الفضائيات.. لماذا تجعل رمضان موسماً لها؟
رمضان موسم العبادات.. وموسم الطاعات وهو شهر الإيمان.. وشهر القرآن.. وهكذا يجب أن يكون لأن مثل هذا التميز هو الذي جعل منه سيد شهور العام.. لكن مادية العصر.. اقتحمت خصوصية هذا الشهر. لتجعل منه شهر الفضائيات.. وموسم المسلسلات وزمن المسابقات. إن شهر رمضان قائم على مجاهدة النفس والتحلي بالسلوك والأخلاق الرفيعة وهذا يتسق مع حرص كل مسلم على ألا يضيع أجر هذا الشهر في مشاهدة أنواع من الأعمال الهابطة التي تفسد هدف الصوم.. وفي رمضان اغلب القنوات الفضائية تعج بالبرامج الجديدة التي يتهافت عليها الناس صغارا وكبارا ويحرصون أشد الحرص على متابعة برامج قناة معينة ومتابعة الأعمال الجديدة فيها والسهر والسمر معها.
قيم سيئة
عبدالمجيد "موظف" يقول: للأسف الشديد الكثير من القنوات الفضائية تصر على فرض قيم سيئة وعادات تخدش الحياء خلال شهر رمضان الكريم ويظهر ذلك واضحا في المسلسلات التي تعرض في الفترة التي تسبق الإفطار وبعد الإفطار فحدث ولا حرج عمّا يعرض من استعراض رخيص وللأسف المسئولون القائمون على هذه القنوات يتجاهلون الدين والأخلاق والقيم والعادات الأصيلة في شهر البركة والتوبة، وأنا استنكر كل ما يعرض في الشهر الفضيل على هذه الشاشة وأرفضه.
برامج وأعمال جيدة
محمد "طالب جامعي" يقول: الذين يتحججون بأن البرامج تأخذ الناس من عبادتهم وتلهيهم عنها لا يحدث هذا إلا مع إنسان لم يستطع حسم أموره مع نفسه، والذي يريد أن يصلي ويصوم على راحته بإمكانه أن يغلق التلفاز ويعطيه إجازة طوال شهر رمضان، أما الذي يستطيع أن ينظم وقته بما لا يتعارض مع أوقات الصلاة، أو أنه يستطيع اختيار البرنامج الذي لا يرى فيه ما يجرح صيامه فهذا لا شك إنسان صادق مع نفسه وأقوي بكثير من إنسان يخشى على نفسه الضعيفة من مجرد شاشة عرض يمكن أن يتحكم فيها بسهولة، ولا اعتقد أن جميع المحطات التلفزيونية تعرض أشياء غير مستحبة، بل هناك برامج دينية ومسلسلات تاريخية وإسلامية لا تتعارض أبدا مع خصوصيات الشهر الفضيل، وحتى لو كانت هناك بعض البرامج الترفيهية فهذا لا يعني أن الإنسان ليس بحاجة إليها في بعض الأوقات على سبيل الترويح عن النفس، وبالنسبة لي فأنا اختار الوقت والمادة المعروضة قبل أن أتابع أي شيء، مثل النهار أي أثناء الصيام هناك برامج مسلية لا يوجد فيها ما يخدش الحياء ولا يجرح الصيام فأتابعها، وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مدة عرض الحلقة لا تتجاوز الساعة، فإن الوقت الفائض يكفي لأن يلتفت الإنسان إلى أموره الدينية.
استخفاف برمضان
يوسف "موظف" يقول: سبحان الله.. ألا تستطيع هذه القنوات أن تحكم نفسها وأن تروضها فقط لمدة شهر علها تحظى برحمة من الله ومغفرة لذنوبها طيلة العام والفرصة قائمة بتصفيد الشياطين..؟! لماذا لا نكون أكثر تأدبا مع الله، وأن نستحي منه سبحانه وتعالى خاصة في هذا الشهر الكريم الذي تصفّد فيه الشياطين لتتكشف لنا شياطين الإنس وتلك النفس الأمّارة بالسوء!! القنوات الفاضحة العارية من كل ثقافة ننبذها في كل وقت إنما تزيد حرمتها في شهر الخير خاصة وعباد الله صائمون قائمون يرجون رحمة الله ومغفرته ويرجون أن تعتق رقابهم من النار..!!
