بسم الله الرحمن الرحيم
يوميات صائم(اليوم العاشر)
الإخلاص في العبادة :
قال تعالى {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}سورة البينة الآية(5)
الإخلاص ذو أهمية بالغة في جميع أعمال الإنسان ولكن له أهمية عظمى في مجال العبادة
والصيام عبادة يجب الإخلاص فيها وتتجلى فيه عبادة من أعظم عبادات وهي إخلاص العمل لله سبحانه وتعالى
لأن الصيام خصه الله تعالى لنفسه لقوله في الحديث القسي( الصوم لي وأنا أجزي به ) إذ هو عبادة لا يطلع على حقيقتها وصحتها إلا الله سبحانه وتعالى . من ذا الذي يطلع على الصائم إذا خلا بنفسه أأكمل صومه أم لا إلا الله عز وجل . والإخلاص هو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك.
وقيل: هو أن يخلص قلبه لله فلا يبقى فيه شرك لغير الله، فيكون الله محبوب قلبه، ومعبود قلبه، ومقصود قلبه فقط
وقيل: الإخلاص هو استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، وضده الرياء وهو أن يكون ظاهره خيراً والباطن شراً.
وقيل: الإخلاص هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
ومن هُنا تأتي أهمية الصوم ومعناه الكبير ! إذ كُل عبادةٍ سواه قد يدخلها الرياء حتى الصلاة خير الأعمال قد يدخلها الرياء .
فما أحوجنا إلى الإخلاص في الصيام. قال الإمام أحمد رحمه الله : لا رياء في الصوم.
فلا يدخله الرياء في فعله، من صفى صفى له، ومن كدّر كدّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، وإنما يكال للعبد كما كال.
الإخلاص مطلب ملح ، وعمل قلبي واجب ، لا منزلة لأعمال العبد بدونه ، كيف لا ؛ ومدار قبول الأعمال وردها عليه ، بالإخلاص والمتابعة تقبل الأعمال ، وبضده تحبط الأعمال .
قال تعالى:{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّين} سورة الزمرَ الآية (2)
وقل تعالى{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} سورة الزمرَ الآية (3)
وقال تعالى:{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي} سورة الزمر الآية(14 )
وقد جمع الشيخ حافظ حكمي رحمه الله في سلم الوصول شرطي قبول العمل ، فقال:
شرط قـبول السعي أن يجتمعا*** فـيه إصابة وإخلاص مـعــاً
لــلــه رب الــعـــرش لا ســـواه***موافق الشرع الذي ارتضاه
وكــــــل ما خـالـف لـلـوحـيـيـن *** فـــــإنـــــه رد بـغــيـر مـيـن
قال تعالى :{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} سورة الملك الآية(2)
وقال الفضيل بن عياض - رحمه الله- أخلصه وأصوبه. قيل: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص: أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة؛ ثم قرأ قوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} سورة الكهف الآية(110).
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} سورة النساء الآية(125) . وإسلام الوجه هو: إخلاص القصد والعمل لله، والإحسان فيه متابعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسننه.
الإخلاص فيه زكاء للنفس ، وانشراح للصدر ، وطهارة للقلب ، وتعلق بمالك الملك ، المطلع على السرائر والضمائر.
الإخلاص مسك القلب، وماء حياته، ومدار الفلاح كله عليه.
إذا اطلع الخبير البصير على الضمير فلم يجد في الضمير غير الخير، جعل فيه سراجاً منيراً.
سئل الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- عن الصدق والإخلاص؟ فقال: بهذا ارتفع القوم.
نعم بضاعة الآخرة لا يرتفع فيها إلا مخلص صادق! .
إنما تحفظ هذه الأمة وتنتصر بإخلاص رجالها!
أيها الأحبة:
إن العمل وإن كان يسيراً إذا صاحبه إخلاص لله فإنه يثمر ويزداد ويستمر، وإذا كان كثيراً ولم يصاحبه إخلاص فإنه لا يثمر ولا يستمر، وقد قيل: ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله زال وانفصل..
قال ابن القيم - رحمه الله – في الفوائد : "العمل بغير إخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه".
الإخلاص لله ثمرته عظيمة ، وفوائده جليلة ، والأعمال المقترنة به مباركة:
الإخلاص لله هو الأساس في قبول الأعمال والأقوال.
