قللوا من فرص نجاحها.. المثقفون:الفضائية الثقافية فاشلة إذا أدارها المثقفون!
أجمع غالبية المثقفين والإعلاميين الذين طرحت عليهم "الدعوة" عدداً من المحاور الثقافية ذات العلاقة بما قدمته وتقدمه وسائل الإعلام "الصحف، والمجلات، والقنوات" وغيرها، ودور جمعية الثقافة والفنون، والمطالبة بإيجاد قناة ثقافية سعودية وما تؤديه الملاحق الثقافية في الصحف والمجلات. إن وجود قناة ثقافية سعودية أمر مطلوب ومرغوب ولا بد منه، لكن شريطة الابتعاد عن المحسوبيات وتقديم ما يخدم الفكر، على أن تتميز عن القنوات الأخرى كما اشترط بعضهم ابتعاد المثقفين والأدباء عن إدارتها.
أما في مجال الملاحق الثقافية فهناك من أشاد بها وخدمتها للثقافة، وهناك من يرى العكس حيث يقول المعارضون إنها تعاني من غياب الاحترافية، كما أنها تفتقر للمهنية الإعلامية إلا ما ندر منها، كما يرى البعض أنها تعاني من الشللية، بمعنى أدق (أخدمني أخدمك) آراء المشاركين تطالعونها في هذا التحقيق:
في البداية يرى الشاعر والمؤلف حسين جبران كريري أن النهضة الثقافية كاملة بما فيها من صحافة ومجلات وبث إذاعي وتلفزيوني شاخت وتراخت كمثل من يبلغ من العمر أرذله. ولم تعد كما كانت قبل عشرين عاماً تقريباً.
ويضيف: قد يكون السبب هو قلة المتابعة لما يطرح ويعرض ويقدم على هذه الوسائل وذلك لانتشار الإنترنت وما يحويه من ثقافات وفنون متنوعة عالمية وعربية ومحلية مما جعل القارئ يجد ما يريد في هذا الجهاز الذي يقدم لصاحبه شتّى فنون المعرفة.
كما أن طفرة المحسوبية واحتكارها بنسبة عالية لوسائل الإعلام، وكذلك ضعف مستوى حُسن الاختيار لما يعرض ويكتب، جعلت الثقافة التي نراها ونسمعها ونقرؤها ضعيفة وركيكة لا تشبع طموحات القارئ والمشاهد ولا ترقى لمستوى الجودة، حيث تحجب الأعمال الجيدة وتظهر الأعمال الركيكة بسبب ذلك، وهذا اعتبره أكبر داء ووباء تعاني منه الساحة الثقافية.
وفي ظني أن 09% من الكوادر الفنية العاملة في وسائل الإعلام والمسؤولة عن اختيار المقالات وإعداد البرامج الثقافية، وكذلك اللجان المخولة باختيار البرامج المقدمة والمقالات، غير مؤهلة للقيام بهذه المهمات لسبب أو لآخر، فقد ترى أحياناً مذيعاً في برنامج تلفزيوني أو تشاهد عملاً درامياً أقرته اللجنة المخولة، أو تسمع برنامجاً إذاعياً أو تقرأ حواراً صحفياً أو مقالاً منشوراً، تخجل مما ترى وتسمع وتشاهد لعدم قدرة تلك الجهات على حُسن الاختيار والطرح والإعداد.
أما بخصوص أهمية وجود قناة فضائية ثقافية فنية سعودية، فيقول كريري: هذا مطلب مهم جداً بشرط أن تكون جادة مخلصة قوية لا تهزها الرياح، وأن تكون فيها كوادر ذات رؤية ثقافية عالية تميز ما بين الغث والسمين، فتختار ما يخدم الفكر ويرفع من مستوى الثقافة والذوق العام وتبتعد عن الركيك وعن المحسوبية بكل أنواعها حتى ولو كانت ممن كانت، حيث هناك كتاب لديهم أعمال فنية وأدبية رفيعة المستوى وعالية الجودة تقبع في ملفاتهم دون أن تظهر للناس بسبب عدم نفوذ كتابها عبر القنوات الموجودة على الساحة.
أما جمعية الثقافة والفنون فلن أجيبك عنها لأنني لا أعرف ولم أسمع عنها وما تقدمه شيئاً.
