الفصل الثاني:
انطلق جاك يؤم الجامعة فهو أستاذ في العلوم السياسية -أمحق علوم!- وأثناء الطريق ورده اتصال من جريدة (يقولون) تذكره بضرورة كتابة مقال في عموده بمناسبة رمضان وأن يكون جدلياً يهدف إلى إثارة القارئ -المفترض إفادة!-
فوعدهم خيرا -يعني شرا-.
وصل فدخل الجامعة وأثناء مشيه في الممر كان يرضي نزعته الإنتقادية -والمتفشية في الشرق الاوسط-
فيمن يراهم خصوصا المتشددين بزعمه.
وكان هنالك اثنان يتحادثان أحدهما ملتزم وكان يقول :
لا،لا أنصحك أن تتعامل معه...
فقاطعه: لابد أنك تقصدني! أفف! أنتم اقصائيون ..و..و..
قاطعه الأول: اهدأ ! هذا شهر السلام كنا نتحدث عن محل للمطابخ فالرجل يريد مطبخا جديدا بمناسبة رمضان.
فرد محرجا: آآآ حسنا. وأكمل طريقه.
(يحسبون كل صيحة عليهم)
فلما ذهب قال السائل عن المطبخ-بدري وينك من قبل رمضان ما تشتريه!-:
دخل جاك إلى قاعة المحاضرة وحيا الطلاب وبدأ الدرس بنبذة مجملة أدى درسه ثم بإسلوبه المعروف اوجد رابطا بين موضوعه وانتقادات على تدخل المؤسسة الدينية في السياسة.
قال أحد الطلاب بصوت خافت: رمضان كريم!!
رد زميله: صدقت أما هذا يتصفد شيطانه واللي مايتصفد مافيه فايدة !!
قتكلم طالب معروف بشجاعته الأدبية وانتقد كلام جاك بتوضيح طريقة التكاتف بين العلماء والحكام في إدارة البلاد وكل ذلك بإسلوب علمي.
فرد عليه جاك مغضبا : إنهم يسكنون في قلب كل من يعتبرهم مرجعا-الحمد لله- ويشوشون عليهم الحقيقة بآرائهم التي لا تناسب هذا العصر...
قال طالب لزميله: بدأ خطبه المعتادة بدل أن يرد على كلام صاحبنا بكلام علمي تراه يحيد عن الموضوع بهذه المقطوعات التي حفظه اياها من يراهم مرجعا.
رد الزميل : الغرب طبعا ، والمشكلة إنهم ما يحبونه مثل ما يعشقهم .
كان هنالك طالب انطوائي بجانبهما لم يعجبه هذا الكلام فهو على رأي جاك فقد عاش في الغرب عدة سنوات كانت كفيلة باقتناعه بالفرق بين الدول المتقدمة والدول النايمة.
وانتهت المحاضرة المملة وخرج الطلاب يتنفسون الصعداء.
جاء وقت صلاة الظهر وكان جاك جالسا في الصف الأول.
بعد أدائهم الصلاة وقف الدكتور الشيخ الداعية المعروف يتكلم عن رمضان بأسلوبه الهادئ الجميل.
مما قال هذا الشيخ أنه يجب على الصائم سؤال العلماء الموثوقين فيما يعرض لكم من مسائل في الصيام أن كنتم لا تعلمون.
هنا طفح الكيل بجاك واستجمع شجاعته
وقاطع الشيخ قائلا :يكفي!
فنظر الناس بتعجب شديد أما الشيخ فكان ضابطا لأعصابه.
اتجه جاك إلى الشيخ وطلب منه مكبر الصوت فاعطاه الشيخ.
- اسمحوا لي أن أبدي رأيي.
قال الشيخ : تفضل.
-أولا إنكم دائما تتكلمون في نفس المواضيع ودائما تجعلون الناس تبعا بلا عقل وراء فتاويكم...
اكتظ المسجد بأصوات متداخلة يفهم منها شدة الإستنكار له .
صاح أحدهم : إذا مو بعاجبك امش من هنا ، حنا نبي نسمع!
والاخر: حتى في المساجد بتلحقونا طفح الكيل!
