مجموعه من الاعمال قام بنشرها لى الصديق العزيز مسعد الحارثى اعيد نشرها لكم بعد اجراء بعض التعديلات .
.
.

عن قرية هجرتها شاحنات القمح
عندما جاء سيد الأرض إلى القرية أعلن : نظرا للظروف المناخية والجيولوجية تقرر عدم مرور الطريق الإسفلتي الجديد عبر القرية .
أنهى إمام المسجد على عجل خطبة الجمعة مختصرا شتائمه على اليهود وحث خطاه للحاق بالركب المتجه إلى مقر سيد الأرض .
دخل أعيان القرية يتقدمهم الإمام وانحنوا امام سيد الأرض وقبلوا يديه ملتمسين عدوله عن هذا القرار الذي سيدمر اقتصاد القرية ويحيلها إلى مجرد أكواخ متناثرة وسط صحراء قاحلة .
سلكت شاحنات القمح الطريق الجديد وظلت القرية مهجورة تعاني من هجير الرمال .
إتفق أعيان القرية على تزويج سيد الأرض أجمل بنات القرية لكسب عطفه وجره للعدول عن قراره .
وضعوا آلية للبحث عن أجمل فتاة في قريتهم .
أقحموا زوجاتهم بهذه المهمة , لم تترك زوجة شيخ القرية بيتا الا وطرقته
تدخل وتسلم على أصحاب البيت ، تشرح الموضوع على أنه يتعلق بمستقبل القرية.
ويأتون بالموجود لديهم من البنات .
تحدق زوجة شيخ القرية بكل فتاة على حدة مستغرقة بأدق التفاصيل، العينان، صلابة النهدين، اكتناز الصدر، المؤخرة ، تناسق الجسد ومدى درجة نعومته.
تخرج زوجة شيخ القبيلة وهي تتمتم : من هي سعيدة الحظ التي ستفوز بقلب سيد الأرض.
تطوع نساء كثيرات في تنفيذ هذه المهمة .
انتشرن بكل أرجاء القرية وتكللت تلك الجهود المضنية بالنجاح .
تم انتخاب مضاوي المفرطة بجمالها، وأنوثتها وذكائها لكي تزف إلى سيد الأرض .
خرموا جسدها الغض بالخماخم الذهبية والحجول الفضية ومشطوا ضفائرها بالمسك والعنبر وخضبوا كفوفها بالحناء .
علموها كيف تستخرج من حليب نهديها سلسبيلا يقلب جماجم الرجال0
بعدماالتهم روائع أنوثة مضاوى أصيب سيد الأرض بسعار مخيف قرر بعده التهام كل بنات القرية.




