زلزال المدينة.. عبر التاريخ
فتحت الهزات الأرضية المتكررة التي وقعت في ضواحي منطقة المدينة المنورة باب النقاش حيال الأسباب الكونية والشرعية لاختصاص هذه المنطقة بالنشاط الزلزالي..
ويتضح للقارئ والباحث في تاريخ المدينة المنورة أن النشاط الزلزالي كان حاضراً على مدار تاريخها في فترات متباعدة، وأن بعض هذه الظواهر قد حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وقد فسروها تفسيراً متسقاً مع التوجيهات الشرعية الداعية للتوبة والاستغفار..
(الدعوة) تتبعت ما ورد في كتب التاريخ والسير عن الهزات التي أصابت المدينة في أزمنة متفرقة، وأعدت للقارئ الكريم التقرير التالي..



يقول الجيولوجيون إن البراكين في منطقة المدينة المنورة قديمة عمرها 0072 سنة، كما جاء في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: "فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق الناس قبل الصوت، فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: لن تراعوا، لن تراعوا (أي لا تفزعوا ولا تخافوا)، وهو على فرس لأبي طلحة عري ما عليه سرج، في عنقه سيف" (3306). "وهي كلمة تقال عند تسكين الرّوع، تأنيساً وإظهاراً للرفق بالمخاطب" عمدة القاري (23/812). وفي مصنف ابن أبي شيبة بسند حسن عن صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر قالت: "زلزلت الأرض على عهد عمر حتى اصطفقت السرر، فخطب عمر الناس، فقال: أحدثتم، لئن عادت لأخرجن من بين ظهرانيكم" أي: ما حصل إلا بسبب ذنوب اقترفتموها.

عهد عمر بن عبدالعزيز
وفي فتح الباري لابن رجب: وقعت رجفة في عهد عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - فكتب إلى أهل البلدان: "إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به عباده، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل، فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14)}.
وروي عن عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - أنه كتب إلى أهل الأمصار: إن هذه الرجفة شيء يعاتب الله به العباد، وقد كنت كتبت إلى أهل بلد كذا وكذا أن يخرجوا يوم كذا وكذا، فمن استطاع أن يتصدق فليفعل؛ فإن الله يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى }، وقولوا كما قال أبوكم آدم عليه النقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي {َ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}، وقولوا كما قال نوح عليه النقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي {وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (47)}، وقولوا كما قال موسى عليه النقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي }، وقولوا كما قال ذو النون: {أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)}، فتح الباري لابن رجب (9/152).

أحداث سنة 952هـ
وجاء في تاريخ اليعقوبي: في أحداث سنة 952هـ "وحج بالناس الفضل بن العباس، ونال أهل البادية زلازل ورياح وظلمة.. ممن كان حول المدينة من بني سليم وبني هلال وغيرهم من بطون قيس وسائر أهل البلد، فهربوا إلى المدينة وإلى مكة ..."

سنة 456هـ - 6521هـ
قال ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية: "ثم دخلت سنة أربع وخمسون وستمائة. وفيها: كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى" وقال أبو شامة: "وظهر بالمدينة النبوية دوي عظيم، ثم زلزلة عظيمة رجفت منها الأرض والحيطان والسقوف والأخشاب والأبواب ساعة بعد ساعة إلى يوم الجمعة الخامس من الشهر المذكور، ثم ظهرت نار عظيمة في الحرة نبصرها من دورنا من داخل المدينة كأنها عندنا، وهي نار عظيمة، وقد سالت أودية بالنار، ووالله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت، ورجعت تسيل في الشرق فخرج من وسطها سهول وجبال، نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ(32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)}.

