وقد اكتسب أهميته التاريخية لقربه من المسجد الحرام ، ووجود مسجد بلال على قمته ، يرى بعض العلماء أن جبل أبو قبيس أفضل جبال مكة المكرمة ، لكونه أقرب الجبال للكعبة المشرفة وأول جبل وضع على وجه الأرض لقول الرسول صلى الله عليه وسلم " أول بقعة وضعت في الأرض موضع البيت ثم مدت منها الأرض " وأن أول جبل وضعه الله على وجه الأرض أبو قبيس ، ثم مدت منه الجبال وهو أحد أخشبي مكة المكرمة. وبالنسبة لجبل قيقعان ، فهو عبارة عن سلسلة جبلية تمتد في شمال وشمال غرب المسجد الحرام بين أعالي وادي إبراهيم شرقاً ووادي طوى غرباً . وتبين من خلال الاستطلاع أن جبل الكعبة يقع شمال غرب المسجد الحرام في حارة الباب ويسمى بجبل مقلع الكعبة وسمي بهذا الإسم لأن الحجار المستخدمة في بناء الكعبة المشرفة قطعت منه عند إعادة بناء الكعبة عندما هدم جدارها السيل في العهد العثماني الاول عام 1039 للهجرة . ويقع جبل السيدة شمال المسجد الحرام في الحجون وتوجد في أسف الجبل مقبرة المعلاة ، التي تضم قبر السيدة خديجة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسمي بهذا الإسم نسبة لها ويصل ارتفاعه إلى 400 متر . ويوجود في حي المسفلة بطرف الشبيكة بالقرب من الجسر الذي يربط الحفاير بالشبيكة ، ويشرف بأحد سفوحه على شارع إبراهيم الخليل جبل مشهور يطلق عليه جبل عمر نسبة إلى عمر بن الخطاب ،وهو من الجبال المأهولة بالسكان في مكة ، حيث يشتد الاكتظاظ فيه خاصة في السفوح المواجهة للمسجد . ولكن الآن تم إزالة الجبل لعمل مشروع جبل عمر

    حدود مكة المكرمة

    ورد ان جبريل أقام إبراهيم علــــــى حدود الحرم وامره أن ينصب عليه الحجارة وكان أول من اقام أنصاب الحرم وهي الـــــحد الفاصل بين الحل والحرم وبعد فتح مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم بن أسد الخزاعي فجددها واستمر خلفاء المسلمين واعيانهم يجددونها . وفيما يلي المسافة تقريبا بين المسجد الحرام وبعض حدود الحرم

  18. #18
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية اسير الليالي
    تاريخ التسجيل
    06 2008
    الدولة
    الدمام
    العمر
    45
    المشاركات
    365

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    بارك الله فيك ونفع الله بك الامة الاسلاميه


    تحياتي وتقديري وحبي واحترامي لك جبران حكمي

  19. #19
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    مختصرلقصة الكليم موسى بن عمران عليه السلام

    أثناء حياة يوسف علي السلام بمصر، تحولت مصر إلى التوحيد. توحيد الله سبحانه، وهي الرسالة التي كان يحملها جميع الرسل إلى أقواهم. لكن بعد وفاته، عاد أهل مصر إلى ضلالهم وشركهم. أما أبناء يعقوب، أو أبناء إسرائيل، فقد اختلطوا بالمجتمع المصري، فضلّ منهم من ضل، وبقي على التوحيد من بقي. وتكاثر أبناء إسرائيل وتزايد عددهم، واشتغلوا في العديد من الحرف.

    ثم حكم مصر ملك جبار كان المصريون يعبدونه. ورأى هذا الملك بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون ويملكون. وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول إن واحدا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه. فأصدر الفرعون أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي وليد ذكر. وبدأ تطبيق النظام، ثم قال مستشارون فرعون له، إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها. والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبحون الذكور في عام ويتركونهم في العام الذي يليه.

    ووجد الفرعون أن هذا الحل أسلم. وحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان ولد موسى. حمل ميلاده خوفا عظيما لأمه. خافت عليه من القتل. راحت ترضعه في السر. ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله إليها فيها للأم بصنع صندوق صغير لموسى. ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق. وإلقاءه في النهر.

    كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها، والله هو ربه ورب النيل. لم يكد الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي سيكون نبيا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمره للنار أن تكون بردا وسلاما على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه إلى قصر فرعون. وحملت مياه النيل هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون. وهناك أسلمه الموج للشاطئ.

    رفض موسى للمراضع:

    وفي ذلك الصباح خرجت زوجة فرعون تتمشى في حديقة القصر. وكانت زوجة فرعون تختلف كثيرا عنه. فقد كان هو كافرا وكانت هي مؤمنة. كان هو قاسيا وكانت هي رحيمة. كان جبارا وكانت رقيقة وطيبة. وأيضا كانت حزينة، فلم تكن تلد. وكانت تتمنى أن يكون عندها ولد.

    وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من النهر، وجدن الصندوق، فحملنه كما هو إلى زوجة فرعون. فأمرتهن أن يفتحنه ففتحنه. فرأت موسى بداخله فأحست بحبه في قلبها. فلقد ألقى الله في قلبها محبته فحملته من الصندوق. فاستيقظ موسى وبدأ يبكي. كان جائعا يحتاج إلى رضعة الصباح فبكى.

    فجاءت زوجة فرعون إليه، وهي تحمل بين بيدها طفلا رضيعا. فسأل من أين جاء هذا الرضيع؟ فحدثوه بأمر الصندوق. فقال بقلب لا يعرف الرحمة: لابد أنه أحد أطفال بني إسرائيل. أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟

    فذكّرت آسيا -امرأة فرعون- زوجها بعدم قدرتهم على وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته. سمح لها بذلك.

    عاد موسى للبكاء من الجوع. فأمرت بإحضار المراضع. فحضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها. فحضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى يبكي ولا يريد أن يرضع. فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل.

    لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفع موسى لجميع المراضع. فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية. لم تكد ترمي موسى في النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها في النيل. غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره. وجاء الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنا على ابنها، وكادت تذهب إلى قصر فرعون لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون. لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله. كل ما في الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى.

    وذهبت أخت موسى بهدوء ورفق إلى جوار قصر فرعون، فإذا بها تسمع القصة الكاملة. رأت موسى من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع. وقالت أخت موسى لحرس فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟

    ففرحت زوجة فرعون كثيرا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة. وعادت أخت موسى وأحضرت أمه. وأرضعته أمه فرضع. وتهللت زوجة فرعون وقالت: "خذيه حتى تنتهي فترة رضاعته وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرا عظيما على تربيتك له". وهكذا رد الله تعالى موسى لأمه كي تقر عينها ويهدأ قلبها ولا تحزن ولتعلم أن وعد الله حق وأن كلماته سبحانه تنفذ رغم أي شيء. ورغم كل شيء.

