بسم الله الرحمن الرحيم
صور من الظلم 13/10/1430هـ
الحمد لله القائل { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ، إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار } أحمده سبحانه وهو القوي الجبار ، مالك الملك بيده كل شيء ، ذو حكمة واقتدار ، حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما ولا يقبل فيه أي اعتذار ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا أعوان ولا أنصار ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه ما تعاقب الليل والنهار ، وعلى صحابته الأتقياء الأبرار ، من المهاجرين والأنصار ، وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى ، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى ، فإن تقوى الله هي نعم الزاد للدنيا وليوم المعاد ، بها تصلح حياة البشر وعليها تستقيم سعادة المجتمعات والبيوت والأسر ، وهي وصية الله للأولين والآخرين حيث يقول تعالى ({وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (131) سورة النساء
عباد الله، جاء في الحديث الصحيح عنه أنه قال: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)) رواه مسلم
الظلم يا عباد الله خلق ذميم، وعمل سيئ، لا يتحلى به إلا أصحاب النفوس الحقيرة ، الظلم مرتع وخيم، الظلم عاقبته عاقبةٌ سيئة، في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا : هو سبب لزوال النعمة، سبب لانتقاص الأعمار، سبب لحلول العقوبات، وفي الآخرة ظلمات بعضها فوق بعض، فليتق المسلم ربه، وليلزم العدل في كل أحواله، فالعدل به قامت الأرض والسموات، والظلم ظلمات يوم القيامة، وقد حرّم الله الظلم في كتابه، وحرمه رسوله في سنته.
والظلم يا عباد الله أقسامه كثيرة وأنواعه عديدة :
فأعظمها وأكبرها وأشدها عذاباً ونكالاً الشرك بالله، فهو أعظم الظلم وأشده وأشره، إذ الظلم حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، وأي ظلمٍ أعظم من ظلم من عبد غير الله، وتعلق قلبه بغير الله، محبةً وخوفاً ورجاءً؟!! أي ظلم أعظم ممن عبد من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً؟!! أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ [الأعراف:191، 192]، أي ظلم أعظم من ظلم من دعا من لا يستجيب له إلى يوم القيامة، من دعا من لا يسمع دعاءه، ولو سمعه ما استجاب له؟! وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوٰتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:20، 21]، أي ظلم أعظم من ظلم من تعلّق قلبه بغير الله، فطاف بقبور الأموات، وذبح لهم النذور، وقرب لهم القرابين، وهتف بأسمائهم في الشدائد، وزعم أنهم ينفعون ويضرون، ويقربونه إلى الله زلفى؟! قال تعالى عن لقمان عليه السلام أنه قال لابنه: يٰبُنَىَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، قال تعالى: ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلأمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
إذن أيها المسلمون، فالمشرك ظالم، لأنه أتى بظلم لا يمكن أن يغفره الله له، إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
ومن الظلم التنكر لهذا الدين العظيم ومحبة غيره من الأديان ، والإعجاب بها وبأهلها وهذا واقع فيه كثر من الناس وخاصة الشباب فهم معجبون بأخلاق الكفار وبمعاملاتهم وبحركاتهم وسكناتهم وهذا عين الظلم يا عباد الله ،كيف يتجرد المسلم من أخلاقه العظيمة ، أخلاق دينه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليحاكي الكفار في أخلاقهم ولباسهم وحياتهم
إن من العدل يا عباد الله أن نحب رسولنا محمداً ، وأن نعمل بسنته، وأن نكون ناصرين لها، مؤيدين لها، داعين إلى العمل بها، مرغبين في ذلك، فمن الظلم تجاهلها ، وعدم العمل بها، والرغبة عنها وتفضيل سنن الغرب أو الشرق عليها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من رغب عن سنتي فليس مني ) رواه البخاري ومسلم
إن سعادتنا وكمال حياتنا في اتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا يغركم أيها الناس ما يظهر من البريق المزيف لتلك المظاهر الغربية أو الشرقية فديننا هو الدين الحق واتباع ما جاء به النبي محمد هو كمال السعادة في الدنيا والآخرة .
أيها المسلمون، ومن أنواع الظلم ظلم العباد بعضهم لبعض، وقد بين الله في كتابه العزيز أنواعاً من هذا الظلم ، فمن ذلكم ظلم الزوج للمرأة ، والتعدي عليها بالضرب والإهانة والتجريح لأجل أن تفتدي نفسها منه، بأن تردّ له ما دفع إليها من مهر، وإن لم يكن منها قصور ولا خطأ، ولكن لم يجعل الله في قلبه محبة لها، فيسعى في الإضرار بها، وتشويه سمعتها، وتلفيق التهم بها، وعيبها وعيب أهلها، ليتقوا شر لسانه، فيدفعوا له ما دفع لها، أظهر قوته عليها ونسي قدرة الله عليه ، اتهمها بالباطل وأقلق راحتها بالكذب والدعاوى الباطلة ونسي أن الله يعلم السر وأخفى ، قال تعالى: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا ءاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ [البقرة:229].
ومن أنواع الظلم المعاملات الربوية، فقد بين تعالى أنها ظلم، لأنه أخذ مال بغير حق، وقد شاعت هذه المعاملات الربوية في هذه الأيام سواء كان عن طريق البنوك بالقروض الربوية المكشوفة ، أو بين الأفراد بالبيعات الكاذبة إذ أنه يبيع منك أعيانا لا توجد عنده وإنما بيع على ورق فقط لا ترى معه سلعة ولا تمتلكها وخرجت للناس بأسماء مستعارة ليغتر بها الجاهل ويقع في شرك أولئك الربويين الذي لا يخافون الله تعالى قال تعالى: وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ [البقرة:279]، لا تظلمون بأخذ الزيادة، ولا تظلمون بأخذ شيء منكم، وإنما كل يأخذ حقه، فالربا ظلم وعدوان، وأكل مال بغير حق.
ومن أنواع الظلم ما شاع في أوساط المجتمع من أخذ الرشوة التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابها
فلا يتم لك الموظف أو المسؤول أو العامل عملا إلا إذا بذلت له رشوة وهذا أمر لعمر الله خطير ينذر بفساد اجتماعي كبير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما ) أي الوسيط الذي يمهد الأمور حتى تصل الرشوة إلى صاحبها ، فالرشوة حرام وملعون من صاحبها وهي من أكبر الظلم للنفس وللمجتمع حتى ولو سموها بغير اسمها ( هدية ، إكرامية ، أتعاب ) أو غير ذلك .
ومن أنواع الظلم ما بين الله في كتابه، حيث أخبر أن أموال اليتامى أمانة لدى الولي، وأنه إن تعدى على شيء منها كان ظالماً، ولهذا قال الله: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ [الأنعام:152]، وقد بين تعالى أن أكل أموالهم بغير حق ظلم إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء:10].
وحذر تعالى المسلم من قتل نفسه، وأن الانتحار ظلم للإنسان، قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ عُدْوٰناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً [النساء:29، 30].وفي الحديث ( بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة ) رواه البخاري
وأخبر تعالى أن سرقة أموال المسلمين، أو الإختلاس أو التحايل والتعدي عليها ظلم، قال تعالى بعدما ذكر عقوبة السارق: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:39].
وأخبر أن مماطلة الغني للحق الواجب عليه ظلم منه لصاحبه، إذ الواجب أن تؤدى الحقوق إلى أهلها بطيب نفس، وأن أي تأخير لأداء الحق من ثمن المبيع أو القرض أو إجار أو أجرة أو غير ذلك فإنه ظلم منك لصاحب الحق، إذ الواجب أن تعطيه حقه في وقته، يقول : ((مطل الغني ظلم، يحلّ عرضه وعقوبته))رواه أحمد
ومن أنواع الظلم تفضيل بعض الأولاد على بعض، عدواناً وطغياناً، فنبينا لما أريد منه أن يشهد على هذا التفضيل قال: ((اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم))، وقال: ((لا تشهدني على جور،))رواه البخاري فجعله خلاف العدل، وجعله جوراً، وامتنع من الشهادة عليه؛ لأنه من أنواع الظلم.
ومن أنواع الظلم الميل مع بعض الزوجات دون بعض، فإن هذا خلاف العدل، إذ العدل بين الزوجات أمر مطلوب شرعاً، وتفضيل بعضهن على بعض في الأمور الظاهرة محرم شرعاً، وقد أخبر أن من له زوجتان فمال مع إحداهما عن الأخرى، جاء يوم القيامة وشقه ساقط ) إذاً فتفضيل بعض الزوجات على بعض ظلم للمفضل عليها، وعدوان من غير حق. إلا الميل القلبي فإن الإنسان لا يؤاخذ به وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدل بين زوجاته في النفقة والكسوة والمبيت ويقول (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) رواه أصحاب السنن
ومن أنواع الظلم ظلم أحد الزوجين صاحبه بأي شكل من أشكال الظلم، لأن الله يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، فإذا عطلت الزوجة حق زوجها كانت ظالمة له، أو عطل الزوج حق امرأته كان ظالماً لها.
ومن أنواع الظلم ظلم العمال، وعدم إعطائهم حقوقهم في وقتها، والمماطلة في ذلك والتأخير وأما عن هذه الصورة من صور الظلم فحدث ولا حرج إنها شائعة في أوساطنا خاصة إذا كان العامل مجهولا فحينئذ يرتكب ظلمين الأول ظلم الدولة بمخالفة أمرها والإخلال بنظامها وثانيا ظلم العامل الذي بذل جهده وعرقه ليصون نفسه عن السؤال ويرزق أبناءه الذين هم ينتظرون ما يقدم به عليهم ، وفيما يروى: ((أعطوا العامل أجره قبل أن يجفّ عرقه))رواه ابن ماجة فحقوقهم واجبة في وقتها، وحرام المماطلة بها، والتأخيرلها، وظلمهم، واستغلالهم بغير حق. قال رسول الله ((إن الظلم ظلمات يوم القيامة)) رواه أحمد ، فليتق المسلم ربه، ولا يظلم عباد الله. من قبل أن يموت أحدهما فلا يستطيع حينئذ أداء الحق المسلوب لصاحبه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما المفلس ؟ قالوا إن المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
ومن أنواع الظلم ظلم الناس في دمائهم، وظلمهم في أموالهم، وظلمهم في أعراضهم، فسفك الدماء بغير حق من كبائر الذنوب، وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]، ((ومن قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة))
و ظلم الناس في أموالهم، بالتعدي عليها بإفسادها، باقتطاع شيء بدون وجه حق، ففي الحديث: ((من ظلم قيد شبر من أرض طوّقه يوم القيامة من سبع أرضين))
وكذلك ظلم الناس في أعراضهم، باغتيابهم، والسعي بينهم بالنميمة، وهمزهم وعيبهم، والسخرية بهم، والحط من قدرهم، ومحاولة إلصاق التهم بهم، وهم برآء من هذا كله، فكل هذا من أنواع الظلم، وفي الحديث: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام))
فليتق المسلم ربه، وليلزم العدل في أموره كلها، وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا))أي لا يظلم بعضكم بعضاً، ولا يعتد بعضكم على بعض، بل يحترم بعضكم بعضاً.
هذه شريعة الله تقيم العدل، [وتحارب] الظلم، قال الله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيّنَـٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ [الحديد:25].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشّكر له على توفيقِه وامتنانهِ، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ سيِّدنا و نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلّمْ تسليمًا كثيرا.
أما بعد: فيا أيّها المسلمون، اتّقوا الله حقَّ التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا) [الطلاق: 5].
عباد الله : تفنن كثير من الذين لا يحسبون للآخرة أي حساب ، ويحسبون أن الحياة الدنيا ستستمر بهم فتفننوا في إحداث صورٍ عجيبة من أنواع الظلم متجاهلين قدرة الله سبحانه وتعالى وناسين ( إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك )
إن كثيرا من هؤلاء يستقدم عمالا من الدول الأخرى بشروط وعقود ثابتة فيفاجأ ذلك العامل المسكين عندما يصل إلى هنا أنه ربما ليس لصاحب العامل عمل فيقول له اذهب اعمل ما تشاء وفي آخر الشهر تأتي لي بمبلغ كذا وكذا وهذا حرام من عدة وجوه:
أولا : أنه احتيال على الدولة في استخراج الفيزة وهو ليس لديه عمل ،
ثانيا أنه ظلم للعامل إذ لم يعطه العمل المتفق عليه ولا الراتب المحدد ،
ثالثا أنه يكلف العامل بأن يعطيه في آخر الشهر مبلغا من المال وقد لا يكون مع العامل شيء وقد يكون ما يحصل عليه ما يكفي حتى لنفقة القوت الضروري فمن أين يأتي به له؟
ومن صور الظلم ما يتحمله أصحاب الشركات والمؤسسات من عدم دفع رواتب عمالهم لعدة شهور فمن أين يأكلون ومن أين يشربون ومن أين يرسلون لأولادهم ، وإذا غضب العامل وطلب حقه هدده صاحب العمل بخرج نهائي بدون حقوق ، فهل هذا من آداب الإسلام ، وهل هذا من أخلاق المسلمين ؟
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا على الوفاء بالعقود والعهود ، واتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب
وليتذكر كل واحد منا أن الله على كل شيء قدير وأنه قادر أن يغير حال الفقير إلى غنى ، وحال الغني إلى فقر وما ذلك على الله بعزيز .
وليعلم أن الظلم ظلمات يوم القيامة ، وأن الله تعالى يقول { ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار }
ثم اعلموا ياعباد الله أن ربكم المولى جل وعلا قد أمركم بالصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى فقال جل من قائل
(إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلّى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))
اللهم صل وسلم وبارك على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين .سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين .وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين من اليهود والشيوعيين والنصارى وكافة المستعمرين ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، ووفقهم لكل خير وادفع عنهم كيد الكائدين وحسد الحاسدين ، وأرهم الحق حقا وارزقهم اتباعه وأرهم الباطل باطلا وارزقهم اجتنابه ، وانصر بهم دينك ، وأعل بهم كلمتك ، وأعز بهم الإسلام وأهله ، ولا تسلط علينا ياربنا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا .
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم نور على أهل القبور من المؤمنين قبورهم ،واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم ، اللهم تب على التائبين واغفر ذنوب المذنبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضى المسلمين ، واكتب الصحةوالعافية والسلامة والتوفيق والهداية لنا ولكافة المسلمين في برك وبحرك أجمعين .
اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنى والزلا زل والمحن ، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن واصرف عنا كيد الكائدين ، وخيانة الخائنين ، وأطماع المستعمرين واحفظ أرضنا وجميع أرض المسلمين من كل سوء ومكروه ، ومن أراد بنا سوءا فاجعل كيده في نحره واجعل تدميره في تدبيره وأرنا فيه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق .
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم ، واشكروه على نعمه وكرمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون
هادي بن محسن مدخلي
أبو حذيفة
إمام وخطيب جامع الشيخ حافظ حكمي بصامطة