رياح


لم تعهد المدينة تلك الرياح التي أزّت بعنف قرب شواطئها , مماّ اضطر امن السواحل لإصدار تحذير عن مدى خطورة إرتياد البحر .
وردت اخبار من محيطات بعيدة تفيد بأن المدينة ستمنى برياح اشد , وأكد فلكيون بانتقال الرياح من البحر إلى قلب المدينة.
كان سرب من الطيور يغرد فوق البحر,ثم دفعته شدة الرياح للتحليق بعيدا بإتجاه الصحراء 0
أقفرت الشواطيء , بعد أن هجرها الناس وضلوا فى بيوتهم وجلّ احاديثهم تدور عن الرياح .
قال كهل يقطن شرق المدينة : ( ليس باليد حيلة إنها الرياح )
إزدحمت بالسماء سحب كثيفة , وكأنها تنذر بحدوث شىء ما لكن البعض رجّح بأنها مجرد امطار غزيرة ستدفع بها الرياح إلى أماكن أخرى .
إستبد شغف لدى الناس بتقصي كل مايتصل بمعرفة الرياح , وتوصل باحثون إلى أن كلمة رياح هي أكثر المفردات إنتشارا بالكتب المقدسة , وفي معاجم الأمم القديمة والحديثة .
كما أن الكتب المهتمة بتاريخ الرياح أشارت إلى أن مدنا مشتتة بأصقاع العالم إجتاحتها رياح عاتية , ودكت سكونها وبدلت أزمنة بأزمنة وأنماط بأنماط .
وأوضحت تلك الكتب بأن بعض الرياح تجري بالفضاء الشاسع وتمتزج بالبروق ولأنواء والنيازك , وتنسج مفاصل التاريخ وتبدل رونق الطبيعة , ولكل ريح في ممالك السماء فلك ومدار0
إزداد هيام الناس بالتقاط أخبار الرياح من كل منفذ متاح .
بعض المهتمين عاد به البحث الى أزمنة سحيقة وروى أن للرياح أساطيرها وطقوسها وهي تضرب بأعماق البحار وتصوغ من ألقها أجمل اللآلئ ،
وتجتاح الصحاري وتدك أقوى الحصون, وتهزم أعتى ألأباطرة, وتحيل الساكن الى متحرك والثابت الى رماد .
وحكى الراوي أسطورة القرية التي نسفتها الرياح عن بكرة أبيها, ولم ينج من أهلها عدا بضعة رجال ونساء تناسلوا عبر الازمنة وأعادوا بناء القرية
بأنساق جديدة بعد أن هبت عليهم رياح ، حملت أمطار غزيرة جلبتها من
سماء بعيدة ، وارتوت بعد هطولها الأرض ، وأينعت السنابل ، وتكاثر النسل وأقيمت ألأعراس ، وأضيئت الشموع في كل دار وسابلة 0
وصلت الرياح إلى وسط المدينة ، وأخذ أزيزها يصطخب ويصل إلى أطرافها القصية .
انطوى اليوم الأول من مجيء الرياح بعد أن حاصرت المدينة من جميع الجهات .
تعامل الناس مع ظاهرة الرياح ، تعاملا ينم عن الاستسلام للأمر الواقع 0
أفاق الناس في اليوم التالي وإذا بالرياح أشد وأعتى .
صدر عن مرصد المدينة ، توضيحا أفاد بأن المدينة لم تتعرض طوال تاريخها لرياح بهذه القوة والتأثير .
تضرع الآباء والأمهات إلى الله بأن تصبح هذه الرياح ، فواتح خير، ومحاصيل رحمة وبركة ، وتجنيب المدينة من شرورها وعواصفها المتقلبة.
كان القلق يرتسم على الملامح خوفا من انهيار البيوت، والصروح، والأعمدة جراء ضراوة الرياح ، لأن معظم أحياء المدينة بنيت على النسق القديم ذو الطبيعة العشوائية وقد لا تصمد هذه ألأبنية أمام هول الرياح .

فهدالخليوي
جدة/ 1/8/2004م

.
.


أجراس


خمسون حولا , دقت اجراسها قبل لحظة , بين صخب جرس وآخر تقبع ارتعاشة مرهفة داخل مسرحية طويلة , يشدها قضيبان , هزلي وتراجيدي .
كان في تلك الليلة ضجرا , رغب لو تمطر السماء وتبلل الأرض وتنقر بزخاتها هياكل السيارات التالفة وبقايا الأخشاب المهملة وكميات العلب الفارغة المتناثرة علي جنبات الشوارع .
كان يحلم ان تمطر السماء وتثير في مشاعره عبق الذكريات الآفلة0
قاد سيارته باتجاه جنوب المدينة , كانت منظومة من النجوم مصطفة في السماء وقد نسجت عقدا ضوئيا تلاشى سريعا وسط غيوم بيضاء تمزقت كنتف القطن وسمحت لشفافية ضؤ بعيد بالتسرب بين فجواتها الباردة .
الأحياء القديمة جنوب المدينة ، تلتصق في بعضها كالتلال الرملية الصغيرة ، وتشيع عبقها الطيب الممزوج بالسكينة ولإستكانة 0
للأمكنة في هذه الأحياء المتصلة بغوابر الأزمنة حضور متألق في ذاكرته .
عبر شارع ضيق ، أفضى به الى حيه القديم ،ها هو مسجد الحي عند بوابته الخشبية نعشان متقابلان لم يتغير مكانهما ، ثم مقهى(عبده اليماني) الذي رحل الى اليمن قبل سنوات وباع المقهى لأحد الهنود.
توغل داخل الحي ،الى أن وصل لمنزله الصغير الذي تركه قبل ثلاثين عاما ، بسبب عجزه عن دفع اجره الشهري ،مالك المنزل أمهله يومين للبحث عن منزل آخر .