    نشأة موسى في بيت فرعون:

    أتمت أم موسى رضاعته وأسلمته لبيت فرعون. كان موضع حب الجميع. كان لا يراه أحد إلا أحبه. وها هو ذا في أعظم قصور الدنيا يتربى بحفظ الله وعنايته. بدأت تربية موسى في بيت فرعون. وكان هذا البيت يضم أعظم المربين والمدرسين في ذلك الوقت. كانت مصر أيامها أعظم دولة في الأرض. وكان فرعون أقوى ملك في الأرض، ومن الطبيعي أن يضم قصره أعظم المدربين والمثقفين والمربين في الأرض. وهكذا شاءت حكمة الله تعالى أن يتربى موسى أعظم تربية وأن يتعهده أعظم المدرسين، وأن يتم هذا كله في بيت عدوه الذي سيصطدم به فيما بعد تنفيذا لمشيئة الخالق.

    وكبر موسى في بيت فرعون. كان موسى يعلم أنه ليس ابنا لفرعون، إنما هو واحد من بني إسرائيل. وكان يرى كيف يضطهد رجال فرعون وأتباعه بني إسرائيل.. وكبر موسى وبلغ أشده.. (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) وراح يتمشى فيها. فوجد رجلا من اتباع فرعون وهو يقتتل مع رجل من بني إسرائيل، واستغاث به الرجل الضعيف فتدخل موسى وأزاح بيده الرجل الظالم فقتله. كان موسى قويا جدا، ولم يكن يقصد قتل الظالم، إنما أراد إزاحته فقط، لكن ضربته هذه قتلته. ففوجئ موسى به وقد مات وقال لنفسه: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ). ودعا موسى ربه: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي). وغفر الله تعالى له، (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

    أصبح موسى (فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ). كان هذا حال موسى، حال إنسان مطارد، فهو خائف، يتوقع الشر في كل خطوة، وهو مترقب، يلتفت لأوهى الحركات وأخفاها.

    ووعد موسى بأن لا يكون ظهيرا للمجرمين. لن يتدخل في المشاجرات بين المجرمين والمشاغبين ليدافع عن أحد من قومه. وفوجئ موسى أثناء سيره بنفس الرجل الذي أنقذه بالأمس وهو يناديه ويستصرخه اليوم. كان الرجل مشتبكا في عراك مع أحد المصريين. وأدرك موسى بأن هذا الإسرائيلي مشاغب. أدرك أنه من هواة المشاجرات. وصرخ موسى في الإسرائيلي يعنفه قائلا: (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ). قال موسى كلمته واندفع نحوهما يريد البطش بالمصري. واعتقد الإسرائيلي أن موسى سيبطش به هو. دفعه الخوف من موسى إلى استرحامه صارخا، وذكّره بالمصري الذي قتله بالأمس. فتوقف موسى، سكت عنه الغضب وتذكر ما فعله بالأمس، وكيف استغفر وتاب ووعد ألا يكون نصيرا للمجرمين. استدار موسى عائدا ومضى وهو يستغفر ربه.

    وأدرك المصري الذي كان يتشاجر مع الإسرائيلي أن موسى هو قاتل المصري الذي عثروا على جثته أمس. ولم يكن أحد من المصررين يعلم من القاتل. فنشر هذا المصري الخبر في أرجاء المدينة. وانكشف سر موسى وظهر أمره. وجاء رجل مصري مؤمن من أقصى المدينة مسرعا. ونصح موسى بالخروج من مصر، لأن المصريين ينوون قلته.

    لم يذكر القرآن الكريم اسم الرجل الذي جاء يحذر موسى. ونرجح أنه كان رجلا مصريا من ذوي الأهمية، فقد اطلع على مؤامرة تحاك لموسى من مستويات عليا، ولو كان شخصية عادية لما عرف. يعرف الرجل أن موسى لم يكن يستحق القتل على ذنبه بالأمس.. لقد قتل الرجل خطأ. فيجب أن تكون عقوبته السجن على أقصى تقدير.

    لكن رؤساء القوم وعليتهم، الذين يبدوا أنهم كانوا يكرهون موسى لأنه من بني إسرائيل، ولأنه نجى من العام الذي يقتل فيه كل مولود ذكر، وجدوا هذه الفرصة مناسبة للتخلص من موسى، فهو قاتل المصري، لذا فهو يستحق القتل.

    خرج موسى من مصر على الفور. خائفا يتلفت ويتسمع ويترقب. في قلبه دعاء لله (رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وكان القوم ظالمين حقا. ألا يريدون تطبيق عقوبة القتل العمد عليه، وهو لم يفعل شيئا أكثر من أنه مد يده وأزاح رجلا فقتله خطأ؟

    خرج موسى من مصر على عجل. لم يذهب إلى قصر فرعون ولم يغير ملابسه ولم يأخذ طعاما للطريق ولم يعد للسفر عدته. لم يكن معه دابة تحمله على ظهرها وتوصله. ولم يكن في قافلة. إنما خرج بمجرد أن جاءه الرجل المؤمن وحذره من فرعون ونصحه أن يخرج. اختار طريقا غير مطروق وسلكه. دخل في الصحراء مباشرة واتجه إلى حيث قدرت له العناية الإلهية أن يتجه. لم يكن موسى يسير قاصدا مكانا معينا. هذه أول مرة يخرج فيها ويعبر الصحراء وحده.

    موسى في مدين:

    ظل يسير بنفسية المطارد حتى وصل إلى مكان. كان هذا المكان هو مدين. جلس يرتاح عند بئر عظيمة يسقي الناس منها دوابهم. وكان خائفا طوال الوقت أن يرسل فرعون من وراءه من يقبض عليه.

    لم يكد موسى يصل إلى مدين حتى ألقى بنفسه تحت شجرة واستراح. نال منه الجوع والتعب، وسقطت نعله بعد أن ذابت من مشقة السير على الرمال والصخور والتراب. لم تكن معه نقود لشراء نعل جديدة. ولم تكن معه نقود لشراء طعام أو شراب. لاحظ موسى جماعة من الرعاة يسقون غنمهم، ووجد امرأتين تكفان غنمهما أن يختلطا بغنم القوم، أحس موسى بما يشبه الإلهام أن الفتاتين في حاجة إلى المساعدة. تقدم منهما وسأل هل يستطيع أن يساعدهما في شيء.

    قالت إحداهما: نحن ننتظر أن ينتهي الرعاة من سقي غنمهم لنسقي.
    سأل موسى: ولماذا لا تسقيان؟
    قالت الأخرى: لا نستطيع أن نزاحم الرجال.
    اندهش موسى لأنهما ترعيان الغنم. المفروض أن يرعى الرجال الأغنام. هذه مهمة شاقة ومتعبة وتحتاج إلى اليقظة.
    سأل موسى: لماذا ترعيان الغنم؟
    فقالت واحدة منهما: أبونا شيخ كبير لا تساعده صحته على الخروج كل يوم للرعي.
    فقال موسى: سأسقي لكما.