المعلن أم المثقف
الشاعر عبدالله السميِّح من جانبه أشاد بالدور الذي تؤديه وسائل الإعلام في الجانب الثقافي، ثم قال:
المشكلة تكمن في النظر إلى الثقافة بوصفها مادة مكملة وليست جوهرية، مع أن العكس هو الصحيح، لا أعتقد أن أي رئيس تحرير سيتردد في حذف مادة الصفحة الثقافية، أمام مادة إعلانية ولا أعتقد أن أكبر مثقف سيحظى بالتقدير الذي يحظى به أصغر معلن في جريدة، هذه حقيقة لا مراء فيها أمام الزحف الإعلاني الذي صار يهدد المادة الإعلامية، فكيف بالمادة الثقافية، والصحافة على هذه الطبيعة الاستهلاكية، التي تستمد وجودها من الشارع لا تتسق مع أخلاقيات الصحافة الحقيقية التي تعمل على وعي الشارع، لذا فإن المادة الثقافية، تنزوي في الركن القصي من ذاكرة أصحاب القرار في الشأن الصحفي، لوقت الحاجة أو سد الفراغ. لذا أعتقد أن المثقف يحتاج لمنحه مساحة أكبر من وسائل الإعلام كي يطرح رؤاه بدون أن تبتسر آراؤه بسبب ضيق المساحة أو ضيق الوقت، بينما المساحة والوقت يتسعان للمهرجين وأرباب الزيف الكتابي وطلاب الوجاهة الاجتماعية، عندما يُمكَّن المثقف من ممارسة دوره الفعلي، وتصبح الثقافة حديث الشارع في ذلك الوقت يمكن التفكير في قناة ثقافية فضائية.
وفي ظني الملاحق الثقافية تفتقر إلى المهنية الإعلامية إلا ما ندر منها، إنها نشرات موجزة لما يدور في الساحة الثقافية مع غياب الاحترافية، فهي لم تزل رهينة الطرح النخبوي، هي الصوت والصدى للمثقف، إنها لا تتماس مع قضايا المجتمع وهمومه، لتحقيق معنى الثقافة الأشمل، ولذلك فإن القارئ يهتم بزاوية الكاريكاتير في الجريدة أكثر من ملحقها الثقافي.
الصحف والفضائيات
من جانبه بدأ المؤلف والأديب فيصل الطميحي رأيه مشيداً بدور الصحافة في دعم الثقافة فقال:
لعل الصحف والمجلات لعبت دوراً في خدمة الثقافة، وما مقدار هذا الدور الذي لعبته هاتان الوسيلتان سيظل تقديره أمراً نسبياً، وفي اعتقادي أنهما لعبا دوراً أكثر من جيد في تقديم وخدمة الثقافة، وأرى أنهما قد ساهما مساهمة طيبة في التعريف بالمثقفين ونتاجهم الثقافي، وبالسعوديين على وجه الخصوص، والعرب بصفة عامة. ولو نظرنا إلى معظم الصحف إن لم يكن كلها، فنجد أنها تحوي صفحات ثقافية غنية بمحتوياتها، وبعضها يشتمل على ملاحق ثقافية دسمة ومتنوعة الأبواب والمواضيع.
أما فيما يتعلق بالقنوات التلفزيونية الفضائية، فأعتقد أن دورها مغيَّب، أو لنقل إنه ليس واضحاً بالنسبة لي على الأقل ربما لعدم حرصي على متابعتها بشكل منتظم، ورغم ذلك فإنني لم أشاهد في القنوات رغم عددها المهول، ما يروي الغليل، واهتماماتها تكاد تكون منصبة على أمور لا علاقة لها بالثقافة والتعريف بها إلا ما ندر.
نعم للثقافة
وعن رأيه في مشروع الفضائية الثقافية قال الطميحي:
لا أرى مانعاً لذلك، بل إني أراه أمراً جيداً، وسيخدم الثقافة بشكل ممتاز، وذلك بحكم النشاطات الثقافية العديدة التي تعقد في المملكة كل عام، كاحتفالات الجنادرية والنشاطات المصاحبة لها، معرض الكتاب الدولي في الرياض وفي غيرها من المدن، النشاطات الثقافية التي تعقد في احتفالات الصيف في جميع مناطق المملكة، نشاطات الأندية الأدبية، وجمعية الثقافة والفنون وفروعها، الأسابيع الثقافية، فكما نرى هي نشاطات كثيرة وتستحق أن يكون لها قناة ثقافية، وهو حلم جميل ليته يتحقق، بل أضم صوتي لمن يطالب بإيجاد مثل هذه القناة، وأن يبتعد المثقفون والأدباء عن إدارة مثل هذه القناة، فيما لو أُطلقت، فأحسب أنهم لا يصلحون لمثل هذا الأمر، فكما قال د.عبدالعزيز السبيل: إن المثقفين لا يصلحون لإدارة الأندية الأدبية، إنهم لذلك لا يصلحون لإدارة مثل هذه القناة.
