الســـاعة البيولوجيـــة للطـــلاب..گيف نضبطها؟
مع انتهاء عطلة الأطفال والطلاب المراهقين، وعودتهم إلى الدراسة، ومع إنفاق الأمهات والآباء كثيراً من المال في شراء المستلزمات المكتبية وبذل المزيد من الجهد في التوجيه نحو تهيئة الأطفال من الناحية الصحية والنفسية نحو تلك الدورة الجديدة في حياة الطفل أو المراهق. ولعل النوم أحد تلك الجوانب التي طالتها الكثير من الاضطرابات في مرحلة الإجازة ، من الأشياء التي تحتاج إلى عناية من قبل الأمهات والآباء في تنظيم عودة إيقاعه إلى ما يناسب انتظام الطفل في الحضور إلى المدرسة وتمكينه أيضاً من استيعاب الدروس فيها. كما أن الخوف الذي يعتري بعض الأطفال والألم الذي يشعرون به مع بدء مرحلة من الالتزام الجاد بالوقت والمواعيد ومفارقة المنزل، يحتاج إلى من يُحسن التعامل معه وتخفيف الشعور به، التحقيق التالي يتناول هذه القضية بنوع من التحليل العلمي والنفسي والتربوي.
اضطراب النوم
دكتورة هالة مختار استشارية طب نفسي تقول: تعوَّد الأطفال خلال الإجازة أن يذهبوا للنوم ويستيقظوا منه متأخرين. وبالرغم من أن الطبيعي والصحي هو أن يستمر الأطفال في الالتزام بأوقات النوم المبكرة والاستيقاظ المبكر، نظراً للضرورات الصحية وفوائد ذلك، إلا أن الغالب منهم لا يلتزم بها، ويساعدهم في ذلك تساهل الأهل معهم لأسباب عدة. لكن تغيير ذلك الإيقاع المختل في نوم الطفل أو المراهق صعب ويتطلب جهداً يُعاني الأهل والأطفال والمراهقون خلاله. إذ من السهل دوماً حصول اضطرابات في النوم ومن الصعب إعادة ضبطها. والسبب هو أنه من الصعب إعادة التوازن للساعة البيولوجية في الدماغ، تلك التي تضبط نوم العقل والجسم، لذا فإن على الوالدين أن يحاولا إعادة وتيرة النوم الطبيعي لليوم الدراسي العادي لدى الطفل قبل أسبوع أو أسبوعين من العودة إلى المدرسة وبدء الدراسة فيها. وهو ما يعني أن الطفل إذا لم يُهيأ بشكل جيد ولم يتمكن من النوم بكمية كافية، فإن الأداء الدراسي سيتأثر لا محالة.
القدرات الذهنية
الحرمان من النوم له تأثير حساس على قدرات التركيز الذهنية وعلى الذاكرة وحتى على مستوى المزاج. وحينما يُعاني الطفل من حالة مزمنة من حرمان النوم، فإن من الصعب عليه أن يُشارك في الأنشطة المدرسية أو في تعلم الأشياء الجديدة. ومن المعلوم ما يؤكِّده العديد من المصادر الطبية حول حاجة الطفل إلى النوم تسع ساعات متواصلة على أقل تقدير كي يكون جاهزاً للتلقي التعليمي. والجانب الآخر والمهم في هذا الإطار هو أن النوم الكافي يُسهل الاستيقاظ المبكر، ما يُتيح فرصة كافية من الوقت كي يتناول الطفل وجبة الإفطار الصحية. وهي وجبة مهمة جداً للكبار وللصغار، قلما يلتفت الكثيرون إليها، وتطرح الدكتورة كيفية مساعدة الطفل على الدخول في الدورة الدراسية الجديدة قائلة: في سبيل مساعدة الأطفال على السنة الدراسية الجديدة، من المهم أن يتحدث الوالدان معهم حول ذلك، كي يعلموا ما هو متوقع حصوله ويعتادوا على ذلك، خاصة حول البرنامج اليومي، قبل البدء في الدراسة.