    سار موسى نحو الماء. وسقى لهم الغنم مع بقية الرعاة. وفي رواية أن أن الرعاة قد وضعوا على فم البئر بعد أن انتهوا منها صخرة ضخمة لا يستطيع أن يحركها غير عدد من الرجال. فرفع موسى الصخرة وحده. وسقى لهما الغنم وأعاد الصخرة إلى مكانها، وتركهما وعاد يجلس تحت ظل الشجرة. وتذكر لحظتها الله وناداه في قلبه: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).

    عادت الفتاتان إلى أبيهما الشيخ.

    سأل الأب: عدتما اليوم سريعا على غير العادة؟!
    قالت إحداهما: تقابلنا مع رجل كريم سقى لنا الغنم.
    فقال الأب لابنته: اذهبي إليه وقولي له: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ) ليعطيك (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).

    ذهبت واحدة من الفتاتين إلى موسى، ووقفت أمامه وأبلغته رسالة أبيها. فنهض موسى وبصره في الأرض. إنه لم يسق لهما الغنم ليأخذ منهن أجرا، وإنما ساعدهما لوجه الله، غير أنه أحس في داخله أن الله هو الذي يوجه قدميه فنهض. سارت البنت أمامه. هبت الرياح فضربت ثوبها فخفض موسى بصره حياء وقال لها: سأسير أنا أمامك ونبهيني أنت إلى الطريق.

    وصلا إلى الشيخ. قال بعض المفسرين إن هذا الشيخ هو النبي شعيب. عمر طويلا بعد موت قومه. وقيل إنه ابن أخي شعيب. وقيل ابن عمه، وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب الذين آمنوا به. لا نعرف أكثر من كونه شيخا صالحا.

    قدم له الشيخ الطعام وسأله: من أين قدم وإلى أين سيذهب؟ حدثه موسى عن قصته. قال الشيخ: (لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). هذه البلاد لا تتبع مصر، ولن يصلوا إليك هنا. اطمأن موسى ونهض لينصرف.

    قالت ابنة الشيخ لأبيها همسا: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
    سألها الأب: كيف عرفت أنه قوي؟
    قالت: رفع وحده صخرة لا يرفعها غير عدد رجال.
    سألها: وكيف عرفت أنه أمين؟
    قالت: رفض أن يسير خلفي وسار أمامي حتى لا ينظر إلي وأنا أمشي. وطوال الوقت الذي كنت أكلمه فيه كان يضع عينيه في الأرض حياء وأدبا.

    وعاد الشيخ لموسى وقال له: أريد يا موسى أن أزوجك إحدى ابنتي على أن تعمل في رعي الغنم عندي ثماني سنوات، فإن أتممت عشر سنوات، فمن كرمك، لا أريد أن أتعبك، (سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ). قال موسى: هذا اتفاق بيني وبينك. والله شاهد على اتفاقنا. سواء قضيت السنوات الثمانية، أو العشر سنوات فأنا حر بعدها في الذهاب.

    يخوض الكثيرون في تيه من الأقاصيص والروايات، حول أي ابنتي الشيخ تزوج، وأي المدتين قضى. والثابت أن موسى تزوج إحدى ابنتي الشيخ. لا نعرف من كانت، ولا ماذا كان اسمها. وهذه الأمور سكت عنها السياق القرآني. إلا أنه استنادا إلى طبيعة موسى وكرمه ونبوته وكونه من أولي العزم. نرى أنه قضى الأجل الأكبر. وهذا ما يؤكده حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وهكذا عاش موسى يخدم الشيخ عشر سنوات كاملة.

    موسى ورعي الغنم:

    وكان عمل موسى ينحصر في الخروج مع الفجر كل يوم لرعي الأغنام والسقاية لها.

    ولنقف هنا وقفة تدبر. إن قدرة الإلهية نقلت خطى موسى -عليه السلام- خطوة بخطوة. منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه اللحظة. ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون. وألقت عليه محبة زوجة فرعون لينشأ في كنف عدوّه. ودخلت به المدينة على حين غفلة من أهلها ليقتل نفسا. وأرسلت إليه بالرجل المؤمن من آل فرعون ليحذره وينصحه بالخروج من مصر. وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر إلى مدين وهو وحيد مطارد من غير زاد ولا استعداد. وجمعته بالشيخ الكبير ليأجره هذه السنوات العشر. ثم ليعود بعدها فيتلقى التكليف.

    هذا خط طويل من الرعاية والتوجيه، قبل النداء والتكليف. تجربة الرعاية والحب والتدليل. تجربة الاندفاع تحت ضغط الغيظ الحبيس، وتجربة الندم والاستغفار. وتجربة الخوف والمطاردة. وتجربة الغربة والوحدة والجوع. وتجربة الخدمة ورغي الغنم بعد حياة القصور. وما يتخلل هذه التجارب الضخمة من تجارب صغيرة، ومشاعر وخواطر، وإدراك ومعرفة. إلى جانب ما آتاه الله حين بلغ أشده من العلم والحكمة.

    إن الرسالة تكليف ضخم شاق، يحتاج صاحبه إلى زاد ضخم من التجارب والإدراك والمعرفة، إلى جانب وحي الله وتوجيهه. ورسالة موسى تكليف عظيم، فهو مرسل إلى فرعون الطاغية المتجبر، أعتى ملوك الأرض في زمانه، وأشدهم استعلاء في الأرض. وهو مرسل لاستنقاذ قوم قد شربوا من كؤوس الذل حتى استمرأوا مذاقه. فاستنقاذ قوم كهؤلاء عمل شاق عسير.

    فتجربة السنوات العشر جاءت لتفصل بين حياة القصور التي نشأ فيها موسى -عليه السلام- وحياة الجهد الشاق في الدعوة وتكاليفها العسيرة. فلحياة القصور جوا وتقاليد خاصة. أما الرسالة فهي معاناة لجماهير من الناس فيهم الغني والفقير، المهذب والخشن، القوي والضعيف، وفيهم وفيهم. وللرسالة تكاليفها من المشقة ومن التجرد أحيانا، وقلوب أهل القصور في الغالب لا تصبر طويلا على الخشونة والحرمان والمشقة.

    فلما استكملت نفس موسى -عليه السلام- تجاربها، وأكملت مرانها، بهذه التجربة الأخيرة في دار الغرة. قادت القدرة الإلهية خطاه مرة أخرى عائدة به إلى مهبط رأسه، ومقر أهله وقومه، ومجال عمله. وهكذا نرى كيف صُنِعَ موسى على عين الله، وكيف تم إعداده لتلقي التكليف.

