اللعب والمرح والمزاح في ميزان الشريعة
بسم الله والصلاة والسلام على أحب وخير خلق الله محمد بن عبدا لله وعلى اله وصحبه ومن تبعهم على نهج الله.....
وبعد...
أسوق إليكم مقالي هذا عن اللعب والمزاح في حياتنا وفي حياة أبناءنا وسأحاول فيه بإذن الله تبيين اثر اللعب والمزاح في تنشئة المرء وتكوين شخصيته وانعكاسه على حياته مع سوق أمثلة من كيفية مزاح ولهو الرسول الحبيب مع أهل بيته وأصحابه ليكون لنا نبراسا ومثلا نحتذي به.
أولا..ما الفرق بين اللعب واللهو والمزاح في اللغة والعرف السائد؟؟؟
- اللعب هو كل شيء يمارسه المرء لتمضية الوقت أو لإشباع هواية معينة عنده كالرياضة مثلا ويشترك في هذه الميزة مع الإنسان بعض المخلوقات الأخرى كالقطط وغيرها.
- اللهو هو كل ما يمارس بغرض الالتهاء بعض الشيء عن متاعب الحياة وقد يضم في طياته حتى اللعب أو الغناء .
- المزاح هو مداعبة الغير سواء باللفظ أو القول للمرح وهذه الميزة حكر على الإنسان فقط.
اللعب والمزاح وعلاقتهما بالنمو:-
يعتبر اللعب من السلوكيات المحيرة لدى علماء النفس وباحثي الصحة النفسية وعلماء الاجتماع فمن الملاحظ أن الطفل وخصوصا في مراحل عمره المبكرة يكاد أن لا يكون للحياة عنده معنى إلا في ثلاثة أشياء وهي الطعام والبكاء واللعب ويكاد لا يعرف حالة رابعة غير هذه الحالات ومعظم الناس لا يرى بعين التبصر إلى المعنى الخفي لهذه الحالات مع أن لها اكبر الأثر في تكوين شخصية الطفل في المستقبل.
وإذا ما القينا نظرة شاملة على مخلوقات الله تعالى فسنجد أن ميزة اللعب ليست وقفا على النوع الإنساني وحده وإنما تشاركنا فيه مخلوقات أخرى ولكن نجد أن المخلوقات في السلسلة الحيوانية الدنيا لا تعرف للعب واللهو معنى وإنما حياتها تتمثل بصورة أساسية في تامين سبل استمراريتها في العيش وكلما ارتقى مستوى الذكاء عند الحيوان زادت مظاهر سلوك اللعب عنده ابتداء من القطط وما شابهها من فصيلة السنانير مرورا بالكلاب وما شابهها من فصيلة السباع انتهاء إلى فصيلة السعادين التي نعرفها باسم القردة وهذه الأخيرة هي الأذكى في عالم الحيوان والأكثر اهتماما باللعب والمراقب لها يرى فيها الكثير من التصرفات التي تكاد تحاكي تصرفات الأطفال وقد قدر العلماء حالة النمو العقلي لدى القرد البالغ بما يقارب في نسبة الذكاء بطفل بشري في الخامسة من عمره كما أن الدلافين وهي الأذكى في عالم البحار تنزع إلى اللعب بشكل شبه دائم..
أعود الآن إلى لب موضوعي ألا وهو أهمية اللعب في تشكيل شخصية الطفل فمن الملاحظ أن نوعية اللعب التي يميل إليها الطفل تختلف وتتباين في نوعيتها وتتدرج من الألعاب البسيطة في سنيه المبكرة ويزداد تعقيدها بزيادة عمر الطفل حتى تصل في بعض الأحيان إلى مستوى قد لا يستطيع التعامل معه حتى الفرد البالغ .
وتستمر نزعة الإنسان إلى اللعب حتى بعد نضوجه ووصوله إلى أواسط عمره ولكن تختلف عندها نوعية اللعب واللهو وتأخذ صورا أخرى أكثر تعقلا وهدوءا تتناسب وسنه حتى انه يمكننا القول انه لا يمكن للإنسان العيش في ظل جو دائم منا لجدية بل لابد له من إضفاء المرح واللهو على حياته ليلهيه قليلا عن نصب الحياة وشقاءها.
ومن الملاحظ انه في المجتمعات الريفية البسيطة عادة تكون أنواع اللعب السائدة جماعية بالدرجة الأولى حيث تكون متأثرة بروح المجتمع الريفي الذي يميل إلى التكاتف والتآزر في نمط عيشه بينما الألعاب في المجتمعات الأكثر تعقيدا أي المدن تكون أكثر الألعاب فردية .
