فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن جبرين في وصايا للحجاج :اقتصدوا في النفقة وابعدوا عن الإسراف وأگثروا من النوافل
في هذا اللقاء يتحدث لنا فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين عن بعض الأعمال المتعلقة بالحج وواجب المسلم إذا نوى الحج. كما تحدث فضيلته عن بعض الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج
* سألنا فضيلته في البداية عن أدلة القول بأن الحج يجب على الفور؟
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم: بادروا بالحج والعمرة، فإن الدابة قد تضل، والرجل قد يمرض كما ورد ذلك في بعض الأحاديث، فالمبادرة معناها الإسراع، هذا دليل. وأيضاً فإن أوامر الله - تعالى - يجب الإسراع بها؛ لما علل به في هذا الأثر وهو: خوف العوائق، والعوارض التي تعرض، لا يدري الإنسان متى تعرض له، فعليه أن يُبادر أن يعرض له ما يعوقه من: مرض، أو موت، أو فقر، أو غيره، فالأفضل المبادرة حتى لا يفوت الأوان.
كيفية أداء الحج المبرور
* كيف يستطيع الحاج أن يجعل من حجه حجاً مبروراً باختصار؟
- أولاً: عليه الإخلاص في عمله بأن يريد به وجه الله والدار الآخرة، ويقصد أداء ما أوجب الله عليه بلا رياء، ولا سمعة، ولا يتمدح بعمله، ولا يعجب أو يفتخر بما فعله.
وثانياً: عليه أن يحرص على النفقة الحلال من كسب طيب ليس فيه شبهة، ولا شك في إباحته ككسبه بيده الذي يخلص فيه، ويترك الحرام، والمشتبه.
وثالثاً: عليه أن يقتصد في النفقة في مركبه، وملبسه، ومأكله، ومشربه، ويبتعد عن الإسراف، وإفساد المال فيما لا أهمية له من مآكل، ومشارب، ومساكن، ونحوها.
ورابعاً: عليه الحرص على أداء الأعمال المطلوبة في تلك المشاعر كاملة كالإحرام، والطواف، والسعي، والوقوف، والرمي.. إلخ، فيتحقق من أدائها كما ينبغي، ومن إكمال الوقوف، والمبيت، والحلق، ونحوها.
وخامساً: عليه الإكثار من القربات، ونوافل العبادات في تلك المشاعر كالصدقة، والذكر، والدعاء، والصلاة في المسجد الحرام ونحوها.
وسادساً: عليه الحرص على نفع المسلمين، وإرشادهم، ودلالتهم على ما ينفعهم، وما يتم به حجهم بتعليم الجاهل، وإرشاد الغاوي، ونحو ذلك.
وسابعاً: عليه البعد عن المعاصي والمخالفات، والبدع والمحدثات، لا ينخدع بمن يروّجها، ويدعو إليها المزارات، والأموات، والبقع، والموالد، ونحوها، ولعله بذلك يبر حجه - إن شاء الله - .
بيان شروط وجوب الحج
* ما شروط وجوب الحج؟
- شروط وجوبه خمسة، وهي: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرية، والاستطاعة، فلا يصح من الكافر ولا يقبل حجه لفقد شرطه، بل شرطه جميع العبادات، وهو: الإسلام، ولا يلزم المجنون ولا يجزؤه حجه. أما الصبي الذي دون البلوغ فيصح حجه، ويثاب وليه فله أجر على ذلك، ولا يكفيه هذا الحج عن الفريضة، فيلزمه بعد البلوغ أن يحج حجة الإسلام. أما المملوك فلا يلزمه الحج لأنه مشغول بخدمة سيده - وإن كان حج الفريضة - لكنها تنعقد ويثاب عليها، فأما الاستطاعة فإن الله إنما أوجب الحج على من استطاع إليه سبيلا، وفُسرت الاستطاعة بأنها ملك الزاد والراحلة الصَالحين لمثله، بعد قضاء حوائجه الأصلية وحوائج أهله حتى يرجع من حجه، فهذه الشروط عامة، وهناك شرط سادس زاده بعضهم، وهو: أمن الطريق، ولعله داخل في الاستطاعة، وشرط آخر خاص بالنساء وهو وجود محرم المرأة.