    عودة موسى لمصر:

    ترى أي خاطر راود موسى، فعاد به إلى مصر، بعد انقضاء الأجل، وقد خرج منها خائفا يترقب؟ وأنساه الخطر الذي ينتظره بها، وقد قتل فيها نفسا؟ وهناك فرعون الذي كان يتآمر مع الملأ من قومه ليقتلوه؟

    إنها قدرة الله التي تنقل خطاه كلها. لعلها قادته هذه المرة بالميل الفطري إلى الأهل والعشيرة والوطن. وأنسته الخطر الذي خرج هاربا منه وحيدا طريدا. ليؤدي المهمة التي خلق لها.

    خرج موسى مع أهله وسار. اختفى القمر وراء أسراب من السحاب الكثيف وساد الظلام. اشتد البرق والرعد وأمطرت السماء وزادت حدة البرد والظلام. وتاه موسى أثناء سيره. ووقف موسى حائرا يرتعش من البرد وسط أهله.. ثم رفع رأسه فشاهد نارا عظيمة تشتعل عن بعد. امتلأ قلبه بالفرح فجأة. قال لأهله: أني رأيت نارا هناك.

    أمرهم أن يجلسوا مكانهم حتى يذهب إلى النار لعله يأتيهم منها بخبر، أو يجد أحدا يسأله عن الطريق فيهتدي إليه، أو يحضر إليهم بعض أخشابها المشتعلة لتدفئتهم.

    وتحرك موسى نحو النار. سار موسى مسرعا ليدفئ نفسه. يده اليمنى تمسك عصاه. جسده مبلل من المطر. ظل يسير حتى وصل إلى واد يسمونه طوى. لاحظ شيئا غريبا في هذا الوادي. لم يكن هناك برد ولا رياح. ثمة صمت عظيم ساكن. واقترب موسى من النار. لم يكد يقترب منها حتى نودي: (أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

    نظر موسى في النار فوجد شجرة خضراء. كلما زاد تأجج النار زادت خضرة الشجرة. والمفروض أن تتحول الشجرة إلى اللون الأسود وهي تحترق. لكن النار تزيد واللون الأخضر يزيد. كانت الشجرة في جبل غربي عن يمينه، وكان الوادي الذي يقف فيه هو وادي طوى.

    ثم ارتجت الأرض بالخشوع والرهبة والله عز وجل ينادي: يَا مُوسَى

    فأجاب موسى: نعم.

    قال الله عز وجل: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ

    ازداد ارتعاش موسى وقال: نعم يا رب.

    قال الله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى

    انحنى موسى راكعا وجسده كله ينتفض وخلع نعليه.

    عاد الحق سبحانه وتعالى يقول: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) (طه)
    زاد انتفاض جسد موسى وهو يتلقى الوحي الإلهي ويستمع إلى ربه وهو يخاطبه.

    قال الرحمن الرحيم: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى

    ازدادت دهشة موسى. إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يخاطبه، والله يعرف أكثر منه أنه يمسك عصاه. لماذا يسأله الله إذن إذا كان يعرف أكثر منه؟! لا شك أن هناك حكمة عليا لذلك.

    أجاب موسى: قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى

    قال الله عز وجل: أَلْقِهَا يَا مُوسَى

    رمى موسى العصا من يده وقد زادت دهشته. وفوجئ بأن العصا تتحول فجأة إلى ثعبان عظيم الحجم هائل الجسم. وراح الثعبان يتحرك بسرعة. ولم يستطع موسى أن يقاوم خوفه. أحس أن بدنه يتزلزل من الخوف. فاستدار موسى فزعا وبدأ يجري. لم يكد يجري خطوتين حتى ناداه الله: يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ.

    عاد موسى يستدير ويقف. لم تزل العصا تتحرك. لم تزل الحية تتحرك.

    قال الله سبحانه وتعالى لموسى: خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى

    مد موسى يده للحية وهو يرتعش. لم يكد يلمسها حتى تحولت في يده إلى عصا. عاد الأمر الإلهي يصدر له: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ
    وضع موسى يده في جيبه وأخرجها فإذا هي تتلألأ كالقمر. زاد انفعال موسى بما يحدث، وضع يده على قلبه كما أمره الله فذهب خوفه تماما..

    اطمأن موسى وسكت. وأصدر الله إليه أمرا بعد هاتين المعجزتين -معجزة العصا ومعجزة اليد- أن يذهب إلى فرعون ليدعوه إلى الله برفق ولين، ويأمره أن يخرج بني إسرائيل من مصر. وأبدى موسى خوفه من فرعون. قال إنه قتل منهم نفسا ويخاف أن يقتلوه. توسل إلى الله أن يرسل معه أخاه هارون. طمأن الله موسى أنه سيكون معهما يسمع ويرى، وأن فرعون رغم قسوته وتجبره لن يمسهما بسوء. أفهم الله موسى أنه هو الغالب. ودعا موسى وابتهل إلى الله أن يشرح له صدره وييسر أمره ويمنحه القدرة على الدعوة إليه. ثم قفل موسى راجعا لأهله بعد اصطفاء الله واختياره رسولا إلى فرعون. انحدر موسى بأهله قاصدا مصر.

    يعلم الله وحده أي أفكار عبرت ذهن موسى وهو يحث خطاه قاصدا مصر. انتهى زمان التأمل، وانطوت أيام الراحة، وجاءت الأوقات الصعبة أخيرا، وها هو ذا موسى يحمل أمانة الحق ويمضي ليواجه بها بطش أعظم جبابرة عصره وأعتاهم. يعلم موسى أن فرعون مصر طاغية. يعلم أنه لن يسلمه بني إسرائيل بغير صراع. يعلم أنه سيقف من دعوته موقف الإنكار والكبرياء والتجاهل. لقد أمره الله تعالى أن يذهب إلى فرعون. أن يدعوه بلين ورفق إلى الله. أوحى الله لموسى أن فرعون لن يؤمن. ليدعه موسى وشأنه. وليركز على إطلاق سراح بني إسرائيل والكف عن تعذيبهم. قال تعالى لموسى وهارون: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ). هذه هي المهمة المحددة. وهي مهمة سوف تصطدم بآلاف العقبات. إن فرعون يعذب بني إسرائيل ويستعبدهم ويكلفهم من الأعمال ما لا طاقة لهم به، ويستحيي نسائهم، ويذبح أبنائهم، ويتصرف فيهم كما لو كانوا ملكا خاصا ورثه مع ملك مصر. يعلم موسى أن النظام المصري يقوم في بنيانه الأساسي على استعباد بني إسرائيل واستغلال عملهم وجهدهم وطاقاتهم في الدولة، فهل يفرط الفرعون في بناء الدولة الأساسي ببساطة ويسر؟ ذهبت الأفكار وجاءت، فاختصرت مشقة الطريق. ورفع الستار عن مشهد المواجهة.