دور الوالدين
الوالدان يمكنهما فعل الكثير لتخفيف التحول إلى الحياة المدرسية.. وضربت د.هالة أمثلة عملية، قد يراها البعض غير ذات أهمية، لكنها ليست كذلك، مثل وقت فرش الأسنان أو الاغتسال آخر النهار أو قراءة قصة ما قبل النوم. وهذه الأمور الصغيرة، تساعد الطفل على تفهم أن برنامج الأنشطة في النهار قارب على الانتهاء، وأن وقت التهيؤ للنوم قد بدأ. والملاحظ أن حاجة الكبار لا تقل عن حاجة الصغار في تفهم الحاجة إلى البدء في تغيير النظام اليومي أثناء الإجازة نحو النظام اليومي للحياة العملية. ومن الصعب أن ينام الطفل وحده بينما بقية أفراد الأسرة من الكبار لا يزالون يستمتعون بمرح السهر في الصيف، في حين أنهم جميعاً سيعودون إلى الحياة العملية سواء المدرسية أو الوظيفية. وحول تهيئة الطفل نحو البدء باليوم الأول في المدرسة، قالت: إن تذكير الوالدين للطفل بأنه ليس الطفل الوحيد الذي سيفارق البيت للذهاب إلى المدرسة يمكنه أن يخفف عنه ثقل ذلك الأمر. ومن المفيد ذكر النواحي الإيجابية المحببة لهم حول المدرسة ولقاء الزملاء القدامى والتعرف على الجدد منهم، كما أن مرافقة الأطفال إلى المدرسة في الأيام الأولى قد تخفف عنهم من دون التمادي في ذلك.
البعض يحبذ اللعب على الدراسة
الدكتور عبدالله الحسن، أستاذ علم النفس التربوي يقول: مع بداية العودة للمدارس وفي الأيام الأولى من الدراسة. وبعض الطلاب الصغار تنتابهم مشاعر قلق تتفاوت من طالب لآخر. فبعض الطلاب الصغار يحاولون ألا يذهبوا إلى المدرسة، ويخترعون أعذاراً شتى لعدم الذهاب إلى المدرسة، وأهم هذه الأعذار هو المرض.. آلام في البطن أو صداع أو إسهال أو آلام في المفاصل.. المهم أن يجد عذراً للتغيب عن الدراسة والذهاب إلى المدرسة.. الكثير من الأطفال، يبدون امتعاضاً من الذهاب إلى المدرسة، ويقولون ليتهم لم يخترعوا المدرسة.. رغم أنه لم يكن يعاني أية مشاكل في الدراسة في الأعوام السابقة. لكن بعد بضعة شهور من الانطلاق والحرية والسهر واللعب بأجهزة البلاي ستيشن، وعدم وجود التزامات في المدرسة، والاستيقاظ المبكر والواجبات المدرسية.. بعد هذا كله يأتي وقت ليستيقظ مبكراً ويذهب إلى المدرسة، ويدرس ويأتي مُحملاً بالواجبات المدرسية، لا شك أنه أمر كريه لأطفال صغار. حاول البعض التخفيف عليهم بأنهم سوف يُقابلون زملاءهم ويلعبون ويستمتعون ولكنهم لم يبدوا أي تحمُس للمدرسة، بل أبدى بعضهم تبرَّمه من العودة إلى المدرسة.
كسر حاجز الرهبة
على الأهل تشجيع هذا الصنف من الأطفال على الاختلاط بزملائهم، يحاولون أن يجدوا مناسبات لدعوة أطفال آخرين من زملاء الصف وجعل الطفل يختلط بهؤلاء الزملاء. قد يُعارض الطفل هذه الخطوة ولا يرغب في ذلك، بل إنه ربما عندما يأتي زملاء فصله يتردد في الحضور إلى مقابلتهم في منزله..! يجب على الأهل أن يكونوا صبورين ويشجعوا طفلهم على النزول ومقابلة زملائه وكسر حاجز الرهبة من الآخرين! .. المُدرسون لهم دور كبير في تفهم نفسية طلابهم، ولا يجب أن يتعاملوا مع الأطفال بصورة تتناسب مع نفسية كل طالب. فهناك طالب مُنفتح واجتماعي ويُحب الاختلاط ببقية الأطفال في المدرسة. غالباً يكون هؤلاء الأطفال جاؤوا من أسر كثيرة العدد، ويكون اعتاد الاختلاط بالآخرين.. على العكس من الطالب الانطوائي الخجول الذي لا يُحب الاختلاط بالآخرين، ويكون كل همه متى ينتهي من المدرسة!.. المُدرس يجب أن يشجع هذا الطالب الخجول الانطوائي، ويتفهم وضعه النفسي.
