لنصم صيام الصالحين
بقلم: الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي
عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل رمضان فتحت أبواب الرحمة". فتحت أبواب الرحمات، فتحت أبواب الخيرات والبركات، فتحت أبواب المغفرات، فما أحوجنا إلى رحمة من ربنا، وما أحوجنا إلى رحمة من رحماته ومغفرة من واسع مغفراته.
وقفنا على أبواب رمضان، وكلنا أمل في عفو الحليم الرحمن. وقفنا وقد أثقلتنا ذنوبنا وعظمت علينا عيوبنا وإساءتنا، وفي الله رجاؤنا وأملنا، فبباب الله أنخنا، ولرحمته وحلمه وعفوه تعرضنا، فيا أرحم الراحمين لا تجعلنا عن بابك مطرودين، ولا من فضلك وإحسانك - بما كان منا من إساءة - محرومين، اللهم إنا نسألك من واسع رحمتك.
الأمل في الله كبير، الأمل في الله عظيم، فما منا إلا مذنب ومسيء، وما منا إلا مخطىء ولكن رجاؤنا فيمن يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ومن يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
"يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرتها لك ولا أبالي" استغفروا الله، فإن الله غفور رحيم، واستفتحوا شهركم بتوبة نصوح يأمن العبد بها الخزي والفضوح، فكم لله جلّ وعلا في هذه الأيام من نفحات ورحمات.
ما أحوجنا أن نستفتح هذا الشهر الكريم وقد ألقيت عن ظهورنا الأحمال والأوزار، وما ذلك على الله بعزيز.
نقف اليوم على مشارف شهر رمضان، شهر الرحمات والبركات والخيرات، ونحن أحوج ما نكون إلى أسباب رحمة الله.
وإن من أسباب رحمته صفاء قلوبنا ونقاء صدورنا من الشحناء والبغضاء. كفى أيها المتهاجرون، كفى أيها المتقاطعون، كفى أيها المتباعدون.
إلى متى ونحن متعادون؟ إلى متى ونحن مختلفون؟ إلى متى ونحن متباغضون؟ هل لنا أن نستفتح هذا الشهر الكريم وقد ملئت قلوبنا بالصفاء والمودة والإخاء؟
دعوة أن تصوم قلوبنا عن الشحناء والبغضاء، كفى ما مضى فما قلتم ولا قلنا ولا كان بينكم بيننا. كفى، فلا كان منكم ولا كان منا، ولا فعلتم ولا فعلنا، فلتجتمع قلوبنا ولتلتحم صفوفنا ولنرض الله جلّ وعلا.
صفحاً عن الأبناء والبنات، صفحاً عن الإخوان والأخوات، صفحاً عن المؤمنين والمؤمنات.
ما أحوجنا أن نصوم صيام الصالحين فنستفتح هذا الشهر المبارك وقد زال ما بيننا وبين المؤمنين، ما أحوجنا في هذا الشهر المبارك أن ننظر إلى البائسين، وأن نرحم البائسين، وأن نحسن إلى المحتاجين، فالله يرحم من عباده الرحماء.
ألا عطفنا على البائسين والمحتاجين والمنكوبين، فمن رحم عباد الله رحمه الله رحمة واسعة، والصدقة تطفئ غضب الله، فكم من حسنة إلى منكوب، وكم من صدقة إلى مكروب غفر الله بها الذنوب، وستر بها العيوب، فاحتسبوا عند الله.
إن الصيام يـذكركم بالجائع الذي لا يجد طعامه، إن الصيام يذكركم بإخوان لكم في الدين عاشوا بائسين منكوبين، ويذكركم بتلك الأمعاء والأحشاء التي ظمئت وجاعت فاحتسبوا عند الله، فمن فرج كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، يسروا على المعسرين، وأحسنوا إلى المحتاجين، فكم غابت شمس رمضان فغابت معها ذنوب العباد من الله الرحمن. ارحموا عباد الله فإن الله يرحم من عباده الرحماء.
