يقف مئات الألوف بل الملايين من وفود الحجيج الذين قدموا من كل فج عميق على عرفات الله.
وتعود بك الذكريات إلى ما قبل ألف وأربعمائة وعشرين عاماً أو إلى العام العاشر من الهجرة حيث وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم على عرفات في حجة الوداع يقرأ على الصحابة هناك وصايا الختام ويتلو عليهم ويشهدهم تمام البناء (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)..
وحين تعود بك الذكريات إلى العام العاشر للهجرة والرسول هناك يرشد الحاضر والمستقبل (خذوا عني مناسككم) أو يوصيهم فيقول: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، فإن تلك الذكريات تعظك بأن الذين وقفوا حينها على صعيد واحد، كانوا على قلب رجل واحد كذلك، وكانوا تحت راية واحدة، توحدت ولاءاتهم، فلا فُرقة أو شتات، وتلاحمت صفوفهم فلا ضعف ولا خور.
أنصتوا لوصايا الرسول المعلم والقائد المودع وهو يدعوهم لسماع مايقول فلعله لا يلقاهم بعد هذا أبداً، ويدعو بالنضارة لمن سمع القول فبلغه كما سمعه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه؛ ولذلك سرت تلك الوصايا عبر الأجيال والقرون؛ لتطرق الأسماع في كل زمان؛ ولتوقظ البصائر، بصائر من ألقى السمع وهو شهيد.
تعظك تلك الذكريات بوحدة الصف، ووحدة الموقف، ووضوح الهدف، (ويَعَضُّك) الحاضر باضطراب الصفوف، وتمزق المواقف وتعدد الولاءات، وغموض الأهداف.
يمزقك الحاضر وفلسطين يحاصرها الصهاينة ومنا من يظاهرون عليها الأعداء، فلسطين التي كانت تنتظر دعمهم فإذا بهم يجودون لها بالخذلان، وتخنقك العبرة ودولتان عربيتان كبيرتان تحشدان إمكاناتها في هذه الأيام الأخيرة والأسابيع الماضية في مواجهات إعلامية ضد بعضهما تزعمان أن ذلك في سبيل دعم فريقيهما الرياضيين، وهو حشد إعلامي ورسائل مضادة ومتبادلة لم تحظ قضية غزة الصامدة في وجه الحصار بنسبة تذكر إلى ما بذلته هاتان الدولتان الشقيقان لمناصرة فريقيهما!
تذهب نفسك حسرات على ما يجري في العراق والصومال وأفغانستان تتلفت عن دور تلعبه منظمة المؤتمر الإسلامي لإنقاذ باكستان من المجهول الذي يتربص بها والمؤامرة المحيطة بجوانبها.
يستبد بك الغيظ، ويستفزك الحنق وإيران مثلاً تريد أن تعلن البراءة من المشركين واليهود ليس في مواجهة اليهود مباشرة ولكن بين ظهرانينا وفي المكان الذي ينبغي أن يوحد المشاعر ويجمع الصفوف.
يخنقك دخان المعارك في صعدة، وإراقة الدماء وإزهاق الأرواح، ليس على مشارف فلسطين وحول المسجد الأقصى ولكن ضد بعضنا البعض، وفي غياب كامل للجامعة العربية!
ملايين الأموال تحترق فتحرق القرى وأطفال غزة لايصلهم دواء ولا غذاء وكانوا أولى بهذه الأموال.
تصم أذنيك الشعارات التي تهتف بالموت لليهود والأمريكان والقتلى مسلمين.
فهل بربكم نجد شبهاً بعد تلكم الذكريات في عرفات العام العاشر للهجرة وبين واقعنا الـمَعِيْش المليء بالجروح والدماء؟.

أحمد المقرمي‎