لا أحبه في رمضان
بدرية عبدالله "موظفة" تقول: لا أحب مطلقا مشاهدة التلفاز خلال رمضان، بل أفضل قضاء أوقات الفراغ في قراءة القرآن وسماع الأحاديث الدينية والعمل والاجتهاد في التعبد وذكر الله في هذا الشهر ونلاحظ أن كل القنوات الفضائية تتسابق فيما بينها لعرض أفضل ما لديها من مسلسلات وأفلام وإعلانات ومسابقات وكأن شهر رمضان خصص لعرض الأفلام والمسلسلات الجديدة لدرجة أن الأطفال الصغار رسخ في عقولهم أن رمضان هو شهر التسلية والضحك والترفيه والمرح والفرح فقط وليس شهر العبادة والصيام وذكر الله فمن المسئول عن تعزيز مثل هذه الأفكار لدى أبنائنا؟ أنا لا ألوم القنوات الفضائية عندما تعرض كل هذا الكم الهائل من البرامج، بل نتمنى أن تحاول التركيز على عرض البرامج التي تناسب هذا الشهر الفضيل مثل تخصيص فترة ما قبل الإفطار لعرض البرامج الدينية والابتعاد تماما عن عرض الأغاني والمسلسلات غير اللائقة في هذه الفترة. شهر رمضان شهر العبادة وذكر الله سبحانه وتعالى في كل الأحوال.
علاقة خاصة
عبدالرحمن يقول: هي علاقة خاصة بين العبد وربه، فمن لديه النية الصادقة لأن يؤدي الفروض فلن يعوقه تلفزيون ولا أي شيء آخر، أما الذي لا يتمتع بصفة الإخلاص والقناعة فستجده يختلق الأعذار ولن يحتار في ذلك، أما برامج التلفزيون كتوجه عام في رمضان فهي من المؤكد تحتاج إلى إعادة نظر من قبل المختصين والمسئولين بما لا يتعارض مع المصلحة العامة، وأعتقد أن مراجعة بسيطة ودراسة كافية يمكن أن تقدم بعض المعالجات، وبالنسبة لي فأنا لست ممن يفضلون مشاهدة التلفزيون لكثرة ما يقدم من برامج دون المستوى حتى في الأيام العادية فضلاً عن رمضان، وفي رمضان اترك لأبنائي حرية أن يأتوا معي إلى المسجد أو أن يبقوا في البيت، وإذ تسألني عن الأسباب التي تجعل التلفزيون مصراً على تقديم هذا الكم من البرامج فاعتقد أن المنافسة بين القنوات تفعل فعلها في هذا الشأن.
معول هدم
الشيخ عبدالعزيز الخضيري إمام مسجد يقول: قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } (185) سورة البقرة . ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183] وفي آية أخرى { وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184] فالصيام ركن عظيم من أركان الإسلام. وهو خير معين على تقوى الله تبارك وتعالى وها هو رمضان شهر الصيام والقيام ولابد لمن أدرك هذا الشهر العظيم أن يشكر الله تعالى أن أمده بنعمة الحياة والصحة ليصوم رمضان وان يجعل من هذا الشهر غنيمة وفرصة ووسيلة إلى الجنة والعتق من النار.. ويكون شكر هذه النعمة بالاستبشار والاعتراف برحمة الله تعالى والثناء باللسان، قال تعالى{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (58) سورة يونس. وكان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو أفقه الناس وأعلمهم بشأن رمضان يبشر أصحابه به وبخيراته ويقول "أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر ومن حرم خيرها فقد حرم" رواه مسلم.. لذا كان السلف رضوان الله عليهم يدعون الله تعالى أن يبلغهم رمضان ومنه قولهم: "اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان وتسلمه مني تقبلا" فيا ترى ماذا اعددنا لهذا الشهر؟ لا شك أن هذا الشهر يتميز عن باقي الشهور، فأين المشمرون؟ بل أين المستثمرون في هذه التجارة الرابحة؟.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.. قال تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وفي رواية "من قام رمضان إيمانا واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" رواه مسلم وهذا وعد بالربح من رب الأرباب لمن صام وقام محتسباً ولكي تكون مستثمراً ناجحا يجب عليك أن تتصف وتتحلى بعدة أمور منها الصبر والاحتساب فهو شهر الصبر يبتلي الله تعالى عباده فيه ببعض الجوع والعطش والانقطاع عن الشهوات لينالوا بعدها الأجر العظيم { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (10) سورة الزمر
جاهد نفسك
ويضيف الشيخ الخضيري: مجاهدة النفس على الذكر وتلاوة القرآن، فرمضان شهر القرآن وكان يلقى فيه جبريل رسولنا صلى الله عليه وسلم يدارسه القرآن وكان سفيان رحمه الله تعالى إذا دخل رمضان ترك جميع العبادات واقبل على قراءة القرآن.. وكان مالك يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على القرآن.. والمستثمر الناجح لهذا الشهر الفضيل يجب عليه كذلك أن يتجنب أموراً منها الابتعاد عن اللغو والرفث ومساوئ الأعمال والأخلاق كالكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصوم جنة فإذا كان يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم" رواه البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" ويضيف: على الصائم أن يمتنع عن هدر الأوقات أمام البرامج والمسلسلات عبر القنوات الفضائية التي تصد المسلم عن ذكر الله وتضعف صيامه وإيمانه وأدعو جميع القنوات الفضائية والقائمين أن يتقوا الله تعالى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان وان يوجهوا هذه التكنولوجيا والإعلام بشكل عام لاسترجاع حقوق أمتنا الضائعة وان يكونوا خير معين لأبنائنا لا معول هدم عبر ما يبث من خلاعة ومجون وإفساد أخلاق والحقيقة إنني لا أدري لِمَ تنشط هذه القنوات في رمضان ومن يقف وراءها؟ هل الشياطين أوكلوها لهم قبل أن يصفدوا بالسلاسل في رمضان أم شياطين الإنس أعظم من شياطين الجن؟ وانصح الصائمين أن يغتنموا أوقاتهم بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن.
انتهاز الفرص
الدكتور عبدالله الحارثي "أستاذ علم الاجتماع" يقول: المعروف أن العرض على قدر الطلب، وثقافة المسلم المعاصر اليوم مأخوذة من الفضائيات وما تقدمه من مواد وبرامج وللأسف الشديد استغل هذه الفرصة الانتهازيون الذين يستغلون ضعف الأمة ويختارون شهر رمضان المبارك لحشد أكبر عدد من المسلسلات والبرامج غير الهادفة التي لا تصلح للعرض خارج شهر رمضان أصلاً، وشهر رمضان له خصوصيته حيث يعتبر شهر الصوم والعبادة والقيام لكن القائمين على هذه القنوات في وادٍ وهم في واد آخر فيقومون بإشغال المسلم عن عبادته فيمضي وقته على شاشات الفضائيات، والمسلم دوماً يشتاق للروحانيات ولكن الإعلام الموجود لدينا لم يحترم آراءنا ولم يحترم عبادتنا لأن أصحاب الفضائيات لا هم لهم سوى جمع المال على حساب إسلامنا وقيمنا، ومعظم ما يبثونه من برامج ومسلسلات في الأصل هي هدامة للفكر والعقل وتغتال الفضيلة ولا تحمل أي معنى أو فكر إسلامي، بل أصبحت بعض المسلسلات تسمى إسلامية والإسلام بريء منها، والزج بمثل هذه المسلسلات في رمضان مؤشر خطير لمحاربة الفكر الإسلامي من قبل فضائياتنا، فهم يخدمون عدونا ويعملون لصالحه بالتركيز على المسلمين في شهر رمضان المبارك وصرفه عن عبادته وانتزاع الروحانية من هذا الشهر الكريم. ولا حل لذلك إلا بهجر هذه القنوات التي تعمل ضد ديننا ومبادئنا.