حكم لبس القفازين للمرأة المحرمة
* بعض النساء وهن محرمات بالعمرة يلبسن قفازات في أيديهن من باب التستر، فهل فعلهن هذا صحيح؟
- لا يجوز للمرأة المحرمة لبس القفازين وهو ما يفصل على قدر الكفين ولو قصدت بذلك التستر، وكذا لا تلبس النقاب وهو البرقع الذي يفصَّل على قدر الوجه ويجعل له فتحات على قدر العينين، ويجوز لها ستر الوجه بالخمار ولو مس بشرة الوجه، كما يجوز ستر الكفين بالأكمام أو العباءة أو الرداء، ولا فدية في ذلك، فأما من لبست القفازين في الإحرام فإن عليها فدية كفدية محظور وهي صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، وكذا من لبست النقاب في الإحرام كمن لبس المخيط من الرجال وكفدية الحلق والتقليم والطيب. والله أعلم.
ما يشرع لمن أراد الحج
* ما الذي يشرع لمن أراد الحج والعمرة؟
- من عزم على سفر طويل لحج أو غيره فيشرع له قضاء ديونه الحالة أو استئذان أهلها إن عرف منهم الحرص وشدة الطلب، ثم يكتب وصاياه وما في ذمته وما له أو عليه، ثم يصلى صلاة الاستخارة ويطلب من ربه أن يختار له الأصلح، ويمضي لما ينشرح له صدره، ويختار الرفقة الصالحة من أهل العلم والدين، ويستصحب معه من الكتب العلمية ما يستفاد منه في أعمال الحج أو غيرها ويفيد إخوته، ويكثر من النفقة والنقود والزاد حتى يغني نفسه أو إخوته عند الحاجة، ويودع أهله وأصحابه عند السفر ويقول لكل منهم استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، ويحرص على أن يكون عمله خالصاً لا يريد بحجه وعمرته إلا وجه الله، ولا يضره من مدحه ولا من ذمه، ثم يحرص على أن تكون نفقته من الكسب الحلال الطيب، ويحرص في سفره ذهاباً وإياباً على الإتيان بنوافل العبادات وواجبات الدين، ويفيد إخوته ويستفيد من أهل العلم، ويحرص على تكميل واجبات الحج والعمرة، وعلى ما يستطيعه من السنن والأعمال الصالحة رجاء مضاعفة الأعمال. والله أعلم.
مناسك الحج بالتفصيل
* ما هي مناسك الحج بالتفصيل؟
- مناسك الحج هي العبادات التي يفعلها من أراد الحج أو العمرة، وتسمى أركاناً وواجبات، فأركان الحج أربعة: الإحرام، والطواف بالبيت، والوقوف بعرفة والسعى بين الصفا والمروة وواجباته سبعة: كون الإحرام من الميقات، والبقاء بعرفة إلى الليل، والمبيت بمزدلفة ليلة النحر أو أكثرها، والمبيت بمنى ليالي منى وحلق الرأس أو تقصيره، ورمي الجمرات يوم العيد وأيام التشريق، وطواف الوداع، وقد فصلت صفاتها في كتب الأحكام.
* ما هي أبرز المضامين العقدية والإيمانية لاجتماع المسلمين في أداء الحج؟
- الحج عبادة بدنية مالية فرضها الله تعالى على المستطيع لحكم ومصالح كبيرة أجملها تعالى بقوله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ }، فإن المسلم يعتقد وجوب امتثال أمر الله تعالى لعباده جميعاً؛ لقوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } ، حيث يعلم وجوب أداء الحج عليه عند القدرة، فمتى تيسَّر له الحج قام به على الوجه الأكمل الذي تبرأ به الذمة وتسقط به الفريضة ويحمله على ذلك تصديق خبر ربه سبحانه، والامتثال لأمر الله، وطلب الأجر المرتب على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه، فيبعد عبادته عن الرياء والسمعة والمباهاة والتمدح والافتخار بأن يكون مخلصاً عبادته لربه، معتقداً أنه الذي يقبل العبادة الخالصة ويثيب عليها، ثم يزداد إيمانه ويقينه بصحة هذا الأمر وثبوته عندما يفد إلى تلك المشاعر المفضلة ويشاهد مواقف من سبق من الأنبياء وأتباعهم، ويتحقق أن كل من وقف في تلك المشاعر وتنسك بما أمر به فيها إنما قصدوا وجه الله تعالى والدار الآخرة.
وهكذا يشاهد الجم الغفير الذين توافدوا وجاءوا من كل فج عميق وهدفهم موحد وهو أداء هذه العبادة العظيمة التي لا تصلح إلا بعبادات تختص بتلك البقاع أو الأماكن المقدسة من الازدحام في الطواف والسعي وفي عرفات والمشعر الحرام وفي منى وعند الجمرات وما يتقربون به من الدعاء والذكر والصلوات ونوافل العبادات وذبح القربات والحلق والتقصير، وكل ذلك مما يفعلونه احتساباً وطلباً للأجر والثواب الأخروي، فهم يصبرون على اللأواء والشدة والتعب والغصب، وينفقون الأموال الطائلة ويركبون الأخطار ويفارقون أموالهم وبلادهم وأهليهم ويتكبدون الصعوبات؛ لأجل أداء هذه الشعيرة التي يعتقدون أنها فريضة الله عليهم، وركن من أركان دينهم الذي يدينون به لربهم، ولا شك أن مشاهدة ذلك الحشد الكبير والجمع الكثير في تلك المشاعر مما يقوّي إيمان العبد ويكسبه قوة في العقيدة وثقة بوعد الله لهم بالمغفرة والرحمة والتجاوز عن الذنوب العظام، وهكذا يزداد إيمان الحاج وتقوى عقيدته عند تقرّبه بذكر ربه ودعائه والثناء عليه، وأداء ما يستطيعه من الواجبات والمندوبات المشروعة في تلك المشاعر المفضَّلة، حيث أمر الله تعالى بذكره وشكره وحسن عبادته كما قال تعالى: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. وقال تعالى: {ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }، وفي الإكثار من ذكره استحضار عظمته وتذكره فضله وإنعامه وجوده على عباده.
التلبية الجماعية والزيادة فيها
* أفيدونا - حفظكم الله - عن حكم التلبية الجماعية مثل: أن يُلبي شخص ويردد وراءه آخرون؟ وما الحكم لو زاد على التلبية المعروفة؟
- الأولى أن يُلبي كل إنسان بمفرده لكن إذا كان بعض الناس جاهلاً لا يعرف أو لا يحفظ التلبية جاز أن يلقنه غيره سواء كان واحداً أو جماعة يرددون ما يلقنهم ذلك الشخص؛ لأن هذا من باب التعليم، لكن إذا حفظ الإنسان التلبية فإنه يأتي بها بمفرده، والتلبية النبوية هي قول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
لكن كان الصحابة يزيدون والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعهم ويقرهم فيزيد بعضهم بقوله: لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك.
ويزيد بعضهم بقولهم: نحن عبادك الوافدون إليك الراغبون فيما لديك ويزيد بعضهم بقولهم: لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً فما زاد من مثل هذا فلا ينكر عليه. والله أعلم.
محظورات الإحرام وأقسامها
* ما هي محظورات الإحرام؟ وما أقسامها؟
- هي تسعة:
1ـ حلق الشعر من الرأس أو البدن.
2ـ قص الأظفار من اليد أو الرجل.
3ـ لبس المخيط للرجل وهو كل ما خيط على قدر جزء من البدن: كالقميص، والسراويل، والتبان، والجبة، والفانيلة، والقباء، والعباءة، ونحو ذلك.
