نتنياهو ومقبرة السلام لم يفاجئ خطاب نتنياهو الأخير أحداً، فكل ما قاله فيه هو شعاراته التي دأب على ترديدها منذ أن دخل المعترك السياسي، فكيف به اليوم وهو يرأس ائتلافاً حكومياً يضم عتاة العنصريين وخلاصة التلموديين - بحسب معايير المجتمع العبري نفسه!!-؟
وربما كان المسكوت عنه في خطاب رئيس حكومة تل أبيب أدق تعبيراً عن حقيقة توجهاته من كل عباراته العامة المنمقة، عن كرهه للحروب وسعيه المزعوم لاستقرار المنطقة وسلامها ورخائها. فقد تجاهل تراثاً ضخماً مستمراً منذ مؤتمر مدريد عام1991م حتى الآن، بما في ذلك المخزون من مفاوضات شاقة ومحطات توافق أممي على الخطوط العريضة لتسوية الصراع المزمن، ومن قرارات دولية أكثر من أن تُحْصى، وانتهاء بمقررات اللجنة الرباعية الدولية وخريطة الطريق التي رسمت معالم السلام وفق الرؤية العربية والأمريكية والإسرائيلية منذ بضع سنوات.
وليس من عاقل فوجئ بغياب حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ولا بإصرار صلف ومتعنت على السيطرة المطلقة على القدس المحتلة، ولا باحتكار مصادر المياه للصهاينة، ولا برفض الدعوات العالمية بعامة والأمريكية بخاصة لوقف سرطان الاستيطان...
وأما تلميح نتنياهو إلى شبح دويلة فلسطينية مفصلة على مقاس أطماعه، فليست سوى محاولة يائسة لامتصاص غضب الإدارة الأمريكية الحالية، التي تصر على حل الدولتين.
وفي مقابل لا شيء للفلسطينيين -باستثناء هيمنة عبرية شاملة وكاملة - يطلب نتنياهو بكل صفاقة من العرب والمسلمين كافة التطبيع مع كيانه التوسعي بعد الاعتراف بيهوديته!! وتلك هي "خطة" تل أبيب للسلام، وإن شئنا الجد لا الهزل، فذلكم هو رد اليمين التلمودي الحاكم على المجتمع الدولي كله، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، التي ينتظر العرب والمسلمون أن يروا من قيادتها الحالية مواقف سياسية حازمة تجبر حكام تل أبيب على الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي ومؤسساته.