يجيب عليها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ مفتي عام المملكة العربية السعودية




منع البنت من الزواج من أجل راتبها

* ما حكم أن يحول الأب بين ابنته الموظفة وبين زواجها رغبة في مرتبها؟
- لا يجوز للأب ولا لغيره من أولياء البنات أن يمنعوهن من زواج الأكفاء لمثل هذه الأسباب والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: . إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عظيم والله تعالى يقول: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }[البقرة: 232]. فالواجب على أولياء النساء تقوى الله عزَّ وجلَّ والخوف من عقابه، والحذر من أسباب سخطه سبحانه. وأن يكونوا حريصين على تزويج بناتهم ومن تحت أيديهم من الأكفاء، وألا تغرنهم الحياة الدنيا بزخرفها وزينتها فإنها متاع قريب وعرض زائل.



علاج العقوق



* نسمع ونقرأ في أيامنا هذه كثيراً عن عقوق الأبناء والبنات للآباء والأمهات وسوء معاملتهم إلى درجة هجرهم أو إيداعهم في دور للعجزة أو الاعتداء عليهم ضرباً أو مثل ما حدث مؤخراً من إقدام مراهق على قتل والده، كيف يخرج المجتمع من هذا المأزق سماحة المفتي حفظكم الله؟
- الله سبحانه وتعالى قد قرن حق الوالدين بحقه فقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء: 23] وأكد على وجوب البر بهما حال كبر سنهما وضعف قوتهما: { إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23 ، {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }الإسراء24 ، بل حث على حسن صحبتهما وإن كانا كافرين بل حتى وإن كانا داعيين إلى الكفر يقول الله: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] وأما سؤالك، كيف يخرج المجتمع من هذا المأزق، فهو العودة بالمجتمع إلى دين الإسلام وتعاليمه السمحة وتحصينه بالإيمان، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، وسالك طريق الإصلاح سيعاني وسيلقى مضايقات، فالواجب الصبر والاحتساب والمجاهدة في هذا الباب، يقول الله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [العنكبوت: 69] وأن يكون الآباء قدوة لأبنائهم في هذا فإذا رآهم أبناؤهم وهم يبرون بوالديهم كان هذا أحرى أن يقوموا هم ببرهم، وفقَّ الله الجميع لما يحبه ويرضاه.



العلاج بالقرآن والرقى والأدعية الشرعية



* هناك قصص كثيرة حول استغلال بعض ضعاف النفوس والتظاهر بالتقوى والصلاح وادعاء المداواة والعلاج بالقرآن ثم يتضح غير ذلك من أعمال سحرية أو شركية أو شعوذة أو نحو من ذلك، ما رأي سماحتكم في هذا وكيف يتجنب الناس الوقوع في أيدي مثل هؤلاء؟
- العلاج بالقرآن والرقى والأدعية الشرعية أمر مشروع لا شك فيه، وإذا ما استعمل استعمالاً شرعياً وقويت الأسباب وضعفت أو انتفت الموانع فإنه بإذن الله مؤثر نافع وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رقى ورقي وأمر بالاسترقاء لأبناء جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. وصح أيضاً أن أبا سعيد الخدري رقى سيد قوم لدغته عقرب بالفاتحة فشفاه الله، وكان قد اشتكى عليه، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: وما يدريك أنها رقية؟ قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهما وضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [الإسراء: 82] ويقول سبحانه: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء} [فصلت: 44]، هذا أمر لا شك فيه، لكن الرقى قد ضبطها العلماء بضوابط باستقرائهم للنصوص فمن الضوابط: أن تكون من القرآن أو السنة أو الأدعية الصحيحة التي لا تخالف الشرع. أن تكون باللغة العربية، وهذا الضابط أطلقه البعض والبعض قيده بمن يحسنها. أن يعتقد أنها سبب، ولا يعتقد أنها مؤثِّرة بذاتها حتى لا يتعلق قلبه إلا بالله عزَّ وجلَّ وأنه وحده الشافي سبحانه وأنه لا راد لقضائه ولا معقّب لحكمه تبارك وتعالى ومما يدل على أنه لا بد في الرقى موافقة الشرع أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه: أرأيت رقى كنا نرتقي بها في الجاهلية، فقال: اعرضوا علي رقاكم لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً والذين اشترطوا كونها بالعربية قالوا: لئلا يكون فيها شيء من الطلاسم والشعوذة، لهذا عبر بعضهم عن هذا الشرط بقوله: أن تكون بكلام مفهوم، والمعنى واحد فالمقصود أن الرقية الجائزة، بل المأمور بها هي ما كان بأدعية شرعية معروفة مفهومة اللفظ والمعنى ولم يعتقد متعاطيها أنها تؤثِّر بذاتها، أما ما وقع السؤال عنه من استغلال بعض ضعاف النفوس للناس بتظاهرهم بالصلاح والمداواة بالقرآن وهم إنما يقومون بالسحر والشعوذة ويرتكبون أعمالاً شركية، فهذا أمر محرم وقد يصل إلى الكفر والواجب على من علم ذلك عنهم أن يبلغ ولاة الأمور، وعلى ولاة الأمر أن يأخذوا على أيدي هؤلاء وأن يقطعوا دابر الفساد، أما عامة الناس فالواجب عليهم الحرص والتحري وعدم الاغترار بالمظاهر، فينظر في الرجل الذي يرقيه والدعاء الذي يقوله، ويسبر حال الرجل فإن ظهر من الرجل ما يرتاب منه فالواجب عليه تركه وعدم الاغترار به، وإن علم أنه يتعاطى السحر أو الشعوذة أو يتعامل مع الجن وجب عليه إبلاغ الجهات المختصة ليقوموا باللازم تجاههم.