وختم الطميحي مشاركته قائلاً:
نعم نحن بحاجة ماسة لنشر الثقافة في وسائل الإعلام المختلفة، والاستفادة من الوسائل الحديثة التي تساعد كثيراً في نشر الثقافة، وأقصد الإنترنت التي انتشر استخدامها بشكل كبير وعلى نطاق واسع، لكن قبل أن نفعل ذلك فإنه يجب علينا أن نغيِّر الصورة النمطية عنا بأننا شعب لا يقرأ، يجب علينا وبشتّى الوسائل أن نساهم في نشر القراءة، هناك هجر عجيب من الغالبية العظمى من الناس للقراءة وعزوف لا يفهم له سبب، هناك كتب تطبع وتنشر لكن قليل جداً من يقرأ، وإن وجد من يقرأ فهم النخبة فقط، ونشر حب القراءة سيساهم بلا شك في نشر الثقافة.
أما الأستاذ أحمد مكي الأديب والمؤرخ قال:
من وجهة نظري الشخصية المتواضعة وبحكم أنني صحفي وإعلامي أن الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام بكافة قنواتها ووسائلها المختلفة، لتغطي كافة الشرائح المختلفة من المشاهدين والمستمعين والقراء، وتنمي وتثري نهمهم وشغفهم في المجال الثقافي. لا شك أنها جهود مثمرة ومقدرة لدى المتابعين ونتمنى أن تتواصل وتعطي كل ما بجعبتها في شتّى المجالات والميادين المختلفة.
وأوافق على أهمية إيجاد قناة ثقافية سعودية تثري الساحة الثقافية، وهذه من المطالب الملحة التي يتطلع إليها كل مواطن ومواطنة، على مستوى الوطن خاصة والعالم العربي والإسلامي بشكل عام.. شريطة أن يكون لهذه القناة ما يميزها عن القنوات الأخرى.
الملاحق التي تصدرها المؤسسات الصحفية ودور النشر الأخرى، كالنوادي الأدبية والمؤسسات الأهلية التي تُعنى بالمجال الثقافي، تُعد جهوداً مقلة لا تواكب (العصرنة)، نأمل أن تواكب النهضة الكبيرة في مجال التقنية والاتصالات لتحقق الفائدة المنشودة للجميع.
لا للفضائية الثقافية
الناشر أحمد بادويلان شارك برأيه مبدياً عدم رضاه عن دور الإعلام في الجانب الثقافي فقال:
كل ما قدمته وسائل الإعلام حتى الآن لا يكاد يكون شيئاً حتى نقيمه لأني لا أرى أي عمل جاد يخدم الثقافة ويشكل حراكها حتى أبسط ما هو مطلوب منهم وهو المتابعة، فهي ضعيفة جداً وتخدم فئات وأسماء معينة للمجاملة واعتبارات أخرى، بينما في الغرب وسائل الإعلام هي التي تصنع الثقافة وتبلورها وتقودها وتشكلها، أما الأسباب والعلاج فهما يحتاجان إلى دراسة متعمقة من محايدين، ويبقى السؤال: هل إدارات تلك الوسائل لديها الرغبة في الاستفادة من الرأي الآخر ومعالجة الوضع أم أن الوضع الحالي يروق لها؟
وأسمع أن هناك من يطالب بإيجاد قناة فضائية ثقافية سعودية، ومثل هذه القناة لن تكون أكثر من تحصيل حاصل لأن من يشاهد القنوات الفضائية ماذا يريدون؟ .. يبحثون عن التسلية والترفيه والضحك وقليل من السياسة..
أما الثقافة فحدث ولا حرج.. لن تنجح هذه القناة.. إلا .. إذا أريد لها أن تكون منبراً لبعض المجاملات.
المشكلة .. بالضبط
أما الزميل هيثم السيد، الشاعر والمشرف الثقافي، فقد حدد جوهر الإشكالية بين الثقافي والإعلامي بقوله:
الأزمة إذن ليست في تقصير الإعلام تجاه الثقافة بقدر ما هي في أن الثقافة أصلاً قاصرة عن تقديم نفسها كمشروع جماهيري خلاّق، فالوسيلة الإعلامية ليست على رفض مسبق لترويج الثقافة لكن الثقافة وحدها هي المسؤولة عن عدم رواجها، ولو أنها قدمت نشاطاً جاذباً واستوعبت المجتمع داخلها لوجدت الإعلام في طليعة من يبرزها ويقف معها.
