صــــــدى الحيــــــاة
يحكى أن أحد الحكماء خرج مع ابنه خارج المدينة ليعرفه تضاريس الحياة
في جو نقي، بعيدا عن صخب المدينة وهمومها ..
سلك الأثنان واديا عميقا تحيط به جبال شاهقة ، وأثناء سيرهما تعثر الأبن
في مشيته فسقط على ركبته .. صرخ الإبن على إثرها وبصوت مرتفع
تعبيرا عن ألمه، فإذا به يسمع من أقصى الوادي من يشاطره الألم.
سارع في دهشة سائلا مصدر الصوت .. ومن أنت ؟؟ فإذا الجواب يردعليه سؤاله ومن أنت ؟؟
انزعج الغلام من هذا التحدي ، فرد عليه مؤكدا : بل أنا أسألك من أنت ؟ ، ومرة أخرى لا يكون
الرد إلا الجفاء والحدة نفسها .. بل أنا أسألك من أنت ؟؟
فقد الإبن صوابه بعد أن استثارته المجابـهة في الخطاب ، فصاح غاضبا : أنت جبان ...
فهل كان الجزاء إلا من جنس السؤال ؟ ، وبنفس القوة يجيء الرد : أنت جبان ...
أدرك الصغير عندها أنه بحاجة لأن يتعلم فصلا جديدا في الحياة من أبيه الحكيم ..
الذي وقف بجانبه من دون أن يتدخل في المشهد الذي كان من إخراج ابنه ، قبل أن
يتمادى في تقاذف الشتائم والسباب .
تمالك الأبن أعصابه وترك المجال لأبيه لإدارة الموقف حتى يتفرغ هو لفهم هذا الدرس..
تعامل – الأب كعادته – بحكمة مع الحدث ، وطلب من ولده أن ينتبه للجواب هذه المرة
فصاح الأب في الوادي بصوت مرتفع : إني احترمك ، فجاء الرد بنغمة الوقار نفسها :
إني احترمك .. تعجب الإبن من تغير لهجة المجيب.
ولكن الأب أكمل السجال قائلا : كم أنت رائع ، فلم يقل الرد عن تلك العبارة الراقية : كم أنت رائع ....
ذًُُُهل الإبن مما سمع ، ولكنه لم يفهم سر التحول في الجواب ، ولذا صمت بعمق لينتظر تفسيرا
من أبيه ، علق الأب الحكيم على ما حدث بحكمة وقال : أي بني .. نحن نسمي ما حدث في عالم
الفيزياء بظاهرة اسمها ( الصدى ) ، لكنها في الواقع هي الحياة بعينها ... إن الحياة لا تعطيك إلا
بقدر ما تعطيها ، ولا تحرمك إلا بمقدار ما تحرم نفسك منها ...
الحياة مرآة أعمالك وصدى أقوالك ، وإذا أردت أن يحبك أحد فأحب غيرك ، وإذا أردت أن
يوقرك أحد فوقر غيرك ، وإذا أردت أن يرحمك أحد فارحم غيرك ، فمن لا يرحم أحدا لا يرحمه الله
وإذا أردت أن يسترك الله فاستر غيرك ، وإن أردت من الناس أن يساعدوك فساعد غيرك ، وإن أحببت أن
يسمعك أحد وتريده أن يفهمك بادر أنت بسماع غيرك وفهمه ، فكل شيء مردود فبادر بالخير تجده أمامك
في تعاملك مع الناس ، ولا تتوقع من الناس أن يصبروا عليك إلا إذا صبرت عليهم أولا .
أي بني .. هذه سنة الله التي تنطبق على شتى مجالات الحياة ، وهذا ناموس الكون الذي تجده في كافة
تضاريس الحياة .... إنه صدى الحياة ... ستجد ما قدمت وتحصد ما زرعت ...
إنه صدى الحياة ... ستجد ما قدمت وتحصد ما زرعت ...