الإنسان مكرم وهو أفضل المخلوقات عند الله تعالى
( ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)"الإسراء 70"
والله سبحانه وتعالى سخر للإنسان ما في السماوات والأرض ،والإنسان يمرض
عضويا ونفسياً إذ أنه يتكون من عنصرين أساسيين وهما المادة والروح ..
لقوله تعالى: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) "الحجر : 29"،
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث عن عبد الله بن مسعود:
يُجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم
يرسل المَلك بنفخ الروح"رواه مسلم"
فهو إذاً مادة وروح وكلاهما يمرض ، والمرض سنة كونية تصيب كل كائن حي
فالنبات والحيوان يمرضا أيضاً وإذا مرض الإنسان في بدنه او روحه فعليه أن
يسعى للعلاج مصداقاً لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- :
تداووا عباد الله فإن الله ما أنزل داء إلا وجعل له الشفاء
والقواعد الأساسية للتطبيب والتداوي في الإسلام تتطلب ضرورة الأخذ بالأسباب
في التداوي ،فإذا مرض الجسد فلابد من الأخذ في الاعتبار الجانب الروحي والنفسي
في الإنسان، لأنه هو الجانب الأكبر فيه وقد عرّفت منظمة الصحة العالمية الصحة
بأنها:
الاهتمام بالجانب العضوي والعقلي والاجتماعي ووضعه في أحسن حالة ممكنة
وقد وجدوا أن الإنسان قد يكون مُعافى جسديا وعقليا واجتماعياً ومع ذلك لا يشعر
بالصحة، فأضافوا إلى هذا التعريف "الاهتمام الروحي" بالإنسان وبذلك تتحسن صحته
ومما يؤكد أن الجانب العضوي والنفسي مهم فقد وجدوا أن أصحاب الأمراض المزمنة
إذا واجهوا المرض بروح عالية ونفسية طيبة فإن هذا يؤدي لتحسن حالتهم
فالاكتئاب والتوتر والقلق عامة يُضعف مناعة الجسم ومن ثم مقاومته للأمراض
وهذا ما أشار إليه الطبيب المعروف أبو قراط العرب "أبو بكر الرازي"
فيقول موجهاً الأطباء للاهتمام بالدعم النفسي والروحي مما يساعد الجسم في
مقاومة الامراض :
"ينبغي للطبيب ان يوحي للمريض أبداً بالصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق
من ذلك ،فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس".
وهو هنا يشير إلى جهاز المناعة ،ويقول ابن القيم مؤكدا ذلك بقوله عن مقاومة
الجسم للأمراض: "وقد علم أن الأرواح متى قويت قويت النفس والبدن فيتعاونا
على رفع الداء وقهره" ويوصي الأطباء بأهمية الجانب الروحي لعلاج مرضاهم
فيقول :
"كل طبيب لا يداوي العليل بتفقد قلبه وصلاحه وتقوية روحه بالصدق وفعل الخير
والإحسان والإقبال على الله والدار الآخرة ،فليس بطبيب بل مُطبب قاصر"
والطبيب نفسه يوصى بأن يبذل الأسباب في علاج مرضاه وحتى لا يسأم فعليه أن
يستعين بالله جل جلاله الذي بيده الشفاء ، قال تعالى:
( وإذا مرضتُ فهو يشفين) "الشعراء :80"
فالطبيب يسأل الله تعالى أن يجعل فيما يصفه ويعطيه من علاج لمرضاه شافياً لهم
جالباً للبرء دافعاً للضرر، وهذا ما أوصى به أبو بكر الرازي الأطباء أن يبذلوا
الأسباب لعلاج مرضاهم ويستعينوا بالله في ذلك ،فقال لهم:
وليتوكل الطبيب في علاجه على الله تعالى ويتوقع البرء منه ولا يحسب قوته
وعمله وان يعتمد في كل اموره على الله، فإن عمل بضد ذلك ونظر إلى نفسه
وقوته في الصناعة وحذقه ،حرمه الله من البرء" وهو بهذا القول يدعم
الطبيب روحياً.
إن الدعم النفسي للمرضى ليس خاصا بالطبيب فعلى الزائر أن يُذكر المريض بأن
أقدار الله ماضية ولا كاشف للمرض والضرر إلا الله وإن الدعاء مُستجاب
قال النبي-صلى الله عليه وسلم- :
ثلاث لا تُرد دعوتهم ..المسافر والمريض والوالد لولده
ومن الدعم النفسي أن يضع الزائر يده على رأس المريض وان يدعو له بدعاء
النبي -صلى الله عليه وسلم-:
بسم الله،بسم الله ،أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات.
وعليه ان يُذكر المريض بفضائل أعماله وانها تدفع عن الإنسان الشر
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-
أفعال الخير تقي مَصارع السوء
والمريض نفسه لاسيما في مجتمعاتنا العربية والمسلمة -يمكنه ان يدعم نفسه
روحيا ،فهو يعتقد أن المرض تهذيب وليس تعذيب وان بعض الأمراض التي
تصيب البطن أو الوبائيات كالطاعون أو الامراض المزمنة كالصرع والعمى
فإن كل ذلك يوجب الجنة -بإذنه تعالى- ،وهو يعتقد أن البلاء والاختبار سُنة
كما قال الإمام أحمد :
"أيام الصحة لا سقم فيها وأيام السقم لا صحة فيها - أعلاك الله إلى العافية
ومسح عنك بيمينه الشافية"
وقد قالها في زيارته لبكر بن مخلد الأندلسي وقد كان مريضاً.
فالمريض المسلم بعد ان يأخذ بأسباب التداوي الحديثة لا ينسى أن الصدقة
من أسباب الشفاء: <داووا مرضاكم بالصدقة>
وان الله تعالى خص المؤمن ببركات ماء زمزم الشافية مصداقاً
لقوله -صلى الله عليه وسلم-:<ماء زمزم طعام وشفاء سقم>
والمؤمن يدعم نفسه بما يريح النفس والروح..فالقرآن الكريم شفاء للأرواح
والأبدان يقويها حتى تدفع الامراض،قال تعالى:
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا)
"الإسراء :82"
أسأل الله أن يقينا من كل مرض وأن يشفي كل مريض وأن يوفقنا لدعم مرضانا
كمعالجين وزائرين نفسياً وروحياً حتى تمر فترة أمراضهم .