بسم الله الرحمن الرحيم
يوم 24/12/1964م كان يوم موت الشاعر العربي الكبير بدر شاكر السياب .
فقد مات السياب . تلَمّسَ الموت بعد أن عاشه فترة حياته القصيرة . وربما لم يكن الأمر عادياً بالنسبة إليه ، وبالنسبة إلينا فقد كرس معضم أشعاره للحديث عن الموت. نعم كنا ننتظر منه أشعاراً عن الموت وبين ليلةٍ وضحاها لم يعد يكتب عن الموت فقدأخذه الموت ومات .
ولقد كتب كثير من الدارسين عرباً وأعاجم عن شاعريته وخصائصه الفنية التي عُدّت خصائص للأدب العربي الجديد ، لقد قيل بأنه فتح أبواباً عريضة للمتأدبين شعراء ومتشاعرين .
لقد قيل في المتنبي : أنه ( ملأ الدنيا وشغل الناس ) ، ولعل شيئاً من هذا يصدق في السياب .
إن موت الأم وهو ( في ربيعه السادس ) والحرمان الذي تعرض له ، والإهمال الذي عاناه على يد ذويه ولدت في نفسه ( نزعة تدمير الذات ) وهذه النزعة بدورها أدت إلى السقام الذي أودى بحياته :
خيالك من أهليَ الأقربــــين أبرّ ، وإن كان لا يُـــــــعقلُ
أبي منه قد جردتني النساء وأمي طواها الردى المعجل
هذا يصف الوضع النفسي للشاعر ، ويحدد حال الإقتلاع من الجذور ، حال خسران كل شيء وسواء أكانت رغبة السياب في الموت ناجمة عن إحساسه باللا أمن ، أو عن رغبته في الإقتداء بأمه ، فإن موت الأم قد أسهم بكل تأكيد في استيلاء هذه الرغبة وتعزيزها في نفسه .
" الباب تقرعه الرياح " قصيدةٌ كتبها قبل موته بعامٍ واحدٍ تقول :
الباب ما قرعته غير الريح
آهٍ لعل روحاً في الرياح
حامت تمر على المرافئ أو محطات القطار
لتسائل الغرباء عني ، عن غريب أمس راح
يمشي على قدميه ، وهو اليوم يزحف في انكسار
هو طيف أُمي هزها الحب العميق
حب الأمومة فهي تبكي آه ياولدي البعيد عن الديار !
ويلاه كيف تعود وحدك ، لا دليل ولا رفيق ؟
أماه ليتك لم تغيبي خلف سورٍ من حجار .
يحن إلى طيف أُ مه ويتوق إلى طفولته الغابرة.
" نسيمٌ من القبر " قصيدة كتبها عام 1963م : [/
نسيج الليل كالآهات من جيكور يأتيني
فيُبكيني
بما نفثته أُميَ من وجدٍ وأشواقِ
تنفس قبرها المهجور عنها ، قبرها الباقي
على الأيام يهمس بي ترابٌ في شراييني
ودودٌ حيث كان دمي وأعراقي
هباء من خيوط العنكبوت وأدمع الموتى .
رحم الله السياب لم يجد ما يحن إليه في عالم الأحياء
فأخذ ينشده طوال حياته في عالمٍ هو الآن يسكنه .
منقول بتصرف