ما أحوجنا ونحن نعيش هذه الأيام أن نلهج بالثناء والشكر لله فاطر الأرض والسماء، بلغنا رمضان وما كنا لنبلغه بحولنا وقوتنا. كم من قلوب تمنت، وكم من نفوس حنت أن تبلغ هذه الساعات واللحظات وهمهم هادم اللذات، فهم غرباء سفر لا ينتظرون، وسكان لحد وشق إلى الحشر يساقون. اشكروا نعمة الله عليكم بالحياة وبلوغ شهر رمضان، واسألوه التوفيق للطاعة، فإنه الموفق والمسدد لمن شاء من عباده، واحمدوا نعمة الله على عافية الأبدان، وأمن الأوطان، وما كان من الله من إحسان، فمن شكر نعمة الله آذنه بالمزيد. اللهم لك الحمد كالذي نقول ولك الحمد خيراً مما نقول.
شهر الصيام صامت فيه الجوارح والأركان عن الآثام والعصيان، فطوبى لمن صامت أحشاؤه وأمعاؤه، وطوبى لمن صام بصره عن الحرام، وصام لسانه عن الفحش والآثام، وطوبى لمن صام الشهر واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر، أخذ رمضان كاملاً وسلمه للملائكة كاملاً، فلا غيبة ولا نميمة ولا أذية للمؤمنين، صام فصامت جوارحه وأركانه قانتاً آناء الليل ساجداً وقائماً يرجو رحمة ربه ويخشى من عذابه.
الصيام إقبال على الله، مدرسة الصالحين ومنازل الأخيار والمتقين، فلمثل هذا فليعمل العاملون. جعلنا الله وإياكم منهم أجمعين.
إن قيام شهر رمضان حسنة من الحسنات وطاعة من أجلَّ الطاعات. عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين، وخُلق عباد الله المتقين {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } (18) [الذاريات 71 - 81].
وأكثروا من تلاوة القرآن، فإنه يأتي شفيعاً لأهله يوم القيامة. أكثروا من قراءة القرآن في شهر رمضان فإنه نعمة ورحمة وهداية وموعظة، وقفوا أمام الآيات وتدبروا تلك العظات البالغات، وأتبعوها العمل تحبباً إلى الله فاطر الأرض والسموات.
إن المؤسسات الخيرية والجمعيات الخيرية تقوم بأمر عظيم، تحملت الأمانة وقامت بتلك المسؤولية العظيمة التي رعت فيها أبناء المسلمين وبناتهم. فالله أعلم كم فرجت بهم من كربات، وكم زالت بهم من نكبات، الله أعلم كم كان من هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية من خير وبر. اسأل الله العظيم أن يعظم أجرهم وأن يثقل في موازين الحسنات حسناتهم.
ووراء هذه الجمعيات أقوام يحتسبون الأجر عند الله ومحسنون بذلوا لوجه الله، فكم كان لهم من فضل بعد الله عزّ وجلّ في بقائها وحسن أدائها وعظيم رعايتها. والقيام بأمر هذه الجمعيات يحتاج إلى معونة ومساعدة ومواساة من المسلمين، يحتاج إلى كل واحد منا أن يقف مع إخوانه ويعينهم على الطاعة والبر، فمن أعان ذا خير على خيره أُجر كأجره، فتعاونوا على البر والتقوى، واحتسبوا - في مد يد العون لهم فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
ومن هذه الجمعيات والمؤسسات تلك المؤسسة الخيرية والجمعية المباركة التي قامت على تحفيظ كتاب الله لأبناء المسلمين وبناتهم. كم حبرت من آيات، وسمعت من تلاوات وكم من جاهل عُلم، وكم من ضال قُوَّم. وكم كان فيها من خير. وكم كان فيها من نفع للمسلمين والمسلمات فاحتسبوا في معونتها وأداء الخير إليها، وما يدريك فلعل هذا المال الذي تدفعه أن يكون سبباً في حفظ كتاب الله جلّ وعلا. وما يدريك فلعل هذا المال الذي تعطيه يكون سبباً في حفظ آية أو سورة، ما تلفظ بها صاحبها إلا كان لك كأجره، ما يدريك لعل الله عزّ وجلّ أن يرحمك بما كان منك من خير لكتابه، ومن أعان على حفظ كتابه، وإن إخوانكم ينتظرون منكم العون فاعينونهم أعانكم الله.