الإخلاص لله هو الأساس في قبول الدعاء.
الإخلاص لله يرفع منزلة الإنسان في الدنيا والآخرة.
الإخلاص لله يبعد عن الإنسان الوساوس والأوهام.
الإخلاص لله يحرر العبد من عبودية غير الله..
الإخلاص يقوي العلاقات الاجتماعية وينصر الله به الأمة.
الإخلاص لله يفرج شدائد الإنسان في الدنيا والآخرة.
الإخلاص يحقق طمأنينة القلب وانشراح الصدر
الإخلاص لله يقوي إيمان الإنسان ويُكرِّه إليه الفسوق والعصيان..
الإخلاص لله تعظم به بركة الأعمال الصغيرة ، وبفواته تَحقُر الأعمال العظيمة .
لقد عرف السائرون إلى الله تعالى أهمية الإخلاص فجاهدوا أنفسهم في تحقيقه ، وعالجوا نياتهم في سبيله .
يقول سفيان الثوري رحمه الله : " ما عالجتُ شيئاً عليّ أشد من نيتي ، إنها تتقلب عليّ " .
وقال عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين فغسلوه؛ جعلوا ينظرن إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره ليعطيه لفقراء أهل المدينة.
وعن محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يأتيهم في الليل.
وقد كان رجال صالحون يقوم أحدهم في الصف، فتسيل دموعه على خده، ولا يشعر به الذي جنبه.
أخي الصائم :
ما أحوجنا للتدرب على الإخلاص في هذا الشهر الكريم ، ومجاهدة النفس على طرد العجب والتخلص من أي تعلق للقلب بغير المولى عز وجل.
من استحضر عظمة الخالق هان عليه نظر المخلوقين وثناؤهم ، ومن تعلق قلبه بالدار الآخرة هانت عليه الدنيا وملذاتها .
مساكين من أبطلوا أعمالهم بالشرك الخفي .. مساكين من أذهبوا ثوابهم بالرياء وإرادة الثواب العاجل
قال تعالى{ من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة }سورة النساء الآية(134)
{ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ، أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون }سورة هود الآيتان(15– 16)
((قال الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي : {أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملا أشرك فيه معي غيري ، تركته وشركه} رواه مسلم
شجرةُ الإخلاص أصلُها ثابت وفرعها في السماء . ثمرتها رضوان الله ومحبته وقبول العمل ورفعة الدرجات .
وأما شجرة الرياء فاجتُثت من فوق الأرض لخبثها فأصبحت هباء منثورا، لا ينتفع منها أحد.
ولا يرتفع ، يناديه مناد يوم يجمع الله الأولين والآخرين : من كان أشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك.
وإخلاصُ المُخلصين رفع منازل المساكين فأبر الله قسمهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : {رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره}رواه مسلم
كم بذل نفسَه مُراءٍ لتمدَحَهُ الخلائق فذهبت والمدح ، ولو بذلها للحق لبقيت والذِكر .
المُرائي يحشو جراب العمل رملاً فيُثقلُه ولا ينفعه .. ريح الرياء جيفة تتحامى مسها القلوب.
لما أخذ دُود القزّ ينسُجُ أقبلت العنكبوت تتشبه وقالت : لك نسجٌ ولي نسج ، فقالت دُودةُ القز : ولكن نسجي أرديَةُ بناتِ المُلوك ونسجُكِ شبكة لصيد الحشرات والذباب ، وعند مسّ النسيجين يبين الفرق .
الإخلاص أخي الصائم .. فيه الخلاص من ذل العبودية للخلق إلى عز العبودية للخالق
الإخلاص أخي الصائم .. فيه الخلاص من نار تلظى .. ورقي في جنات ونهر ، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
الإخلاص أخي الصائم .. شجرة مورقة .. وثمرة يانعة .. بها تنال النفس أعلى المراتب .. وتتبوأ أسنى المطالب
رزقنا الله وإياك صلاح العمل .. وإخلاص النية .. وكتبنا جميعاً من المقبولين والمعتقين من النيران.
وإلى اللقاء في يوم صائم آخر بمشيئة الله تعالى.