تقرير "العربية نت" الأسبوعي للكتاب
بحوث غير مألوفة": مقاربة لاذعة لفلاسفة العالم وأفكارهم
دبي- حكم البابا
يستعرض تقرير "العربية.نت" للكتاب في مادته الرئيسية هذا الأسبوع كتاب الفيلسوف الانكليزي الحاصل على جائزة نوبل للآداب لعام 1950 برتراند راسل "بحوث غير مألوفة" الصادر حديثاً بالعربية، والذي يضم مجموعة من بحوثه التي كتبت ونشرت على مدار خمسة عشر عاماً، ويتناول فيها كل موضوعات المعرفة الانسانية بأسلوب أقرب إلى الخاطرة منه إلى البحث، ومن خلال نظرة ناقدة تهكمية طريفة.
"بحوث غير مألوفة": الفيلسوف متهكماً
ربما يعود إطلاق اسم "بحوث غير مألوفة" على كتاب الفيلسوف الانكليزي برتراند راسل إلى صدوره عن فيلسوف ورياضي وعالم اجتماع إنساني كبير وباحث متعمق في الفكر السياسي والدين وعلم الأخلاق، فالكتاب الذي يضم مجموعة من البحوث كتبت على مدار خمسة عشر عاماً، هي بمجملها أقرب إلى الخواطر منها الأبحاث الفلسفية الممنهجة، وآراءً تخص الفلسفة في قسمها الأكبر، يتناول فيها راسل وعلى غير عادته في مؤلفاته الأخرى كل موضوعات المعرفة الإنسانية من فلسفة وعلم اجتماع وسياسة ودين من وجهة نظر ناقدة وتهكمية إلى حد كبير، فهي في مجملها سخرية من الآراء الفلسفية التي أثرت في مسيرة العلم والحياة الإنسانية منذ فجر المعرفة.
تتنوع عناوين الكتاب وموضوعاته ففي بحثه (الفيلسوف والسياسة) يستعرض أهم الفلسفات المؤثرة على الفكر الأوربي عموما والدولة الأوربية الحديثة، وعلى تاريخ البشرية بشكل عام، أما في بحثه (الفلسفة لغير الأخصائيين) فيحدد هدفين مختلفين للفلسفة، فهي من جهة كانت تهدف إلى فهم نظري للحياة، ومن جهة أخرى جربت أن تكتشف وتجرب أفضل طريقة للحياة، وفي "مستقبل الجنس البشري" ينطلق راسل بأسئلة وتصورات من مرحلية نهاية الأربعينات من القرن الماضي زمن بدء الحرب الباردة وسباق التسلح ما بين المعسكرين آنذاك، ليتخيل عدة سيناريوهات لنهاية الحياة على الأرض، التي يقود إليها الغلو والأطماع البشرية، وفي بحثه "الحوافز الغائية للفلسفة" يقترح راسل تعريفاً جديداً للفلسفة باعتبارها محاولة ذكية بصورة خارقة للتفكير بالخطأ، أما في "الفضيلة السامية للمظلومين" فيرى أن أحد أكبر وسائل الخديعة المستمرة في البشرية تقوم على أن بعض أقسام الجنس البشري هي خلقيا أفضل أو أسوأ من الأقسام الاخرى، وفي "موجز في القمامة الفكرية" يرى راسل أنه مع استمرار حماقة الجنس البشري، فقد ظل هذا الجنس البشري على قيد الحياة، مؤكداً بأن حماقات زمنه الحاضر أسهل على الاحتمال، من حماقات الزمن الماضي.
وخلال مناقشته للأفكار التي طرحها في بحوث الكتاب فيها تبرز تهكمية برتراند راسل، فهو يعتبر أن كتاب أفلاطون "الجمهورية" على سبيل المثال، أعظم مثال للظرف الأدبي في جميع أزمان التاريخ، لأن أفلاطون يرى أن الغاية الرئيسية للتعليم التي يجب أن يخضع لها كل شيء آخر هي تحصيل الشجاعة في المعركة، ويجب على الناس أن يمتنعوا عن قراءة هوميروس لأن نظام هوميروس يجعل الأبطال يغضبون والآلهة يضحكون، ويجب منع الدراما لأنها تحوي الأشرار والنساء، ويعتبر راسل أن فلسفة هيغل مجرد هذيان طفولي، وأن تمجيده لبروسيا كان ضرباً من المصادفة، ففي سنيه الأولى أعجب هيغل بنابليون بحماس، وأصبح وطنياً ألمانيا فقط حين غدا موظفاً في الدولة البروسية، وتأكيد حق الدولة لديه مقدس حتى لو كانت هذه الدولة هي نظام نابليون الاستبدادي المطلق، أما أرسطو وبالرغم من شهرته باعتباره أكثر الفلاسفة حكمة، فان راسل يرى فلسفته مليئة بالسخافات، مقدماً أمثلة على ذلك في اعتقاداته أن على النساء أن تحمل بالأطفال في الشتاء حيت تكون الرياح باتجاه الشمال، وان دم النساء أكثر سواداً من دم الذكور، وأن أسنان النساء أقل عددا من أسنان الرجال، ولاتسلم باقي الفلسفات منه فهو يرى أنه كلما ركز الإنسان على مسألة تفوق الإنسان، أدى ذلك لظهور فلسفات وإيديولوجيات استبدادية على النمط النازي، وان هتلر ولينين تلميذا ماركس المباشرين، وأن مسألة مجموعة عرقية صافية أو صفاء الأعراق لا توجد إلا في سخافات الفلسفة.
"بحوث غير مألوفة" كتاب مثير تمتزج فيه المتعة بالفائدة، وخاصة بالنسبة لما يحويه من كم هائل من المقولات الفلسفية والمعتقدات الدينية التي أوردها، والتي تقترب في غناها من موسوعة نقدية مصغرة، تتناول مئات الآراء والأفكار بروح نقدية أدبية تقارب تخوم الفلسفة بعمقها وبساطتها، أما أبرز مايلاحظه قارئ الكتاب فهو مقاربته لأعظم الأفكار الفلسفية دون أن يطرح فلسفته الخاصة بعبارات رشيقة لاذعة وأحكام تصلح لزمنها، لأنه من المستحيل أن تصمد فكرة أو فلسفة ما، مهما كانت عظيمة إلى مالا نهاية حسب رأي راسل.
الكتاب: بحوث غير مألوفة
المؤلف: برتراند راسل
المترجم: سمير عبده
الناشر : دار التكوين/دمشق
الطبعة الأولى 2009.