  20. #20
    Status
    غير متصل

    الصورة الرمزية جبران حكمي
    عضو موقوف
    تاريخ التسجيل
    11 2007
    الدولة
    الاحساء
    المشاركات
    1,364

    رد: قصص عظيمة ومعارك جسيمة

    يتبع قصة موسى عليه السلام

    مواجهة فرعون
    :

    واجه موسى فرعون بلين ورفق كما أمره الله. وحدثه عن الله. عن رحمته وجنته. عن وجوب توحيده وعبادته. حاول إيقاظ جوانبه الإنسانية في الحديث. ألمح إليه أنه يملك مصر، ويستطيع لو أراد أن يملك الجنة. وكل ما عليه هو أن يتقي الله. استمع فرعون إلى حديث موسى ضجرا شبه هازئ وقد تصوره مجنونا تجرأ على مقامه السامي. ثم سأل فرعون موسى ماذا يريد. فأجاب موسى أنه يريد أن يرسل معه بني إسرائيل.

    ويعجب فرعون وهو يرى موسى يواجهه بهذه الدعوى العظيمة، ويطلب إليه ذلك الطلب الكبير. فآخر عهد فرعون بموسى أنهم ربوه في قصره بعد أن التقطوا تابوته. وأنه هرب بعد قتله للقبطي الذي وجده يتعارك مع الإسرائيلي. فما أبعد المسافة بين آخر عهد فرعون بموسى إذن وهذه الدعوى العظيمة التي يواجهه بها بعد عشر سنين! ومن ثم بدأ فرعون يذكره بماضيه. يذكره بتربيته له فهل هذا جزاء التربية والكرامة التي لقيتها عندنا وأنت وليد؟ لتأتي الآن لتخالف ديانتنا، وتخرج على الملك الذي تربيت في قصره، وتدعوا إلى إله غيره؟!

    ويذكره بحادث مقتل القبطي في تهويل وتجسيم. فلا يتحدث عنها بصريح العبارة وإنما يقول (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) فعلتك البشعة الشنيعة (وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) برب العالمين الذي تقول به اليوم، فأنت لم تكن وقتها تتحدث عن رب العالمين! لم تتحدث بشيء عن هذه الدعوى التي تدعيها اليوم؛ ولم تخطرنا بمقدمات هذا الأمر العظيم؟!

    وظن فرعون أنه رد على موسى ردا لن يملك معه جوابا. إلا أن الله استجاب لدعاء موسى من قبل، فانطلق لسانه: (قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) فعلت تلك الفعلة وأنا بعد جاهل، أندفع اندفاع العصبية لقومي، لا اندفاع العقيدة التي عرفتها اليوم بما أعطاني ربي من الحكة. (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) على نفسي. فقسم الله لي الخير فوهب لي الحكمة (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

    ويكمل موسى خطابه لفرعون بنفس القوة: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) فما كانت تربيتي في بيتك وليدا إلا من جراء استعبادك لبني إسرائيل، وقتل أبنائهم، مما دفع أمي لوضعي في التابوت وإلقاءه في اليم، فتلتقطه فأتربى في بيتك، لا في بيت أبويّ. فهل هذا هو ما تمنه علي، وهل هذا هو فضلك العظيم؟!

    عند هذا الحد تدخل الفرعون في الحديث.. قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ
    قال موسى: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ
    التفت فرعون لمن حوله وقال هازئا: أَلَا تَسْتَمِعُونَ
    قال موسى متجاوزا سخرية الفرعون: رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ
    قال فرعون مخاطبا من جاءوا مع موسى من بني إسرائيل: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ
    عاد موسى يتجاوز اتهام الفرعون وسخريته ويكمل: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ

    نلاحظ أن فرعون لم يكن يسأل موسى عن رب العالمين أو رب موسى وهارون بقصد السؤال البريء والمعرفة. إنما كان يهزأ. ولقد أجابه موسى إجابة جامعة مانعة محكمة (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى). هو الخالق. خالق الأجناس جميعا والذوات جميعا. وهو هاديها بما ركب في فطرتها وجبلتها من خواص تهديها لأسباب عيشها. وهو الموجه لها على أي حال. وهو القابض على ناصيتها في كل حال. وهو العليم بها والشاهد عليها في جميع الأحوال.

    لم تؤثر هذه العبارة الرائعة والموجزة في فرعون. وها هو ذا يسأل: (فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى) لم تعبد ربك هذا؟

    لم يزل فرعون ماضيا في استكباره واستهزائه. ويرد موسى ردا يستلفته إلى أن القرون الأولى التي لم تعبد الله، والتي عبدته معا، لن تترك بغير مساءلة وجزاء. كل شيء معلوم عند الله تعالى. هذه القرون الأولى (عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ). أحصى الله ما عملوه في كتاب. (لَّا يَضِلُّ رَبِّي). أي لا يغيب عنه شيء. (وَلَا يَنسَى). أي لا يغيب عن شيء. ليطمئن الفرعون بالا من ناحية القرون الأولى والأخيرة وما بينهما. إن الله يعرف كل شيء ويسجل عليها ما عملته ولا يضيع شيئا من أجورهم.

    ثم استلفت موسى نظر فرعون إلى آيات الله في الكون. ودار به مع حركة الرياح والمطر والنبات وأوصله مرة ثانية إلى الأرض، وهناك افهمه أن الله خلق الإنسان من الأرض، وسيعيده إليها بالموت، ويخرجه منها بالبعث، إن هناك بعثا إذن. وسيقف كل إنسان يوم القيامة أمام الله تعالى. لا استثناء لأحد. سيقف كل عباد الله وخلقه أمامه يوم القيامة. بما في ذلك الفرعون. بهذا جاء موسى مبشرا ومنذرا.

    لم يعجب فرعون هذا النذير، وتصاعد الحوار بينه وبين موسى. فالطغيان لا يخشى شيئا كخشيته يقظة الشعوب، وصحوة القلوب؛ ولا يكره أحدا كما يكره الداعين إلى الوعي واليقظة؛ ولا ينقم على أحد كما ينقم على من يهزون الضمائر الغافية. لذلك هاج فرعون على موسى وثار، وأنهى الحوار معه بالتهديد الصريح. وهذا هو سلاح الطغاة عندما يفتقرون للحج والبراهين والمنطق: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ).

    إلا أن موسى -عليه السلام- لم يفقد رباطة جأشه. كيف يفقدها وهو رسول الله، والله معه ومع أخيه؟ وبدأ الإقناع بأسلوب جديد، وهو إظهار المعجزة (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ) فهو يتحدى فرعون، ويحرجه أمام ملأه، فلو رفض فرعون الإصغاء، سيظهر واضحا أنه خائف من حجة موسى (قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

    ألقى موسى عصاه في ردهة القصر العظيمة. لم تكد العصا تلمس الأرض حتى تحولت إلى ثعبان هائل يتحرك بسرعة. ثم أدخل يده في جيبه وأخرجها فإذا هي بيضاء كالقمر.

    تحدي السحرة:

    وتبدأ الجولة الثانية بين الحق والباطل. حيث شاور فرعون الملأ من حوله فيما يجب فعله. والملأ لهم مصلحة في أن تبقى الأمور على ما هي عليه، فهم مقربون من فرعون، ولهم نفوذ وسلطان. فأشاروا أن يرد على سحر موسى بسحر مثله، فيجمع السحرة لتحدي موسى وأخاه.