أهوال عظيمة
ومن كتاب شمس الدين سنان بن عبدالوهاب بن نميلة الحسيني قاضي المدينة إلى بعض أصحابه لما كان ليلة الأربعاء ثالث شهر جمادى الآخرة حدث بالمدينة في الثلث الأخير من الليل زلزلة عظيمة أشفقنا منها وباتت باقي ذلك الليلة تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات والله لقد زلزلت مرة ونحن حول حجرة النبي صلى الله عليه وسلم اضطرب لها المنبر إلى أن سمعنا منه صوتاً للحديد الذي فيه واضطربت قناديل الحرم الشريف وتمت الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى ولها دوي مثل دوي الرعد القاصف ثم طلع يوم الجمعة في طريق العنزة في رأس أجلين نار عظيمة مثل المدينة العظيمة وما باتت لنا إلا ليلة السبت وأشفقنا منها وخفنا خوفاً عظيماً.. وطلعت إلى الأمير وكلمته وقلت له قد أحاط بنا العذاب ارجع إلى الله فأعتق كل مماليكه ورد على جماعة أموالهم فلما فعل هذا قلت له أهبط الساعة معنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهبط وبتنا ليلة السبت الناس جميعهم والنسوة وأولادهم وما بقي أحد لا في النخيل ولا في المدينة إلا عند النبي صلى الله عليه وسلم وأشفقنا منها فظهر ضوؤها إلى أن أبصرت من مكة ومن الفلاة جميعها ثم سال منها نهر من نار وأخذ في وادي أجلين وسدّت الطريق ثم طلع إلى بحرة الحاج وهو بحر نار يجري سيل قط لأنها حرة تجيء قامتين وثلث علوها وبالله يا أخي إن عيشنا اليوم مكروه والمدينة قد تاب جميع أهلها ولا بقي يسمع فيها رباب ولا دف ولا شرب وتمت تسير إلى أن سدت بعض طريق الحاج وبعض البحيرة بحرة الحاج وجاء في الوادي إليها منا قتير وخفنا أنها تجئنا واجتمع الناس ودخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وبات عنده جميعهم ليلة الجمعة وأما قتيرها الذي يلينا فقد طفئ بقدرة الله تعالى وأنها إلى الساعة ما نقصت إلا ترمي مثل الجبال حجارة من نار لها دوي ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب وما أقدر أصف لك عظمها ولا ما فيها من الأهوال وأبصرها أهل ينبع وندبوا قاضيهم ابن سعد وجاء وغدا إليها وما أصبح يقدر يصفها من عظمها وكتب الكتاب يوم خامس رجب وهي على حالها والناس منها خائفون والشمس والقمر من يوم طلعت ما يطلان إلا كاسفين فنسأل الله العافية.

ثلاثة أشهر من البراكين
وفي رواية لشاهد عيان كما في تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء: قال المطري: سارت النار من مخرجها الأول إلى جهة الشمال ثلاثة أشهر تدب كدبيب النمل، تأكل كلما دبت عليه من جبل أو حجر ولا تأكل الشجر، فتثير كل ما مرت عليه فيصير سداً لا مسلك فيه لإنسان إلى منتهى الحرة من جهة الشمال، فقطعت في وسط وادي الشظاة إلى جبل وغيره، فسدت الوادي المذكور بسد عظيم بالحجر المسبوك بالنار، ولا كسد ذي القرنين، لا يصفه إلا من راه طولاً وعرضاً وارتفاعاً وانقطع وادي الشظاة بسببه، وصار السيل منحبساً خلف السد وهو وادٍ عظيم، فيجتمع خلفه المياه حتى يصير بحراً كنيل مصر عند زيادته قال رحمه الله تعالى: شاهدته كذلك في شهر رجب من سنة تسع وعشرين وسبعمائة، قال: وأخبرني علم الدين سحر المغربي، من عتقاء الأمير عز الدين منيف بن شيحة بن القاسم بن مهنا الحسيني أمير المدينة، قال: أرسلني مولاي الأمير المذكور بعد ظهور النار بأيام ومعي شخص من العرب يسمى خطيب بن منان وقال لنا: أقربا من هذه النار وانظروا هل يقدر أحد على القرب منها؟ فخرجنا إلى أن قربنا منها فلم نجد لها حراً، فنزلت عن فرسي وسرت إلى أن وصلت إليها وهي تأكل الصخر، ومددت يدي إليها بسهم فغرق النصل ولم يحترق واحترق الريش.
وقد نبأ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى"