هي الأخلاق تنبـت كالنبـات = إذا سُقِيَت بمـاء المكرُمـات
تقـوم إذا تعهّدهـا المُرَبّـي = على ساق الفضيلة مثمـرات
وتسمـو للمكـارم باتِّـسـاق = كما اتّسقـت أنابيـب القنـاة
وتُنعش من صميم المجد روحاً = بأزهـار لهـا مُتَضوِّعـات
ولم أر للخلائق مـن مَحَـلّ = يهذّ بهـا كحِضـن الأمهـات
فحضن الأم مدرسة تسامـت = بتربيـة البنيـن أو البنـات
وأخلاق الوليد تُقـاس حسنـاً = بأخـلاق النسـاء الوالـدات
وليس ربيب عاليـة المَزايـا = كمثل ربيب سافلـة الصفـات
وليس النبت ينبُت في ِجنـان = كمثل النبت ينبت فـي الفـلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدراً = فأنت مقرّ أسنـى العاطفـات
نراك إذا ضممت الطفل لوحاً = يفوق جميـع ألـواح الحيـاة
إذا أستند الوليد عليك لاحـت = تصاوير الحَنـان مصـوَّرات
لأخلاق الوليد بـك أنعكـاس = كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس = لتلقين الخصـال الفاضـلات
فأول درس تهذيـب السجايـا = يكون عليك يا صـدر الفتـاة
فكيف نظُنّ بالأبنـاء خيـراً = إذا نشؤوا بحِضن الجاهـلات
وهل يرجى لأطفـال كمـالٌ = إذا أرتضعوا ثُدِيّ الناقصـات
فما للأمهـات جهِلْـن حتـى = أتَيْن بكـلّ طَيّـاش الحصـاة
حَنَوْن على الرضيع بغير علم = فضاع حُنُوّ تلك المرضعـات
أؤم المؤمنيـن إليـك نشكـو = مصيبتنـا بجهـل المؤمنـات
فتلـك مصيبـة يـا أم منهـا = نكاد نغص بالمـاء الفـرات
تخذنا بعـدك العـادات دينـاً = فأشقى المسلمـون المسلمـات
فقد سلكوا بهنّ سبيـل خُسْـر = وصدّوهنّ عن سُبُـل الحيـاة
بحيث لزِمن قعر البيت حتـى = نزلْـنَ بـه بمنـزلـة الأداة
وعَدُّوهنّ أضعف من ذبـاب = بلا جنح وأهون مـن شَـذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضـي = بنفضيل الذين علـى اللواتـي
وقالوا أن معنى العلـم شـيءٌ = تضيق به صـدور الغانيـات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفسـاً = عن الفحشا مـن المتعلّمـات
لقد كذَبوا على الأسلام كذبـاً = تزول الشُمّ منـه مُزَلـزَلات
أليس العلم في الأسلام فرضاً = على أبنائـه وعلـى البنـات
وكانت اُمّنا في العلـم بحـراً = تَحُـلّ لسائليهـا المُشكـلات
وعلّمهـا النبـيّ أجـلّ علـم = فكانت مـن أجـلّ العالمـات
لذا قال أرجعـوا أبـداً إليهـا = بثُلثَـيْ دينكـم ذي البيّنـات
وكان العلـم تلقينـاً فأمسـى = يُحَصَّل بانتيـاب المدرسـات
وبالتقرير من كتـب ضخـام = وبالقلـم المُمَـدّ مـن الـدواة
ألم نرَ في الحسان الغيد قبـلاً = أوانـس كاتبـات شاعـرات
وقد كانت نساء القـومِ قدمـاً = يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْنـاً = ويَضمِدن الجروح الداميـات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقـت = عذاب الهُون في أسر العـداة
فماذا اليومَ ضَرَّ لـو التفتنـا = إلى أسلافنـا بعـضَ الْتِفـات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا = بمنهـاج التفـرُّق والشَتـات
نرى جهل الفتاة لهـا عفافـاً = كأن الجهـل حُصـنٌ للفتـاة
ونحتقـر الحلائـل لا لجُـرمٍ = فنُؤذيـهـنّ أنـــواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيـت قهـراً = ونحسبهنّ فيه مـن الهَنـات
لئن وَأدوا البنات فقـد قَبَرنـا = جميع نسائنـا قبـل الممـات
حجبناهنّ عن طلب المعالـي = فعِشـن بجهلهـنّ مهتّـكـات
ولو عَدِمت طباع القوم لؤمـاً = لما غدت النسـاء محجّبـات
وتهذيب الرجال أجَلّ شـرط = لجعـل نسائهـم متهـذّبـات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجـهٍ = بـدا بيـن الأعفّـاء الاُبـاة
فدىً لخلائق الأعراب نفسـي = وأن وُصِفـوا لدينـا بالجُفـاة
فَكم برزت بحَيّهـم الغوانـي = حواسر غير مـا متريّبـات
وكم خشف بمربعهـم وظبـيٍ = يمرّ مـع الجدَايـة والمهـاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحـى = لمن ألِفوا البداوة فـي الفـلاة