العمل في مكان تعرض
فيه الفضائيات



* أعمل في مركز رياضي أهلي، وصاحب المركز وضع بعض السماعات ومكبرات الصوت لتشغيل الموسيقى الغربية وبعض التلفزيونات لبث القنوات الفضائية لترغيب الشباب في التسجيل في المركز، وقد نصحنا بعض المتدربين بوجوب إقفال التسجيل وتغيير القنوات في التلفزيون، لكن البعض الآخر وهم قلة يرغب في الموسيقى. فما الحل في هذه الحالة، وخصوصاً أن رب العمل حريص على وجود هذا الشيء في المركز؟
- ما فعله صاحب هذا المركز من تشغيل الموسيقى، وعرض القنوات الفضائية، والتي قد تحتوي على ما يخالف الشرع، من أمور مخلة بالعقائد والأخلاق، هذا أمر محرََّم وإعانة على المنكر، وفيه نشر للفاحشة بين المسلمين، فإن الموسيقى والمعازف محرمة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح البخاري من حديث أبي عامر، أو أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف... الحديث وهو صحيح متصل . والله سبحانه وتعالى يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (2)[المائدة] ويخشى على من فعل هذا الفعل وأصر عليه أن يدخل في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }النور19 . والمنكرات والمحرمات لا يجوز أن تكون وسيلة لكسب المال، ولا لما يزعم من ترغيب الشباب أو ترويج السلعة فإن هذا متاع الدنيا الزائل وحظ قريب، تعقبه الحسرة والندامة. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسند وغيره، أنه قال: إن التجار يحشرون فجاراً يوم القيامة إلا من اتقى وبر وصدق. وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه". والحرص على حل المكسب وطيب المأكل والمشرب، أمر واجب على جميع المسلمين، بل إن خبث المكسب من أسباب رد الدعاء وعدم استجابته، وهذا شر عظيم على ابن آدم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }المؤمنون51 . وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }[البقرة: 172] ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذِِّي بالحرام فأنى يُستجاب لذلك أخرجه مسلم.
النصوص الشرعية
لاتخالف العقل



* إذا سمعت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يدرك عقلي معناه، ولم يصدقه، فماذا علي؟ جزاكم الله خيراً، وهل جميع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم محل التصديق أم أن ذلك مقتصر على ما وافق العقل وصدقه؟
- ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث وجب الإيمان به واعتقاد أنه الحق والعمل بموجبه، إذ هذا مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله وهي من أركان الإسلام، وكذلك أيضاً هي من مقتضى الإيمان بالرسل الذي هو ركن في الإيمان، ثم إن ما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم يكون وحيا من الله عزَّ وجلَّ لنبيه صلى الله عليه وسلم وليس هو مجرد قول أو فعل صادر منه كما يصدر من سائر البشر يقول الله تعالى{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }(3) {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى } (4)[النجم ]، ويقول سبحانه: {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [النساء: 113]، ويقول صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه" أخرجه الإمام أحمد رحمه الله، وقد بيَّن الله لعباده المؤمنين شدة هذا الأمر وأنه لا خيار لهم في تصديق خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم والعمل بمقتضاه متى ما ثبت، يقول الله سبحانه: سورة {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } [الأحزاب: 36]. ثم أيها الأخ الكريم اعلم أنه لا يشترط أن تكون عالماً لمعنى كل حديث يردك، فاهما له، وأن يكون عقلك مدركاً له مصدقاً، كلا، فمعلوم أن النصوص الشرعية منها ما يفهمه غالب الناس، ومنها مما لا يفهمه إلا العلماء، ومنها ما لا يفهمه ويعرف دلالته إلا الراسخون من أهل العلم، فيكون موقفنا هو العمل بالمحكم والوقوف عند المتشابه. والمتشابه: هو ما لا يعلمه إلا الراسخون من أهل العلم، وأما جعل هذا المتشابه أصلا، أو التشكيك في المحكمات بضربها بالمتشابهات فهذا سبيل أهل الغي، يقول الله سبحانه: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } [آل عمران: 7]. وأما ما ذكرت من أن هناك من الأحاديث ما يوافق العقل فتصدقه وما لا يوافقه فتسأل عنه هل تصدقه أم لا؟ فهذا السؤال غير وارد أصلاً، لأن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح بحال، ومتى توهم متوهم أن نصاً من النصوص الشرعية الثابتة، مخالف للعقل فليتهم عقله هو، والشريعة الإسلامية - بحمد الله- تأتي بما تحار فيه العقول ولا تأتي أبدأ بما تحيله العقول كما قرر ذلك المحققون من العلماء، بمعنى أن الشريعة لا تأتي بما تعده العقول السليمة أمراً مستحيلاً. هذا لا يمكن أبداً. فالواجـب إذن هو التسليم والانقياد لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم متى ثبتت وألا نردها بأي حجة أياً كانت، فإن الله تعالى يقول: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } [النساء: 65]. وفَّق الله الجميع لما يحبه ويرضاه ورزق الله الجميع العمل بكتابه وسنة مصطفاه صلى الله عليه وسلم.