ـ آنذاك ـ جلب عشرات الكراتين ، من مرمى مستودعات الأغذية لشحن كتبه ، أما باقي ألأمتعة فأمكن شحنها بكيس صغير ، إبريق شاي من النحاس الأصفر، سخان كهربائي عتيق ، كوب من
الزجاج الباهت ، فراش من الإسفنج الهابط ، أقلام ، ناي , شريط غنائي .
أخذ يشحن الكتب ذات الحجم الأكبر (الوجود والعدم) يحتاج بمفرده لكرتون 00 (الحرية سابقة للوجود 00 العدم خارج الوجود) سارتر أديب وفنان أكثر منه فيلسوفا ومنظِرا .
(تدهور حضارة الغرب) لاشبنغلر ، ثلاثة أجزاء ، تحتاج لأكثر من كرتون (المدينة ليست نواة حضارة سكان المدن يكررون الحياة والموت بطريقة رتيبة وليس لهم علاقة بصنع الحضارة البتة) كيف ؟
ستنتهي مهلة اليومين وأنت تقرأ قبل أن يجيبك هذا الموسوعي الجبار على سؤالك ،أما (هكذا تكلم زاردشت) فأقل حجما ويمكن شحنه مع بقية الكتب( على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) نيتشه 00 فيلسوف عظيم لا يتكرر .
أقلع عن همهماته وانهمك في ترتيب الكتب ، ذات الحجم الأكبر ، ثم الأوسط ، فالأصغر0
حمل كراتينه المدهشة وكيس متاعه الصغير ، ورحل عن هذا الحي قبل ثلاثين عاما .
إيقاعات حزينة وشجية ، تناغمت في فضاء روحه شعر أن ذاكرته تشتعل وتصهر المكان والزمان ، وكأنها تحيل حقبة توارت الى دقائق معدودات .
قاد سيارته متجها الى الشارع العام ، ثم سلك الطريق المؤدية الى البحر00 هناك وقف على الشاطئ منصتا لدمدمة البحر.
فهد الخليوي





.
إبادة


حرك جسده ألضامر , فتح بيديه المرتعشتين خزانته المثقلة بأقفال صدئة , قرأ أوراقا نسخت
بمداد زمنه الآفل , تذكر ضحاياه وكأنهم طيور
متوحشة تهبط فوق روحه المتلاشية !!
شعر بهمود ذهنه , ونفور عروقه , وقرقعة عظامه !!
نشطت حشرة الإبادة وأنجبت سلالتها المدمرة
في ربوع بيته الكبير !!
قاومها بكل مقتنياته الفتاكة , انهارت مقاومته
أمام الزحف الكاسح للحشرة !!
توغلت الحشرة في بطون الجدران ودلقت
عناصر الإبادة في كل زوايا البيت !!
اطل عبر النافذة إلى بهو بيته الكبير , كان البهو يغرق في لزوجة صفراء والحشرة تسبح في تلك اللزوجة تلتصق بجسدها القاتم اثداء مملوءة بسوائل نتنة!!
انتشر فحيح الحشرة وفاضت اللزوجة في ارجاء
المكان !!
تحسس نبض عروقه وصرخ
- كياني يحترق !!
- تسلقت سلالات الحشرة ابدان حاشيته وأخذت احدى زوجاته تعوى من قسوة داء الجرب , وعصف (الدرن)
بأطفاله وفلول خدمه !!
حدق بالشمس وترجرج دمع آسن في قاع
عينيه أسلمه إلى ظلام دامس !!
- انه الفناء !!
قال ذلك واستسلم لعواء طويل.