حنو المدير
المديرون والوكلاء في المدارس عليهم واجب كبير في ترغيب الطلبة في الدراسة والمدرسة، بمحاولة التواصل مع الطلبة وأن لا ينعزلوا في مكاتبهم، ويُغلقوا أبوابهم دون الطلبة، ولا يظهروا إلا عند حدوث مشكلة.. حتى لا يرتبط وجودهم بالمشاكل! .. مدير المدرسة يجب أن يكون أباً يلجأ إليه الطلبة في مشاكلهم وليس فقط عند المشاكل، بل يجب أن يكون حانياً عليهم بوجه عام، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون حازماً يحترمه الطلاب. ويضيف: إن الأيام الأولى في حياة الطالب الجديد مرحلة حرجة، وبناءً على ما يحدث له في المدرسة يبني خبراته المستقبلية، وبناءً على هذه التجربة الأولى يبني حبه أو كرهه للمدرسة!.. يجب أن يكون المسئولون في المدارس على مستوى المسؤولية التي أوكلت لهم. يجب أن يكونوا يقظين لما يحدث في مدارسهم من سوء سلوك بعض المدرسين وشدتهم التي لا داعي لها مع بعض الطلبة. مديرو المدارس مسئولون عن تنظيم المدارس ورعاية الطلاب بحكم موقعهم الإداري، الذي يُعتبر الراعي الأول المسئول عن رعيته من الطلبة والمدرسين، والعمل بجدية لضبط الجوانب التربوية قبل الجوانب التعليمية، فللمدرسة دور مهم ورئيس في غرس البذور الأولى للتربية مع المنزل.
أزمة نفسية
ترى الدكتورة سناء - اختصاصية نفسية -: أن الطفل الذي يدخل المدرسة لأول مرة قد يسبب له ذلك أزمة نفسية، خاصة الأطفال المرتبطين بأمهاتهم بصورة قوية للغاية تصل إلى حد الحالة المرضية، وتشجع للأسف الأم طفلها على هذا الارتباط بدلاً من أن تساعده على توسيع المجتمع الذي يعيش فيه تدريجياً، باعتبار أن الأم هي بيئة الطفل الوحيدة خلال أول عامين، ثم بعد ذلك تتسع دائرة بيئته لتشمل والده ثم أعمامه وجدته وأقاربه من الأطفال المماثلين له في العمر، ويقع على عاتق الأم هذه المهمة حتى تمهد لطفلها الانتقال إلى روضة أطفال وحضانة، ثم بعد ذلك المدرسة، وحتى لا يرتبط الطفل بها بعلاقة وطيدة يصعب كسرها في بداية الالتحاق بالمدرسة. وغالباً ما يُصاب هؤلاء الأطفال نتيجة الارتباط بالأم بارتفاع في درجة الحرارة وزيادة في ضربات القلب، ويُصاب بعضهم بمغص وقيء وتبول لا إرادي، والسبب نفسي وليس عضوياً، مما يسبب إرهاقاً للوالدين عندما يُعرض على طبيب عضوي ولا يجد عنده شيئاً، وهنا يبرز دور الأم التي لم تعمل حساباً لهذا اليوم، ولكي تتفادى هذه المشكلة تذهب مع طفلتها أول يوم إلى المدرسة، وثاني يوم تقضي معها نصفه، وهكذا بالتدرج حتى تنفصل عنها تدريجياً، ثم تختار لها مدرسة عطوفة متفهمة تحل محلها بالنسبة للطفل كنوع من العلاج الذي غالباً ما يعاني منه الطفل الأول، والمدلل، والمرتبط بالأم بصورة شديدة خاصة في حالة سفر الأب أو انشغاله التام عنهم.