4ـ تغطية الرأس بملاصق كالعمامة والقلنسوة، بخلاف المظلة والخيمة وحمل المتاع على الرأس فلا بأس به.
5ـ استعمال الطيب وهو كل ما له رائحة عطرة بقصد استعماله في الثوب أو البدن من: المسك، والورد، والريحان، وسائر العطورات.
6ـ قصد اصطياد الصيد البري المتوحش من الطير: كالحمام، والحبارى، والحجل، والعصافير ونحوها، أو الظباء، والوعول، وحمر الوحش، والضب، واليربوع، والوبر وما أشبهها.
7ـ عقد النكاح فلا يخطب المحرم، ولا ينكح زوجة، ولا يكون ولياً ونحو ذلك.
8ـ الجماع في الفرج مع زوجته، أو أمته.
9ـ المباشرة دون الفرج، والتقبيل، واللمس لشهوة، ونحو ذلك.
وهي أربعة أقسام:
فيه فدية ولا يبطل النسك وهو الخمسة الأولى. والثاني فيه الجزاء مثله ونحوه وهو الصيد. الثالث يبطل النسك ولا فدية فيه وهو النكاح. الرابع لا يبطل النسك وفيه دم وهو المباشرة.
* ما معنى هذا الحديث: إن التلبينة تجم فؤاد المريض، وتذهب ببعض الحزن أخرجه البخاري؟
- هذا الحديث في صحيح البخاري كتاب الأطعمة عن عائشة أنها كانت إذا مات الميت من أهلها واجتمع لذلك النساء ثم تفرقن أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، وصنعت ثريدا، ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض.. إلخ قال ابن القيم في الطب النبوي: التلبينة هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه. وقال الهروي سميت تلبينة لشبهها باللبن في بياضها ورقتها. قال ابن القيم وهذا الغذاء هو النافع للعليل وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء... فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته والمقصود أن ماء الشعير مطبوخاً صحاحاً ينفذ سريعاً ويجلو جلاء ظاهراً ويغذي غذاء لطيفاً وقوله: مجمة لفؤاد المريض معناه أنها مريحة له، أي تريحه وتسكنه، من الإجمام وهو الراحة وقوله: وتذهب ببعض الحزن هذا والله أعلم لأن الهم والحزن يبردان المزاج ويسعفان الحرارة الغريزية... وقيل: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية منها من جنس خواص الأغذية المفرحة. والله أعلم.
واعظ الله في القلب
* ما هو واعظ الله في القلب؟
- جاء ذكر ذلك في الحديث المشهور والذي أوَّله قول النبي صلى الله عليه وسلم: ضرب الله مثلا صراطاً مُستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران إلى آخره، وذكر أن الداعي عند تلك الأبواب الذي يقول: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه، هو واعظ الله في قلب كل مسلم، بمعنى أن الله تعالى جعل في قلوب المسلمين تذكراً وانتباهاً واستحضاراً لعظمة الله وجلاله وكبريائه، فإذا هم بمعصية تذكر عقوبة الله، أو تذكر أن ربه يراه وأنه قد توعَّد على ذلك الذنب بوعيد شديد، فهذا الواعظ في القلب يمنعه من مُقارفة الذنب
أداء العبادة على وفق السنّة
* كيف نؤدي العبادة على وفق السنّة؟
- نؤديها كما بيَّنها لنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وقال في الحج: خذوا عني مناسككم. وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنواع العبادة، وَفَصَّلها، وبَيَّن المحرمات والْمُبَاحات والواجبات بأقواله وبأفعاله، ولذلك قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، وقد نقل الصحابة رضي الله عنهم سُنة النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً، وكتبها العلماء وبَيَّنوها في مؤلفاتهم، فمن اتبعها وفقه الله للسنة النبوية.
