فكرت مليا بيني وبين نفسي في هذه الحياة الدنيا
التي ذهبت بعقول الغافلين مع أنها دنيا
فمكرها لايؤمن
وعطائها لا يضمن
غناها عناء
وفقرها شقاء
وما رأيت طالبها إلا غافل
والزاهد فيها عاقل
ومع ذلك لانزال نجري خلفها طلبا للمزيد
ولا تزال تعبق علينا مالانريد
فوجدت أنها لا تصفو لأحد مهما كان
فكل منا له من شوائبها ما لايعلمه إلا الله
تقل أو تكثر ولكنها لا تنعدم
ذهبت لأتأمل فيها بعمق , متنقلا بين أزقتها
مررت بأحد الأزقة المظلمة فنظرت على من أرغمته الحياة
على السؤال
فوجدت أنه في بلاء عظيم , فد نستشعره عندما نضع أيدينا في جيوبنا
لإعطائه ماجادت به أنفسنا ولكننا نتجاهله بمجرد وضع النقود بين يديه
ولايزال في كبد العيش وسخط على الحياة التي تركت الملايين من
الناس في نعيم واصطفته هو ليريق ماء وجهه للحصول على بقايانا
فهو حائر تائه بين نظرتين مؤلمتين للنفس
أولاهما نظرتنا عند إعطائه المال فهي مؤلمة ليس لأننا ننظر بشفقة
ولكن لأنه يشعر بالنقص والحاجة للآخرين والإذلال
في بعض الأحيان أمام من لا قلب له
ثانيهما نظرة أطفاله الصغار وقد أشبعهم ما جلبه لهم أبوهم من طعام
كم هي مؤلمة تلك النظرة التي يطلقها الأبناء شكرا وعرفانا لأبيهم
ولسان حاله يقول :
( آه يا أبنائي لو تعلمون كم اعتراني من الخجل الممزوج بالذل إلى
أولئك الناس الغارقين في أنعم الله وهم لها أهل
آه يا أبنائي لو تعلمون أن أغلى ما يحفظ
كرامة المرء هو ماء وجهه والبعد عن التذلل للآخرين
آه يا أبنائي لو تعلمون أن ذلك الشيئ ألقيته من أجلكم أرضا وبقدمي
دهسته كي أتلذذ برؤية ذلك الشيئ الغالي
ناصعا على محياكم الباسم فهي عزائي الوحيد
والباعث لي على الحياة )
هكذا يشعر المحتاجون
هكذا يتعلم الآخرون
فما إن تحرقهم نظرات المشفقين
إلا وتطفأها نظرات أطفالهم المبتسمين
إنها نظرة آن لأعيننا أن تدمع لأجلها
وآن لأفئدتنا أن تهتز أمامها
وآن لأقلامنا أن تسطر آلامها
وهذا هو قلمي قد فاضت منه الكلمات وعجزت أن أحكمها