    حدد الميقات، وهو يوم الزينة. وبدأت حركة إعداد الجماهير وتحميسهم فدعوهم للتجمع وعدم التخلف عن الموعد، ليراقبوا فوز السحرة وغلبتهم على موسى الإسرائيلي! والجماهير دائما تتجمع لمثل هذه الأمور.

    أما السحرة، فقد ذهبوا لفرعون ليطمئنون على الأجر والمكافأة إن غلبوا موسى. فهم جماعة مأجورة، تبذل مهارتها مقابل الأجر الذي تنتظره؛ ولا علاقة لها بعقيدة ولا صلة لها بقضية، ولا شيء سوى الأجر والمصلحة. وهم هم ألاء يستوثقون من الجزاء على تعبهم ولعبهم وبراعتهم في الخداع. وها هو ذا فرعون يعدهم بما هو أكثر من الأجر. يعدهم أن يكونوا من المقربين إليه. وهو بزعمه الملك والإله!

    وفي ساحة المواجهة. والناس مجتمعون، وفرعون ينظر. حضر موسى وأخاه هارون عليهما السلام، وحضر السحرة وفي أيديهم كل ما أتقنوه من ألعاب وحيل، وكلهم ثقة بفوزهم في هذا التحدي. لذا بدءوا بتخيير موسى: (إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى) وتتجلى ثقة موسى -عليه السلام- في الجانب الآخر واستهانته بالتحدي (بَلْ أَلْقُوا) فرمى السحرة عصيهم وحبالهم بعزة فرعون (فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ).

    رمى السحرة بعصيهم وحبالهم فإذا المكان يمتلئ بالثعابين فجأة (سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ). وحسبنا أن يقرر القرآن الكريم أنه سحر عظيم (وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)، لندرك أي سحر كان. وحسبنا أن نعلم أنهم (سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ) وأثاروا الرهبة في قلوبهم (وَاسْتَرْهَبُوهُمْ) لنتصور أي سحر كان. فنظر موسى عليه السلام إلى حبال السحرة وعصيهم وشعر بالخوف.

    في هذه اللحظة، يذكّره ربّه بأن معه القوة الكبرى. فهو الأعلى. ومعه الحق، أما هم فمعهم الباطل. معه العقيدة ومعهم الحرفة. معه الإيمان بصدق الذي دفعه لما هو فيه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة. موسى متصل بالقوة الكبرى والسحرة يخدمون مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا.

    لا تخف (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ) وستهزمهم، فهو سحر من تدبير ساحر وعمله. والساحر لا يفلح أنى ذهب وفي أي طريق سار، لأنه يعتمد على الخيال والإيهام والخداع، ولا يعتمد على حقيقة ثابتة باقية.

    اطمأن موسى ورفع عصاه وألقاها. لم تكد عصا موسى تلامس الأرض حتى وقعت المعجزة الكبرى. وضخامة المعجزة حولت مشاعر ووجدان السحرة، الذين جاءوا للمباراة وهم أحرص الناس على الفوز لنيل الأجر. الذي بلغت براعتهم لحد أن يشعر موسى بالخوف من عملهم. تحولت مشاعرهم بحيث لم يسعفهم الكلام للتعبير: (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى).

    إنه فعل الحق في الضمائر. ونور الحق في المشاعر، ولمسة الحق في القلوب المهيأة لتلقي الحق والنور واليقين. إن السحرة هم أعلم الناس بحقيقة فنهم، ومدى ما يمكن أن يبلغ إليه. وهم أعرف الناس بالذي جاء به موسى. فهم أعلم إن كان هذا من عمل بشر أو ساحر، أو أنه من القدرة التي تفوق قدرة البشر والسحر. والعالم في فنه هو أكثر الناس استعدادا للتسليم بالحقيقة حين تتكشف له، لأنه أقرب إدراكا لهذه الحقيقة، ممن لا يعرفون في هذا الفن إلا القشور. ومن هنا تحول السحرة من التحدي السافر إلى التسليم المطلق، الذي يجددون برهانه في أنفسهم عن يقين.

    هزت هذه المفاجأة العرش من تحته. مفاجأة استسلام السحرة -وهم من كهنة المعابد- لرب العالمين. رب موسى وهارون. بعد أن تم جمعهم لإبطال دعوة موسى وهارون لرب العالمين! ولأن العرش والسلطان أهم شيء في حيات الطواغيت، فهم مستعدون لارتكاب أي جريمة في سبيل المحافظة عليهما.

    تسائل فرعون مستغربا (آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ) كأنما كان عليهم أن يستأذنوه في أن يعودوا للحق. لكنه طاغية متكبر متجبر أعمى السلطان عينيه عن الحق. ويزيد في طغيانه فيقول (إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا) إن غلبته لكم في يومكم هذا إنما كان عن تشاور منكم ورضا منكم لذلك، وهو يعلم وكل من له عقل أن هذا الذي قاله من أبطل الباطل. ويظل الطاغية يتهدد (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) ويتوعد (لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) لكن النفس البشرية حين تستيقن حقيقة الإيمان، تستعلي على قوة الأرض، وتستهين ببأس الطغاة، وتنتصر فيها العقيدة على الحياة, وتختار الخلود الدائم على الحياة الفانية. (قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ) إنه الإيمان الذي لا يتزعزع ولا يخضع.

    ويعلن السحرة حقيقة المعركة (وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا) فلا يطلبون الصفح والعفو من عدوّهم، إنما يطلبون الثبات والصبر من ربهم (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِين). فيقف الطغيان عاجزا أما هذا الوعي وهذا الاطمئنان. عاجزا عن رد هؤلاء المؤمنين لطريق الباطل من جديد. فينفذ تهديده، ويصلبهم على جذوع النخل.

    التآمر على موسى ومن آمن معه:

    وتبدأ جولة جديدة بين الحق والباطل. فهاهم علية القوم من المصريين، يتآمرون ويحرضون فرعون ويهيجونه على موسى ومن آمن معه، ويخوّفونه من عاقبة التهاون معهم. وهم يرون الدعوة إلى ربوبية الله وحدة إفسادا في الأرض. حيث يترتب عليها بطلان شرعية حكم فرعون ونظامه كله. وقد كان فرعون يستمد قوته من ديانتهم الباطلة، حيث كان فرعون ابن الآلهة. فإن عبد موسى ومن معه الله رب العالمين، لن تكون لفرعون أي سطوة عليهم. فاستثارت هذه الكلمات فرعون، وأشعرته بالخطر الحقيقي على نظامه كله ففكر بوحشيته المعتادة وقرر (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ).

