سابعاً / بذل المعروف وقضاء الحوائج
سهم تملك به القلوب ولهتأثير عجيب صوره الشاعر بقوله:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم … فطالمااستعبد الإنسانَ إحسانُ
بل تملك به محبة الله عز وجل كما قال صلى الله عليهوسلم : ( أحبُ الناس إلى الله أنفعهم للناس )، والله عز وجل يقول { وأحسنوا إن اللهيحب المحسنين }0
عجباً لمن يشتريالمماليك بماله كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه، ومن انتشر إحسانه كثرأعوانه.
ثامناً / بذل المال
فإنلكل قلب مفتاح، والمال مفتاح لكثير من القلوب خاصة في مثل هذا الزمان، والرسول صلىالله عليه وسلم يقول : ( إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلى منه خشية أن يكبه الله فيالنار ) كما في البخاري0
صفوان ابن أمية فر يوم فتح مكة خوفا من المسلمينبعد أن استنفذ كل جهوده في الصد عن الإسلام والكيد والتآمر لقتل رسول الله صلى اللهعليه وسلم، فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم
فيعطيه الرسول صلى الله عليه وسلم الأمان ويرجع إلى النبي صلى الله عليهوسلم ويطلب منه أن يمهله شهرين للدخول في الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليهوسلم بل لك تسير أربعة أشهر، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنينوالطائف كافراً، وبعد حصار الطائف وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر فيالغنائم يرى صفوان يطيل النظر إلى وادٍ قد امتلأ نعماً وشاء ورعاء.
فجعل عليهالصلاة والسلام يرمقه ثم قال:له يعجبك هذا يا أبا وهب؟
قال نعم، قال له النبيصلى الله عليه وسلم هو لك وما فيه.
فقال صفوان عندها : ما طابت نفس أحد بمثلهذا إلا نفس نبي، اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
لقداستطاع الحبيب صلى الله عليه وسلم بهذه اللمسات وبهذا التعامل العجيب أن يصل لهذاالقلب بعد أن عرف مفتاحه.
فلماذا هذا الشح والبخل؟ ولماذا هذا الإمساكالعجيب عند البعض من الناس؟ حتى كأنه يرى الفقر بين عينيه كلما هم بالجود والكرموالإنفاق.
تاسعاً/ إحسان الظن بالآخرين والاعتذارلهم
فما وجدت طريقا أيسر وأفضل للوصول إلى القلوب منه، فأحسنالظن بمن حولك وإياك وسوء الظن بهم وأن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتحللبعقلك التصرفات ويذهب بك كل مذهب، واسمع لقول المتنبي:0إذا ساء فعل المرءِساءت ظنونه …… وصّدق ما يعتاده من توهم
عود نفسك على الاعتذار لإخوانك جهدكفقد قال ابن المبارك ( المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم (
عاشراً / إعلان المحبة والمودةللآخرين
فإذا أحببت أحداً أو كانت له منزلة خاصة في نفسك فأخبرهبذلك فإنه سهم يصيب القلب ويأسر النفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم ( إذا أحبأحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه ) كما في صحيح الجامع، وزاد في روايةمرسلة ( فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة)،
لكن بشرط أن تكون المحبة لله، وليسلغرض من أغراض الدنيا كالمنصب والمال، والشهرة والوسامة والجمال، فكل أخوة لغيرالله هباء،
وهي يوم القيامة عداء، قال تعالى : (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلاالمتقين)0
والمرء مع من أحب كما قال صلى الله عليه وسلم - يعني يوم القيامة -، إذا فإعلان المحبة والمودة من أعظم الطرقِ للتأثير على القلوب. فإما
مجتمع مليءبالحب والإخاء والائتلاف، أو مجتمع مليء بالفرقة والتناحر والاختلاف، لذلك حرص صلىالله عليه وسلم على تكوين مجتمع متحاب فآخى بين المهاجرين والأنصار، حتى عرف أنفلانا صاحب فلان، وبلغ ذلك الحب أن يوضع المتآخيين في قبر واحد بعد استشهادهما فيإحدى الغزوات.، بل أكد صلى الله عليه وسلم على وسائل نشر هذه المحبة ومن ذلك قولهصلوات الله وسلامه عليه (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولاأدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) كما فيمسلم0
وللأسف، فالمشاعر والعواطف والأحاسيس الناس منها على طرفي نقيض ،فهناك من يتعامل مع إخوانه بأسلوب جامد جاف مجرد من المشاعر والعواطف، وهناك منيتعامل معهم بأسلوب عاطفي حساس رقيق ربما وصل لدرجة العشق والإعجاب والتعلقبالأشخاص. والموازنة بين العقل والعاطفة يختلف بحسب الأحوال والأشخاص، وهو مطلب لايستطيعه كل أحد لكنه فضل الله يؤتيه من يشاء.
الحادي عشر / المداراة
فهل تحسن فن المداراة؟ وهل تعرف الفرق بينالمداراة والمداهنة؟ روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن
رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما راءه قال بئس أخو العشيرة، فلماجلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل، قالت لهعائشة يا رسول الله حين رأيت الرجل
قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا عائشة متى عهدتني فاحشاً؟ إن شر الناس عندالله منزلة يوم القيامة من تركه الناس لقاء فحشه) قال ابن حجر في الفتح (وهذاالحديث أصل في المداراة) ونقل قول القرطبي ( والفرق بين المداراة والمداهنة أنالمداراةبذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا، وهي مباحة وربما استحبت،والمداهنة ترك الدين لصلاح الدنيا )0
إذا فالمداراة لين الكلام والبشاشةللفساق وأهل الفحش والبذاءة، أولاً اتقاء لفحشهم، وثانيا لعل في مداراتهم كسباًلهدايتهم بشرط عدم المجاملة في الدين، وإنما في أمور الدنيا فقط، وإلا انتقلت منالمداراة إلى المداهنة فهل تحسن فن المداراة بعد ذلك؟ كالتلطف والاعتذار والبشاشةوالثناء على الرجل بما هو فيه لمصلحة شرعية، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلمأنه قال ( مداراة الناس صدقة ) أخرجه الطبراني وابن السني، وقال ابن بطال ) المداراة من أخلاق المؤمنين، وهي خفض الجناح للناس، وترك الإغلاظ لهم في القول،وذلك من أقوى أسباب الألفة) .