الحل يبدأ من إدراك حقيقة الأدوار التي يجب أن يقوم بها كل طرف، والوعي بأن الوسيط الإعلامي يمثل أداة تواصل بين الحدث والجمهور وهو بالضرورة يعكس طبيعة هذا الحدث كما هي، لا يجب لوم الإعلام على عدم اهتمامه بالمشهد الثقافي في الوقت الذي لا يقدم هذا المشهد أي فعالية تستحق الاهتمام، فالمنطق يبسط الأمور هنا.. لماذا يرفض الإعلام حدثاً مشوقاً في الثقافة أو غيرها.. وهو المستفيد جماهيرياً من تسويق وتغطية هذا الحدث؟
الحديث هنا يطول لأنه يقودنا إلى إشكاليات داخلية في آلية وتكوين العمل الثقافي تتصل جميعها بصناعة الثقافة وفق رؤية جديدة تجعل منها مشروعاً ينهض بعلاقته مع الجمهور، فالأمر قابل للنجاح ويمكننا أن نلمس ذلك في برامج ثقافية حققت أصداء واسعة عبر القنوات الفضائية في الآونة الأخيرة.
الثقافة ليست بحاجة لقناة
وحول الدعوة لتأسيس فضائية ثقافية قال السيد!
الأمر ليس متعلقاً بمطلبات ارتجالية يائسة من بعض المثقفين، بل هو مرتبط بدراسات جدوى وتحليل واع عميق لفرص نجاح مشروع القناة الثقافية، الفضاء مفتوح للجميع وقد ظهرت كثير من القنوات التي تحاول تلبس الطابع الثقافي لكنها لم تقدم مفهوماً ثقافياً جاداً بقدر ما فضحت إفلاسها المهني ونواياها للتكسب من وراء الأدب.
إن كان سؤالك يشير إلى قناة فضائية رسمية تصدر عن المملكة، على غرار الإخبارية، الرياضية، فأنا أعتقد أن علينا أن نقيِّم الثقافة أولاً ومدى احتياجها لقناة تلفزيونية، ما أراه الآن أن الحضور الإعلامي للثقافة مازال غير مقنع، فهي محصورة في برنامج أو برنامجين على مدى الأسبوع، إلى جانب الملاحق الصحفية المعتادة، لدينا عدد كبير من الأدباء والنقاد وكثير منهم يحضرون بقوة في المواقع الإلكترونية، وإذا استطاع هؤلاء أن يشكلوا حضوراً إعلامياً يوحد الجهود لإبراز المجال الثقافي، فسيكون سبباً حينها التفكير في إنشاء قناة ثقافية، غير أننا سنعود مجدداً للتفكير في الرهان الأهم، وهو الجمهور.
مستلزمات هذه القناة في نظري، هي تحديد رؤيتها أولاً وشريحتها المستهدفة ووضع خطط وأولويات، تُعنى بنشر الثقافة كحالة اجتماعية ومشروع إنساني وليس كملكية خاصة للنخب فقط.
نعم للفضائية الثقافية
وفي الختام يتحدث الزميل الأديب الأستاذ المحرر الثقافي عادل قاضي، مدير تحرير مجلة البر، عن الفضائية الثقافية قائلاً: ليس المهم إنشاء قناة ثقافية، ولكن المهم ماذا ستقدم هذه القناة!! رغم أن إنشاء هذه القناة الثقافية مطلب مُلح.. وهو ليس صعباً على وزارة الإعلام.. ولكن التحدي ماذا ستقدم في هذه القناة، وكيف تستطيع جذب المشاهد إليك في ظل هذا العالم المليء بالقنوات الفضائية وكيف تستطيع أن تُسوِّق لنفسك لأن الموضوع هنا يدخل في صناعة الإعلام العصري وعالم الاحتراف، فلم يعد للإعلام التقليدي اليوم مكان، ومن هنا فإن المثقف لا يريد قناة من أجل أن يقال هناك قناة، بل يريد ما ستحمله هذه القناة لتكون نافذة للثقافة السعودية في ظل وجود حراك ثقافي يستحق إنشاء مثل هذه القناة مثل مهرجان الجنادرية ومهرجانات المسرح وسوق عكاظ ومناشط الأندية والندوات وأخبار الفن التشكيلي والمعارض وغير ذلك، خاصة إذا لاحظنا أن الصحافة الثقافية لم تعد كما كانت في السابق من حيث المضمون.. فهناك ضعف واضح في الطرح في كافة الملاحق مقارنة بالأمس.. كما لم يعد للملاحق الثقافية اليوم منهج تسير عليه كما كان سابقاً حيث يستطيع القارئ أن يميز ملحق الندوة الذي كان يشرف عليه محمد موسم المفرجي - رحمه الله - وكذلك الملحق الثقافي لجريدة اليوم.. فقد كانت جميع هذه الملاحق مميزة ولها طابع مميز.. أما الآن فلم يعد لهذه الملاحق نكهة زمان التي كانت تميز كل ملحق عن غيره.. فقد أصبحت جميع الملاحق كسوق الحراج.