    لم يكن هذا التنكيل الوحشي جديدا على بني إسرائيل. فقد نُفِّذ عليهم هذا الحكم في إبان مولد موسى عليه السلام. فبدأ موسى -عليه السلام- يوصي قومه باحتمال الفتنة، والصبر على البلية، والاستعانة بالله عليها. وأن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده. والعاقبة لمن يتقي الله ولا يخشى أحدا سواه (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
    إلا أن قومه بدءوا يشتكون من العذاب الذي حل بهم (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) إنها كلمات ذات ظل! وإنها لتشي بما وراءها من تبرم! أوذينا قبل مجيئك وما تغير شيء بمجيئك. وطال هذا الأذى حتى ما تبدو له نهاية! فيمضي النبي الكريم على نهجه. يذكرهم بالله، ويعلق رجاءهم به، ويلوح لهم بالأمل في هلاك عدوهم. واستخلافهم في الأرض. مع التحذير من فتنة الاستخلاف، فاستخلاف الله لهم إنما هو ابتلاء لهم، فهو استخلاف للامتحان: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ).

    وينقلنا القرآن الكريم إلى فصل آخر من قصة موسى عليه السلام. ومشهد آخر من مشاهد المواجهة بين الحق والباطل. حيث يحكي لما قصة تشاور فرعون مع الملأ في قتل موسى. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) أما موسى عليه السلام فالتجأ إلى الركن الركين، والحصن الحصين، ولاذ بحامي اللائذين، ومجير المستجيرين (وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ).
    موقف الرجل المؤمن من آل فرعون:

    كادت فكرة فرعون أن تحصل على التصديق لولا رجل من آل فرعون. رجل من رجال الدولة الكبار، لا يذكر القرآن اسمه، لأن اسمه لا يهم، لم يذكر صفته أيضا لأن صفته لا تعني شيئا، إنما ذكر القرآن أنه رجل مؤمن. ذكره بالصفة التي لا قيمة لأي صفة بعدها.

    تحدث هذا الرجل المؤمن، وكان (يَكْتُمُ إِيمَانَهُ)، تحدث في الاجتماع الذي طرحت فيه فكرة قتل موسى وأثبت عقم الفكرة وسطحيتها. قال إن موسى لم يقل أكثر من أن الله ربه، وجاء بعد ذلك بالأدلة الواضحة على كونه رسولا، وهناك احتمالان لا ثالث لهما: أن يكون موسى كاذبا، أو يكون صادقا، فإذا كان كاذبا (فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ)، وهو لم يقل ولم يفعل ما يستوجب قتله. وإذا كان صادقا وقتلناه، فما هو الضمان من نجاتنا من العذاب الذي يعدنا به؟

    تحدث المؤمن الذي يكتم إيمانه فقال لقومه: إننا اليوم في مراكز الحكم والقوة. من ينصرنا من بأس الله إذا جاء؟ ومن ينقذنا من عقوبته إذا حلت؟ إن إسرافنا وكذبنا قد يضيعاننا.

    وبدت كلماته مقنعة. إنه رجل ليس متهما في ولائه لفرعون. وهو ليس من أتباع موسى. والمفروض أنه يتكلم بدافع الحرص على عرش الفرعون. ولا شيء يسقط العروش كالكذب والإسراف وقتل الأبرياء.

    ومن هذا الموضع استمدت كلمات الرجل المؤمن قوتها. بالنسبة إلى فرعون ووزرائه ورجاله. ورغم أن فرعون وجد فكرته في قتل موسى، صريعة على المائدة. رغم تخويف الرجل المؤمن لفرعون. رغم ذلك قال الفرعون كلمته التاريخية التي ذهبت مثلا بعده لكل الطغاة: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).

    هذه كلمة الطغاة دائما حين يواجهون شعوبهم (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى). هذا رأينا الخاص، وهو رأي يهديكم سبيل الرشاد. وكل رأي غيره خاطئ. وينبغي الوقوف ضده واستئصاله.

    لم تتوقف المناقشة عند هذا الحد. قال فرعون كلمته ولكنه لم يقنع بها الرجل المؤمن. وعاد الرجل المؤمن يتحدث وأحضر لهم أدلة من التاريخ، أدلة كافية على صدق موسى. وحذّرهمخ من المساس به. لقد سبقتهم أمم كفرت برسلها، فأهلكها الله: قوم نوح، قوم عاد، قوم ثمود.

    ثم ذكّرهم بتاريخ مصر نفسه. ذكّرهم بيوسف عليه السلام حين جاء بالبينات، فشك فيه الناس ثم آمنوا به بعد أن كادت النجاة تفلت منهم، ما الغرابة في إرسال الله للرسل؟ إن التاريخ القديم ينبغي أن يكون موضع نظر. لقد انتصرت القلة المؤمنة حين أصبحت مؤمنة على الكثرة الكافرة. وسحق الله تعالى الكافرين. أغرقهم بالطوفان، وصعقهم بالصرخة. أو خسف بهم الأرض. ماذا ننتظر إذن؟ ومن أين نعلم أن وقوفنا وراء الفرعون لن يضيعنا ويهلكنا جميعا؟

    كان حديث الرجل المؤمن ينطوي على عديد من التحذيرات المخيفة. ويبدو أنه أقنع الحاضرين بأن فكرة قتل موسى فكرة غير مأمونة العواقب. وبالتالي فلا داعي لها.

    إلا أن الطاغية فرعون حاول مرة أخرى المحاورة والتمويه، كي لا يواجه الحق جهرة، ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه. وبعيد عن احتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه. فطلب أن يبنى له بناء عظيم، يصعد عليه ليرى إله موسى الذي يدعيه. وبعيدا أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج. وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور. وإنما هو الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى.

    بعد هذا الاستهتار، وهذا الإصرار، ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة:

    وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) (غافر)

    أنهى الرجل المؤمن حديثه بهذه الكلمات الشجاعة. بعدها انصرف. انصرف فتحول الجالسون من موسى إليه. بدءوا يمكرون للرجل المؤمن. بدءوا يتحدثون عما صدر منه. فتدخلت عناية الله تعالى (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) وأنجته من فرعون وجنوده.

    ابتلاء الله أهل مصر:

    أما حال مصر في تلك الفترة. فلقد مضى فرعون في تهديده، فقتل الرجال واستحيا النساء. وظل موسى وقومه يحتملون العذاب، ويرجون فرج الله، ويصبرون على الابتلاء. وظل فرعون في ظلاله وتحدّيه. فتدخلت قوة الله سبحانه وتعالى، وشاء الله تعالى أن يشدد على آل فرعون. ابتلاء لهم وتخويفا، ولكي يصرفهم عن الكيد لموسى ومن آمن معه، وإثباتا لنبوة موسى وصدقه في الوقت نفسه. وهكذا سلط على المصريين أعوام الجدب. أجدبت الأرض وشح النيل ونقصت الثمار وجاع الناس، واشتد القحط. لكن آل فرعون لم يدركوا العلاقة بين كفرهم وفسقهم وبين بغيهم وظلمهم لعباد الله. فأخذوا يعللون الأسباب. فعندما تصيبهم حسنة، يقولون إنها من حسن حظهم وأنهم يستحقونها. وإن أصابتهم سيئة قالوا هي من شؤم موسى ومن معه عليهم، وأنها من تحت رأسهم!

