دفنوه حيا ..
بقلم الكاتب :خالد بن محمّد
هناك رواية طريفة بعض الشيء وتحكي بإيجاز عن رسّام موهوب يفكّر في أن
يصبح غنيّاً و لم يجد وسيلةً لذلك سوى في إعلان خبر وفاته بغرض بيع لوحاته
بأسعار غالية و خيالية ، وكان له ما أراد حيث أصبح غنيّا في الخفاء و فقيراً في
الفناء !! كتب هذه الرواية الأديب الإنجليزي " فنسنيت " و اطلق عليها إسم
" دفنوه حيّاً " .
و لكن .. كم هم الذين دُفِنوا و هم أحياء ؟
هناك الكثير .. و من أشهر حوادث تاريخ دفن الأحياء ، حادثة الفيلسوف دونوس
الذي ظل يصرخ في قبره إلى أن انتبه المارة لصراخه ، ففتحوا القبر ووجدوه مهشّم
الرأس محطّم الأظافر و أصابعه مكسورة و لسانه قد تقطع .. و لا شك أنه سعى في
الخروج و لكن دون جدوى ..
و في مجتمعاتنا نجد الكثير ممن يُجاز عليهم القول بأنهم دُفِنوا و هم أحياء ، فذوي
المواهب ، و أصحاب الأفكار التي لو رأت النور لأصبحت عظيمة ، و المتفوقون علمياً ،
يُدفنون في اليوم الواحد مئات المرات ، ولا تتعجب إذا رأيت نادل الطعام و الجرسون و
عامل البناء و بائع الأحذية و " الزبّال " وغيرهم من ذوي الحرف المهنية البسيطة لا
تتعجب إذا عرفت أنهم يحملون شهادات جامعية ومؤهلات علمية مؤثّرة ، فهؤلاء
تفوّقوا و لكن صعوبة الحياة ولقمة العيش أجبرتهم على كسر شبح البطالة بمهنٍ
أقل بكثير مما تختزنه مواهبهم..
_ لماذا تحمل مسدسّا في يديْك ؟
_ كي أقتلك ..
_ و لماذا تُريد قتلي ؟ ألا تراني مدفوناً و أنا حي !!
_ كيف ذلك ؟؟
_ بسيطة !! أنظر بعين عقلك من حواليك و ستدرك ذلك !!
_ فعلاً فعلاً .. لقد ادركت ذلك
_ إسمع أيها السفاح ..
_ نعم أيها المدفون ؟
_ أقتلني أرجوك .. أقتلني و أزحني من هذا الوجود الذي دفنت فيه !!!
***
مقال جميل .. شدني لواقعيته
كم من المواهب لا تجد مساحة تستوعبها
وكم من اليأس يقتل روح الابداع بتلك الافراد .