في الإجازة وفي عطلة نهاية الأسبوع يكثر اجتماع الشباب في الأماكن والحدائق والمنتزهات العامة، وفي ليالي الصيف عموماً يقصد الناس تلك الأماكن للترويح ومزاولة رياضة المشي والتنزه، والأصل في الجلوس في تلك الأماكن أنه غير مرغوب فيه شرعاً بسبب ما يترتب عليه من مضايقة للمارين والمارات، وتعرض للوقوع في الممنوع شرعاً مثل النظر إلى النساء، وشغل القلب بالناس، وجر ذلك إلى الوقوع في الغيبة وسوء الظن، وتهمة الآخرين حسب ظاهر أحوالهم، والتقصير في حق المسلمين بالنسبة لما يطلب نحوهم في مثل هذه المجالس. ولذلك حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس على طريق الناس، فأخبره الصحابة أنهم لا يستغنون عن الجلوس على الطريق، لأنها هي التي تسع تجمّعهم سواء قل عدد المجتمعين أو كثر، وخصوصاً أن دورهم كانت ضيقة في الغالب، وليس فيها أماكن تصلح لمثل هذه الجلسات، لذلك سمح النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالجلوس عليها مع القيام بآداب ذكرت في عدة أحاديث فوصل عددها إلى ثلاثة عشر أدباً هي:
غض البصر، وكف الأذى عن المارين بقول أو فعل، ورد السلام على من يلقيه من المارين، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، تشميت العاطس، ومساعدة من يحمل متاعه على سيارة أو دابة، وإغاثة الملهوف، وإرشاد ابن السبيل، وإعانة المظلوم ومساعدته على ظالمه، وذكر الله تعالى حتى لا يشغله الطريق ويلهيه، وحسن الكلام، لأن مثل هذه المجالس عرضة للخوض فيما هو ممنوع شرعاً، وإفشاء السلام، وقد نظمها الحافظ ابن حجر في أربعة أبيات فقال:
جَمَعْتُ آدَابَ مَنْ رَامَ الجُلُوسَ عَلَى
الطَّرِيقِ مِنْ قَوْل خَيْرِ الْخَلْقِ إِنْسَاناً
أَفْشِ السَّلامَ وأَحْسِنْ في الْكَلام
وِشَمتْ عَاطِساً وَسَلاماً رُدَّ اِحْسَاناً
في الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُوماً أَعِنْ وَأَغِثْ
لَهْفَانَ اهْدِ سَبِيلاً و اهْدِ حَيَرانا
بالعُرْفِ وَانْه عن نُكرٍ وَكُفّ أَذى
وُغُضَّ طَرْفاً وَأكْْثِرْ ذِكْرَ مَوْلاَنَا
وقد أخذ ابن حجر هذه الآداب من الأحاديث الآتية: عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إِيَّاكُمْ والْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقاتِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ : فَإِذَا أَبَيْتُمْ فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ، قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأذَى وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، والنَّهْىُ عَنْ الْمُنْكَر". رواه البخاري ومسلم، وغيره ذلك من الأحاديث الصحيحة.
ويلاحظ في الحديث كما في جميع التشريعات الإسلامية الحرص على مراعاة شعور الآخرين وإحساسهم وكرامتهم وراحتهم حتى لم يرض المشرع أن يطلق الجالس في الطريق نظره على المارة فيحرج النساء ويضيق عليهن، كما لم يرض من الجالس أن يؤذي ماراً بأي نوع من الإيذاء المادي أو المعنوي، وفي ذلك تنبيه للذين يقصدون تلك الأماكن والمنتزهات العامة بقصد الإيذاء بإطلاق النظر إلى النساء ومضايقتهن وتعمدهن بالإيذاء عن طريق أجهزة الجوال إما بالتصوير أو بإرسال رسائل عبر ما يسمى (بالبلوتوث) أو بمحاذاتهن في الجلوس أو المشي مع لبس الفاتن من اللباس وقص الشعور قصات غربية، والاستعراض بالسيارات الفخمة الفارهة ورفع صوت المسجل على أغانٍ ساقطة تدعو للفساد والفتنة من دون خوف من الله ولا حياء من الناس، فإلى الله نشكو حال بعض شبابنا.
لقد جاء الإسلام بكل ما يُسعد في الدنيا والآخرة، ويجعل المسلم يعيش مراعياً لحقوق الآخرين مبتعداً عن إلحاق الضرر بهم والتعدي على حرماتهم، متخلقاً بأخلاق دينه مبتعداً عما يشين من سيئ الأقوال والأعمال، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل قد رغب الإسلام المسلمين في إزالة الأذى عن الطريق منعاً لوقوع الإيذاء، وعملاً على سلامة المارين، ولذا جاء في أحاديث صحيحة أن إزالة الأذى عن الطريق صدقة.
* كاتب العدل بالرياض