معنى قول
* ما المقصود بقول عمر "من مات ولم يحج مات إن شاء يهودياً، أو نصرانياً"؟
- قصد عمر رضي الله عنه في حق من كان قادراً مستطيعاً متمكناً، قد توفرت لديه جميع الشروط، ولم يكن له مانع، فإنه يعتبر مفرطاً، متساهلاً بركن من أركان الإسلام، فيختل دينه فكأنه يهودي، أو نصراني.
تكرار الحج
* تكرار الحج فيه أجر كبيرة بلا شك ولكن هل يرى فضيلتكم أن من كرر الحج مرات عديدة من الأفضل له إفساح المجال لإخوانه؟
- لا شك أن الحج عبادة فاضلة وفيها أجر كبير؛ كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان: الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والفضة وغير ذلك من الأدلة، وقد استحب بعض المشايخ - في هذه الأزمنة - ترك تكرار الحج كل عام؛ حيث إن عدد الحجاج قد زاد وتضاعف عما كان عليه في الأزمنة السابقة بسبب وسائل النقل الحديثة التي سهَّلت للناس سرعة الوصول، فيحصل من الكثرة زحام شديد في صحن المطاف والمسعى وفي عرفات ومنى وعند الجمرات وفي ذبح الهدي وغيرها، وهذا رأي سديد؛ لما فيه من إفساح المجال للوافدين الجدد وتيسير أداء الفريضة بسهولة وترك مضايقة المفترضين، وقد يستثنى من ذلك أهل الأعمال النافعة كالدعاة والمرشدين وكذا الجنود والعاملون الذين ينظمون السير ويخدمون الحجاج ويحرصون على تسهيل أداء الفريضة للوافدين وضيوف الرحمن بما يسقط عنهم الوجوب ففي تكرار مجيئهم منفعة كبيرة، والله أعلم.
نصيحة لمن أعطي حجه عن الغير
* ما هي نصيحتكم لمن أعطي حجه عن الغير؟
- نصيحتنا للمسلم ألا يبيع أعماله الصالحة بعرض من الدنيا، فإن ذرة من الآخرة خير من الدنيا بحذافيرها، فالذي يحج عن الغير هو إنسان يحب الحج ويتمناه، ويود أن يقف في تلك المشاعر ويذكر الله ويستغفره ويدعوه، ويشارك الحجاج في ذلك الموسم العظيم، ويتعرض لنزول الرحمة ولتجاوز الله عن الذنوب العظام، ولكنه عاجز مادياً فليس عنده من المال ما يبلغه المناسك، فيأخذ من الباذل قدر ما يكلفه ويكفيه بلا زيادة وينفقه مما أخذه نفقة متوسطة في المطعم والمشرب والإحرام وأجرة الركوب والتنقل والسكن، ونفقة عياله مدة غيبته إن كان يكفيهم بكسبه، ونحو ذلك، وإذا بقى شيء معه رده إلى أهله، ويعرف أنه مؤتمن على هذا العمل يؤديه كاملاً، ويتحضر أن ربه هو الذي يراقبه، وبذلك يرجى قبول هذا الحج، ويحصل له أجر بتعرضه لأسباب الرحمة به. والله أعلم.
واذكروا الله في أيام معدودات
* قال جلَّ وعلا: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى }، فما المقصود بذكر الله هنا وما هي الأيام المعلومات المعدودات؟ لا بالتعجيل، أو التأخير وكيف يحصل؟ والله يوفقكم ويجزيكم.
- هذه الأيام المعدودات هي أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، والتعجل هو أن يخرج من منى بعد رمي الجمار في الثاني عشر، والتأخر هو البقاء في منى إلى أن يرمي في الثالث عشر، وذكر الله في هذه الأيام هو ذكر الله تعالى بالتكبير المقيد بعد كل فريضة، وبالذكر عند رمي الجمار، وبالدعاء بعد رمي الجمرتين الأوليين، وبالذكر عند ذبح الهدي، وعند الأكل منه، وبالذكر المطلق في كل الأحوال، أما الأيام المعلومات في قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }، فهي أيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة فيذكر الله تعالى في الأيام مطلقة بالذكر والتكبير في كل الأحوال. والله أعلم.