أعمال مقصودة
واعتبر الدكتور الحارثي: أن حشد المسلسلات والبرامج عبر الفضائيات شيء مقصود لإشغال المسلمين عن الدور المطلوب منهم في رمضان، ويعتقد انها محاولة لعلمنة رمضان بالتجارة الرمضانية سواء عبر الأسواق أو الخيام الرمضانية أو عبر ما يبث في الفضائيات وللأسف ان المهرجان التلفزيوني ينشط في رمضان ولا يمكن ان نحمل المسؤولية للقائمين على هذه القنوات لأنهم لهم هدف ربحي ودعا أصحاب المحطات الفضائية إلى تقوى الله عزَّ وجلَّ وألا يجعلوا الربح المادي ذريعة لهدم القيم والأخلاق للمجتمع، وعلى المشاهد أن يقاطع الفضائيات الفاضحة في رمضان وبين الدكتور استياءه من اكتظاظ الفضائيات بالمسلسلات والبرامج في شهر رمضان وقال: نحن ندرك أن شهر رمضان له خصوصيته وهو شهر عبادة وهدوء وسكينة ولكن سياسة المحطات تقوم على استغلال شهر رمضان لبث أكبر عدد من المسلسلات لجذب المشاهدين وتحصيل أكبر ربح ممكن فهو هدف مادي ربحي بحت. ورمضان شهر العبادة، كما أن الترفيه جزء من حياة الإنسان لكن علينا أن نحقق التوازن في رمضان ما بين العبادة والترفيه.
تسويق الأعمال الهابطة
وللأسف الشديد تحول شهر رمضان لسوق يسوق الأعمال التجارية الهابطة التي تسرق وقت الإنسان من العبادة والإنتاجية ويقضي المسلم وقته بشكل سلبي، وهم يستغلون هذه المواد بعنصر الإبهار لجذب المشاهدين في رمضان لتحقيق ربح أكبر، كما أن الإنسان عليه في هذا الشهر ان يرتب أوقاته ليجمع بين العبادة والترفيه ويسير على هذا المنهج طيلة السنة بشرط أن يغلب جانب العبادة، أما بالنسبة لهذا الاكتظاظ فهو من اختصاص أصحاب الفضائيات الذين لا يهمهم سوى جمع المال والإنسان يتابع ما يفيده ويترك ما يضره. وهو الحل الأنسب لمواجهة هذا الطوفان الإنتاجي في رمضان. وتساءل الدكتور الحارثي: لو كنا ننظر للماضي قبل أن تتوفر القنوات الفضائية فإن الوضع يختلف عن العصر الحاضر الذي كثرت فيه المحطات الفضائية وما تقوم به من أنشطة مختلفة وهي تستغل شهر رمضان المبارك لاستقطاب أكبر شريحة من المشاهدين بكل ما أوتيت من قوة وهذا الحشد الهائل من المواد التي تبث في شهر رمضان خلفه أصحاب شركات الإنتاج والمحطات الفضائية التي رأت أن أعداد المشاهدين يزداد خصوصاً في فترة المساء التي تعتبر فترة الذروة لكل القنوات لعرض ما تريد بثه لأن معظم الناس يقضون نهار رمضان إما في النوم أو في أداء الأعمال وإعداد المأكولات وغيره لذلك يتوجهون للمشاهد مساء لتحقيق الربح المادي الأعلى من خلال بث الاعلانات التجارية بين هذه المسلسلات التي يحرصون حرصاً كبيراً على تسويقها للمشاهد فيتأثرون بها وبالإعلانات التي تعرض بها وقد أثبت ذلك علمياً، وعلى الإنسان المسلم العاقل أن يهتم بعبادته.