فهد الخليوي
.




البوابة


فرغت الشركة من إنشاء طريق اسفلتي بعرض ثلاثين مترا مضاء
ومرصوف ، تتناثر في وسطه جيوش من القطع النحاسية المدببة .
يلتف الطريق حول المدينة كثعبان أسود مرصع باللؤلؤ !!
تصب كل مسارب الطريق داخل المدينة ، تتفرع ثم تتلوى كأمعاء
كائن بشري ، وتضيق بقدمي الماشي كلما توغل الى الداخل !!
الطرق في هذه المدينة متشعبة وملتوية لا تفضي الى الخارج
، بما فيها الطريق الجديد الذي يحاصر المدينة
على شكل دائرة مقفلة !!
بعد عدة أيام من إنشاء الطريق ، انتقلت من يد الى يد ورقة شفافة
انيقة ، رسم فوقها ( كروكي) صغير، تظهر عبر خطوطه الهندسية
الدقيقة مدينة داخل دائرة مقفلة ، يشقها خط مستقيم نحيل كأنه وتر فضي
يجتاز تجويفة آلة موسيقية .
بعد أن طارت الورقة بأذهان الناس ، انتشرت حكاية مخيفة
تقول: لو أنشئ طريق مستقيم ، فإنه سيشق المدينة الى نصفين
وسيبتعد كل نصف عن النصف الآخر أكثر من عشرين مترا بفعل
عرض الطريق !!
وهذا الابتعاد سيؤثر على التقارب الحميمي للمجتمع !! ثم
لى الخارج ،وخارج المدينة ليس الا تيه قاتل!! وصحاري قاحلة
تعوي بها الآماد والآزال , أطياف شريرة ، وشمس يقد زمهريرها
الحصى ، ورمال شاسعة ووحوش كاسرة !!
يذهب الناس احيانا إلى الطريق الجديد ، يعبرون من فوقه
ثم يدور بهم دورته المعتادة , وعندما يجتاحهم الغثيان ينسلون عبر
مساربه المتعرجة عائدين الى بيوتهم !!
وذات صباح دبت ألأقدام واختلجت المشاعر ، عبرت في الأفق سحب
مسرعة ، وبللت ببعض فيضها جفاف الأرض .
شاهد الناس بوابة كبيرة أقيمت عند أحد منحنيات الطريق الجديد
، ترتفع فوقها أقواس عالية ، تبدو للناظر من بعيد وكأنها تشرف
على طريق يفضي الى الخارج .
سار بعض الناس الى هناك ، وشاهدوا عن قرب بوابة كبيرة
، ترتفع فوقها أقواس عالية مزدانة بأزهى الألوان ، على قطبيها
ا الخراسانيين علقت زخارف لطيور وخيول من







زجاج !! وداخل مساحتها المثلثة المقفلة ، تجري مياه
عبر أنابيب مضيئة وفوق حوافها نقوش مطلية بماء الذهب
، ورسوم لأهلة وأنجم كأنها تومض فوق جبال شاهقة !!
أخذ الناس يتأملون البوابة المدهشة باستغراق !! وينظرون إلى
أقواسها الشاهقة ، وانقسموا الى فريقين .
فريق يراهن على أن هذه الأقواس صنعت من الخيزران
، وفريق يراهن على أنها صنعت من شيئ آخر نظرا لضخامتها .
عنما أشتد وطيس المراهنة ، صعد من الفريقين رجلان وتفحصا
أحد الأقواس ، وإذا بها مصنوعة من أنابيب حديدية صلبة .
أمضى الناس هناك بعض الوقت ، ثم عادوا الى بيوتهم
فالذي رأوه في ذلك اليوم كان معلما جماليا من معالم المدينة !!


فهد الخليوي






.