    وأخذتهم العزة بالإثم فاعتقدوا أن سحر موسى هو المسئول عما أصابهم من قحط. وصور لهم حمقهم أن هذا الجدب الذي أصاب أرضهم، آية جاء بها موسى ليسحرهم بها، وهي آية لن يؤمنوا بها مهما حدث.

    فشدد الله عليهم لعلهم يرجعون إلى الله، ويطلقون بني إسرائيل ويرسلونهم معه. فأرسل عليهم الطوفان، والجراد، والقمل -وهو السوس- والضفادع، والدم. ولا يذكر القرآن إن كانت جملة واحدة، أم واحدة تلو الأخرى. وتذكر بعض الروايات أنها جاءت متتالية وحدة تلو الأخرى. إلا أن المهم هو طلب آل فرعون من موسى أن يدعو لهم ربه لينقذهم من هذا البلاء. وبعدونه في كل مرة أن يرسلوا بني إسرائيل إذا أنجاهم ورفع عنهم هذا البلاء (قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ).

    فكان موسى -عليه السلام- يدعو الله بأن يكشف عنهم العذاب. وما أن ينكشف البلاء حتى ينقضون عهدهم، ويعودون إلى ما كانوا فيه (فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ).

    لم يهتد المصريون، ولم يوفوا بعهودهم، بل على العكس من ذلك. خرج فرعون لقومه، وأعلن أنه إله. أليس له ملك مصر، وهذه الأنهار تجري من تحته، أعلن أن موسى ساحر كذاب. ورجل فقير لا يرتدي أسورة واحدة من الذهب.

    ويعبّر القرآن الكريم عن أمر فرعون وقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ). استخف بعقولهم. واستخف بحريتهم. واستخف بمستقبلهم. واستخف بآدميتهم. فأطاعوه. أليست هذه طاعة غريبة. تنمحي الغرابة حين نعلم أنهم كانوا قوما فاسقين. إن الفسق يصرف الإنسان عن الالتفات لمستقبله ومصالحه وأموره، ويورده الهلاك. وذلك ما وقع لقوم فرعون.

    خروج بني إسرائيل من مصر:

    بدا واضحا أن فرعون لن يؤمن لموسى. ولن يكف عن تعذيبه لبني إسرائيل، ولن يكف عن استخفافه بقومه. هنالك دعا موسى وهارون على فرعون.

    وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (89) (يونس)

    لم يكن قد آمن مع موسى فريق من قومه. فانتهى الأمر، وأوحي إلى موسى أن يخرج من مصر مع بني إسرائيل. وأن يكور رحيلهم ليلا، بعد تدبير وتنظيم لأمر الرحيل. ونبأه أن فرعون سيتبعهم بجنده؛ وأمره أن يقوم قومه إلى ساحل البحر (وهو في الغالب عند التقاء خليج السويس بمطقة البحيرات).

    وبلغت الأخبار فرعون أن موسى قد صحب قومه وخرج. فأرسل أوامره في مدن المملكة لحشد جيش عظيم. ليدرك موسى وقومه، ويفسد عليهم تدبيرهم. أعلن فرعون التعبئة العامة. وهذا من شأنه أن يشكل صورة في الأذهان، أن موسى وقومه يشكلون خطرا فعلى فرعون وملكه، فيكف يكون إلها من يخشى فئة صغيرا يعبدون إله آخر؟! لذلك كان لا بد من تهوين الأمر وذلك بتقليل شأن قوم موسى وحجمهم (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) لكننا نطاردهم لأنهم أغاظونا، وعلى أي حال، فنحن حذرون مستعدون ممسكون بزمام الأمور.

    وقف موسى أمام البحر. وبدا جيش الفرعون يقترب، وظهرت أعلامه. وامتلأ قوم موسى بالرعب. كان الموقف حرجا وخطيرا. إن البحر أمامهم والعدو ورائهم وليس معهم سفن أو أدوات لعبور البحر، كما ليست أمامهم فرصة واحدة للقتال. إنهم مجموعة من النساء والأطفال والرجال غير المسلحين. سيذبحهم فرعون عن آخرهم.

    صرخت بعض الأصوات من قوم موسى: سيدركنا فرعون.
    قال موسى: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).

    لم يكن يدري موسى كيف ستكون النجاة، لكن قلبه كان ممتلئا بالثقة بربه، واليقين بعونه، والتأكد من النجاة، فالله هو اللي يوجهه ويرعاه. وفي اللحظة الأخيرة، يجيء الوحي من الله (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضربه، فوقعت المعجزة (فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) وتحققه المستحيل في منطق الناس، لكن الله إن أراد شيئا قال له كن فيكون.

    ووصل فرعون إلى البحر. شاهد هذه المعجزة. شاهد في البحر طريقا يابسا يشقه نصفين. فأمر جيشه بالتقدم. وحين انتهى موسى من عبور البحر. وأوحى الله إلى موسى أن يترك البحر على حاله (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ). وكان الله تعالى قد شاء إغراق الفرعون. فما أن صار فرعون وجنوده في منتصف البحر، حتى أصدر الله أمره، فانطبقت الأمواج على فرعون وجيشه. وغرق فرعون وجيشه. غرق العناد ونجا الإيمان بالله.

    ولما عاين فرعون الغرق، ولم يعد يملك النجاة (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) سقطت عنه كل الأقنعة الزائفة، وتضائل، فلم يكتفي بأن يعلن إيمانه، بل والاستسلام أيضا (وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) لكن بلا فائدة، فليس الآن وقت اختيار، بعد أن سبق العصيان والاستكبار (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ).

    انتهى وقت التوبة المحدد لك وهلكت. انتهى الأمر ولا نجاة لك. سينجو جسدك وحده. لن تأكله الأسماك، ولين يحمله التيار بعيدا عن الناس، بل سينجو جسدك لتكون آية لمن خلفك.

    فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) (يونس)

    أسدل الستار على طغيان الفرعون. ولفظت الأمواج جثته إلى الشاطئ. بعد ذلك. نزل الستار تماما عن المصريين. لقد خرجوا يتبعون خطا موسى وقومه ويقفون أثرهم. فكان خروجهم هذا هو الأخير. وكان إخراجا لهم من كل ما هم فيه من جنات وعيون وكنوز؛ فلم يعودوا بعدها لهذا النعيم! لا يحدثنا القرآن الكريم عما فعله من بقى من المصررين في مصر بعد سقوط نظام الفرعون وغرقه مع جيشه. لا يحدثنا عن ردود فعلهم بعد أن دمر الله ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يشيدون. يسكت السياق القرآني عنهم. ويستبعدهم تماما من التاريخ والأحداث.

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •