رياح

لم تعهد المدينة تلك الرياح التي أزّّت بعنف قرب شواطئها , مما اضطر أمن السواحل لإصدار تحذير عن مدى خطورة ارتياد البحر.
وردت أخبار من محيطات بعيدة تفيد بأن المدينة ستمنى برياح أشد , وأكد فلكيون بانتقال الرياح من البحر إلى قلب المدينة.
كان سرب من الطيور يغرد فوق البحر, ثم دفعته شدة الرياح للتحليق بعيدا باتجاه الصحراء.
أقفرت الشواطئ , بعد أن هجرها الناس وظلوا فى بيوتهم وجلّ أحاديثهم تدور عن الرياح.
قال كهل يقطن شرق المدينة : ( ليس باليد حيلة إنها الرياح ).
ازدحمت بالسماء سحب كثيفة , وكأنها تنذر بحدوث شيء ما لكن البعض رجّح بأنها مجرد أمطار غزيرة ستدفع بها الرياح إلى أماكن أخرى.
استبد شغف لدى الناس بتقصي كل ما يتصل بمعرفة الرياح , وتوصل باحثون إلى أن كلمة رياح هي أكثر المفردات انتشارا بالكتب المقدسة وفي معاجم الأمم القديمة والحديثة.
كما أن الكتب المهتمة بتاريخ الرياح أشارت إلى أن مدنا مشتتة بأصقاع العالم اجتاحتها رياح عاتية , ودكت سكونها وبدلت أزمنة بأزمنة وأنماط بأنماط .
وأوضحت تلك الكتب بأن بعض الرياح تجري بالفضاء الشاسع وتبدل رونق الطبيعة ولكل ريح في ممالك السماء فلك ومدار.
ازداد هيام الناس بالتقاط أخبارالرياح من كل منفذ متاح ، بعض المهتمين عاد به البحث إلى أزمنة سحيقة وروى أن للرياح أساطيرها وطقوسها وهي تضرب بأعماق البحار ، وتجتاح الصحارى، وتدك أقوى الحصون, وتهزم أعتى ألأباطرة, وتحيل الساكن إلى متحرك والثابت إلى رماد.
وحكى الراوي أسطورة القرية التي نسفتها الرياح عن بكرة أبيها, ولم ينج من أهلها عدا بضعة رجال ونساء تناسلوا عبرالأزمنة وأعادوا بناء القريةبأنساق جديدة بعد أن هبت عليهم رياح ، حملت أمطاراً غزيرة جلبتها منسماء بعيدة ، وارتوت بعد هطولها الأرض ، وأينعت السنابل ، وتكاثر النسل وأقيمت الأعراس ، وأضيئت الشموع في كل دار وسابلة.
وصلت الرياح إلى وسط المدينة ، وأخذ أزيزها يصطخب ويصل إلى أطرافها القصية.
انطوى اليوم الأول من مجيء الرياح بعد أن حاصرت المدينة من جميع الجهات.
تعامل الناس مع ظاهرة الرياح ، تعاملا ينم عن الاستسلام للأمرالواقع ، وصدرعن مرصد المدينة ، توضيح أفاد بأن المدينة لم تتعرض طوال تاريخها لرياح بهذه القوة والتأثير.
تضرع الآباء والأمهات إلى الله بأن تصبح هذه الرياح ، فواتح خير ومحاصيل بركة ورحمة ، وتجنيب المدينة من شرورها وعواصفها المتقلبة.
كان القلق يرتسم على الملامح خوفا من انهيار البيوت ، والصروح والأعمدة سيما وأن المدينة بنيت على النسق القديم ذي الطبيعة العشوائية وربما تصبح في مرمى الخطرالمحدق أمام هول الرياح وضراوتها.