والآخر مغضبا على فعل جاك: والله لن تفلت من يدي اليوم! فامسكه صديقاه بكل قوتهما .
هنا خاف جاك- وعرف أن الله حق- ولكن لم ينسحب بل ظل واقفا .
قال الشيخ وهو المعروف بضبطه لأعصابه: أرجو الهدوء!
دعونا نسمع ونناقش إن كان من حق سلمنا به وإلا فنبين ونقيم الحجة فدعوني أنا والدكتور لتناقش أمامكم وأرجوا منك يا حضرة المدير السماح لنا.
أجاب المدير: ولكن المحاضرات..
الشيخ: في هذه المناقشة فائدة علمية للجميع و ما زلنا في بداية العام ولن يؤثر كثيرا وأظن الأساتذة الكرام يوافقونني.
فأشار الأساتذة الموجودون بالموافقة.
قال المدير بعد تردد -وهو الذي يهتم بحفظ النظام أكثر من الفائدة العلمية-: حسنا ولكن بلا مشاكل إذا احتدم النقاش زيادة عن اللازم فسأوقفه!
الشيخ: حسنا، والآن تفضل يا دكتور بهدوء أعصاب وبإسلوب علمي.
جاك: ششكرا لك على تهذيبك معي، وسألتزم بذلك.
أولا: أني أرى أنكم تكررون نفس الكلام والمواعظ كثيرا وفي المناهج الدينية في مراحل الدراسة جرعة كافية بل زائدة وانظر الى الدول العربية كيف يعطون طلابهم جرعة معتدلة فلماذا تشحنون الطلاب بكل هذا وهذا هو المتسبب بالارهاب والعنف الذي نراه بسبب السعوديين في كل مكان.
ثانيا:...
-مهلا! مهلا! فيما ذكرت الكثير مما يجب أن أرد عليه قبل أن تكمل.
أما التكرار فطريق ترسيخ العلم وتذكير الناسي وأنتم أفضل من يكرر مواضيعه دائما فمرة تتضافرون معا للإستنكار على المخيمات الدعوية وتقولون أنها تفرخ الإرهاب مع أنكم لم تزوروها قط وإذا فعل أحدكم فمرة واحدة وهذا يطعن في صدق اتهامكم دون التأكد بالإضافة إلى أن المسؤول عن المخيم دعى واحدا من أشرسكم هجوما عليها عدة مرات ولم يستجيب فكيف تكون اتهاماتكم صحيحة؟!
وأما الجرعة الزائدة كما تقول فعلى امتداد أكثر من عشر سنوات وطول المدة كفيل بتخفيف الجرعة وكفيل بجعل الطلاب ينسون كثيرا مما درسوا هذا إن كانت الجرعة زائدة كما تقول وإلا فالحقيقة أن الطالب يتخرج من الجامعة وهو لم يحفظ ربع القرآن حتى ويجهل بعض الأحكام المهمة في أركان الاسلام فكيف بغيرها والدليل نوعية الأسئلة التي ترد إلى العلماء بعضها يدل على عدم تذكره لما درس.
والدول العربية مقصرة من عدة نواحي وبمقادير متفاوتة وانظر إلى بعض المخالفات في بعضها في التوحيد الذي هو الركن الاول عند القبور ودعاء غير الله الخ.
وإذا كنت تتهم المناهج بتفريخ الإرهاب فالخطأ في فهمهم أو بعض من يوصل المعلومة إليهم ولا تنس أن المناهج في التخصصات الأخرى تخالف الدين في بعض الأحيان فانظر إلى بعض مواد الاقتصاد التي تعلم المعاملات الربوية والمناهج كتبها بشر ولذلك هي بحاجة إلى التعديل والتطوير دائما ولا يمكن ان تكون شماعة كل مشاكلنا.
جاك: كل ما قلته لا اقتنع به...
الشيخ: اسمع! نحن هنا لطرح فكر وفكر مقابل ولن يجبر أحد الآخر على الاقتناع من كان يريد الحق فسيقتنع به من أيٍّ كان والذي لايريد لا نملك أن نهديه فحتى لا نضيع وقتنا في ما لايفيد دعنا نكمل هكذا رأي ورأي مقابل.
جاك: أنتم إقصائيون ومتحجروا الرؤوس ولا تواكبون العصر الحديث.
الشيخ: أكبر دليل على عدم الإقصائية قبولي الحوار معك هنا مع معرفتي بآرائك وتحجر الرؤوس هو بعبارة أخرى عدم الذوبان في الغرب فنأخذ ما ينفعنا ونترك ما يضرنا ومن باب الحرية التي تقول بها نأخذ مانريد ونترك مالا نريد.
جاك: لكن أنتم لا تقبلون بالتعددية كما أنكم تمنعون الآخر من ممارسة معتقاداته هنا.
الشيخ: الدين في رأينا هو كما قال الله :
(إن الدين عند الله الاسلام) والديانات الآخرى حتى اليهودية عاشت أفضل عصور التسامح عندما كان القوة للمسلمين.
وأما ممارسة الآخر كما تسميه للعبادة هنا فقد قال عليه الصلاة والسلام : (لايجتمع دينان في جزيرة العرب)
جاك : فماذا عن رفضكم لكل شخص يختلف عن فكركم كالجواك؟
الشيخ : القبول والرفض معيارهما الموافقة والمخالفة للكتاب والسنة والحقيقة أن المسلمين لديهم ثلاث تقسيمات للشخص:
مؤمن، منافق، كافر.
والمسلمون ثلاث وسبعون فرقة واحدة في الجنة من كان على مثل ماكان عليه الرسول والصحابة
وفي الجملة فإنا نعامل جهتين: مسلمين وغير مسلمين فالمسلمين نواليهم وغير مسلمين نحسن اليهم ما لم يؤذونا في ديننا أو يخرجونا من ديارنا أو يظاهروا على إخراجنا .
ثم كونك من الجواك وهذا مذهب فكري لا ديني كما تزعمون فإنه يعتبر عقيدة في الحقيقة فيه نقاط تخالف الشريعة وأنتم تشرعون لأنفسكم أن يكون كل شخص ناقدا للشريعة فيضع ما يقتنع ومالا يقتنع به فلا، وهذا يجعل الأمر بلاضابط فكيف ستستطيعون إدارة الخلاف بينكم أنتم في إيجاد تشريع يناسبكم فإلى من سنتحدث إذا أردنا خطابكم.
وحتى ننهي النقاش بين الإسلام والغرب في هذا المجلس اقول :
أنكم دائما ما تذكرون العلماء والمؤسسة الدينية الخ ولكن لا تذكرون الشخص الأهم في هذه المعادلة كلها وهو الله سبحانه،
فهل تؤمن بوجود الله؟
وأنه خلق الخلق على اختلافهم في الديانات والمعتقدات؟
جاك: نعم بالتأكيد ولكن هذا خاص بي كاعتقاد لا أجبر الآخرين عليه.
الشيخ: حسنا وفي علاقتك الخاصة بالله سبحانه
ألا ترى أن الله سبحانه وتعالى قد وضع للناس تشريعا يناسبهم مع اختلافهم عقولهم وأفكارهم (سؤال محرج وفي وقته)
بعد صمت قصير قال جاك:
ننعم، ولكنكم تفسرون النصوص كما تريدون والدين سعة ويسر.
الشيخ : الدين سعة في حدود يحددها الشارع سبحانه لا كما تجعلونها فضفاضة بلا حدود وإن كنت تتهم فقه من ائتمنتهم الأمة على دينها فهنالك نصوص تجادلون فيها مع أنها مباشرة وواضحة لا تحتاج إلى اجتهاد فقيه فهل هذا داخل في تحريف النصوص الذي تتهموننا به؟
لم يتكلم جاك.
الشيخ: بالتأكيد لا ولكنكم تعاندون الحق بالإضافة إلى ضحالة علمكم الشرعي فكيف تفسرون النصوص إلا على أهوائكم وكيف تتنتقدون العلماء المتخصصين مع هذا المقدار من العلم لا شك أنكم تتبعون بذلك أهواءكم وما تشتهيه أنفسكم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون.
وانصرف الجمع مسرورن لما قدمه الشيخ من حوار راقي يمثل رأيهم وما يعتقدونه وأما جاك ومن وافقه فقد رجعوا بخفي حنين.
يتبع..