ومن الملاحظ أن البيئة والمجتمع لهما دور كبير في توجيه الأطفال إلى نوعيات معينة من الألعاب فمنها ما يعزز عند الطفل السلوكيات الحسنة أو الذكاء ومنها على العكس من ذلك ما يعزز بعض السلوكيات القبيحة والمستهجنة أو حتى الإجرامية دون إدراك الأهل لذلك ولعل بعضنا سمع عن جرائم حدثت نتيجة تأثر الأطفال ببعض الرسوم المتحركة أو ألعاب الفيديو ,وقد قام طفل في إحدى البلدات الأمريكية بقتل عدد من المارة بسلاح ناري متأثرا بلعبة فيديو وأراد تقليد بطلها على ارض الواقع.
ولكن من المؤكد إن بعض الألعاب لا يمكن نكران عجيب فعلها في تنمية الذكاء لدى الطفل حتى أن المدارس في الدول المتقدمة أدرجتها ضمن المناهج الدراسية بها إدراكا لدورها التربوي .
اللعب واللهو في ميزان الإسلام :-
يعتبر الإسلام دين الوسطية والاعتدال فلا تفريط فيه ولا إفراط مما يضمن التوازن اللازم لقيام مجتمع سليم خال من العيوب وإذا ما قسنا دور اللعب في الحياة بميزان الإسلام نجده قد اخبرنا بحقائق علمية ونفسية يحار فيها الباحثون ويسلم العاقل المنصف بأنها سبقت عصرها ذاك بأشواط بعيدة فحين يقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم ( روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فان القلوب إذا كلت عميت ) نجد أن علماء النفس يؤيدون هذا القول بلا منازع فان النفس الإنسانية تحتاج إلى المرح واللهو في حدود معينة تريح المرء وتزيح من على كاهله نصب الحياة وشقاءها ولكن أنبه إلى أن المرح كالملح للطعام القليل منه جيد والكثير منه يفسد الطبخة .
ومن الغريب أننا نجد البعض يميل- بحسن نية وبسبب عدو الفهم لنصوص الدين القويم – إلى منع أولاده وبناته من اللعب إطلاقا والضغط عليهم بشكل مستمر للتعلم فقط دون إدراك منه لأهمية الترويح عنهم في حدود الشرع بالطبع فيجني عليهم ويسبب لهم النعاسة والعزلة الاجتماعية ويتولد لديهم رد فعل عكسي يجعلهم يكرهون كل ما يمت للعلم بصلة وكان هذا الأب أو ألام لم يسمعا بان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان لها في صغرها عرائس تلعب بهن وكان الرسول الكريم وهي في بيته يسابقها وتسابقه فسبقته مرة وبعد فترة تسابقا وكانت رضي الله عنها قد سمنت بعض الشيء وزاد لحمها فسبقها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها ممازحا ومطيبا لخاطرها (هذه بتلك).
وللأسف نجد البعض قد استسهل الأمر وتوسع في المزاح حتى صار يعرف به ولا يعرف له وقتا مناسبا حتى صغر في أعين الناس ونجد آخر يخلط بمزاحه شيئا من السفاهة وقلة الأدب أو الكذب ليستجلب ضحك الناس ويستزيد المسكين من الذنوب وهو لا يدري والبعض الآخر يميل في مزاحه إلى الاستهزاء بالناس متناسيا قول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم (إني لأمزح واني لا أقول إلا حقا ) أو قول الله عز وجل (يا أيها الذين امنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن)
وتعرض لي في هذا السياق حكاية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم مع احد أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ألا وهو زاهر بن حرام الاشجعي وكان رضي الله عنه ذا مكانة سامية في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وكان دميما ولكن جميل النفس وقد أتاه الرسول صلى الله عليه وسلم يوما يسال عنه في بيته فاخبره أهله انه في سوق المدينة فخرج الرسول صلى الله عليه وسلم في أثره فوجده يبيع متاعا له في السوق فأتاه من خلفه وهو لا يراه واحتضنه فقال زاهر من هذا ؟؟؟أرسلني -ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم طل ممسكا به وزاهر يعيد القول أرسلني ثم التفت فإذا به الرسول صلى الله عليه وسلم ففرح جدا به وظل ملتصقا بصدره الشريف فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم في أصحابه ممازحا – من يشتري العبد؟ من يشتري العبد؟؟ - فقال زاهر – يا رسول الله إذا والله تجدني كاسدا – أي لن يرغب احد في شراءه بسبب دمامته – فأجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لكنك عند الله لست بكاسد انك عند اله غال)
وأيضا حكاية العجوز التي سالت الرسول إن كانت ستدخل الجنة فقال لها ممازحا لا تدخل الجنة العجائز ثم قال لها إن الله يدخل المؤمنين الجنة وهم كلهم شباب .
وان استطرد فهناك عدة مواقف تبين مزاح الرسول اكتفي بما ذكرته منها
فانظروا إخواني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان مزاحه محببا خفيفا على النفس في حلاوة وطلاوة يراعي فيه حدود المرح دون تعد على الغير بالألفاظ الجارحة لا كما يفعل الكثيرون في أيامنا هذه.
وفي النهاية لا تنسوا إخواني إذا أكثرتم من المزاح أن تقولوا كفارة المجلس وهي --- سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.__________________