كان ضباب لندن و خاصة في الليل مصدر قلق للمهندس الإنجليزي ج.ب.نايت، المتخصص في إشارات مرور القطارات و تنظيم حركتها. فخطر بباله أن يستعمل الإشارات الضوئية و ابتكر مصباحين يعملان على الغاز أحدهما باللون الأحر و الآخر باللون الأخضر، لإيقاف القطارات و تسييرها.
غير أن أحد المصباحين انفجر و قتل الشرطي المكلف بالمراقبة، مما أحبط إجراء المزيد من التجارب على هذه الفكرة.
بعد اختراع السيارة، و تكاثر أعدادها، ظهرت الحاجة إلى وسائل لتنظيم المرور، و لمتجد أنظار الباحثين ما تتوجه إليه غير الفكرة الإنجليزية القديمة، فظهرت أول إشارة سر بالألوان الثلاثة، الأحمر، البرتقالي، و الأخضر لأول مرة سنة 1914م في أحد شوارع كليفلاند في الولايات المتحدة.
و في عام 1918م، ظهرت إشارة السير لأول مرة نيويورك، و بعدها بسنتين وصلت إلى مدينة ديترويت. و كانت إشارات السير هذه تقع في أعلى برج مبني وسط الشارع و يدعى "برج المرور"، و تدار يدويا بواسطة شرطي يسهر عليها.
و في العام 1925م، قررت بريطانيا اعتماد الوسيلة نفسها لتنظيم حركة السير فيها. و أول إشارة سير في لندن كانت تقع عند تقاطع شارعي البيكاديللي و سانت جايمس. بعد ذلك بسبع سنوات، تم تطوير إشارة السير في إنجلترا، بحيث صارت تعمل آليا حسب كثرة السيارات، غير أن الصدفة العجيبة تكمن في أنه عند تجربة النموذج الأول منها في شارع كورنهيل في لندن، أدى تسرب للغاز في غرفة التحكم إلى حصول انفجار و مقتل الشرطي بمجرد إضاءة المصباح للمرة الأولى. و بذلك تكوين بريطانيا قد دفعت قتيلين ثمنا للإبتكار الجديد.
و بمرور الزمن تطورت إشارات السير، فأصبحت تدار بواسطة أجهزة كمبيوتر مركزية تتحكم بها. غير أن شكلها الظاهر أصبح أبسط مما كان عليه في ثلاثينيات القرن الماضي، إذ اختفت الأبراج الضخمة و الأعمدة البرونزية المنحوتة و التي كانت تعلوها التماثيل في نيويورك و لوس أنجلوس لتصبح مجرد أعمدة معدنية ملساء، تعلو مصابيحها بعض الأحيان كاميرات للمراقبة.
و معظم إشارات السير في العالم تعمل اليوم بالألوان الثلاثة الأحمر و البرتقالي و الأخضر التي يضاء الواحد منها بعد إطفاء الآخر، مع بعض الاستثناءات كما هو الحال في مدينة بوسطن الأمريكية حيث الأخضر و البرتقالي سوية.
غير أن أغرب إشارة سير في العالم هي تلك الموجودة في مدينة البندقية في إيطاليا و تقع عند تقاطع قناتين مائيتين..!